حصاد زراعة ديمقراطية جورش بوش شوز والقرد الاسود بر اك حسين اوباما في العراق هلهولة لحكومة مجرمي سلطة الاحتلال وبرلمان خرسان وطرشان وعميان الاحتلال ياخونة حرامية مصيركم سوف يكون مثل مصير اي عميل اميركي وانكليزي وايراني ومصير اي نظام دكتاتوري جاء بقطار اسيادهم الامبريالين الامريكان

IRAQI REVOLUTIONARY MAOIST ORGANIZATION - IRMO المنظمة الماوية الثورية العراقية - جبهة نجوم الحمراء




الكفاح المسلح الطريق الوحيد للتحرير

الكفاح المسلح الطريق الوحيد للتحرير







2013-11-30





2013-11-26

كيف لم أعد يهوديّاً


شلومو ساند

«إنّني،
إذ أُواجه صعوبة في تحمّل فرض القوانين الإسرائيلية، عليّ الانتماء إلى إثنية وهمية،
وإذ أواجه صعوبة أكبر في تحمّل الظهور أمام العالم بأسره على أنّني عضو في جماعة مختارة،
أرغب في الاستقالة وفي الكفّ عن اعتبار نفسي يهوديّاً
 
صدر مؤخّراً عن دار «فلاماريون» الفرنسية كتابٌ للمؤرّخ والكاتب الإسرائيلي شلومو ساند
يحمل عنوان: «كيف لم أعد يهودياً»، ترجمه عن العبرية ميشيل بيليس.
يستهلّ شلومو ساند كتابه متخطّياً حدود الديانة اليهوديّة ومتحدّثاً في المطلق عن الدور البارز الذي أدّته الهويّات الدينية المختلفة في تصنيف البشر، وفي تفسير ظواهر طبيعية واجتماعية، وفي وعدِ المؤمنين بالحياة الأبدية أو بالتقمّص، وفي إخضاعهم إلى حقائقها الحصرية. وينتقل إلى مفهوم الهويّات القوميّة الذي برز في القرن التاسع عشر، مشدّداً على قوّة النزعة القومية في إسرائيل، لا سيّما أنّها تنكر مبدأ الجنسية المدنية وتستعيض عنها بجنسية «يهودية» تحدّد انتماء قوميّاً لا انتماء دينيّاً. ويشير الكاتب إلى أنّ عرب إسرائيل محرومون من هذا الانتماء، لأنّهم لم يولدوا من أمٍّ يهودية، ناهيك عن أنّ الحركة الصهيونية تستخدم التوراة كصك ملكيّة لاحتلال فلسطين.
ولأنّ شلومو ساند يرمي في هذا الكتاب إلى دحض مفهوم اليهودية العلمانية الذي كرّسته الصهيونية، وإلى دحض مفهوم الانتماء العرقي الواحد لليهود، يتساءلك «هل من ثقافة يهودية علمانية؟»، ويجيب بـ«لا» نظراً إلى غياب أي لغة مشتركة أو نمط حياة مشترك بين اليهود العلمانيين، وغياب أي أعمال فنية أو أدبية يهودية علمانية، على الرغم من إمكانية التعرّف إلى ملامح ثقافة علمانية يهودية في فكر كارل ماركس وألبرت أينشتاين وسيغموند فرويد مثلاً. بيد أنّ هؤلاء عبّروا انطلاقاً من ثقافاتهم الخاصّة، ولم يرسوا أسس فكر يهودي علماني. ويرى الكاتب أنّ التوفيق ما بين العلمانية والانتماء إلى اليهودية أمرٌ مستحيل، وقد ينطبق هذا الأمر على سائر الأديان أيضاً. ثمّ يستعرض ساند أصول الديانة اليهودية والجذور التاريخية لـ«رهاب اليهود» في أوروبا، قبل أن يتطرّق إلى الممارسات الطائفية والعنصرية في إسرائيل ضدّ العرب على وجه الخصوص، وموجات التهويد التي لا تنبع من إيمان ديني راسخ، بل تهدف إلى الوقوف بوجه الفلسطينيين لأنّ «المرء لكي يكون يهوديّاً في إسرائيل، عليه قبل كلّ شيء ألّا يكون عربيّاً».
يتحدّث الكاتب في ما بعد عن الصور النمطية التي أحاط اليهود أنفسهم بها، وهي أنّ لهم صفات خاصّة متوارثة لا يتمتّع بها أي شعب آخر. ويقارن اليهودي في إسرائيل بنماذج عنصرية سابقة مثل المستوطن الأوروبي الأبيض في جنوب أفريقيا، مشيراً إلى مفارقة تكمن في أنّ إسرائيل أصبحت مرجعاً لغالبية التيارات اليمينية المتطرّفة التي كانت تحمل راية معاداة الساميّة سابقاً. ثمّ يندّد ساند بعنصرية إسرائيل قائلاً إنّها «أحد أكثر المجتمعات عنصريّةً في العالم الغربي»، وتتبدّى هذه العنصريّة في قوانينها ومدارسها ووسائل إعلامها.
في ما يلي ترجمة لفصل من الكتاب:
 

ألاّ يكون المرء عربيّاً
في العام 2011، كنت في مطار تل أبيب أنتظر رحلةً إلى لندن. طال التفتيش الأمني ونفد صبر المسافرين. انتابني الملل، شأني شأن الجميع، إلى أن شدّت نظري بغتةً امرأةٌ تجلس على مقعد قربَ الحاجز الأمني؛ كان يغطّي رأسها، وليس وجهها، منديلٌ تقليدي (تخطئ وسائل الإعلام الغربية قصداً بتسميته «حجاباً»). وكان يحيط بها عنصران من الشرطة الإسرائيلية بعد أن أخرجاها من الصفّ. حزرت فوراً انّها امرأة إسرائيلية «غير يهودية». بدا اليهود الإسرائيليون حولي وكأنهم لم يروها، فهذا مشهد معتاد في مطار إسرائيل حيث يُفصل الفلسطينيّون ـ الإسرائيليون دائماً عن سائر الركّاب ويخضعون لاستجواب وتفتيش خاصَّين. أمّا التبرير «البديهيّ» الذي يُعطى فهو خطر القيام بهجوم إرهابي. لم يخفّف عدم تورّط عرب إسرائيل في الهجمات وتدنّي الأعمال الإرهابية في السنوات الأخيرة من الحالة العصبية في أمن المطار: ففي دولة المهاجرين اليهود، يبقى الفلسطينيون الأصليون مشبوهين ويخضعون للمراقبة المستمرّة.
تضايقتُ وهززت كتفيّ عجزاً. تأمّلتني لحظةً بصمتٍ استفهامي. لم تتطابق نظرتها إليّ مع وصف أبي، ولكنّها كانت تشي أيضاً بالخوف والحزن الناجم عن الإساءة. ابتسمَت. وقرأتُ في ملامحها رضوخاً لهذه الحتميّة. بعد دقائق قليلة، عبرتُ الحاجز الأمني بمنتهى السهولة. خجلتُ إلى حدٍّ ما من أن أدير رأسي باتّجاه المرأة. وأنا أعوّض عن ذلك في هذه الأسطر. أكّد لي هذا اللقاء الخاطف أنّ في إسرائيل، كي يكون المرء «يهوديّاً»، عليه قبل كلّ شيء ألّا يكون عربيّاً.
منذ تأسيس دولة إسرائيل، واجهت الصهيونية العلمانية سؤالاً أساسيّاً لمّا تجب عنه حتى اليوم، ولم يجب عنه كذلك مؤيّدوها في الخارج، وهو: من هو اليهوديّ؟
 
القوانين الدينية والقوانين المدنية
 
لم تطرح اليهودية التلمودية هذا النوع من الأسئلة. فعلى خلاف التوراة التي تصف اليهودي على أنّه المؤمن بالله، لطالما كان اليهوديّ هو الذي ولد من أمّ يهودية أو الذي اعتنق الديانة اليهودية وفقاً للقانون الديني وأتمّ التعاليم الأساسية. في الزمن الذي لم يكن فيه الإلحاد خياراً، كان الذي يتخلّى عن الديانة اليهودية لاعتناق ديانة أخرى (كحال كثيرين آنذاك)، يكفّ عن كونه يهوديّاً في نظر أتباع الديانة. ومع ظهور العلمانية، أصبح اليهودي الذي يكفّ عن تأدية الفرائض الدينية من دون أن يعتنق ديانة أخرى، يثير أسى المقرّبين منه، ولكنّه يبقى يهوديّاً بالنسبة إليهم، ذلك أنّ الأمل يبقى موجوداً بأن يعود مجدّداً إلى ربوع الإيمان، بما أنّه لم يعتنق لا المسيحيّة ولا الإسلام.
في السنوات الأولى بعد تأسيس دولة إسرائيل، حين أرسلتْ موجاتُ الهجرات حصّتَها من «الأزواج المختلطين»، حاولت الصهيونية تخفيف حدّة المشكلة، بيد أنّها سرعان ما فهمت أنّ تعريف اليهوديّ لا يمكن أن يرتكز على مبدأ التطوّع. بموجب «قانون العودة»، منحت الدولة الجديدة تلقائيّاً إمكانية الهجرة والحصول على الجنسية إلى جميع الذين يُعرَّف عنهم على أنّهم يهود. كان يحتمل أن يزعزع فتحُ أبواب الهجرة على هذا الشكل شرعيةَ الاستيطان الإثنية ـ الدينية التي ترتكز عليها الصهيونية العلمانية. بالإضافة إلى ذلك، عرّفت الصهيونية اليهود على أنّهم «شعب» من أصل واحد، الأمر الذي جعلها تخشى، على غرار اليهودية قبلها، «تشبيه» اليهود بالشعوب المجاورة.
وهكذا، مُنع الزواج المدني في الدولة العلمانية طور التأسيس، ولم يُسمح إلّا بالزواج الديني. ولا يحقّ ليهودي الزواج إلّا من يهودية، ولمسلم الزواج إلّا من مسلمة. وينطبق هذا القانون التمييزي جدّاً على المسيحيين والدروز أيضاً. ولا يجوز على الزوج اليهودي الذي لم ينجب أطفالاً أن يتبنّى طفلاً «غير يهودي» (مسلماً أم مسيحيّاً) إلّا بعد جعله يهوديّاً بحسب القانون الحاخامي اليهودي؛ أمّا فرضيّة تبنّي زوج مسلم طفلاً يهوديّ الأصل فغير واردة. فعلى خلاف التفكير السائد، لا يُعزى استمرار هذا التشريع الديني الكاذب والمضاد للّيبرالية إلى القوة الانتخابية التي يتمتّع بها المتديّنون، بل إلى الشكوك التي تحوم حول الهوية الوطنية العلمانية وإرادة الحفاظ على العرقية اليهودية. لم تظهر إسرائيل يوماً على أنّها ثيوقراطية حاخامية، إذ ما زالت منذ تأسيسها عبارة عن إثنوقراطية صهيونية. لطالما واجهت هذه الإثنوقراطية مسألة في غاية الأهمية: فهي تعرّف عن نفسها على أنّها «دولة يهودية»، أو حتى «دولة الشعب اليهودي» من كافة أنحاء العالم، بيد أنّها عاجزة عن تحديد من هو اليهودي. وتجدر الإشارة إلى أنّ المحاولات التي أُجريت في خمسينيات القرن المنصرم لتحديد العرق اليهودي من خلال البصمة، أو الاختبارات الحديثة العهد الرامية إلى تمييز حمض نووي يهودي، باءت كلّها بالفشل. وعبثاً حاول بعض العلماء الصهيونيين في إسرائيل وخارجها الإعلان عن «نقاوة وراثية» حافظ عليها اليهود على مرّ الأجيال، بيد أنّهم لم ينجحوا حتى اليوم في تمييز اليهودي استناداً إلى نموذج من الحمض النووي.
لم يكن ممكناً الاحتفاظ بالمعايير الثقافية أو اللسانية: فلم تتشارك ذرّيتهم قطّ لغة واحدة أو ثقافة واحدة. ولم يبقَ متاحاً للمشرّعين العلمانيين سوى المعايير الدينية: الذي وُلد من أمٍّ يهودية أو اعتنق اليهودية بموجب القانون والفريضة الدينية تعترف به دولة إسرائيل على أنّه يهوديّ له حقّ حصريّ وأبديّ في امتلاك الدولة والأرض التي تحكمها هذه الدولة. من هنا الحاجة المتزايدة إلى الحفاظ على اللباس الديني اليهودي في سياسة الهويات الرسمية.
 
دولة يهودية أو دولة طائفية
 
منذ أواخر السبعينيات، وأكثر حتى في الثمانينيات، ثمة تشديد على أنّ إسرائيل دولة يهودية لا إسرائيلية. بينما تشمل الصفة الأولى يهود العالم بأسره، لا تشمل الثانية «سوى» مجموع مواطني إسرائيل: من مسلمين ومسيحيين ودروز ويهود من دون التمييز في ما بينهم. وعلى الرغم من أنّ الأسرَلة الثقافية تزداد إيناعاً في الحياة اليومية (يشهد الفلسطينيون ـ الإسرائيليون تثاقفاً مع اليهود)، أصبحت الدولة يهدويّة أكثر فأكثر، بدلاً من أن تعترف بهويّتها وتجعل منها بوتقة وعي جمهوري وديموقراطي.
إنّ الواقع الثقافي الإسرائيلي والهوية اليهودية الكبرى أحدثا فصاماً غريباً في سياسة الهويات في إسرائيل: فمن جهة، تعلن إسرائيل أكثر فأكثر أنها دولة يهودية وتلتزم بتقديم الدعم المتزايد لمؤسسات ثقافية ومنشآت دينية ووطنية تقليدية، على حساب تعليم الإنسانيات العامّة والمعارف العلمية. ومن جهة أخرى، لا تزال النخب الفكرية القديمة وشريحة من الطبقة الوسطى العلمانية تشكو القيود الدينية. وهي تودّ التحليق خارج السرب الديني، شرط ألّا تنفصل عنه كلّيّاً: فهي تودّ أن تبقى يهودية ببساطة خارج إطار الديانة اليهودية، من دون أن تدرك أنّ هذا الأمر مستحيل.
تعلّل أسبابٌ كثيرة التشديد على التهويد في هوية الدولة. وينجم هذا التوجّه عن واقع أنّ دولة إسرائيل سيطرت في ليلة وضحاها على شريحة واسعة من الشعب الفلسطيني. إذ يشكّل الفلسطينيون المقيمون في مناطق «الأبارتهايد» في الأراضي المحتلّة، فضلاً عن عرب إسرائيل، كتلةً ديموغرافية يُعتبر أنّها تشكّل خطراً وتهديداً على الطابع اليهودي الكاذب لدولة إسرائيل.
تنبثق الحاجة المتزايدة إلى الصفة اليهودية من أجل تعريف الدولة بانتصار اليمين الصهيوني الذي استفاد أساساً وليس حصراً، من دعم الإسرائيليين من أصل يهودي ـ عربي. حافظ هؤلاء على هويّتهم اليهودية بشكل أشدّ وضوحاً بكثير من مجموعات المهاجرين الآخرين. فقد نجحوا منذ العام 1977 في ترجمتها سياسيّاً وبشكل فاعل على الصعيد الانتخابي، الأمر الذي وجّه باستمرار البوصلة الإسرائيلية.
إنّ وصول «الرّوس» إلى إسرائيل ابتداءً من أواخر الثمانينيات، بما يحملون من صفاتٍ مختلفة جدّاً، قد فاقم التوجّه العامّ في البلاد أيضاً: فغياب التقاليد اليهودية عن هؤلاء المهاجرين الجدد وعدم معرفتهم بالثقافة الإسرائيلية دفعا المؤسسات الإسرائيلية إلى التشديد على اليهودية المشبعة لا بالإرث الثقافي، بل بجوهر اليهود، أي بحمضهم النووي. وتبيّن أنّ حملة الهويّة هذه معقّدة، لأنّ شريحةً لا يُستهان بها من الشعب لم تكن يهوديّة: وهكذا، أعاد عدد من المهاجرين الروس اكتشاف «يهوديّتهم» عبر إبداء عنصرية شديدة تجاه العرب.
ظهرت في إسرائيل مؤشّرات تنبئ بانحدار القومية التقليدية في العالم الغربي مقابل تصاعد الطائفية أو القبلية العابرة للحدود. فأيّ قيمة لهوية ثقافية إسرائيلية صغرى في عصر العولمة؟ ألا يُفضّل إذا تطوير هويّة «إثنية» تتخطى القومية، وتمنح يهود العالم الشعور بأنّ إسرائيل ملكٌ لهم، وتصون شعور اليهود الإسرائيليين بأنّهم جزءٌ من شعب يهودي عظيم يتسلّم بعضه سلطات بارزة في سائر عواصم الغرب؟ ألا يُفضَّل الانتماء إلى «شعب عالميّ» تحدّر منه كثيرٌ من الحائزين «جائزة نوبل»، وكثيرٌ من العلماء، وكثيرٌ من المخرجين السينمائيين؟ فقدت الهوية المحلية الإسرائيلية أو العبرية هيبتها السابقة، وتركت المنبر لهوية يهودية تلقائية ومتضخّمة. لذلك، ارتَدَت اليهوديةُ التقليدية حلّةً معاصرة لدى عدد من «اليهود الجدد».
 
لماذا يقتلك؟ لم تفعل شيئاً!
تنتقد طرفةٌ يديشية شعبية، على سبيل التندّر والسخرية من الذات، الطابعَ الطائفي المتجذّر في الأخلاق اليهودية. وتروي أنّ أمّاً يهودية كانت ترافق ابنها الذي جُنِّد في جيش القيصر الروسي للقتال في حرب القرم (بين الإمبراطورية الروسية والدولة العثمانية). وما إن همّت الأمّ بالرحيل، أوصَت ابنها قائلةً: «يا بنيّ، لا تنسَ أن تتناول الطعام بعد أن تقتل تركيّاً.» فأجابها الشاب: «حسناً يا أمّي». فأضافت الأم: «واحرص على أن تأخذ قسطاً من الراحة بعد كلّ هجوم تقتل فيه أتراكاً!» فوافق الجنديّ الشاب مجدّداً: «بالتأكيد». وبعد هنيهة من التردّد، تساءل قائلاً: «ولكنْ، ماذا لو قتلني التركيّ؟» فجحظت عينا الأم استهجاناً: «يقتلك؟! لماذا؟ هل فعلت له شيئاً؟!!».
 
ترجمة آسيل الحاج
 
للنص تتمة
تتمة
كيف لم أعد يهوديًّا
شلومو ساند

 
كنا قد نشرنا نصاً من كتاب للمؤرّخ والكاتب الاسرائيلي شلومو ساند يحمل عنوان: "كيف لم أعد يهودياً"، الذي صدر مؤخّراً عن دار "فلاماريون" الفرنسية، وترجمه عن العبرية ميشيل بيليس. وفي ما يلي القسم المتبقي من النص.
دولة يهودية أم دولة طائفية
ترمي المقارنة الآتية إلى فكّ رموز قانوني المواطنة وتعليم الهوية اليهودية اللذين دخلا حيّز التنفيذ في إسرائيل منذ الثمانينيات: إذا قرّرت الولايات المتحدة الأميركية أنّها ليست دولة جميع المواطنين الأميركيين، بل دولة كلّ من يُعرَّف عنهم حول العالم على أنّهم أنغلو ـ ساكسونيّون بروتستانتيّون، فسيكون وجه الشبه صاعقاً بينها وبين إسرائيل. حتماً، سيبقى من حقّ الأميركيين الأفارقة والأميركيين اللاتينيين والأميركيين اليهود المشاركة في انتخابات الكونغرس ومجلس الشيوخ، شرط أن يتذكّر المنتخَبون أنّ الدولة الأميركية أنغلو ـ ساكسونية إلى الأبد.
سنذهب بالمقارنة أبعد من ذلك من أجل فهم الإشكالية فهماً أفضل: لنسلّم جدلاً أنّ فرنسا قرّرت تعديل الدستور، وقضت بتعريف البلاد على أنّها دولة "غاليّة - كاثوليكية" وأنّ نسبة 80 في المئة من أرضها لا يُمكن أن تُباع إلا لمواطنين غاليّين ـ كاثوليكيين، موضِّحةً أنّ مواطنيها البروتستانتيين أو المسلمين أو اليهود يتمتّعون بحقّ الاقتراع وحقّ الترشّح للانتخابات. ولنفترض أنّ التيّار القبليّ والمعادي للديموقراطية امتدّ إلى سائر القارة الأوروبية: ها هي ألمانيا تواجه صعوبات عدّة ناجمة عن ندبات الماضي وهي تحاول إعادة إرساء المبادئ العرقيّة القديمة. وها هي بريطانيا تعلن رسميّا أنّها لم تعد دولة البريطانيين من مواطنين اسكتلنديّين وغاليّين وأبناء المهاجرين من مستعمراتها السابقة، وأنّها أصبحت من الآن فصاعداً دولة الإنكليز المولودين من أمّهات إنكليزيّات. وها هي إسبانيا تحذو حذو جيرانها وتقرّر أن تضع حدّاً للخبث القوميّ وتعلن أنّها لم تعد ملكاً لجميع الإسبانيين وتصبح صراحةً دولة قشتالية ديموقراطية تسخو على أقلّياتها الكتلانية والأندلسية والباسكية وتمنحهم استقلالية محدودة.
إذا تجسّدت هذه التغييرات التاريخية على أرض الواقع، فستحقّق إسرائيل مصيرها وتغدو "منارة بين الأمم". وهكذا، تشعر براحة أكبر وتصبح أقلّ انعزالاً هي وسياسة الهويّة الحصريّة التي تنتهجها. ولكن، ثمة ما يشوب هذه اللوحة: فالإجراءات من هذا النوع غير مقبولة في دولة "طبيعية" ترتكز على مبادئ جمهورية. لم تكن الديموقراطية الليبرالية يوماً مجرّد أداة لتنظيم العلاقات الطبقيّة، بل ظهرت أيضاً على أنّها وسيلة يحدّد من خلالها المواطنون هويّتهم. ويُفترض أن يؤمنوا بأنّ هذه الديموقراطية هي ملكهم وأنّ من خلالها يعبّرون مباشرةً عن سيادتهم. أدّى البعد النموذجي والتكاملي دوراً بارزاً في ظهور الدولة القومية الديموقراطية، على الرغم من الفجوة التي تفصل ما بين النماذج والوقائع.
تغيب عن عالمنا اليوم سياسات شبيهة بتلك التي تمارسها إسرائيل تجاه الأقلّيات التي لا تنتمي إلى الإثنية المسيطرة، إلا عن البلدان الشيوعية سابقاً من أوروبا الشرقية حيث يتمتّع اليمين القومي بحضور بارز، لا بل مهيمن.
روح القوانين
بحسب روح القوانين السائدة، لا تنتمي إسرائيل إلى مجموع المواطنين المقيمين فيها بقدر ما تنتمي إلى أشخاص غير إسرائيليين. وتظهر على أنّها الإرث الوطني "لليهود الجدد" من حول العالم (مثل بول وولفويتز، الرئيس السابق للبنك الدولي، أو مايكل ليفي، فاعل الخير البريطاني الشهير، أو دومينيك ستروس ـ كان، المدير العام السابق لصندوق النقد الدولي، أو فلاديمير غوسينسكي، الأوليغارشي الروسي المقيم في إسبانيا) أكثر ممّا هي عليه لعشرين في المئة من مواطنيها، وهم عرب وُلد أهلهم وأجدادهم وأهل أجدادهم على هذه الأرض. لذلك، يشعر بعضٌ من كبار الأثرياء اليهود في كل أنحاء العالم أنّ من حقّهم التدخّل في شؤون إسرائيل: فمن خلال الاستثمار الهائل في وسائل الإعلام وفي العملية السياسية، يؤثّرون أكثر فأكثر على الزعماء الإسرائيليين وتوجّهات البلاد.
نجد من بين "اليهود الجدد" أيضاً مثقّفين يعرفون أنّ دولة اليهود ملكٌ لهم. فأمثال برنار هنري - ليفي أو ألان ديرشويتز أو ألكساندر آدلر أو هوارد جايكوبسون أو هنريك برودر والعشرات غيرهم من مناصري الصهيونية الناشطين في مجالات عدّة من وسائل الإعلام الجماهيرية، لا يخطئون في ولاءاتهم السياسية: فالقُدس ملكُهم، على خلاف ما كانت تمثّل كلّ من موسكو للشيوعيين السابقين غير السوفياتيين، وبيجينغ للماويّين في الستينيات. ومن غير الضروري لهذه الغاية أن يعرف "اليهود الجدد" تاريخ هذه الأرض أو جغرافيتها، أو أن يتعلّموا إحدى لغتيها (العبرية أو العربية)، أو أن يعملوا فيها، أو أن يسدّدوا الضرائب والرسوم، أو ـ لا سمح الله ـ أن ينخرطوا في جيشها! جُلّ ما عليهم فعله زيارة إسرائيل لمدّة قصيرة ونيل بطاقة الهوية والحصول على إقامة مؤقّتة، قبل العودة إلى ثقافتهم الوطنية ولغتهم الأم، وامتلاك الدولة اليهودية إلى الأبد؛ يا لحظّ الذي يولد من أمٍّ يهودية!
أمّا السكّان العرب في إسرائيل، فحتّى إن تزوّجوا فلسطينية من الأراضي المحتلّة، لا يحقّ لهم اصطحابها إلى إسرائيل، خوفاً من أن تصبح مواطنة إسرائيلية ويرتفع بالتالي عدد السكّان غير اليهود في أرض الميعاد.
لمزيد من الوضوح: إذا جاء إسرائيل مهاجرٌ يهودي من روسيا أو الولايات المتحدة برفقة زوجته، تصبح هذه الأخيرة مواطنة إسرائيلية، ولا تُعتبر هي وأطفالها يهوداً إلا إذا اعتنقوا اليهوديّة بحسب القانون الديني. بعبارة أخرى، يتغلّب واقع ألّا يكون المرء عربيّاً في بلاد "اليهود الجدد" على واقع ألّا يكون يهوديّاً. لطالما تمّ التساهل أكثر مع المهاجرين "البيض" الذين أتوا من القارّة الأوروبية أو الأميركية، على الرغم من أنّهم ليسوا يهوداً. ومن أجل تخفيف الثقل الديموغرافي الذي يشكّله العرب، بدا من المستحسن زيادة عدد السكان غير اليهود من الأوروبيين البيض.
ومع ذلك، ليست الدولة اليهودية يهوديةً جدّاً! أن يكون المرء يهوديًّا في إسرائيل لا يعني بالضرورة أن يحترم الوصايا أو أن يؤمن بربّ اليهود. فلا ضير أن يلهو مثلاً بالمعتقدات البوذيّة، على غرار ديفيد بن غوريون، أو أن يأكل القريدس الرمادي على غرار أرييل شارون. ويمكنه ألّا يعتمر الكيبا، مثل غالبية زعماء إسرائيل وقادتها العسكريين. طبعاً، لا تعمل وسائل النقل أيّام السبت، ولكنّ استخدام السيارات الخاصّة مسموح. وقد يتبادل الناس الإهانات في ملاعب كرة القدم يوم الراحة المقدّس من دون أن يتجرّأ أي سياسيّ متديّن على الاحتجاج. حتّى في عيد الغفران، وهو اليوم الأكثر تقديساً في الديانة اليهودية، يستطيع أطفال إسرائيل اللهو على درّاجاتهم الهوائية في كلّ ساحات المدينة. حتّى انّ التظاهرات المعادية لليهود مشروعة في دولة "اليهود" شرط ألّا ينظّمها العرب.
إذاً، ما معنى أن يكون المرء يهوديّا في دولة إسرائيل؟ يعني أن يكون مواطناً محظوظاً يتمتّع بامتيازات مرفوضة لغير اليهود، ولا سيّما العرب منهم. إن كان المرء يهوديّا، يمكنه أن يتماهى مع الدولة التي ترى نفسها انعكاس الجوهر اليهوديّ. إن كان يهوديّا، يمكنه أن يشتري قطعاً من الأرض لا يحقّ لمواطن غير يهودي الحصول عليها. إن كان يهوديّا، وحتى إن لم يفكّر في المكوث في إسرائيل سوى لفترة مؤقّتة، وحتى إن لم يُتقن اللغة العبرية، يمكنه أن يصبح حاكم المصرف المركزي الإسرائيلي الذي لا يوظّف أيّ مواطن إسرائيلي عربي. إن كان يهوديّا، يمكنه أن يكون وزير الشؤون الخارجية وأن يعيش بصفة دائمة في إحدى المستوطنات الواقعة خارج الحدود القانونية لإسرائيل، بجوار الفلسطينيين المجرَّدين من كل حقوقهم المدنية والمحرومين السيادة على أنفسهم. إن كان المرء يهوديّا، يمكنه أن ينشئ مستوطنات على أراضٍ ليست ملكه، وأن يجول أيضاً في يهودا والسامرة وعلى الطرق الملتفّة، حيث لا يحقّ للسكان المحليين التجوال بحرّية، وهم في داخل وطنهم. إن كان يهوديّا، فلن يقف على الحواجز، ولن يتعرّض للتعذيب، ولن يفتّش أحدٌ منزله في ساعات الليل المتأخّرة، ولن يُقتل برصاصة طائشة، ولن يشاهد تدمير منزله سهواً... فكلّ هذه الأفعال التي تتراكم منذ حوالى نصف قرن خلا مخصَّصة لاستهداف العرب لا غير.
ألا يتطابق وضع اليهوديّ في دولة إسرائيل في مطلع القرن الحادي والعشرين مع البيض جنوب الولايات المتحدة في الخمسينيات أو مع الفرنسيّين في الجزائر قبل العام 1962؟ ألا يشبه وضع اليهودي في إسرائيل وضع الأفريكان (المستوطنين الأوروبيين) في جنوب أفريقيا قبل العام 1994؟
كيف يستطيع شخصٌ ليس مؤمناً متديّناً، بل إنسانوي ديموقراطي أو ليبرالي يتمتّع بحدٍّ أدنى من النزاهة، أن يستمرّ بالتعريف عن نفسه على أنّه يهودي؟ هل يرضى المتحدّر من اليهود المضطهدين أن يندرج ضمن قبيلة اليهود العلمانيين الجدد الذين ينظرون إلى إسرائيل وكأنّها ملكٌ حصريّ لهم؟ ألا يشكّل إعلان المرء أنّه يهودي في إسرائيل فعلَ انتماء إلى طبقة متميّزة تعيث حولها ظلماً لا يُحتمل؟
وما معنى أن يكون المرء يهوديّا علمانيّا خارج إسرائيل؟ هل من شرعيّة أخلاقيّة بعد في العام 2013 للموقف الذي اتخذه جوليان تويم في العام 1944، أو للموقف الذي اتخذه والداي اللذان هاما كلاجئين في أوروبا؟

ترجمة أسيل الحاج

2013-11-12

في ذكرى ثورة اكتوبر الاشتراكية 1917 (2)

الرفيق حسقيل قوجمان


في ذكرى ثورة اكتوبر الاشتراكية 1917 (2)
في هذه الحلقة احاول ان اشرح تطور الانتاج الاشتراكي الى انتاج شيوعي.
في فرع الثقافة مثلا يعمل النظام الاشتراكي على تحويل فرع الثقافة من وضعه في النظام الراسمالي الى وضع تصبح الثقافة فيه انتاجا شيوعيا. وهذا يتطلب بناء الكثير من المدارس والمعاهد والجامعات واعداد المزيد والمزيد من المعلمين والمربين في جميع فروع الثقافة. فمثلا ينبغي تحقيق القضاء على الامية في المجتمع لكي يتحقق مجتمع شيوعي لا امية فيه. ويجب ان يتحقق اكثر من ذلك في جعل الثقافة الثانوية ثقافة الزامية بحيث لا يوجد في المجتمع من لم يحصل على الدراسة الثانوية. والعمل على توحيد الثقافة النظرية بالثقافة العملية. ويتطلب تحقيق الثقافة الجامعية لكي تكفي لكل افراد المجتمع الذين يتجهون الى تطوير ثقافتهم الى ثقافة جامعية وينبغي اعتبار الثقافة الجامعية خدمة للمجتمع شانها في ذلك شان سائر فروع الانتاج. فاذا تحقق هذا الوضع في النظام الاشتراكي يتحول فرع الثقافة الى فرع شيوعي يصح فيه شعار "لكل حسب حاجته".
وفي مجال الرعاية الصحية ينبغي تطوير هذه الرعاية تطويرا هائلا وسريعا ببناء الاف المستشفيات واعداد الملايين من الاطباء والممرضات والصيادلة وانشاء الكثير من مصانع الادوية والى اخر ذلك مما هو ضروري لتوسيع الرعاية الصحية لكل انسان في المجتمع وعند بلوغ هذه المرحلة تصبح الرعاية الصحية رعاية شيوعية يصح فيها شعار "لكل حسب حاجته".
وهكذا يتحول كل فرع من فروع الانتاج يبلغ فيه الانتاج ما يكفي لسد حاجات كل فرد من افراد المجتمع الى فرع شيوعي رغم كون المجتمع مجتمعا اشتراكيا. الا ان مثل هذا التطور لا يجري بنفس السرعة في جميع فروع الانتاج اذ ان بعض فروع الانتاج يتطلب تحويلها الى فروع شيوعية الى مدد قصيرة نسبيا وفروع يتطلب تحويلها الى مدد اطول.
احد هذه الفروع التي يتطلب تحويله الى فرع شيوعي هو فرع ازالة الفروق بين الصناعة والزراعة من حيث صورة علاقتها بالانتاج الاجتماعي. ففي المجتمع الاشتراكي تتحول الصناعة منذ البداية الى ملكية اجتماعية اي هي موجودة كليا تحت ادارة الدولة التي تدير كامل الانتاج الصناعي. اما الزراعة فلا يمكن منذ البداية تحويلها الى سيطرة الدولة بل يبقى فرع الزراعة مدة طويلة فرعا اشتراكيا منفصلا عن الفرع الصناعي. ففي المجتمع الاشتراكي قطاعان اشتراكيان القطاع الصناعي والقطاع الزراعي. وتحويل القطاع الزراعي الى ما يشبه القطاع الصناعي من حيث تحويل القطاع الزراعي الى ملكية اجتماعية شانه شان القطاع الصناعي يتطلب مصادرة الارض من الفلاحين التي حصلوا عليها نتيجة الثورة الاشتراكية.
منذ اللحظة الاولى بعد الثورة تصبح الارض ملكية اجتماعية فلا يحق لاحد امتلاك الارض او بيعها اوشراؤها. ولكن للفلاحين حق استعمالها مجانا دون ان يمتلكوها. وتبقى ملكية الادوات الزراعية الكبيرة ملكا للدولة تقدم خدماتها للمزارع الجماعية لقاء جزء من انتاجها الزراعي والحيواني الذي يبادلونه مع المدينة ببيعه وشراء ما يحتاجونه منها. وما يبقى ملكية للفلاحين هو انتاجهم الزراعي اللازم لمعيشة المزارعين ومواصلة الزراعة والممتلكات الشخصية مثل المساكن والدواجن الخاصة وبعض المنتجات الزراعية الخاصة بكل عائلة. يجري التبادل بين الدولة والمزارع الجماعية عن طريق التبادل الاعتيادي. فالدولة تشتري المنتجات الزراعية من المزارع والمزارع تشتري حاجاتها الاستهلاكية من الدولة.
ان السير في طريق التحول الى المجتمع الشيوعي يتطلب انهاء قطاعي الانناج الاشتراكيين المنفصلين الى القطاع الصناعي المدني والقطاع الزراعي هذا. في المجتمع الشيوعي لن يكون اي شكل من اشكال التبادل ولا دور للنقود في هذا المجتمع. لذا يشكل انهاء هذا الانفصال وتوحيد القطاعين الى قطاع اشتراكي واحد يتطور الى قطاع شيوعي واحد ضرورة حتمية. ولكن الدولة الاشتراكية غير قادرة على تحقيق هذا الاتحاد قسرا بل عليها ان تحققه بطريقة سلمية يقتنع مزارعو المزارع الجماعية فيها بضرورة التوحد. والطريق الاساسي لتحقيق هذا التوحد هو العمل على تغيير طريقة التبادل بين المزارع الجماعية والقطاع الانتاجي العام باقناع المزارعين بان اجراء التبادل العيني يقدم لهم اكثر مما يحصلون عليه نتيجة بيع فائض انتاجهم الى القطاع العام وشراء حاجاتهم من الانتاج الصناعي. ان تحقيق ذلك خطوة هامة في تحويل قطاعي الانتاج المنفصلين الى قطاع اجتماعي واحد وهو يجب ان يتحقق من اجل تحقيق التحول الى المجتمع الشيوعي.
الموضوع الثاني الذي ينبغي تحقيقه هو انتاج المواد الاستهلاكية الكافية لتحقيق الشعار الشيوعي "لكل حسب حاجته". يظن البعض ان بالامكان تحقيق تطوير انتاج المواد الاستهلاكية عن طريق تقليل التركيز على الصناعة الثقيلة وتوجيه المزيد من الاهتمام بانتاج المواد الاستهلاكية. الا ان تحقيق ذلك غير ممكن لان انتاج المواد الاستهلاكية مرتبط كل الارتباط بكامل الانتاج الاجتماعي. فزيادة انتاج المواد الاستهلاكية يتطلب مثلا بناء المصانع اللازمة للانتاج وتجهيز المصانع باحدث المكائن وتطوير الزراعة من اجل توفير المواد الزراعية التي يحتاجها تطوير المواد الاستهلاكية. ان تقليل الاهتمام في الصناعة الثقيلة لن يحقق زيادة انتاج المواد الاستهلاكية بل يؤدي الى اضمحلاله.
لذلك ينبغي الاستمرار مدة طويلة على الشعار الاشتراكي في توزيع المواد الاستهلاكية وفقا لشعار "لكل حسب عمله". وشعار لكل حسب عمله يشبه نظام الاجور الراسمالي في تطبيقه اذ يقدم العامل فيه عمله الى المجتمع ويحصل على اجره مقابل ذلك. ولكن حقيقة نظام الاجور الاشتراكي في الواقع لا شبه له بنظام الاجور الراسمالي فيما عدا تشابه العمل لقاء اجور. ان ما تحقق في النظام الاشتراكي هو اعادة اتصال الطبقة العاملة بادوات انتاجها. فالعامل في المجتمع الاشتراكي لا يبيع قوة عمله من اجل تحقيق الاتصال بادوات الانتاج التي يمتلكها الراسماليون. العامل في النظام الاشتراكي دائم الاتصال بادوات انتاجه. والعمل حق طبيعي لكل عامل لا يتطلب حصول موافقة الراسمالي على السماح له في الوصول الى ادوات الانتاج. وما يجري في المجتمع الاشتراكي هو ان العامل يجد العمل جاهزا يقدم فيه خدماته للانتاج الاجتماعي. ولا يجري تحديد اجور العامل كما كان في المجتمع الراسمالي عن طريق المساومة مع الراسمالي حيث يحاول الراسمالي تضييق الاجور من اجل زيادة ارباحه.
العامل في المجتمع الاشتراكي مدعو الى زيادة انتاجه لان الشعار الاشتراكي هو "من كل حسب طاقته". وهذا يعني ان اجور العامل ترتفع عند زيادة انتاجه. ولا تعتمد زيادة الانتاج على تشغيل العامل ساعات اضافية بل تعتمد على زيادة ثقافة العامل وتطور انتاجه عن طريق تطوير كفاءاته الانتاجية اذ ان يوم العمل مقرر بصورة متساوية لجميع العمال في كل مجال من مجالات الانتاج. فشعار الاجور في المجتمع الاشتراكي يعني حث العامل على تطوير ثقافته وكفاءاته الانتاجية وهذا يجعل العامل راغبا في تطوير ثقافته وكفاءاته الانتاجية. ان تحقيق تحول انتاج المواد الاستهلاكية من شعار "لكل حسب عمله" الى شعار "لكل حسب حاجاته" اطول من تحقيق الشعار الشيوعي في كافة قطاعات الانتاج الاجتماعي الاخرى.
اما اطول واصعب قطاعات الانتاج من اجل التحول من الانتاج الاشتراكي الى الانتاج الشيوعي هو انتاج الانسان الشيوعي. الثورة الاشتراكية تستلم انسانا راسماليا في سلوكه وافكاره ومشاعره لا فرق في ذلك بين العمال والمثقفين والفلاحين والراسماليين. يجري في تطور المجتمع الراسمالي الى مجتمع اشتراكي تطور الانسان في تفكيره وسلوكه الى انسان اشتراكي. ولكن التحول الى المجتمع الشيوعي يتطلب تحويل الانسان الاشتراكي الى انسان شيوعي وهذا اصعب مهام تحول المجتمع الاشتراكي الى مجتمع شيوعي.
الانسان الاشتراكي ما زال وفقا للشعار الاشتراكي يعمل من اجل زيادة ما يحصل عليه مقابل عمله عن طريق تطوير كفاءاته الانتاجية. ولكن العمل من اجل الحصول على الزيادة ينطوي على بقايا الانسان الراسمالي الذي يريد زيادة دخله بكل الوسائل الممكنة وغير الممكنة. الفرق بين الانسان الراسمالي والانسان الاشتراكي في هذا الخصوص هو ان الانسان الراسمالي يحصل على الزيادة عن طريق حرمان غيره من الزيادة والانسان الاشتراكي يحصل على الزيادة له ولكل مواطن اخر في الوقت ذاته. ولكن الرغبة في زيادة دخله تبقى مشابهة لرغبة الانسان في الانتاج الراسمالي رغم الفارق الكبير لدى الانسان الاشتراكي.
ان تحويل الانسان الاشتراكي الى انسان شيوعي هو اصعب مهام المجتمع الاشتراكي في طريق التحول الى المجتمع الشيوعي. ينبغي تحول الانسان من انسان يحاول زيادة مدخولاته عن طريق زيادة انتاجه الى انسان يرى ان العمل هو مهمة انسانية اجتماعية ليست مفروضة على الانسان بل هي من صلب طبيعة الانسان وان عمل الانسان الشيوعي هو الرغبة في تطوير الانتاج لمصلحة المجتمع وليس رغبة شخصية ذاتية. ان تحقيق شعار لكل حسب حاجته من المواد الاستهلاكية يعني ان الانسان لا يشعر بالحاجة الى زيادة انتاجه من اجل الحصول على المزيد. وهذا يعني ان الانسان يمكنه ان يتقاعس في عمله لان العمل ليس مفروضا على الانسان الشيوعي. ولذلك يجب ان ينعدم شعور الانسان الشيوعي من الرغبة في الحصول على المزيد عن طريق زيادة عمله. فكل شيء يجتاجه الانسان الشيوعي متوفر سواء اذا عمل او لم يعمل لذا ينبغي ان يكون الشعور بتقديم العمل حسب طاقته اختياريا وليس عن طريق الاجبار والمراقبة. ولا يتم تحول المجتمع الاشتراكي الى مجتمع شيوعي قبل تحقيق تحول الانسان الاشتراكي الى انسان شيوعي ما اطلق عليه ماركس معنى ان يتحول الانسان الى انسان لاول مرة في تاريخ البشرية.
ليس في هذا المقال كله كلمة واحدة جديدة على ما تعلمناه من قراءاتنا لمعلمي الطبقة العاملة ماركس انجلز لينين ستالين. الا ان تكرار ما هو معروف كثير الفائدة خصوصا للاجيال الجديدة. اما السؤال الذي يتبادر الى الذهن حاليا بعد ما جاء في المقال هو "هل كل ما جاء في المقال ما زال صحيحا رغم فشل وانهيار الاتحاد السوفييتي"؟
ليس في العالم اليوم انسان مالك لكامل قواه العقلية لا يرى ان النظام الراسمالي اصبح نظاما لا ينتج ما يفيد الانسان من طعام وكساء الا القليل بالقياس لما ينتجه من اجل ابادة البشر وانهاء الحياة على الكرة الارضية. اصبحت الطبقة العاملة تجبر على انتاج الاف القنابل الذرية والهيدروجينية والنيوترونية وملايين الصواريخ التي تستطيع حمل هذه القنابل والاسلحة الى حيث يمكن استخدامها لابادة البشر. والعالم كله يشعر ان انتاج هذه الاسلحة واجراء التجارب عليها يؤدي الى ازعاج قشرة الكرة الارضية مما يزيد الكوارث الطبيعية ويهدد بانهاء الحياة على الكرة الارضية. وهذا يدل على ان التحول الضروري الذي توقعه كارل ماركس استنادا الى دراسة الاتجاه الحتمي الذي يتجه اليه المجتمع وضرورة الثورة على علاقات الانتاج الراسمالية لتحويلها الى علاقات انتاج اشتراكية قد تأخر قرونا وان هذا التحول ما زال اليوم حتميا اكثر من اي فترة تاريخية اخرى. وان عدم تحقيقه يسير في اتجاه فناء الانسانية كلها وفناء الحياة على الكرة الارضية.
ان ذكرى ثورة اكتوبر تعلمنا ان تجربتها قبل ما يقرب من القرن كان لها نجاحاتها وعوامل فشلها. وتعلمنا هذه الذكرى بان على الانسانية ان تعيد التجربة وتستفيد من نجاحات ثورة اكتوبر وتتحاشى العوامل التي ادت الى فشلها وانهيارها. وان تجري دراسة ثورة اكتوبر دراسة علمية موضوعية لان التاريخ يسجل الحقائق وحدها ويلقي ما عداها في سلة مهملات التاريخ.

2013-11-09

في ذكرى ثورة اكتوبر الاشتراكية 1917 (1)

الرفيق حسقيل قوجمان

يكثر الكتاب من محبي ثورة اكتوبر ومن كارهيها الكتابة عن حلول الذكرى السادسة والتسعين لهذه الثورة في السابع من تشرين الثاني (نوفمبر(. كانت هذه الثورة بصرف النظر عن اراء الناس فيها تجربة تاريخية لعبت دورا سياسيا واقتصاديا وثقافيا وعسكريا واسعا لا يمكن تجاهله منذ اندلاعها حتى فشلها وانهيارها في اواخر القرن العشرين. لهذا السبب ما زال الناس رغم فشلها وانهيارها يجدون ان من المفيد او من الضروري الكتابة عنها واحياء ذكراها سلبا او ايجابا.
يعتبر قادة هذه الثورة ثورتهم ثورة اشتراكية ولكن اخرين يعتبرونها ثورة برجوازية او ثورة برجوازية تحولت بعدئذ الى ثورة اشتراكية واخرون لا يعتبرونها ثورة اصلا. كان لينين القائد المنظر للثورة وقائد النضال من اجل الاعداد للثورة والقائد الذي قاد الثورة واصبح اول رئيس لها. ولكن لينين لم يتح له الاستمرار في قيادة الثورة وبناء الاشتراكية التي كان يريد تحقيقها لانه توفي بعد فترة قصيرة من الثورة واصبح رئيسها بعده ستالين الذي ادعى انه واصل سياسة لينين في تحقيق اهداف الثورة وبناء المجتمع الاشتراكي. وقاد ستالين الحرب ضد النازية دفاعا عن الاتحاد السوفييتي وبقي قائدا للاتحاد السوفييتي حتى وفاته او قتله في 1953.
هناك من يعتقد ان الاتحاد السوفييتي حقق فعلا مجتمعا اشتراكيا ومن يعتقد ان النظام في الاتحاد السوفييتي كان راسمالية دولة ولم يحقق الاشتراكية. وحتى هناك من يدعي ان اميركا هي التي انتصرت على المانيا النازية وليس الاتحاد السوفييتي. وهناك من يعتبر ان الثورة كانت فشلا منذ اندلاعها لانها جرت في بلد لم يكن متطورا كنظام راسمالي كامل التطور وهو ما يجب ان يتحقق في نظرهم قبل قيام الثورة الاشتراكية.
فور اندلاع الثورة اعلن زعيم الامبريالية تشرتشل شعار واد الثورة وهي في المهد وانهت الدول الامبريالية الحرب القائمة فيما بينها واتحدت في حربها ضد روسيا الثورة لتحقيق شعار تشرتشل. وحين فشلت حرب التدخل التي شنتها الدول الامبريالية على الثورة تحول الاعلام الامبريالي العالمي وامميو الاممية الثانية والاممية الثانية والنصف للدعاية ضد هذه الدولة. وبما ان لينين توفي سريعا بعد الثورة فقد انصب الهجوم على خلفه ستالين على انه مجرم وقاتل يميت شعبه جوعا ويقتل الملايين الى اخر ذلك من الاتهامات التي ما زال العالم الامبريالي بحاجة الى مواصلته رغم وفاة ستالين منذ زمن بعيد وانهيار الاتحاد السوفييتي منذ اكثر من عشرين عاما. نسي العالم حرب الابادة التي شنتها الجيوش النازية ليس على الاتحاد السوفييتي وحده بل على اوروبا كلها. ولكن الاعلام الامبريالي ما زال بحاجة الى مهاجمة ستالين باستثناء فترة حرب الاتحاد السوفييتي ضد المانيا النازية التي كانت تهدد باستعباد البشرية كلها حين كانوا بمن فيهم تشرتشل يرفعون اسم ستالين الى السماء على اعتبار انه منقذ الانسانية من العبودية النازية.
يبدو حسب الاعلام الامبريالي العالمي ان ستالين كان اذكى من هتلر وامهر منه في قتل الملايين من البشر. فحين عمل هتلر على قتل ستة ملايين من اليهود وغيرهم احتاج الى معسكرات اعتقال وافران الغاز والى قوات عسكرية كبيرة وحتى الى شرطة يهودية والى الاستعانة بقادة من الحركة اليهودية ذاتها لاجل تحقيق هدفه. بينما نجح ستالين في ابادة الملايين التي يختلفون في تقدير عددها بين عشرين مليونا او خمسة وعشرين مليونا او اربعين مليونا حين كان يقود شعوب الاتحاد السوفييتي في بناء المجتمع الاشتراكي وحين كان يقود الشعوب السوفييتية في الدفاع عن وطن الاشتراكية الاول وبلا حاجة الى معسكرات اعتقال وافران الغاز وقوات تعمل على تحقيق قتل هؤلاء الملايين. كان الاعلام الامبريالي يقضي وقته في احصاء ملايين قتلى ستالين حين لم تشعر شعوب الاتحاد السوفييتي ولم تعلم بقتل هذه الملايين منها. اذ في اواخر القرن العشرين او بداية القرن الحادي والعشرين جرت سنة استفتاء شعبي في روسيا لاختيار اعظم قائد في تاريخ روسيا فصوتت ملايين العوائل الثكلى والايتام والمنكوبين بقتلى ستالين لاختيار ستالين كثاني اعظم قائد في تاريخ روسيا ولولا تغيير الكحومة القائمة لطريقة الاحصاء لكان ستالين في نظر الشعب الروسي اعظم قائد في تاريخ روسيا وكان لينين الثاني بعده.
اليوم اصبحت ثورة اكتوبر ووليدها الاتحاد السوفييتي تاريخا والتاريخ لا يسجل الا ما جرى وتحقق فعلا سلبا وايجابا ومصير الادعاءات التي تخالف ما جرى فعلا مزبلة التاريخ. فالاتحاد السوفييتي كان تجربة تاريخية لها نجاحاتها وفشلها واثبت التاريخ زوالها وانهيارها. وحتى في موعد فشل وانهيار الاتحاد السوفييتي الاشتراكي الحقيقي يختلف المعلقون. فثمة من يعتبر الفشل والانهيار حدث في 1953 وثمة من يعتبر الفشل والانهيار حدث في 1991.
كل هذا اصبح تاريخا بايجابياته وبسلبياته. ولكن شيئا واحدا ما زال قائما هو نظرية الثورة الاشتراكية وضرورة اندلاعها وهي منفصلة ولا علاقة لها بالثورة التي تحققت في اكتوبر. فالنظرية لم يضعها لينين او ستالين وانما وضعها كارل ماركس استنادا الى نظريته الماركسية. فما هي نظرية الثورة الاشتراكية الماركسية وماذا يعني شعارها "من كل حسب قدرته ولكل حسب عمله"؟
من المعروف ان كارل ماركس يعتبر ان التطور الاجتماعي في كل مرحلة من مراحله يجري وفق قوانين دقيقة مستقلة عن ارادة الانسان حسب تطور قوى الانتاج الاجتماعي. وفي المراحل الطبقية من مسيرة المجتمع تتحول علاقات الانتاج الملائمة لتطور قوى الانتاج الى علاقات انتاج معادية لتطور قوى الانتاج وعليه تتحتم الثورة على علاقات الانتاج المعادية وتحقيق علاقات انتاج ملائمة لتطور قوى الانتاج. تحقق ذلك في ثورات العبيد والثورات البرجوازية في العالم. وفي المرحلة الراسمالية التي عاشها كارل ماركس ودرسها تحولت علاقات الانتاج الراسمالية من علاقات ملائمة لتطور قوى الانتاج الى علاقات انتاج معادية لتطور قوى الانتاج. وبموجب قوانين تطور المجتمع اصبح من الضروري الثورة على علاقات الانتاج الراسمالية وخلق علاقات انتاج ملائمة لتطور قوى الانتاج. وتوصل كارل ماركس الى ان علاقات الانتاج الناشئة عن اسقاط علاقات الانتاج الراسمالية هي علاقات الانتاج الشيوعية. في علاقات الانتاج الشيوعية تتوصل قوى الانتاج الى انتاج ما يكفي لتوفير لكل عضو في المجتمع كل ما يحتاجه وفق شعار "من كل حسب قدرته ولكل حسب حاجته".
حسب نظرية ماركس تكون الثورة الاشتراكية على علاقات الانتاج الراسمالية تغييرا سياسيا، قوامه ازالة الطبقة الحاكمة المتخلفة وانشاء طبقة حاكمة متقدمة. ولكن تطوير علاقات الانتاج الجديدة يعتمد على تطوير قوى الانتاج بعد الثورة بما يلائم علاقات الانتاج الجديدة. وفي النظرية الاشتراكية وفق نظرية كارل ماركس يعني ان الثورة الاشتراكية تنشئ طبقة حاكمة جديدة هي الطبقة العاملة.
ولكن نشوء الطبقة الحاكمة الجديدة لا يعني في الوقت ذاته ان قوى الانتاج بلغت في تطورها ما يكفي لتحقيق شعار المجتمع الشيوعي بل يحتاج الى تطوير قوى الانتاج من اسلوب الانتاج الراسمالي الى اسلوب الانتاج الشيوعي وذلك يتطلب تطويرا متواصلا ضروريا لكي يتحقق الانتاج الكافي لتحقيق انتاج ما يكفي لكل انسان حسب حاجته.
حسب نظرية كارل ماركس يجري التحول من الانتاج الراسمالي الى الانتاج الشيوعي في مرحلتين. مرحلة التحول السياسي باسقاط الطبقة الحاكمة الراسمالية وصعود الطبقة العاملة كطبقة حاكمة . ومرحلة تطوير قوى الانتاج من قوى انتاج راسمالية الى قوى انتاج شيوعية. ولذلك اعتبر ماركس ان المرحلة السياسية من التحول هي المرحلة الاشتراكية حيث تكون الطبقة العاملة الطبقة الحاكمة الجديدة كي تحقق مرحلة تطور قوى الانتاج من قوى انتاج راسمالية الى قوى انتاج شيوعية واسماها المرحلة الاشتراكسة او المرحلة الاولى من الشيوعية. والمرحلة الثانية التي تنشأ لدى تطور قوى الانتاج من قوى انتاج راسمالية الى قوى انتاج شيوعية حيث يتحقق المجتمع الشيوعي.
اهم ظاهرة اقتصادية في المجتمع الراسمالي هي انفصال الطبقة العاملة عن وسائل انتاجها. واهم انجاز اقتصادي في الثورة الاشتراكية هو اعادة اتصال الطبقة العاملة بادوات انتاجها اذ اول انجازات الثورة الاشتراكية هي استعادة وسائل الانتاج الكبيرة التي استولت عليها الطبقة الراسمالية منها لكي تصبح ملكا للطبقة العاملة التي انتجتها واصبحت الطبقة الحاكمة.
في بداية المرحلة الراسمالية تصبح علاقات الانتاج الراسمالية حافزا ومطورا لقوى الانتاج. ولدى تطور النظام الراسمالي تصبح علاقات الانتاج الراسمالية عائقا ومدمرا لتطور قوى الانتاج. تضطر الطبقة العاملة في الانتاج الراسمالي الى انتاج سلع معدة لابادتها كالاسلحة بشتى انواعها التي لا فائدة لها للطبقة العاملة التي تنتجها وللمجتمع ككل وانما هي ادوات تستخدمها الطبقة الراسمالية للابادات الجماعية. في النظام الاشتراكي لا تنتج الطبقة العاملة الا ما يفيدها وما تحتاجه للدفاع عن الوطن الاشتراكي المعرض للعدوان من جانب العالم الامبريالي كله واتمام القضاء على بقايا الطبقة الراسمالية محليا التي تناضل بلا هوادة من اجل استعادة سلطتها وتملكها لادوات الانتاج.
تستلم الدولة الاشتراكية انتاجا راسماليا متاخرا بالنسبة للانتاج الذي يتطلبه تحول المجتمع الى مجتمع شيوعي. ومهمة النظام الاشتراكي تطوير الانتاج الى انتاج شيوعي. وفي سبيل تحقيق ذلك تستخدم الدولة الاشتراكية الفائض الذي تحققه قوى الانتاج في عملها لتطوير الانتاج في اتجاه التحول الى الانتاج الشيوعي بدلا من الاستيلاء عليه من قبل الطبقة الراسمالية كفائض قيمة. ويجري تطوير الانتاج في النظام الاشتراكي وفق قانون اقتصادي جديد يتحكم في الانتاج الاشتراكي هو قانون التطور المتعادل للانتاج. وقانون الانتاج المتعادل يتطلب تطوير فروع الانتاج وفق نظام تخصص فيه لكل فرع من فروع الانتاج بصورة تضمن تطور جميع فروع الانتاج تطورا طبيعيا تخصص لكل فرع فيه كمية من فائض الانتاج مناسبة له فلا تزيد عن الحاجة الى تطويره ولا تقل عنها.
وبما ان تطوير جميع فروع الانتاج يعتمد على تطور ادوات الانتاج اللازمة لتطويره يكون التركيز الاكبر في الانتاج الاشتراكي على تطوير الصناعة الثقيلة لكي تنتج الكميات المطلوبة من ادوات الانتاج لتطور كافة فروع الانتاج تطورا طبيعيا.
هدف النظام الاشتراكي هو التوصل الى انتاج يحول الانتاج الراسمالي الى انتاج شيوعي. ولكن تطور فروع الانتاج لا يجري بنفس السرعة نظرا لان من الممكن ان يتحول فرع من الانتاج الى انتاج شيوعي قبل الفروع الاخرى. وعلى هذا الاساس يتحول كل فرع من الانتاج من انتاج اشتراكي الى انتاج شيوعي فور تطوره الى انتاج يكفي لتطبيق الانتاج الشيوعي. فيتحول شعار هذا الفرع وفقا للشعار الشيوعي "لكل حسب حاجته".
في الحلقة التالية من هذا المقال احاول ان اشرح تطور الانتاج الاشتراكي الى انتاج شيوعي.