حصاد زراعة ديمقراطية جورش بوش شوز والقرد الاسود بر اك حسين اوباما في العراق هلهولة لحكومة مجرمي سلطة الاحتلال وبرلمان خرسان وطرشان وعميان الاحتلال ياخونة حرامية مصيركم سوف يكون مثل مصير اي عميل اميركي وانكليزي وايراني ومصير اي نظام دكتاتوري جاء بقطار اسيادهم الامبريالين الامريكان

IRAQI REVOLUTIONARY MAOIST ORGANIZATION - IRMO المنظمة الماوية الثورية العراقية - جبهة نجوم الحمراء




الكفاح المسلح الطريق الوحيد للتحرير

الكفاح المسلح الطريق الوحيد للتحرير







2012-12-17

الصراع ضد التحريفية الصينية / تقييم عمل ماو تسى تونغ- الحزب الشيوعي الثوري الشيلي – جويلية1979 مقتطف من العدد 11 من - الماوية : نظرية و ممارسة -: الماوية تدحض الخوجية ومنذ 1979.

الرفيق شادي الشماوي

مقتطف من العدد 11 من " الماوية : نظرية و ممارسة ": الماوية تدحض الخوجية ومنذ 1979.
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
مقدّمة العدد الحادي عشر من " الماوية : نظرية و ممارسة ": الماوية تدحض الخوجية ومنذ 1979.
أنور خوجا يقلب الحقائق التاريخية رأسا على عقب ويقود هجوما دغمائيا تحريفيّا على الماركسية- اللينينية - الماوية .
توفّي ماوتسى تونغ فى 9 سبتمبر 1976. و بعد شهرين ، فى نوفمبر 1976 ، عقد حزب العمل الألباني مؤتمره السابع و جاء فى تقرير اللجنة المركزية ، على لسان أنور خوجا :
" إنّ الإنتصارات التاريخية التى حققها الشعب الصيني فى ثورته و بنائه الإشتراكي العظيمين و إنشاء الصين الشعبية الجديدة و السمعة الكبيرة التى يتمتّع بها فى العالم ، مرتبطة بإسم القائد العظيم ، الرفيق ماو تسى تونغ و تعاليمه و قيادته. و يمثّل عمل هذا الماركسي-اللينيني مساهمة فى إثراء نظرية البروليتاريا و ممارستها. و الشيوعيون و الشعب الأبانيين سيحييان على الدوام ذكرى الرفيق ماو تسى تونغ الذى كان صديقا كبيرا لحزبنا و شعبنا...
لقد مضت ألبانيا و الصين قدما فى دكتاتورية البروليتاريا و فى بناء الإشتراكية اللتين خانهما التحريفيون ، ألبانيا و الصين اللتان ظلّتا وفيتين للماركسية-اللينينية، و دافعتا عنها بتصميم و أعلنتا حربا إيديولوجية ضروسا ضد تحريفية خروتشاف و أتباعه . الشيوعية لم تمت ، على العكس ما كانت تتمنّى البرجوازية، و قد إبتهج الإنتهازيون و التصفويون قبل الأوان".
وفى بيان مشترك لبعثات الأحزاب الماركسية-اللينينية لأمريكا اللاتينية ( بعثة الحزب الشيوعي (الماركسي- اللينيني ) الأرجنتيني ، و بعثة الحزب الشيوعي البوليفي ( الماركسي- اللينيني ) ، و وبعثة الحزب الشيوعي البرازيلي ، و بعثة الحزب الشيوعي الكولمبي ( الماركسي- اللينيني) ، و بعثة الحزب الشيوعي الثوري الشيلي، و بعثة الحزب الشيوعي الماركسي-اللينيني الإكوادوري) الحاضرة فى المؤتمر السابع لحزب العمل الأباني بتيرانا ، ألبانيا ، نوفمبر 1976، نقرأ :
" 8. وجهت البعثات الحاضرة تحيّة عالية و عبّرت عن عمق ألمها لوفاة الرفيق ماو تسى تونغ ، رئيس اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ، و قائد لا جدال فيه للشعب الصيني ، و ماركسي – لينيني عظيم و معلّم كبير للبروليتاريا و الشعوب المضطهَدة فى العالم بأسره. فى ظلّ القيادة الحكيمة للرفيق ماو تسى تونغ و الحزب الشيوعي الصيني ، خاضت البروليتاريا و خاض الشعب الصيني حربا ثورية و إفتكّا السلطة و شيّدا الإشتراكية فى الصين. و هكذا غدت الصين المتخلّفة و الخاضعة للإمبريالية ، بلدا إشتراكيّا معاصرا ،و حصنا حصينا للثورة العالمية.و كذلك فى ظلّ قيادة الرفيق ماو تسى تونغ ، جرت معالجة بطريقة صحيحة لمشكل الهام لكيفية مواصلة الصراع الطبقي فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا و الحيلولة دون إعادة تركيز الرأسمالية فى الصين. لقد رفع الرفيق ماو تسى تونغ بصلابة راية الماركسية- اللينينية و أطلق النضال ضد التحريفية المعاصرة ، مساهما هكذا بحيوية فى إعادة تشكيل الحركة الشيوعية الماركسية- اللينينية العالمية. و ستظلّ مسيرته كمقاتل ثوري و أفكاره التى طوّرت الماركسية- اللينينية حاضرة فى قلوب شعوب و شيوعييى العالم قاطبة و أذهانهم ".
--------
و عقب ذلك بسنتين ، يشنّ أنور خوجا و حزب العمل هجوما مسعورا دغمائيّا تحريفيّا على ماو تسى تونغ ، فى كتاب أعلن عن نشره أواخر ديسمبر 1978 و حمل من العناوين " الإمبريالية و الثورة " . و فيه أفرد خوجا فصلا كاملا لتشويه فكر ماو تسى تونغ معتبرا إيّاه " نظرية معادية للماركسية " و معتبرا أنّ الصين لم تعرف أبدا الإشتراكية و البناء الإشتراكي و أنّ صراع ماو تسى تونغ و الحزب الشيوعي الصيني ضد التحريفية السوفياتية لم يكن نابعا من مواقف صحيحة و مبدئية ماركسية- لينينية وما إلى ذلك من تقليعات دغمائية تحريفية !!!
===
هذه إطلالة أولى على الإنقلاب الخوجي المضاد لعلم الثورة البروليتارية العالمية ، أمّا الإطلالة الثانية فنخرجها لكم كالتالى :
ورد فى خطاب أنور خوجا ، فى 7 جانفي 1964، ضمن كرّاس " عاشت الصداقة الصينية – الألبانية " :
" أبدا لن ينسى الشيوعيون الألبانيون و لن ينسى الشعب الألباني أن إخوتهم الصينيون وقفوا إلى جانبهم فى الأفراح و الأتراح. لن ينسوا المساعدة الكريمة للأخوة الصينيين الذين تقاسموا معاشهم مع شعبنا. أبدا لن ينسوا أنّ الحزب الشيوعي الصيني حافظ دائما على حزب العمل الألباني مثلما يحافظ المرء على أمّ عينه".
---------------------
و فى 30 سبتمبر 1978 ، فى بيان مشترك بين الحزب الشيوعي الكولمبي ( الماركسي- اللينيني) و الحزب الشيوعي الثوري الشيلي و الحزب الشيوعي الماركسي – اللينيني الإكوادوري و حزب الراية الحمراء الفينيزوالي ، هناك تحليل نقدي يبيّن تحريفية " نظرية العوالم الثلاثة " و تناقضها مع تعاليم ماو تسى تونغ و فى النقطة 15 من خاتمة البيان كتبوا:
" تعتبر أحزابنا أنّه ، إزاء إستعمال التحريفيين الصينيين لأعمال ماو تسى تونغ و سمعته للتغطية على مخطّطاتهم لإعادة تركيز الرأسمالية فى الصين و بناء قوّة عظمى جديدة إمبريالية- إشتراكية و مغالطة البروليتاريا و الشعوب بنظريتهم الضارة للغاية ، نظرية " العوالم الثلاثة" ؛ من الواجب الأكيد أن نصون تعاليم ماو تسى تونغ الثورية ، الماركسية- اللينينية . و تثمّن أحزابنا إلى درجة كبيرة مساهمات الرفيق ماو تسى تونغ فى الثورة العالمية."
و بعد نحو السنة من ذلك ، فى أكتوبر 1977 ، صدر بيان عن الحزب الشيوعي الإسباني (الماركسي- اللينيني) و الحزب الشيوعي البرتغالي المعاد تشكيله و الحزب الشيوعي الإيطالي الماركسي- اللينيني و الحزب الشيوعي اليوناني الماركسي- اللينيني و الحزب الشيوعي الأماني الماركسي – اللينيني فيه نقرأ :
" فى الذكرى الأولى لوفاة الرفيق ماو تسى تونغ ، ترفع أحزابنا تحيّة له و تأكّد على أنّ وفاته تمثّل خسارة كبرى للحزب الشيوعي الصيني العظيم و لكافة الحركة الشيوعية العالمية . كان الرفيق ماو تسى تونغ ، القائد العظيم للشعب و الحزب الشيوعي الصيني كذلك قائدا عظيما للبروليتاريا العالمية.تعتبر أحزابنا أن من واجب جميع الماركسيين- اللينينيين الدفاع بصلابة عن التعاليم الثورية للرفيق ماو تسى تونغ- لا سيما منها تلك المتصلة بالصراع ضد التحريفية المعاصرة ،و بالثورة الثقافية البروليتارية الكبرى و بالصراع ضد الإنتهازيين من كلّ لون- إزاء جميع الذين بنفاق يستعملون إسمه ليشوّهوا تعاليمه و للهجوم عليه بشكل ملتوى."
-----------
إثر وفاة ماو تسى تونغ، أنجزت الطغمة التحريفية الصينية بقيادة دنك سياو بينغ و هواو كوفينغ إنقلابا مضادا للثورة فى الصين فصعدت بذلك البرجوازية الجديدة إلى السلطة و أعيد تركيز الرأسمالية هناك و تحوّلت الصين ماو الإشتراكية إلى صين دنك الرأسمالية و تحوّل الحزب الشيوعي الصيني من حزب بروليتاري إلى حزب برجوازي .
و فى جويلية 1978 ، تنكّرت البرجوازية الجديدة الحاكمة للصين للإتفاقيات مع ألبانيا و أوقفت التعاون الإقتصادي و العسكري معها ، مثلما سبق و أن فعل التحريفيون السوفيات مع الصين الماوية.
و طار عقل أنور خوجا و طفق يخلط الحابل بالنابل و يصبّ جام غضبه على ماو تسى تونغ و يكيل الشتائم و يلصق به و ينسب إليه أفكارا و نظريّات أعدائه ( مثل " نظرية العوالم الثلاثة " لدنك سياو بينغ) و يمرّغ سمعته فى الوحل بعد أن كان يرفعه إلى السماء ، مستعملا فى ذلك جميع الأساليب الإنتهازية و التزوير و الكذب و قلب الحقائق رأسا على عقب بأشكال و طرق قد تتصوّرونها و أخرى قد لا تصوّرونها أصلا و بهجومه ذلك على أرقى ما بلغه علم الثورة البروليتارية العالمية كان يحطّم المبادئ الماركسية- اللينينية و يدافع عن الأفكار التى أثبت تاريخ الحركة الشيوعية العالمية و الصينية أنها خاطئة ، تحريفية. فقدّم خدمة هائلة للبرجوازية العالمية إذ تسبّب فى إنقسامات داخل الحركة الماركسية-اللينينة العالمية إستغلّها الإنتهازيون فى الأحزاب و المنظّمات الماركسية- اللينينية عبر العالم ليرتدّوا و يديروا ظهرهم للثورة البروليتارية العالمية و يخونوا الشيوعية و قضية الطبقة العاملة العالمية.
======
لكن هيهات أن يلزم الشيوعيون الحقيقيون الماويون الصمت إزاء ذلك الهجوم الدغمائي التحريفي! فمنذ السبعينات ،إنبروا يقاتلون الخوجية و بالفعل ألحقوا بها أشدّ الهزائم المريرة عالميّا . و يشهد واقع اليوم بتقدّم مطّرد للماوية طليعة للموجة الجديدة من الثورة البروليتارية العالمية و بتراجع ملموس للخوجية كضرب من ضروب التحريفية و إندحارها فى عديد البلدان إلاّ أنّه عربيّا ، لا زلنا فى حاجة أكيدة إلى مزيد فضح الخوجية و كافة أرهاط التحريفية المهيمنة على الحركة الشيوعية حتّى ستطيع الماوية أن تتبوّأ المقام الذى تستحقه لإيجاد الأسلحة السحرية الثلاثة ( الحزب الشيوعي الماركسي-اللينيني-الماوي و الجبهة الوطنية الديمقراطية و جيش التحرير الشعبي ) و قيادة حرب الشعب لإنجاز الثورة الديمقراطية الجديدة تمهيدا للثورة الإشتراكية كجزء لا يتجزّأ من الثورة البروليتارية العالمية و غايتها الأسمى تحقيق المجتمع الشيوعي الخالي من كافة ألوان الإستغلال و الإضطهاد القومي و الطبقي و الجندري.
و هذا العدد من " الماوية : نظرية و ممارسة " مساهمة فى النهوض بهذه المهمّة الملحّة على الجبهة النظرية و السياسية.وقد إخترنا له من العناويون " الماوية دحضت الخوجية و منذ 1979" و كانت إضافة "ومنذ 1979" موجّهة ضد محترفي تدليس تاريخ الماوية ، ليس كلزوم ما لا يلزم و إنّما لتبيان أنّ ردّ الفعل الماوي كان سريعا و دقيقا و عميقا منذ عقود الآن ما خوّل للمنظّمات و الأحزاب الماوية أن تنظّم ندوة عالمية فى مطلع الثمانينات ثمّ ندوة ثانية فى 1984 إنتهت إلى تشكيل الحركة الأممية الثورية التى كانت من أهمّ نواتاتها الأولى الأحزاب التى إنبرت لتتصدّى للخوجية بجرأة و صراحة مطلقة الوثائق التى سنعرض عليكم سهاما تصيب كبد الحقيقة الخوجية و ترفع عاليا راية الماوية – حينها فكر ماو تسى تونغ.
و للتاريخ ، تجدرالإشارة بشكل عابر فحسب إلى أنّ الحزب الشيوعي الثوري الأمريكي الذى نشر الوثائق التى نضع بين أيديكم فى مجلته "الثورة " سنة 1979، قد سبق و أن كتب مباشرة بُعيد إعلان الوكالة التليغرافية الألبانية فى 20 ديسمبر 1978 عن صدور "الإمبريالية و الثورة " و عرضها لمضمونه، إفتتاحية العدد الأوّل من المجلّد الرابع من "الثورة " ، جانفي 1979، تحت عنوان " أنور خوجا يفضح الإنتهازية – إنتهازيته " قبل أن ينشر لاحقا سلسلة من التعليقات على "الإمبريالية و الثورة " منها إنتقينا " فى الردّ على الهجوم الدغمائي- التحريفي على فكر ماو تسى تونغ". وهذه الإفتاحية . متوفّرة على الأنترنت فى موقع الموسوعة المناهضة للتحريفية باللغة الأنجليزية :
Encyclopedia of Anti-Revisionism On- Line
---------------------------------------
و فصول مسرحية المرتدّ أنور خوجا و الخوجية بتفاصيها الدقيقة تفضحها وثائق الماويين عبر العالم فى متن هذا العمل . و لأنّ الكتابات الماوية ضد الخوجية كثيرة و عديدة كان علينا أن ننتقي أكثرها رواجا ؛ على حدّ علمنا ، و أهمّها بإعتبار الدور الذى لعبته فى الدفاع عن الماوية و دحض الخوجية، فوقع إختيارنا الذى نرجو أن يكون موفّقا على وثائق أربعة ؛ واحدة من بلد إمبريالي – الولايات المتحدة الأمريكية ، للحزب الشيوعي الثوري الأمريكي و ثلاثة من مستعمرات جديدة الأولى من تركيا – أوروبا و الثانية من الشيلي و الثالثة من سيلان [سيريلانكا]، من أمريكا اللاتينية و من آسيا على التوالي. وهي:
1- بإحترام و حماس ثوريين عميقين، نحيّي القائد الخالد للبروليتاريا الصينية، الرفيق ماو تسى تونغ، فى الذكرى الثالثة لوفاته! – الحزب الشيوعي التركي / الماركسي-اللينيني، جويلية 1979.
2- دفاعا عن فكر ماو تسى تونغ؛ وثيقة تبنّاها مؤتمر إستثنائي للحزب الشيوعي بسيلان إنعقد فى جويلية1979.
(و إضافة إستثنائية: " دحض أنور خوجا" ؛ ن. ساموغاتاسان، الأمين العام للحزب الشيوعي بسيلان - 1980.)
3- " تقييم عمل ماو تسى تونغ"؛ للحزب الشيوعي الثوري الشيلي- جويلية 1979.
4-" فى الردّ على الهجوم الدغمائي - التحريفي على فكر ماو تسى تونغ " بقلم ج. وورنار؛ ماي 1979.
=====================================


5 / الصراع ضد التحريفية الصينية :

من الطبيعي أن الشرط الضروري لتربية الجماهير على هذا الجدال الإيديولوجي هو وجود حزب شيوعي صلب ، مسلح بالماركسية-اللينينية . فدون طليعة تقنع الجماهير و توجهها خلال الصراع ضد الأفكار الخاطئة أو الرجعية ، يوجد خطر أن تنتصر هذه الأفكار الأخيرة و فى الصين ، كانت الطريقة الصحيحة للجدال التى رسمها ماو تسى تونغ و الماركسيون -اللينينيون الصينيون فى طريقها إلى النجاح فى صفوف الشعب لولا مسك التحريفيين بمواقع هامة فى الحزب الشيوعي الصيني .

لم يع ماو تسى تونغ المدى الحقيقي لهذه القوة التحريفية إلى حين تفجر الصراع ضد التحريفية السوفياتية . و يمكن أن يوجه له نقد جدي لأنه لم يتفطن لذلك غير أنه من الواضح أن لا لينين و لا ستالين تنبآ بمدى قوة التحريفية الناشئة فى صفوف الحزب الشيوعي ذاته و التى تهدف إلى تركيز نظام إستغلالي جديد فى شكل رأسمالية الدولة . و يعدّ التطور الإقتصادي الإشتراكي و مركزته بأيدى الدولة و إمكانية التخطيط له ، تعد قاعدة إقتصادية شديدة القوة يستخدمها التيار التحريفي كوسائل لإستغلال الشعب و إضطهاده عبر رأسمالية الدولة . مقارنة بجهود البرجوازية المطاح بها من أجل إعادة تركيز سلطتها و بولادة برجوازية من صلب الملاكين الصغار فإن خطر البرجوازية الجديدة خطر أكبر بكثير .

لقد توقع إنجلز هذا الخطر و فى مقدمته لكتاب ماركس " الحرب الأهلية فى فرنسا " نادى بتعزيز دكتاتورية البروليتاريا بعد الإستيلاء على السلطة لمنع " تحويل الدولة و أجهزتها من خادمة للمجتمع إلى سيدة عليه " و لتبقى "حاجزا فعليا دون التفتيش عن المذاهب و الوصولية " .

و لينين بدوره فى " تقرير عن برنامج الحزب " للمؤتمر الثامن ، حذّر من أن :
" البيروقراطيين القيصريين أخذوا ينتقلون شيئا فشيئا إلى المؤسسات السوفيتية ، حيث ينشرون الروح البيروقراطية ، و هم يتظاهرون بأنهم شيوعيون ، و هم يستحصلون على بطاقات عضوية الحزب الشيوعي فى روسيا لكي يؤمنوا نجاحا أكبر فى الترقى . و هكذا يعودون من الشباك بعد أن طردوا من الباب ." ( صفحة 481 من "المختارات فى 10 أجزاء " المجلد 8 ، دار التقدم ، الطبعة العربية ) .


لكن ما من قائد توقع مدى المشكلة التى لم تعد مشكلة تسلل أعداء للحزب و للدولة بل مشكلة فساد العناصر التى كانت فى الماضى ثورية و التى إعتادت على إمتيازات توفرها لها مواقعها فى السلطة و شرعت فى العمل على توطيد إمتيازاتها و توسيعها على حساب الشعب .

و حاليا ، رغم عدم توصل هذه الصراعات الإيديولوجية و السياسية العظيمة التى شجعها ماو تسى تونغ على النطاق الجماهيري إلى تحطيم أعداء الثورة الذين تسربوا إلى الحزب و الذين نشأوا فى صفوفه و فى أجهزة الدولة الصينية ، فمن مآثرها أنها أجبرت التحريفيين على إماطة اللثام و كشف كافة جوانبهم الرجعية .

و مثلما مرّ بنا وجد ماو تسى تونغ و الماركسيون - اللينينيون الصينيون أنفسهم يواجهون فضلا عن الرجعيين المطاح بهم بفضل الثورة و البرجوازية الوطنية ،التيار التحريفي المنافق الذى كان يخفى أغراضه الدنيئة و الذى كان يسيطر على مواقع هامة فى الحزب و الدولة . و لم يأخذ ماو تسى تونغ حذره من هذا و لم يتوقع الأبعاد الحقيقية ، إلا عندما طفقت تتعرى وجوه التحريفيين الذين سيطروا على الحزب الشيوعي السوفياتي و سلطة الدولة فى الإتحاد السوفياتي ، بعد 1956. و فوق ذلك ، لم تكن المشكلة التى إعترضته حالة صينية منعزلة بقدر ما كانت ظاهرة تحريفية عالمية حقيقية عناصرها متشابكة و متعاونة مثلما سنرى تاليا .

فى البداية صار ممثلو البرجوازية الجديدة معروفين فى الحزب من خلال رؤاهم الرجعية رغم أنهم كانوا يختفون وراء تعليلات كانوا يدعون بها الدفاع عن الثورة . و نجح جلهم فى إخفاء عملهم التكتلي السري لمدة طويلة من الزمن . غايتهم عامة هي التسلل إلى الحزب و أجهزة الحكم و إفسادها و معارضة تطور الإشتراكية فى المدن و فى الأرياف حتى يكرسوا مخططاتهم الخاصة فى إعادة تركيز الرأسمالية و التفتيش عن حلفاء ضمن البرجوازية الوطنية و حتى ضمن رجعيين آخرين أسوأ .

و مثلما أشرنا كان هنالك ، إثر إنتصار الثورة الصينية فى 1949 إختلاف عميق بين ماو تسى تونغ و ليوتشاوتشى ،أحد أهم زعماء التحريفيين [ لقّب لاحقا بخروتشاف الصين ] فيما يتصل بالتناقض الرئيسي بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية . يؤكد ماو تسى تونغ فى ملاحظة مرسلة إلى خلايا الحزب فى 1952 يفند فيها رأي رئيس قسم العمل الجبهوي الموحد التابعة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني و الذى قدم البرجوازية الوطنية على أنها طبقة وسطى ، يؤكد على أن : " إثر الإطاحة بطبقة الإقطاعيين و البرجوازية البيروقراطية ، صار التناقض بين الطبقة العاملة و البرجوازية الوطنية هو التناقض الرئيسي فى الصين .. ." ( مجلد 5، صفحة 80) .

و بعدما صاغ هذا التأكيد فى أكتوبر 1957 ، وجد نفسه مضطرا إلى إعادة صياغته ونقد كون المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي الصيني قدم التناقض الرئيسي على أنه تناقض بين "النظام الإشتراكي المتقدم و قوى الإنتاج الإجتماعية المتخلفة." وشدّد على أن "هذه صيغة غير صحيحة " .
من المعلوم أن ليوتشاوتشى و أتباعه يرغبون فى إيقاف الثورة عند مرحلة الثورة الديمقراطية الجديدة و التخلى عن نظرية الصراع الطبقي ضد البرجوازية معتبرين أن تطور قوى الإنتاج سيفضى إلى الإشتراكية . فى إجتماع المكتب السياسي إنعقد فى 1953 ، كان على ماو تسى تونغ أن يصارع شعارا نشره ليوتشاوتشى و آخرون ، شعار "تركيز نظام الديمقراطية الجديدة " و من ورائه أرادوا معارضة تقدم البناء الإشتراكي .

منذ مطلع الخمسينات، عارض ليو تشاوتشى و جماعته كلمة و فعلا الحركة التعاونية التى من خلالها كان الريف يتقدم نحو الإشتراكية و من الطبيعي أنهم عللوا آراءهم بجمل ظاهريا ماركسية و برروها بالدفاع عن مصالح جماهير الفلاحين و معارضة "الإنزلاق اليسراوي " فى الحركة التعاونية . و بذات الطريقة ، مخفين نواياهم الحقيقية بتعليلات تبدو ظاهريا ماركسية ، عارضوا التقدم السريع لمشركة الصناعة و التجارة و الصناعات الحرفية فى المدن .

و قبل ذلك ، فى ماي 1949 ، أثناء مؤتمر الشباب الأول ، صرّح ليوتشاوتشى أنه من الضروري تطوير الرأسمالية بصورة كبيرة و ان عدد المصانع و الآلات أهم من نظام الملكية . و فى مناسبة أخرى أعرب عن أنه " حين يكون للصين فى المستقبل فائض إنتاج ساعتها سيحين زمن بناء الإشتراكية " .

و على إثر إتمام القضاء فى الأساس على الصناعة و التجارة الخاصين و على الصناعة الحرفية ، فى 1956 ، غير ليوتشاوتشى و جماعته تكتيكهم و شرعوا فى التصريح بأن بهذه التحويلات إنتهى صراع الطبقات فى الصين . و مثلا فى 1957 ، فى ندوة لكوادر الحزب بشنغاي ، شدد على أن" البرجوازية قد تم القضاء عليها بالأساس " و أن الصراع الطبقي فى الصين إنتهى بالأساس " و مع ذلك واصل نشاطاته لتشجيع الرأسمالية فى الريف و المدينة مستعملا كالعادة تعليلات تبدو ظاهريا ماركسية . و فى 1961 ، أشار فيما يتعلق بإقتصاد الفلاحين إلى " إننا لا نخاف أن تخرج الرأسمالية من أيدينا و يجب الإبقاء على السوق الحرة " . و فى السنة الموالية ، أكد فى محادثاته مع كادر فى طريقه إلى الوحدات الأساسية " فى السنوات الماضية لم يكسب الفلاحون من الإقتصاد الجماعي " و تحدث فى خطاب له فى 1963 عن " أنه من الضروري القيام بتراجع كاف فى الصناعة و الفلاحة إلى جانب تركيز الإنتاج العائلي و برامج النشاطات الفردية أكثر فأكثر . " و تبع دنك سياو بينغ هذا التصريح بجملة غدت الآن شهيرة : " طالما إستطعنا رفع الإنتاج يمكننا العودة إلى الإستغلال الفردي . لا يهمّ إن كان القط أسود أم أبيض طالما أنه يصطاد الفئران " .

هذه و غيرها من الموضوعات الرجعية المقنعة بلغو ماركسي إستعملت تعلة " الدفاع عن مصالح الجماهير " و معارضة " الأخطاء اليسارية ". و قد حاربها ماو تسى تونغ و الماركسيون - اللينينيون الصينيون موجهين لها نقدا حادا ضمن خلايا الحزب و هم غير واعين بعد بالنوايا المبيتة التى تدفع المدافعين عنها . و كان مثل هذا النضال مقعدا للغاية بما أن التحريفيين – كما سنرى – يحتلون مواقعا هامة فى الحزب و فى أجهزة الدولة و ضمنوا مساندة بيروقراطية عريضة ضمن المواقع الوسطية فى كل من الحزب و الدولة . و زيادة على ذلك ، كانوا يعتمدون على المساندة السرية للتيار التحريفي الذى ركّز نفسه بمثل تلك الأشكال على النطاق العالمي .

و من جهته إشتغل دنك سياو بينغ نفسه [ قائد تحريفي آخر سيكون على رأس الإنقلاب المضاد للثورة فى 1976 و على رأس الدولة لاحقا ] بخاصة لما بلغ السيطرة على مركز الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني بتسريب أتباعه إلى مراكز هامة فى الحزب و الدولة و بزرع الفساد فى صفوف كوادر الحزب و مختلف مؤسسات الدولة . و فى 1951 ، أحدث نظام حوافز مالية للموظفين و ركّز فى 1955و 1956 عدة أنماط من الحوافز التى تفسد و تشترى ولاء العديد من البيروقراطيين فى مستويات مختلفة . بهذه الطريقة أوجد عدة جوائز لأعمال خاصة يوزعها القياديون و شيد مدارسا خاصة بأبناء الكوادر الذين سيلعبون في ما بعد دورا إستفزازيا رجعيا أثناء الثورة الثقافية البروليتارية الكبر ى. أضف إلى ذلك نظام الإنتقاء غير العادل بالجامعات و الإمتحانات التى تساعد فعليا أبناء البرجوازية و الشرائح الإجتماعية التى إحتكرت الثقافة فى الماضى . و فى المؤسسات الصناعية و التجارية و الفلاحية أعيد تركيز إدارة الفرد الواحد المحاط بالتكنوقراطيين بعيدا عن مراقبة لجنة الحزب و الجماهير كل هذا مع إستعمال واسع لنظام الحوافز المالية كوسيلة لإفساد بعض القطاعات من الجماهير.

و بهذه الوسائل و ما شابه وطدت البرجوازية الجديدة قاعدة مساندتها داخل الحزب و الدولة ( و كذلك ضمن القوات المسلحة ) بعشرات الآلاف من الكوادر المتوسطة المستوى و عزلت الماركسيين - اللينينيين فى الحزب عن الجماهير .
وفى معاضدة منه لهذا العمل التخريبي للحزب ، أعاد ليوتشاوتشى نشر كتابه " كيف تكون شيوعيا جيدا؟ " و وزعه على نطاق واسع . و هو يعول على ما حصل و ما يقام من إفساد للحزب دعى إلى "ربط المصالح الشخصية بمصالح الحزب بصفة مطلقة و غير مشروطة " و أضاف " إن مصالح الحزب فوق كل إعتبار ، هذه هي أهم المبادئ التى توجه فكر جميع الشيوعيين و عملهم ." دون أن يأخذ بعين الإعتبار مبادئ و مصالح البروليتاريا و الشعب التى هي أساس وجود الحزب . و هكذا دافعين الإرتباط بالحزب إرتباطا أعمى ، أعدوا الظروف لمنع من لم يطلهم الفساد من الإنتفاض عندما يشرعون فى إستعماله صراحة كأداة لإعادة تركيز الرأسمالية . و فى نفس الوقت يعلل طرق الفساد بشأن الحياة المادية التى لقيت منهم التشجيع بتعلة أنها "ضرورية لضمان الظروف اللازمة للعمل و التعلم بما يسمح لهم بالقيام بأعمالهم بشكل مريح و يسمح بتحقيق مهام الحزب ".

و ترافق ذلك بدفع الوصوليين للإلتحاق بالحزب حيث صرّح أنه " من غير الضار أن تبحث بعض العناصر عن مساعدة فى الحزب الشيوعي ، إنها أتت بحثا عن حل لمشاكلها " . و من جهة أخرى دافع كتاب ليوتشاوشى عن فكرة أن " ثوريو العهود الأخرى ... يمكن أن يتحولوا ضد الطبقات المستغًلة ليضطهدوها و لكن هذا غير ممكن أبدا فيما يتصل بالثورة البروليتارية و الحزب الشيوعي " . و على هذا النحو ذرّ الغبار فى الأعين حتى لا تلاحظ الخيانة المفتوحة التى كانوا يعدون لها .

أما تقرير دنك سياو بينغ عن تغيير القانون الأساسي للحزب المقدم للمؤتمر الثامن للحزب الشيوعي الصيني على توطئة كاملة تعلن إضمحلال الطبقات الإجتماعية و تدافع عن أن " تجاوز الطرق القديمة لقبول عضوية الحزب غدت ضرورة نظرا إلى أن هذا المفهوم عن " التفريق بين العناصر الإجتماعية " صار فاقدا لمعناه القديم أو يكاد يفقد أي معنى له " .

و فى خطابه فى ندوة الكتاب العامين للجان الحزب للضواحي و البلديات و المناطق المستقلة ، فى جانفى 1957 إنطلق ماو فى نقده للوصولية و الفساد المتفشيين فى الحزب :
" حاليا ، داخل الحزب و خارجه ظهرت مشاكل إيديولوجية تستحق أن نتوفق عندها بصورة خاصة . و إليكم مثالا مشكل ظهر فى صفوفنا نحن . فبعض الكوادر مثلا ، يبحثون عن الشهرة و الإمتيازات و لا يفكرون إلا فى مصالحهم الخاصة . خلال تعديل المعاملات ، برز أن أناسا لم يكونوا راضين عن ترقية بدرجة و لا حتى بترقية بدرجتين ، و ظلوا ينتحبون فى فى بيوتهم. و لعله كانت من اللازم ترقية من ثلاث درجات لإخراجهم منها. و مع ذلك بكاؤهم هو الذى عجل بحل المشكلة : لن نطبق مستقبلا هذا النوع من التعديل فى معاملة الكوادر. و ستظل الأجور بشكل عام متساوية ، أو على الأقصى مع بعض الإختلافات الطفيفة . فى الماضى ، فى حكومة نبلاء الحرب فى بييانغ ، وجد وزير أول يسمى تانغ تشاو يى صار لاحقا رئيس منطقة تشونغتشان من محافظة كوانغتونغ . لئن قبل وزير أول من المجتمع القديم أن يخدم كرئيس منطقة ، فلماذا إذا لا يستطيع وزراؤنا القيام بالشيئ ذاته ؟ فى تقديري ، إن الذين يسعون جاهدين للحصول على علاوات و لا يقبلون إلا بالترقيات و ليس بالعكس لا يساوون بهذا المضمار ذلك الوزير القديم . إنهم لا يسعون للتساوى مع الذين يعيشون حياة بسيطة و يعملون كثيرا و يتمتعون بالقليل و إنما يلهثون وراء الترف و الترقيات و المنصب السامي . الآن قد نمى هذا النوع من التفكير إلى حد كبير داخل حزبنا مما يقتضى إعارة الإنتباه إليه ." ( المجلد 5 ، صفحة 380 ) .

و فى الخطاب عينه ، مع نقده للذين يعارضون سيرورة مشركة الريف ، تناول بالتحليل بعض الفوضى التى حصلت فى صفوف الطلبة و المثقفين فى الصين كصدى لما جدّ فى المجر تحت تأثير هجمات خروتشاف على ستالين .
و مع السماح للغاضبين من صفوف الشعب بالتعبير عن آراءهم جمع ماوتسى تونغ نقدهم المصيب وعبّأ الجماهير و أيقض وعيها فى الصراع ضد الأفكار الرجعية التى عبر عنها الغاضبون . و إعتبر انه من الضروري أن نوفر مجالا ووسائل تعبيرللشرائح الرجعية من البرجوازية الوطنية حتى تتمكن من " إفراغ سمومها" لكي تتوصل الجماهير لمعرفتها و صراعها على أفضل وجه . و بالطبع ليس الهدف سوى النضال الفعلي ضد هذه التوجهات غير الصحية فى المجتمع و إقتلاعها من الجذور . قال :
" يجب خوض صراع ضد التيارات الضارة فى المجتمع ، سواء فى صفوف الحزب أو الشخصيات الديمقراطية أو الطلبة ، تيارات بمعنى الأخطاء التى ليست أخطاء بعض الأشخاص و إنما تلك التى تطورت إلى تيارات يجب إلحاق الهزيمة بها نهائيا . . ."
و أضاف :
" فى دولتنا التى هي دولة دكتاتورية البروليتاريا لا ينبغى أن ندع بالطبع البذور السامة تنتشر دون مراقبة سواء داخل الحزب أو فى المجالات الإيديولوجية أو الأدبية أو الفنية . ينبغى أن نحاول أن نضمن أن الأزهار الماركسية العطرة تحتل الموقع الأساسي و المهيمن. ينبغى ألا نبقى على البذور السامة وما هو غير ماركسي أو مضاد للماركسية فى موقع ثانوي."
و فيما يتصل بالمعادين للثورة فالخط مغاير حيث يشير إلى أنه " ينبغى القضاء على المعادين للثورة . و حيث لم ننته من هذه المهمة مثلما كان متوقعا ، يببغى الإنتهاء منها فى غضون هذه السنة . و لئن بقي ما لم ينجز فى هذا الميدان ، يتعين إتمامه فى السنة المقبلة . " ( المجلد 5 ، صفحة 412) .

و قد وقعت غالبية شرائح البرجوازية الوطنية فى هذا الشرك إذ فكرت أن التسهيلات التى لقيتها للإفصاح عن نقدها دليل على ضعف و تركت المجال الأكاديمي البحت و قامت بهجومات متصلة ضد الحزب و الإشتراكية . فكشف أمر العديد من الذين كانوا يصرحون بقبول الإشتراكية خوفا أمام الجماهير . و نظّم جماهيريا هجوم معاكس مركّز بما أطاح بالتعليلات الرجعية فاضحا إياهم كرجعيين حقيقة .

إتخذ هذا النضال ، فى البداية ، شكل حملة تصحيح ضد البيروقراطية و الإنعزالية و الذاتية منذ مطلع ماي 1957 . و بات طابع الحملة مفتوحا لمساهمة الجماهير مستعملة الدازيباو [ نصوص حائطية ذات حروف كبيرة ] . و سيستغل ماو تسى تونغ دروس التجربة أفضل إستغلال بعد ذلك خلال الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى . كان التحريفيون داخل الحزب يمارسون بحذر و تجنبوا الظهور جميعهم لدفع البرجوازية فى هجومها بما أنهم كانوا يخشون تعريض أنفسهم و كانوا يخططون لإفتكاك الحصن من الداخل . كما كانوا يخشون نقد البيروقراطية الذى نهضت به الجماهير . و مع ذلك تقدمت بعض العناصر بأفكارها الرجعية . ضمن عناصر الحزب الشيوعي و رابطة الشباب الشيوعي، أطل المتذبذبون برؤوسهم أو ذهبت نيّة بعضهم للقيام بذلك .

" تهدف هذه الحركة إلى تقديم توجه سياسي صحيح و رفع المستوى الإيديولوجي و تجاوز نواقص عملنا والتوحد مع الجماهير العريضة و عزل اليمينيين البرجوازيين و كافة العناصر الأخرى المناهضة للإشتراكية و شق صفوفهم. وضمن اليمينيين البرجوازيين الذين نتحدث عنهم هنالك ايضا الذين تسللوا للحزب الشيوعي أو لرابطة الشباب ، و يتخذون موقفا سياسيا مماثلا لموقف اليمينيين خارج الحزب و الرابطة . لقد خانوا قضية البروليتاريا الثورية لشنهم هجومات مسعورة ضد حزبنا . لذلك ينبغى فضحهم بعمق و طردهم من الحزب و الرابطة من أجل تطهير الصفوف " . ( المجلد 5 ، صفحة 515-516).

وبادر ماو تسى تونغ بتنظيم حملة التصحيح بخطاب تلاه قبل أشهر من بدايتها فى ندوات الكوادر فى تسيان و نانكين . فيه أيضا قام بتحذير شديد اللهجة ضد مظاهر الفساد فى الحزب :
" منذ إنتصارنا فى الثورة، تراجعت الإرادة الثورية لدي بعض رفاقنا و بتراجع إندفاعهم الثوري تقلص تفانيهم فى خدمة الشعب قلبا و قالبا و حصل الشيئ نفسه بشأن تحدى الموت الذى تحلّوا به أيام القتال ضد أعدائنا .و فى نفس الوقت نراهم يطالبون بالمواقع و يتباهون بما يتميزون به من مأكل و مشرب و هم يتزاحمون من أجل الأجر و يبحثون عن الشهرة و الكسب . إنها نزعات بصدد النمو ."

و فى أكتوبر 1957 ، فى خطابه أمام الجلسة الثالثة عشر للندوة العليا للدولة ، قال :
" الثورة الإشتراكية أمر جديد بالنسبة لنا جميعا . فى الماضى لم ننجز سوى الثورة الديمقراطية ذات الطابع البرجوازي و التى كانت تهدف إلى القضاء على الملكية الإمبريالية و الملكية الإقطاعية و الملكية الرأسمالية البيروقراطية و مع ذلك لا تطال الملكية الخاصة و لا ملكية الرأسمال الوطني . و إذن نجح العديد من الناس فى إختبار الثورة الديمقراطية .. بعضهم كان قليل الحماس للذهاب بهذه الثورة إلى نهايتها و بالرغم عنهم تجاوزوا الإمتحان . و أراد آخرون الذهاب بها إلى نهايتها و فعلوا. و اليوم المنعرج هو الثورة الإشتراكية هو الذى ينبغى تجاوزه و يجد البعض من الصعب القيام بذلك. و لنأخذ مثلا، حال عضو حزب فى هوباي كان فى السابق أجيرا فلاحيا . إنه من عائلة إضطرت على التسول طوال ثلاثة أجيال . عند التحرير تحرر و حتى حصل على نوع من الرفاه و صار كادر منطقة و مع ذلك ، كان يبدو غاضبا للغاية ضد الإشتراكية و كان لا يوافق بقوة على التعاونيات . كان يطالب ب"الحرية " و يعارض سياسة الشراء و البيع الموحدين للدولة " ( المجلد 5 ، صفحة 543 ) .

و بعدُ لم يدرك ماو تسى تونغ عمق تغلغل هذا الفساد الذى أفرزته البرجوازية الجديدة التى نشأت من عدد كبير من الكوادر الوسطى و لم يدرك أيضا عمق رجعية طبيعة الخروتشافيين الصينيين. و فى خطاب له فى جانفى 1957 وقعت الإشارة إليه سابقا، واصل تأويل الرؤى الرجعية المموهة التى صاغها التحريفيون فى المناصب العليا أو أتباعهم الأقل درجة ، كأخطاء تذبذب. و أشار مثلا إلى أن : " غالبية كوادر حزبنا مستائين من المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي و يرون أنه ذهب بعيدا فى الهجوم على ستالين . وهذا إحساس و رد فعل طبيعيين غير أن أقلية من الكوادر أخذت تتذبذب. كلما أعلن عن إعصار قادم ، قبل هطول المطر، غادرت الحشرات جحورها فأنوفها حساسة للغاية و لها معرفة بأحوال الطقس . عندما إندلع إعصار فى المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي ، وجدت كذلك فى الصين حشرات غادرت جحورها . إنها عناصر حزبية مترددة تتذبذب أمام أدنى حدث . عندما سمعت عن حملة التنديد بستالين، شعرت براحة و إنحرفت إلى الجهة الأخرى . و أطلقت صراخا تحية لخروتشاف الذى إعتبرته على حق على طول الخط و أنها كانت دائما تحمل تلك الآراء ." ( المجلد 5 ، صفحة 384) . و يسترسل بعد أسطر ليقول :
" شهد بعض أعضاء حزبنا فى الماضي أنواعا مختلفة من الإختبارات. و لكن من الصعب عليهم إجتياز إختبار الإشتراكية ...و إلى جانب أولئك وجد فى الحزب أناس عارضوا احركة التعاونيات الفلاحية . و بإختصار هنالك بعض الكوادر العليا فى الحزب غير قادرة على إجتياز إختبار الإشتراكية و هم مترددون ." ( المجلد 5 ، صفحة 385) .

من البديهي أن ماو تسى تونغ إلى حينها لم يدرك المصالح الرجعية ( و الروابط السرية ) التى وجدت بين هؤلاء الكوادر فى المناصب العليا للحزب الشيوعي الصيني المترددة و خروتشاف و أتباعه فى الإتحاد السوفياتي و بلدان أخرى أين وقعت خيانة الإشتراكية و الذين سبق و أن تمكنوا من مغالطة ستالين بشأن مراميهم الحقيقية.

على كل حال ، بالضبط إثر إنطلاق حملة التصحيح فى 1957 إتخذت الكثير من الإجراءات الهادفة لمحاربة البيروقراطية فى الحزب و الدولة و مختلف أنواع المؤسسات .و فى ملاحظاته أمام الدورة العامة الثانية للجنة المركزية الثامنة ، شدد ماو تسى تونغ على أن " هنالك مئات الآلاف من الكوادر فى مستوى لجان الحزب بالمناطق يمسكون مصير البلاد بأيديهم . إذا فشلوا فى إنجاز عمل جيد ، عزلوا أنفسهم عن الجماهير و إذا لم يعيشوا عيشة بسيطة و لم يعملوا بجهد ، سيكون للعمال و الفلاحين عذر شرعي فى عدم الموافقة على الإبقاء عليهم . يجب أن نراقب العمل خشية تشجيع طريقة العمل البيروقراطية والتطور بإتجاه التحول إلى شريحة أرستقراطية معزولة عن الشعب . و سيكون للجماهير عذر شرعي فى إبعاد كل من يمارس البيروقراطية من العمل و كذلك كل من لا يقوم بجهود و لا يحاول أبدا أن يقدم تعويضات . أقول إنه من الأفضل الإستغناء عن مثل هؤلاء و يجب أن يتمّ الإستغناء عنهم . "

بعد ذلك ، ملخصا آراء الجماهير فى حملة التصحيح ، قال إنه من المتأكد أن على الكوادر القيادية ( بما فيها كوادر الحزب الشيوعي و الإتحادات و الإدارة و رابطة الشباب الشيوعي ) أن تساهم بإستمرار فى العمل اليدوي و ينبغى أن تتحد مع العمال فى حياتها اليومية و أن تتخلص بتصميم من الإمتيازات التى تفصلها عن الجماهير . نحتاج إلى جهود كبرى لتقليص و تبسيط خارطة العمل التنظيمية و تقليص عدد العاملين فى تنظيمات الحزب و الإدارة و النقابات و كذلك العاملين بالمؤسسات غير الضروريين و غير المنتجين . ينبغى أن نعير الإنتباه إلى تعويد الكوادر على المساهمة فى الإنتاج لوقت جزئي أو كامل. و ينبغى بذل جهود خاصة لإيجاد روابط وثيقة بين التقنيين و عمال الإدارة من جهة والعمال من جهة ثانية. و ينبغى مراجعة و تحطيم الحواجز التى تقف فى طريق الإنتاج و تعرقل مبادرة العمال . و طريقة جيدة لدفع العمال و الموظفين نحو العمل الإداري و لمحاربة البيروقراطية هي إجتماعات العمال بقيادة لجنة الحزب.

و بعد تلخيص هذه المرحلة التجريبية، يتعين إستعمال هذه الطريقة إستعمالا شاملا فى حملة التصحيح الراهنة و تعميمها على كافة البلاد . وفق توجيهات اللجنة المركزية، لإجتماعات العمال المهام و الصلوحيات التالية :
1- معالجة ونقاش تقرير عمل المعمل الذى يقدمه المدير و معالجة و نقاش خطة إنتاج المعمل المالية و التكنولوجية و العمل و الأجور و كذلك أهم الإجراءات لأجل تحقيق الخطة و تقديم الإقتراحات .
2- معالجة و نقاش إستعمال الحوافز المالية و الصحة العمومية و الرعاية الطبية و مالية الإتحاد و المالية تحت تصرف الإدارة لحماية العمل و كذلك مصاريف أخرى من أجل صحة العمال. بشأن هذه المسائل يمكن للقرارات أن تتخذ و تقدم لإدارة المؤسسة أو قطاعات معينة أخرى لتطبق طالما لم تتناقض مع مقررات و توجيهات خلايا المستوى الأعلى.
3- إقتراح تحويل الكوادر القيادية للمؤسسة نحو الخلية الإدارية التالية الأعلى عند الضرورة .
4- تقديم مقترحات إلى الخلية الأعلى حين لا يوافق إجتماع العمال على قراراتها . "

ويؤكد القرار على أن الإستعمال الشامل للدازيباو ضروري حتى يتمكن العمال و الموظفون من التعبير عن آراءهم . فمثل هذه المعلقات الحائطية ذات الحروف الكبيرة بشكلها البسيط و طريقتها الجميلة جيدة للغاية لتعبئة الجماهير إنهم جادون وواضحون فى نقدهم لأخطاء القياديين و أخطاء العمال ذاتهم و فى تقديم المقترحات لعقلنة العمل . و الدازيباو يمكن أن تتحول تدريجيا إلى وسيلة إتصال قارة هامة بواسطتها يمكن للنقد و النقد الذاتي أن ينتشر عبر المعامل و الدواوين و المعاهد.

مثّل هذا التوجيه نفسا جادا ضد الأرضية التى تغذى التحريفيين فى الحزب و فى الدولة و دفعا عميقا للجماهير و بثّ الخوف فى البيروقراطية الإنتهازية و قادتها الذين يعرقلونها بكل الأشكال الممكنة. فى الأعمال الجديدة لهنش ، فى 1958 إستخدم العمال مليون معلقة كبيرة /دازيباو و أحدثوا 360 ألف تجديد تقني و مع ذلك فإن هذه الإجراءات المعادية للبيروقراطية لن تستعمل بفعالية إلا إبان فترة نهوض الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى.

نبذة موجزة عن حياة الرفيق ماو تسي تونغ

منقولة عن الرفيقة
بابلية بنت سومرية
ماو زدونگ
هذا هو اسم صيني; لقب العائلة هو ماو.
ماو تسي تونگ (الصينية المبسطة: 泽东; الصينية التقليدية: 毛澤東; پن‌ين: Máo Zédōng; ويد-گايلز: Mao Tse-tung)النطق (عاش 26 ديسمبر 1893 إلى 9 سبتمبر 1976) - زعيم الحزب الشيوعي الصيني منذ1935 حتى وفاته. تراجع منسحباً أمام الجيش الوطني في "المسيرة الطويلة".
ومنذ تأسيس الحزب الشيوعي حتى كتابة هذا المقال، حافظ الحزب على قيادة الصين نتيجة انتصار ماو تسي تونگ في الحرب الأهلية الصينية وتأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949.
عمل ماو على تطوير مفهوم جديد للشيوعية سُمّي "بالماوية" وكان مزيج من شيوعية لينين وماركس. وعمل على التحالف مع الاتحاد السوڤيتي ومن ثمّ الخروج إلى الجموع الصينية بالثورة الثقافية.
أقام نظام مركزى عملاق في صورة حزباً واحداً للتحكم في كل قطاع من حياة الصينين، كل الصناعات وضعت تحت تصرف الدولة ليعاد توزيعها لخدمة المجتمع الثورى .
له خمسة من الأولاد، بنتان من زوجته الرابعة الممثلة شيانج شينج وولدين و بنت من زيجاته السابقة، قتل ابن له في حرب كوريا، و الاخر مترجم لغة روسية في بكين.
نشأته :
ولد ماو في 26 ديسمبر 1893 في مقاطعة هيوفن من اب فلاح وعندما كان في الثامنة عشرة من عمره قامت اثورة ضد النظام الملكى الفاسد الذي يحكم البلاد من القرن 17 و بعد شهور من قيامها انتهت الملكية و اعلنت الجمهورية، و فشل النظام الثوري في إنشاء حكومة مستقرة فكانت قاعدة لحرب أهلية مسببة الفوضى و ظلت الصين كذلك حتى 1949
اراد ماو ان يصبح استاذاً فدخل جامعة بكين في 1918 و هناك اعتنق الشيوعية كونه يسارياً في أفكاره و في 1920 كان واضحاً انه ماركسى كعشرات الصينين و في يونيو 1921 أصبح واحداً من الاثنى عشر الذين اسسوا الحزب الشيوعى في شنغهاى . و ترقى فيه ببطء فكان زعيمه في 1937.
فلسفته :
في البداية اعتقد ماو تسي تونگ أن أنصار الحزب يجب ان يكونوا العمال في المدن ، متفقاً مع كارل ماركس وفى 1925تغير تفكيره بعد أن تغيرت ظروف الصين،و اعتمد ماو على الفلاحين،موجهاً كل تركيزه إلى التنمية الزراعية.عمل ماو على تطوير مفهوم جديد للشيوعية سُمّي "بالماوية"وكان مزيج من شيوعية لينين وماركس. وعمل على التحالف مع الإتحاد السوفييتي ومن ثمّة الخروج إلى الجموع الصينية بالثورة الثقافية.
مصاعب واجهت الحزب :
تمزق التحالف بين الجيوش القومية، و الشيوعية في عام 1927 عندما بدأ شيانج كاى شى تطهيراً عنيفاً للحمر هرب ماو و زملائه إلى الجبال على حدود هيزان كيانجسى لتنظيم أول حكومة سوفياتة صينية يرتكز على الفلاحين. في سنة 1934 أحاط القوميون بسوفيت هيوان – كيانجسى فانسحب الشيوعيون و بدئوا في الهروب من خلال رحلة طولها 6000 ميل نحو الحدود الغربية أكثر من 100000 رجل، و امرأة، و طفل، سافروا سيراً على الاقدام لمدة عام مارين خلال 12مقاطعة، 24 نهر، العديد من سلاسل الجبال، الغابات الكثيفة، و الصحارى المهجورة و لم ينجو منهم الا 20000.
السلطة :
وضع الحزب خطة بطيئة التقدم للاستيلاء على الحكم و بعد أن أغتيل عدة قادة شيوعيون أصبح ماو القائد الوحيد و في عام 1947 بدأ التحرك لقلب نظام الحكم بزعامة شيانج ، و في 1949 انتصرت القوات الشيوعية، كان ماو في السادسة و الخمسين، اما بلاده فكانت قد انهكتها الصراعات و الحروب في حال من الفقر و التخلف و الجهل، و هرب شيانج إلى تايوان. استخدم ماو العنف الثوري المعتدل ضد قادة الثورة المعادية و ضد الامبرياليين و من الرجعين السياسين و قطاع الطرق.

أهم انجازاته :
اخذ ماو على عاتقه تمدن الصين و تحويلها إلى أمة عصرية قوية، بدأ بالعناية بالتعليم و التصنيع و الصحة حول النظام الاقتصادى من رأسمالية إلى إشتراكية، وسيطر ماو على كل أجهزة الدولة و استخدمها للدعاية، فبعد أن كانت الصين تقدس ألاباء و الأجدادمنذ آلاف السنين أصبحت تقدس الوطن و بدأت تعاليم كونفوشيوس في الانقراض حتى اختفت.

مشروع القفزة الكبرى إلى الأمام :
اعتبره الغرب من أخطر المشاريع التي تبناها ماوو كان وقت ذاك في الستينات من عمره ، ففى 1958 بدأ المشروع و كان يرتكز على الصناعات الصغيرة في الحقول و القرى في الريف، حيث أجبر الملايين من الفلاحين و العمال و المدنيين على العمل في هذا البرنامج الصناعى بمعدل سريع لتحقيق نتائج كبيرة، و لكن لم يستطع الشعب أن يواكب السرعة المطلوبة فانهار المشروع، مخلفاً خسائر ضخمة تخطتها الصين بعد سنتين و في هذه الفترة العصيبة، دفع الشعب الثمن مواجهاً فقر مدقع بلا طعام و بملابس رثة، اما ماو فاضطر أن يشتري القمح من الدول الراسمالية ليطعم شعبه.
الثورة الثقافية :
في 1965 أشعل ماو الثورة الثقافية الكبرى و كان في السبعينات من عمره وقتها، التي أراد منها سحق المعارضة الرأسمالية، فقام بإطلاق ملايين الطلبة من المدارس العليا و الجامعات ليخدموا كحرس حمر.
الناحية العسكرية :
في اخر1950 ارسل ماو قوة عسكرية ضخمة من المتطوعين إلى شمال كوريا لمحاربة جيشاً امريكياً تحت قيادة الجنرال دوجلاس ماك آرثر هازماً اياه، مما جعل الجيش الامريكى المهزوم أن يتقهقر إلى كوريا الجنوبية .
بعد ذلك بعام غزت القوات الصينية جبال التبت، و قتلوا آلاف من الرجعيين التبتية العملاء للاستعمار. و في 1962 ارسل ماو جيشاً عبر حدود الهيمالايا الهندية فدخلت الهند الاقل تجهيزاً الحرب، و بعد اسابيع انسحبت الصين بعد ان غزت مساحات لا تذكر على الحدود. لقد كان سبب هذا الانسحاب السريع للصينيين هو تهديد الدول الامبريالية للصين بضربها بالاسلحة النووية دفاعا عن "درة التاج البريطاني" أي الهند ، في وقت سائت العلاقات بين الاتحاد السوفيياتي والصين وتخلى السوفييات عن الصينيين مما يعني فناء الصين لو انها خاضت هذه الحرب الذرية بمفردها دون مشاركة الاتحاد السوفيياتي فيها الى جانب الصين.
رغم انهم فقدوا مساعدة الروس الفنية لهم أثر الخلاف الذي دب بينهم بعد المصالحة مع الولايات المتحدة، الا انهم استطاعوا ان يختبروا قنبلتهم الذرية الأولى على أرض سنكيانج البور في 1964، ثم القنبلة الهيدروجينية بعدها بفترة وجيزة، اسرع مما اعتقد كلا من موسكو و و اشنطن.
علاقته بروسيا :
في اواخر الخمسينات سائت العلاقة بين الصين والكرملين و زادت حدتها بعد ان قررت موسكو التعايش السلمى مع الولايات المتحدة، و هاجمهم ماو معلناً انه يخدم بإخلاص فكر لينين الماركسى الذي يدعو إلى تدمير الرأسماليين.


ماذا علّمنا ستالين ؟


 علينا في البدء أن نقرّ ههنا أن النخاسين الأوغاد وأعداء الجنس البشري نجحوا في إقحامنا في الحديث عن مآثر أعظم القادة عبر التاريخ كما رآه تشيرتشل وأرفع أعلام العمل الشيوعي كما في الواقع وهو الرفيق ستالين، على الرغم من أن أول مبادئ العمل الشيوعي هو الابتعاد التام عن شخصنة الأفكار والسياسات حتى لشخص مثل كارل ماركس مؤسس العمل والفكر الشيوعي طالما أن كل شخصنة أو فردانية ليست بريئة من الروح البورجوازية في نهاية المطاف. نقول أقحمنا هؤلاء النخاسون الأوغاد في الحديث عن أثر ستالين في العمل الشيوعي بل وفي تاريخ الانسانية على كره منا بعد أن نجح هؤلاء الأوغاد في صناعة حملة شعواء شارك فيها حتى الشيوعيين الأغرار وبلهاء القوم على ستالين تحديدا وليس على ماركس أو على لينين الذي يعتبر ستالين تلميذه النجيب. صوروه غولاً تقطر الدماء البشرية من شدقيه، قتل أكثر من خمسين مليوناً من البشر !! وللمرء أن يتساءل هنا .. كيف نجح هؤلاء الأوغاد في تصوير أنبل أبناء البشرية جمعاء على مثل هذه الصورة المرعبة التي لا تليق حتى بهولاكو أو بهتلر !؟ قد يعتقد الكثيرون أن أبواق الدعاية الرأسمالية الامبريالية هي التي قامت بهذه الحملة وأنفقت عليها الكثير، غير أن هذا المعتقد منطلق من موقف سياسي محدد، فمثل هذه الصورة الوحشية لستالين لم تكن قد رسمت قبل انهيار النظام الرأسالي في سبعينيات القرن الماضي ولم يكن بإمكان الرأسماليين في الغرب وعلى رأسهم قائدهم الشهير ونستون تشيرتشل أن ينكروا فضل ستالين الشخصي في حماية نظامهم الرأسمالي من الرسوف في عبودية الرايخ الهتلري لألف عام، والرأسماليون الإنكليز تحديداً يعلمون تماماً أن هتلر كان في آب أغسطس 1939 ، قبل احتلاله لبولندا واشتعال الحرب العالمية الثانية، كان قد عرض على ستالين احتلال بريطانيا واقتسامها مع مستعمراتها بين الطرفين وأن ستالين بالمقابل رفض حتى الإصغاء لمثل هذا الاقتراح النازي البربري. من رسم مثل هذه الصورة الوحشية بسفالة وانحطاط غير إنسانيين هو البورجوازية الوضيعة التي آلت إليها سلطات الدولة في العالم كله عبر مزاح ثقيل من قبل التاريخ، ومن هنا باتت صدور البورجوازية الوضيعة تغلي حقداً على ستالين الذي حتى صورته التي لا تفارق خيال الكادحين في العالم تهدد البورجوازية الوضيعة بوجودها ليس في السلطة فقط بل وفي وجودها أصلاً كطبقة ذات امتيازات تعيش كما العلق على امتصاص دماء العمال. مثل هذا الحقد البورجوازي الوضيع يعم الثقافة البورجوازية بكل ألوانها وكل منابرها وتجد لها متنفساً حتى في جريدة تعلن عن نفسها بأنها " يسارية " .

نكتب اليوم عن ماذا علمنا ستالين من دروس في الحرب على الطبقية وعلى استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، ماذا علمنا في قيادة هيئة أركان البروليتاريا في العالم في حربها الضروس ضد جيوش البورجوازية اللجبة بمختلف ألوانها وتشكيلاتها. نكتب دون أن نكرر ما كنا قد كتبنا قبل عشر سنوات في كتابنا المنشور على الشبكة في موقعنا تحت عنوان " من هو ستالين؟ وما هي الستالينية؟ " وهو الكتاب الذي تم اعتماده كمرجع في العديد من الجامعات ودور البحث. لن نكتب مرة أخرى عن الأخلاق التي تخلّق بها ستالين وهي الأخلاق التي تعتبر وفقاً لمسار التاريخ فوق قدرات الإنسان (Ultra-humane) . كيف لرجل يحتل قيادة دولة عظمى يكتب لوالدته بأن ليس لديه المال الكافي ليرسل لها أكثر مما تيسر لديه ويرجوها أن تكتب إليه إن ظلت في عوز " ليتدبر " أمره. ويكتب لابنه فاسيلي بأن ليس لديه المال يرسله إليه لشراء بذلة جديدة أسوة بزملائه. ستالين، زعيم أقوى دولة في العالم يرسل زوجته ناديا إلى المعهد التقني في موسكو لتتعلم صبغ المنسوجات ولا يعرفها زملاؤها في المعهد كزوجة لأعظم رجل في الاتحاد السوفياتي لأنها تستخدم المواصلات العامة وترتدي مثل أردية الأخريات، كما سجل خروشتشوف في مذكراته ـ مقارنة بابنته وزوجها اللذين كانا يستوردان لباسهما وغذاءهما بالطائرة من بالريس. عندما نقول فوق قدرات الإنسان (Ultra-humane) فنحن نعني الانسان الذي ما زال يعيش في مجتمعات يحكمها الذهب بالمعنى الشكسبيري الماركسي (أيها الذهب يا قوّاد العالم البشري !). ستالين كان أقوى من الإنسان في المجتمعات المحكومة بقوة المال ومنها حتى المجتمع الاشتراكي. نكتب هنا لنشير إلى كيف عبر ستالين الحدود الإنسانية التي يمكن تصورها إلى ما لا يمكن تصوره حتى في الخيال.

ألأم كاترينا أرسلت طفلها يوسف إلى الكلية الاكليركية كي يغدو كاهنا منذوراً لخدمة " ألله ". كان ذلك بسبب العوز وربما أيضاً تكفيراً عن خطايا والده السكير وإبعاداً له عن قساوة والده الذي كان يضرب الطفل وأمه دون رحمة. في الكلية تعرّف يوسف على نشطاء اشتراكيين وأخذ يدرس خلسة بعض المنشورات الماركسية وما إن إكتشفت إدارة الكلية أمره حتى سارعت إلى طرده. إذّاك قرر الطفل يوسف فيساريونوفتش دوغاتشفيلي ذو الأربعة عشر ربيعاً فقط أن ينذر نفسه لخدمة الطبقة العاملة بدل خدمة " ألله " الذي لم يستطع التعرف عليه حتى في الكلية الإكليركية. على كافة الشيوعيين في العالم أن يتعلموا من ستالين كيف نجح في خدمة البروليتاريا وفي قيادة هيئة أركانها في صراعها الملحمي ضد أعدائها البرابرة من مختلف الصنوف والطبقات.

منذ بداية تفتح الوعي قبل عشرات ألوف السنين وجد الإنسان نفسه محاصراً بلقمة عيشه وعليه أن يدخل في صراع لا يهدأ ليس مع الطبيعة فقط بل ومع نظيره الآخر أيضاً كي يصل قبله إلى لقمة العيش العزيزة، وهي سبب الحياة. غريزة البقاء الحيوانية في الإنسان تجسدت مع توالي ألوف السنين في تحصين الذات من خلال حيازة الأسباب المادية للبقاء، وتجسد هذا في الملْكية حصن الذاتية. تمثل هذا بالصراع الطبقي في المجتمعات المركبة وخاصة في المجتمع الرأسمالي حيث يصل الصراع الطبقي إلى أعلى درجات العنف. لا يمكن نقل المجتمع الرأسمالي إلى الشيوعية دون فصل غريزة البقاء في الإنسان عن الملكية والصراع نحو تحصين الذات. مثل هذا الفصل بين غريزة البقاء والصراع نحو تحصين الذات هو أصعب ما تواجهه قوى الشيوعية وهو دون شك ما تسبب في إفشال المشروع اللينيني في الثورة الاشتراكية العالمية. لم نعرف أحداً نجح في مثل هذا الفصل غير ستالين بعد الثورة الاشتراكية وماركس ولينين قبل الثورة. في هذا المنحى تحديداً يمكن فهم نقد ستالين العنيف لمولوتوف، أقرب الرفاق إليه، ومحاولته إبعاده عن القيادة بسبب حبه لزوجته الشيوعية المتعاطفة مع الحركة الصهيونية. غريزة البقاء في البورجوازية الوضيعة تغلبت على قوى الشيوعية.

أبلغ ما له اعتبار في هذا السياق هو ملاحظة ونستون تشيرتشل التي وردت في خطابه باحتفائه بيوم ميلاد ستالين الثمانيني في العام 1959 في مجلس اللوردات، أي ست سنوات بعد رحيل ستالين، إذ وصف ستالين على أنه شديد القسوة حتى مع نفسه. نعم كان شديد القسوة مع نفسه قبل الآخرين، وهذا بالضبط هو سر وصوله إلى المكانة التاريخية الخاصة التي وصل إليها حتى وصفه تشيرتشل بأنه " أعظم القادة في كل العصور ". حرم نفسه من كل متع الحياة. كان وزيراً في حكومة لينين 1917 وشغل مركز لينين منذ العام 1922 وكان يقوم بكل وظائفه خارج المكتب سيراً على الأقدام ولم يركب المركبة المحروسة إلا في العام 1928 بناء على قرار لقيادة الحزب بعد محاولة اغتياله. ظل يعمل 16 ساعة يومياً طيلة حياته دون أن يوفر وقتاً للقضاء مع أطفاله ومع زوجته التي أحبها كثيراً مما دفعها إلى الانتحار. رفض أن يبادل إبنه الأسير بأسير نازي أعلى منه رتبة وشرح على المعاملة الخاصة بالمبادلة " لسنا بلهاء لنبادل كابتن بجنرال " مما أثار النازيين لقتل ابنه. رفض أن ينسب النصر على النازي لشخصه كما هو في الحقيقة بل إلى الشعب الروسي. لم يكن لديه لباساً مناسباً لعرض جثمانه للوداع مما أخر مواعيد الجنازة ريثما يصلح الخياط جاكيته المهترئة. سألوا العاملين في منزله عن كيف كانوا يخدمون ستالين فأجابوا جميعاً بأنهم لم يخدموا ستالين بل ستالين كان يخدمهم بقضاء بعض احتياجاتهم الصغيرة. ثمة مائة مثال ومثال على قسوة ستالين مع نفسه ولسنا هنا بحاجة لنثبت ذلك، لكننا بحاجة لنعلل تلك القسوة. لماذا كان ستالين قاسياً مع نفسه ؟ هذا فقط ما نود أن نعالجه بهذا المقال وهو على درجة حديّة من الأهمية، دون أدنى اعتبار للكلام السخيف حول قسوة ستالين كوسيلة للاحتفاظ بمركز الرئاسة حيث الطامع بالرئاسة لا يكون قاسياً مع نفسه ولا يتمتع بأية امتيازات يوفرها مركز الرئاسة، عداك عن أن ستالين وخلال فترة رئاسته 1922 ـ 1953 كان قد قدم استقالته من مركز الرئاسة خمس مرات.

حالما طرد الطفل يوسف (ستالين) من الكلية الاكليركية إنضم إلى صفوف الطبقة العاملة وعمل في مصانع التبغ والسجاير في باكو. وفي العام 1897 ولم يكن قد أكمل الثامنة عشرة قاد ستالين أكبر إضراب عمالي عرفته روسيا القيصرية وتحدثت عنه الصحف الأوروبية، وفي العام التالي قاد إضراباً كبيراً لعمال شركة النفط. وفي العام 1901 ولم يكن قد أكمل الثانية والعشرين كتب ستالين أول أطروحاته النظرية حول " الواجبات الملحة لحزب العمال الاشتراكي الديموقراطي " شارك بها لينين بشروط تشكيل الحزب على أساس بلشفي، الشروط التي رفضها المناشفة في السنة التالية وتسببت في الانشقاق في مؤتمر الحزب في لندن 1903 ، وألح ستالين في أطروحته على أن الثورة الاشتراكية هي ثورة العمال حصراً وليس ثورة البورجوازية الوضيعة ومنها المثقفون. منذ العام 1898 وتأسيس حزب العمال (الحزب الشيوعي فيما بعد) كرس ستالين كل حياته بكل تفاصيلها للعمل الحزبي وقيادة البروليتاريا الروسية نحو الثورة الاشتراكية. ما تميّز به ستالين عن سائر رفاقه في الحزب هو الوعي التام بمستلزمات النظرية الماركسية وليس بالنظرية ذاتها فقط وتتركز هذه المستلزمات بتطهير الذات من كل أثر للروح البورجوازية في النفس (الأنا) وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا بالمقاومة المستمرة للذات دون هوادة أو لين طيلة العمر.

الأحزاب الشيوعية بكل الطهر المدعى به إنما هي أحزاب تشكلت في مجتمع طبقي ظل ملتزماً بمسار التربية الذاتية التي ورثها أفراد الحزب بالتالي من أغوار التاريخ الإنساني كحقيقة تاريخية ليست موضع تساؤل (Axiom) فكان أن تـأكدت فيهم التربية الذاتية حتى غدت من الأفعال الغريزية، ولذلك حق لنا أن نصف التطهر من التربية الذاتية على أنه يتجاوز قدرة الإنسان (Ultra-humane) . عضو الحزب الشيوعي لن يكون شيوعياً حقيقياً ما لم يتطهر من كل أدران الذاتية وهو ما يقتضي النضال بلا هوادة ضد الذات طيلة العمر دون توقف. أما تصريحه حال انتسابه للحزب بأن يكون أميناً لمصالح البروليتاريا على الدوام فليس أكثر من وعد لا يتحقق أبداً وخاصة من ذوي الأصول البورجوازية الوضيعة بغير أن يشن الشيوعي حرباً لا هوادة فيها على ذاته حتى الإنكار التام. حزب العمال الاشتراكي الديموقراطي في روسيا (RSDLP) ـ الشيوعي فيما بعد ـ تشكل في العام 1898 من المثقفين الروس وحزب البوند اليهودي وجميع هؤلاء هم أصلاً من البورجوازية الوضيعة المحصنة ذاتياً كما في الطبيعة. ما فعله ستالين بتميّز عجيب هو تطهره من كل تراث البورجوازية الوضيعة الفكري والثقافي والأخلاقي. أمام مثل هذه الحقيقة الثابتة يمكن القول أن الستالينية إنما هي قبل كل شيء الحرب على النفس أو الذات. حرب ستالين القاسية بلا هوادة على ذاته هي الحقيقة التي تدحض كليّاً كل التهم الرخيصة المغرضة التي توجهها البورجوازية الوضيعة إليه. يزعم النخاسون الأوغاد أن ستالين عمل على قتل رفاقه في قيادة الحزب لأجل أن يظل هو الرئيس الفرد للحزب وهذا ما يعبر عن ذاتية مطلقة وليس في حياة ستالين ما يشي بذلك على الإطلاق ناهيك عن أنه كان قد قدم استقالته من مركز الأمين العام للحزب خمس مرات في الأعوام 1924، 28، 41، 52، 52. ليس هناك أي امتياز حظي به شخص ستالين كرئيس للدولة. رئيساً للدولة يعمل 16 ساعة يومياً لثلاثين عاماً على التوالي دون انقطاع لا يجوز حتى مجرد الإفتراض بأنه عمل لكسب امتيازات لشخصه.
نحن لا نعرف ممن تخلوا عن متاع الدنيا من أجل قيادة البروليتاريا في حربها من أجل تأسيس وقيام دولة دكتاتورية البروليتاريا غير كارل ماركس وفلاديمير لينين ويوسف ستالين؛ وعلينا أن نضيف هنا أن متاع الدنيا لم يكن موفورأ وسهلا في متناول يد ماركس أو لينين على العكس من ستالين الذي حكم أغنى دولة في العالم.

أهم الدروس المختلفة التي علمها ستالين هو البنية السيكولوجية للإنسان الشيوعي. أيُّهذا الإنسان الشيوعي الذي يتخلى عن كل متاع الدنيا !؟ ولماذا يتخلّى عن متاع الدنيا وجوهر الدنيا كما يؤكد الشيوعيون هو المتاع !؟
الشيوعيون يخوضون حروبهم الملحمية الضروس من أجل إقامة دولة دكتاتورية البروليتاريا. ودولة دكتاتورية البروليتاريا هي الوسيلة الوحيدة للتخلص من داء الصراع الطبقي والانتقال إلى الشيوعية. ليس لأحد أن يقدر طول عمر دولة دكتاتورية البروليتاريا الذي يقرره مستوى تطور المجتمع المعني. إلا أن وصول دولة البروليتاريا إلى الحياة الشيوعية أمر محتم لا ازورار فيه. في الشيوعية تتطوع كامل قدرة العمل في المجتمع للإنتاج بأدوات غاية بالرقيّ، وهو ما يخلق ثروات وفيرة تزيد عن حاجات الإنسان. إذّاك يتخلى الإنسان الشيوعي بصورة قطعية عن مختلف متاع الدنيا وذلك لأن مثل هذا المتاع في متناوله السهل ومحل استهلاكه الطبيعي مثلما يستهلك الإنسان الأكسجين دون أن يعتبره من متاع الدنيا. وهكذا يتم الفصل التام بين غريزة البقاء في الإنسان عن الملْكية، ويتم القضاء النهائي على نزوع الإنسان للملْكية.

قدرات ستالين الخاصة في الإنكار المطلق للذات لم تكن مكتوبة في جيناته الوراثية بالطبع بل كانت مكتسبة تعضدها إرادة حديدية موروثة. اكتسبها ستالين من أناجيل ماركس وإنجلز ولينين التي لم تغب عنه لساعات مذ كان عمره إثنتي عشرة سنة. في كل مأزق أو منعطف واجهه ستالين كان لا يباشر في تفكيكة أو تجاوزه قبل العودة لأناجيله يبحث فيها عن الهداية. مؤلفاته الكثيرة لم تخرج عن هذا السياق. طيلة قيادته للمجتمع السوفياتي في عبور مرحلة الاشتراكية حرص حرصاً شديداً على الإلتزام المطلق بخارطة الطريق التي رسمها لينين، وكان لدى كل منعطف يعود لأناجيله وخاصة انجيل لينين ويبدأ كل خطاباته ومقارباته لمنعطفات الطريق بالقول .. " يعلمنا لينين إذ يقول .. كذا وكذا ". قبل رحيله بأشهر قليلة ورداً على تصريح لرفيق عمره مولوتوف وآخر لمالنكوف مؤكدين أنهما تلميذان لستالين، أكد ستالين بأن ليس لديه تلاميذ ..و" كلنا تلاميذ للينين " . ليس إلا بمثل هذا الإنكار للذات يتحول الشيوعي بالإعلان إلى شيوعي حقيقي، شيوعي مثلما تخطط دولة دكتاتورية البروليتاريا لتحويل كل الناس إلى شيوعيين بالطبيعة بدون أحزاب وبدون سياسة بعد أن يكون علم السياسة قد اندثر مع اندثار الصراع الطبقي، فالسياسة إنما هي في التحليل الأخير أدب الصراع الطبقي.

علمنا ستالين كيف يكون المرء شيوعياً حقيقياً مطهراً من الذاتية ومن كل ما تستدعيه من شرور وآثام، كيف يكون الإنسان المثال في الحياة الشيوعية المتقدمة، وعلى أية صورة تصل رحلة الإنسانية على طريق الأنسنة إلى أطراف مستقرها.
كتب لينين في جنيف إلى مكسيم غوركي في كابري/إيطاليا يقول .. تعال إليّ لترى " القوقازي العجيب " يكتب في المسألة القومية. كان ستالين موضع إعجاب لينين، فلِما لا يكون موضع إعجابنا !؟ هذا سؤال كبير الأهمية بليغ الدلالات على عكس ما يراه الكثيرون من بسطاء الشيوعيين إذ يرونه متقادماً ولا مساس له بقضايا العصر. هؤلاء البسطاء لم يتعرّفوا بعد على طريق الشيوعية ولم يعوا أن الخروج من طريق الشيوعية، وهو ما أدّى إلى انهيار مشروع لينين في الاشتراكية السوفياتية الخروج الكارثي بالنسبة للإنسانية جمعاء، إنما بدأ بالهجوم على شخص ستالين. لما لا يتساءل مثل هؤلاء الشيوعيين البسطاء عن السر الكامن وراء استعار الحملة الهوجاء المتزايد على ستالين يوماً بعد آخر !!؟ البورجوازية الوضيعة المنحطة التي تتغذى على دماء الشغيلة تخشى، أخشى ما تخشى، أن يتعرف الشغيلة على طريق الشيوعية. ستالين هو حقاً طريق الشيوعية. كان هكذا وهكذا سيكون وليس ثمة طريق أخرى.

الديالكتيك الالهي والديالكتيك المادي

الرفيق حسقيل قوجمان

في الاونة الاخيرة ظهرت في الحوار المتمدن سلسلة من المقالات لم تكتمل بعد بقلم انور نجم الدين حول الديالكتيك الالهي ذكر اسمي في عنوانها واقتبس بعض العبارات من مقالاتي فيها. وفي احد التعليقات على مقالاته كتب المعلق د. قبل اسمه وهذا يعني انه شخص ذو ثقافة عالية اهلته للحصول على د. قبل اسمه في موضوع ما. ويبدو من مقالاته انه خبير بالديالكتيك الالهي وبانتقاد الديالكتيك الالهي. فارجو له من كل قلبي كل النجاح في تثقيف قرائه بهذا الديالكتيك الالهي وبنقيضه.
ليس في نيتي ان اناقش مقالاته لانني اعترف بمنتهى التواضع باني امّيّ في هذا الديالكتيك الالهي فلم اسمع به من قبل ولم اقرأ عنه ولا اعرف شيئا عنه. فأنا تعلمت من معلمي الطبقة العاملة بعض الشيء عن موضوع اسمه الديالكتيك المادي، المادية الديالكتيكية، وبعض الشيء عن موضوع اسمه التاريخ المادي، المادية التاريخية. وهذا الشيء البسيط الذي تعلمته هو ما استطيع ان اقدمه الى قرائي الاعزاء.
في الحقيقة لا يستطيع اي كاتب في العالم سواء اكان حسقيل قوجمان او انور نجم الدين او غيرهما ان يقدم لقرائه اكثر من ماهيته مهما حاول ذلك. واقصد بماهيته التحول النوعي الذي حصل عليه في واحدة من الاف او مئات الالوف من الحركات المتميزة عن بعضها والمترابطة فيما بينها لتؤلف الانسان. وهذه هي ان صح التعبير الحركة العلمية. فاحدى الحركات المكونة للانسان هي حركة تمثل صراعا بين العلم او المعرفة والجهل. فكل انسان منذ يوم ولادته يمر بهذه الحركة. هذه الحركة هي وحدة نقيضين، المعرفة او العلم والجهل. طيلة حياة الانسان منذ ولادته وحتى وفاته يعاني من صراع بين هذين النقيضين وكل تغير كمي في احدى النقيضين او في كليهما يؤدي الى تغير نوعي في الانسان. وما يقدمه الكاتب، كل كاتب، لقرائه هو الكشف عن النوعية التي بلغها هو نفسه في لحظة الكتابة ولا يستطيع ان يقدم شيئا اكثر من ذلك مهما حاول.
وكما ينطبق هذا التناقض بين العلم والجهل على الانسان الفرد ينطبق كذلك على المجتمع الانساني كله. فالعلم نفسه عبارة عن تاريخ التطورات الكمية والتحولات النوعية في الدماغ البشري والافكار التي يحتويها. فهناك فرق بين الجيولوجيا مثلا وعلم الجيولوجيا. الجيولوجيا هي تاريخ التغيرات الكمية والتغيرات النوعية التي حدثت في تكوين الارض خلال مليارات السنين منذ انفصالها ككتلة مستقلة. اما علم الجيولوجيا فهو تاريخ التغيرات الكمية والتغيرات النوعية في تطور معرفة الانسان للجيولوجيا في الدماغ الانساني، علم الجيولوجيا. وهذا ينطبق على كافة العلوم ويطول بحثه اذا اردنا ان نتحدث عنه ببعض التفاصيل.
لا اريد هنا ان ابحث بعض هذه الحركات المكونة للانسان وللمجتمع البشري عموما لان بحث هذا الموضوع هو المادية التاريخية واكتفي في هذا المقال بكتابة ما استطيع تقديمه لقرائي الاعزاء في موضوع المادية الديالكتيكية.
حين كنا في الدراسة الابتدائية كان لنا درس يسمى درس الاشياء. وفي احد الايام حين كنت في الصف الخامس الابتدائي جلب لنا المدرس انبوبا زجاجيا طوله متران او اكثر وفي داخله جسم متحرك. وحين رفع المدرس هذا الانبوب عموديا سقط الجسم المتحرك الى اسفل العمود. وقام المدرس بتجربة افرغ فيها العمود من الهواء. وعند ذلك سقط الجسم المتحرك بسرعة فائقة. فقال لنا المدرس ان الهواء يقاوم هبوط الجسم المتحرك ولذلك فان خلو العمود من الهواء يجعل الجسم يهبط بسرعة اكبر. وكرر التجربة عدة مرات واستطعنا كلنا ان نرى كيف ان وجود الهواء يؤخر هبوط الجسم في داخل العمود. واليوم حين اتذكر تلك التجربة استطيع شرحها بان حركة الجاذبية هي صراع بين قوة الجاذبية التي يوجهها مركز الارض على الاجسام والمقاومة التي يوجهها الهواء لها.
ان وقوفنا على الارض هو تعبير عن هذا التناقض، عن وحدة النقيضين، الجاذبية ومقاومة الجاذبية. وكل تغير كمي في احد هذين النقيضين يؤدي الى تغير نوعي. ففي حالة وقوفنا على الارض تكون مقاومة القشرة الارضية كافية لمنع هبوط الجسم داخل القشرة الارضية. اننا نعرف اليوم ان وزن الجسم ليس صفة من صفات الجسم نفسه وانما هو مقدار الجذب الذي تستطيع القشرة الارضية مقاومته. واذا كانت الجاذبية اكثر مما تستطيع قشرة الارض مقاومته فان الجسم يخترق القشرة الارضية. ونشاهد ذلك واضحا في الاراضي الرملية حيث تغوص اقدام الانسان الى ان تبلغ المكان الصلب الذي يستطيع تحمل الجاذبية. وقد ادرك الانسان منذ القدم ان بناء جسم كبير ثقيل مثل جدار او عمارة يؤدي الى اختراق القشرة الارضية وتهدم البناء وبعد تجارب استطاع الانسان ان يحسب مقدار القوة اللازمة لتثبيت البناء وعن طريق التغير الكمي في صلابة القشرة الارضية، اي ما يسمى هندسيا بالاساس، اصبح بامكان القشرة الارضية ان تتحمل ثقل البناء المطلوب. والمهندسون يحسبون هذه القوة بدقة جعلت من الممكن بناء الاهرام والجنائن المعلقة وناطحات السحاب. فالتغير الكمي في اساس البناء يؤدي الى تغير نوعي في تحمل سطح الارض لمقاومة البناء الضخم.
عند انتقالنا من الدراسة الابتدائية الى الدراسة المتوسطة احدث التغير الكمي في ثقافتنا تغيرا نوعيا. بدأنا ندرس شيئا اعلى مستوى من درس الانشاء اسمه الفيزياء. وفي مبادئ الفيزياء تعلمنا شيئا اسمه قانون محصلة القوى. وقد نص قانون محصلة القوى على ان الجسم الثابت او الجامد او الساكن يقاوم تحويله الى جسم متحرك. لذلك كان من الضروري توجيه قوة كافية لجعله متحركا. وتعلمنا انه اذا وجهت للجسم الثابت قوى متعددة في اتجاهات مختلفة فان هذه القوى حين تبلغ بكميتها القوة اللازمة لتحريك الجسم الثابت فان الجسم يتحرك في اتجاه واحد فقط وتعلمنا في درس الفييزياء ان نحدد عن طريق القوى الموجهة واتجاهاتها الاتجاه الذي يتحرك به الجسم الثابت وسرعته الخ...فقانون محصلة القوى يمثل صراعا بين القوى التي توجه من اجل تحريك الجسم الساكن والمقاومة التي يوجهها والتغير الكمي في هذه القوى يؤدي الى تغير نوعي، من السكون الى الحركة. او من الحركة الى السكون في الجسم المعين وحدة نقيضين، السكون والحركة، وكل تغير كمي في هذا التناقض يؤدي الى تحول نوعي، الى تحول السكون الى حركة، تحول الحركة الى سكون، تغير سرعة الحركة الخ...
وقبل نيوتن اكتشف ارخيميدس قانون غطس الاجسام في السوائل. وقانون ارخيميدس في الواقع هو صورة اخرى من قانون الجاذبية. قانون ارخيميدس يبحث فعل الجاذبية الارضية في محيط سائل لا يستطيع مقاومة الجاذبية كما تفعل القشرة الارضية الصلبة. عند سقوط جسم صلب في سائل كالماء لا يستطيع الماء مقاومة هبوط الجسم بفعل الجاذبية فيغطس الجسم الصلب في الماء الى ان يصبح بمقدور الماء ان يقاوم قوة الجاذبية. ويصبح وزن الجسم في هذه الحالة مقدار المقاومة التي يوجهها الماء في مقاومة الجاذبية. فيفقد الجسم الصلب من وزنه مقدارا يعادل وزن السائل الذي ازاحه اثناء انغمار الجسم الصلب في السائل. فقانون ارخيميدس هو وحدة نقيضين هما قوة الجاذبية الموجهة من مركز الارض على جسم وقوة المقاومة التي يوجهها السائل ضد تلك الجاذبية. وقد استفاد الانسان من معرفة هذا التناقض قبل ارخيميدس فصنع السفن الشراعية والاكلاك والقوارب وغيرها ونجح في تطوير مقاومة الماء بزيادة سطح الماء المقاوم للجاذبية كما استطاع الانسان الاستفادة من قانون نيوتن قبل ان يعرف الانسان شيئا اسمه قانون الجاذبية.
نعود الان الى التجربة التي اجراها لنا مدرس الاشياء في الصف الخامس الابتدائي، تجربة مقاومة الهواء للجاذبية. هذه المقاومة هي الاخرى وحدة نقيضين شاهدها الانسان وحاول الاستفادة منها قبل علمه بوجود التناقض بين قوة جذب الارض وقوة مقاومة الهواء. شاهد الانسان منذ قرون كثيرة ان الطير يستطيع البقاء في الجو وعدم السقوط كما يحدث للاجسام الاخرى. وتصور انه يستطيع تقليد الطير في البقاء في الجو وعدم الهبوط. ومعروف تاريخيا ان الانسان حاول بصور شتى تقليد الطير واستخدم اجنحة صنعها ويعرف التاريخ اشخاصا جربوا البقاء في الجو كالطير ولكن مقاومتهم للجاذبية لم تكن كافية فسقطوا ولاقوا حتفهم.
طرأت على هذه التجارب الانسانية تحولات كمية وتحولات نوعية الى ان حل التغير النوعي الكبير بنجاح الانسان في مقاومة الجاذبية الارضية في الجو كما يفعل الطير. وخلال قرن واحد استطاع الانسان ان يجري تغيرات كمية وتغيرات كيفية في الطيران الى ما نراه اليوم من قدرات على استخدام الطيران للاغراض المفيدة للبشرية وللاغراض المدمرة للبشرية. وكما الحال بقانون ارخيميدس يحدث انخفاض وزن الطائر البشري بمقدار تغلب الجاذبية على المقاومة الجوية ويصبح وزن الجسم الطائر مساويا لمقدار مقاومة الجو للجاذبية. وتطور هذا الوضع الى وضع تعادل الجاذبية والمقاومة.
كما في رياضة جر الحبل رغم القوة الهائلة التي يوجهها طرفا الجذب تبقى حركة مركز الحبل صفرا طالما تعادلت قوتا الجذب المتناقضتان، كذلك عند تعادل الجذب الارضي ومقاومته يصبح وزن الجسم الطائر صفرا. وهذا ما جربه الانسان اليوم في الاقمار الاصطناعية حيث يصبح وزنه صفرا.
يلاحظ القارئ العزيز ان حركة الجذب ومقاومتها على اليابسة وفي السوائل وفي الجو، وهي حركة وجدت مليارات السنين قبل نشوء الحياة على الكرة الارضية وملايين السنين قبل تطور الطبيعة الى انسان وملايين السنين بعد نشوء الانسان ومحاولات الاستفادة من هذا التناقض. وكان دور ارخيميدس ونيوتن وغيرهما من العلماء اكتشاف قوانين هذه الحركة وتحويلها الى علم.
اذا اخذنا حركتين مختلفتين واردنا فيهما ان نجد وحدة النقيضين وتحول التحولات الكمية الى تحولات نوعية والتحولات النوعية الى تحولات كمية فلن نجد شيئا من هذا القبيل. فلو اردنا ايجاد التناقض بين الذرة ودوران القمر حول الارض لا نجد بينهما وحدة النقيضين وتحول الكم الى كيف. لان وجود وحدة النقيضين وتحول الكم الى كيف مقتصر على الحركة ذاتها. والذرة هي حركة او ظاهرة غير حركة دوران القمر حول الارض. فاذا اردنا ان نجد وحدة النقيضين وتحول الكم الى كيف علينا ان نتتبع تطور الحركة في واحدة من الحركتين.
ان الذرة كما اصبحت علما بعد اكتشاف الانسان قوانين الحركة فيها تتألف من نواة من البروتونات والنيوترونات وحولها عدد من الالكترونات تتحرك وفقا للتجاذب والتباعد بين النواة والمحيط بها. وقد حاول الانسان كما نعلم منذ بداية تطوره تحويل الحديد مثلا الى ذهب. وتطور علم الانسان التدريجي للعناصر الى درجة تحويل حركة الذرة الى علم.
وعلم الذرة هو عبارة عن معرفة التحول الكمي في نواة الذرة والتحول النوعي الناجم عن ذلك. والعلم يعرف الان جدول العناصر. اذ مجرد زيادة كمية البروتونات ببروتون واحد يؤدي الى نشوء عنصر جديد يختلف فيزيائيا وكيميائيا عن العنصر السابق. وجدول العناصر ليس الا ترتيب العناصر حسب عدد البروتونات والنيوترونات المكونة لنواة الذرة. واصبح بمقدور العلماء ان يقرروا الخواص الفيزيائية والكيميائية للعنصر حتى عند عدم وجوده. بل اصبح بمقدور العلم فعلا ان يحقق حلم السيميائيين بتحويل الحديد الى ذهب باضافة العدد اللازم من البروتونات الى نواة عنصر الحديد. ولكن هذا ما زال مكلفا وليس من المصلحة انفاق المبالغ الكبيرة لتحقيقه. واكبر مثال على ذلك عنصر البلوتونيوم غير الموجود على الكرة الارضية اطلاقا. عرف العلماء الخواص الكيمياوية والفيزيائية لهذا العنصر رغم عدم وجوده واستطاعوا ان يوجدوه مختبريا. ورغم المليارات اللازمة لتحقيق ذلك واصل العلماء تحقيقه لان وجوده كان ضروريا لتحقيق انفلاق الذرة الذي كان فتحا نحو استخدام فلق الذرة لفائدة البشر واستخدام فلق الذرة لابادة البشر.
يرى القارئ الكريم انني لم استعمل حتى الان كلمة ديالكتيك ولم احتج الى استعمالها لان كل ما كتبته ليس سوى حركة نقيضين هما جذب الارض ومقاومة جذب الارض او التغيرات النوعية التي تحدث على العناصر عند التغير الكمي في عدد بروتونات الذرة. وكل هذه التغيرات حدثت في الطبيعة مليارات السنين قبل وجود الانسان على الارض وبدون وجوده.
تطور التناقض بين العلم والجهل لدى هيغل ادى الى تغير نوعي مكنه من اكتشاف القوانين التي تسري في الحركة عند تطورها. ولكن اعتبار هيغل ان الفكرة هي الاساس وان المادة ليست سوى انعكاس للفكرة منعته من رؤية الحركة في المادة بصورتها الحقيقية واعتبر ان هذه القوانين تسري في تطور الفكرة. وكان من حظ كارل ماركس ان يرى بان هذه القوانين التي اكتشفها هيغل هي قوانين الحركة في المادة وادى اكتشافه هذا الى تحويل هذه القوانين التي كانت سارية مليارات السنين الى علم يستطيع الانسان ان يستفيد منه. ان قوانين الحركة في المادة هذه هي المادية الديالكتيكية.
ادت التحولات الكمية والتحولات النوعية في تطور الحياة على الكرة الارضية الى نشوء مادة طبيعية حية متميزة عن سائر المواد الطبيعية قادرة على العمل وتحويل المادة عن طريق العمل وعلى التفكير الذي يعلم هذه المادة الحية كيفية تحويل المادة. هذه المادة الطبيعية الحية هي الانسان. وراى ماركس ان نفس القوانين التي سرت في حركة الطبيعة مليارات السنين سرت على تطور هذه المادة الجديدة، "الانسان" ايضا. وبما ان مادة الانسان تميزت عن سائر المواد بكونها قادرة على العمل والتفكير فان سريان قوانين الحركة على تطور الانسان والمجتمع البشري شكل تاريخ الانسان على الكرة الارضية ولذلك اعتبرت نفس القوانين الديالكتيكية السارية في الطبيعة لدى مفعولها في تطور الانسان والمجتمع البشري التاريخ المادي للانسان على الكرة الارضية، اي المادية التاريخية.
ان كتاب الراسمال لكارل ماركس هو تسجيل لهذا التاريخ المادي الذي بدأ بالصيد وتحول في عالمنا الحالي الى استنساخ الاحياء عن طريق عمل الانسان على الطبيعة وتحويلها. واطلق ماركس على العلاقة بين الانسان والطبيعة وتحويلها اسم قوى الانتاج. وبين التطورات النوعية التي نشأت عن طريق التحولات الكمية في علاقة الانسان بالطبيعة اي في تطور قوى الانتاج. بحث كارل ماركس التغيرات الكمية في عملية الانتاج التي ادت الى التحول الكيفي في تحول ما ينتجه الانسان الى سلعة والتطورات الكمية التي جعلت من السلعة نقودا والتغيرات الكمية التي حولت النقود الى راسمال الخ... ان كارل ماركس لم يصنع تلك التغيرات الكمية وتحولاتها الى تغيرات كيفية وانما تتبعها وحولها من واقع حدث اثناء ملايين السنين الى علم.
وراى كارل ماركس ان الانسان في عملية الانتاج يكوّن علاقات اجتماعية معينة. فالصيد مثلا كان منذ بداية حياة الانسان على الكرة الارضية عملية اجتماعية تقوم بها مجموعة من الناس ويجري اقتسام الصيد على الجماعة بصورة طبيعية. وان هذه العلاقة تتطور تطورا نوعيا يتفق وتطور قوى الانتاج. ومن تاريخ هذا التطور توصل الى نشوء الطبقات والصراع الطبقي وضرورة الثورة وحتمية تحول المجتمع الانساني الى الاشتراكية والشيوعية لكي يتحاشى الفناء.
كل ذلك حققه كارل ماركس بدون ان يذكر كلمة ديالكتيك. فلا اتذكر وجود كلمة ديالكتيك في الجزء الاول من كتاب الراسمال. المرة الوحيدة التي جاءت كلمة ديالكتيك في كتاب الراسمال هي في التذييل الذي اضافه كارل ماركس الى الطبعة الثانية. فبعد ان اقتبس مقطعا طويلا مما كتبه احد الناقدين الروس عن اسلوب كارل ماركس في البحث كتب كارل ماركس الملاحظة التالية:
"ان المؤلف، بوصفه على هذا النحو الموفق لما يسميه بطريقتي الفعلية وبنظرته بعين الرضاء الى اساليبي الشخصية لتطبيق هذه الطريقة، لم يصف بذلك شيئا اخر سوى الطريقة الديالكتيكية." (الراسمال باللغة العربية، المجلد الاول، الجزء ١ ، ص ٢٦)
ومن يرغب في معرفة الطريقة الديالكتيكية التي يتحدث عنها كارل ماركس ما عليه الا ان يقرأ القطعة التي اقتبسها كار ماركس من منتقده التي اعتبرها ماركس وصفا موفقا لطريقته الفعلية في البحث.
الخلاصة هي ان المادية الديالكتيكية ترى ان المادة والحركة لا يمكن فصلهما عن بعض اذ لا وجود للمادة بدون حركة ولا وجود للحركة من دون مادة. وترى ان الحركة في المادة تسري وفق قوانين معينة وان هذه القوانين عند اكتشافها من قبل الانسان سميت المادية الديالكتيكية وسمي سريانها على تطور المادة المتميزة، الانسان، مادية تاريخية.

نحتاج الىِ شطف ادمغتنا ٥

الرفيق حسقيل قوجمان

ملاحظة: في تعليق ليعقوب ابراهامي كتبه لاحد المعلقين على مقالاتي اخبره بانه يعد هجوما كاسحا ضد حسقيل قوجمان. يبدو انه في حالة حرب يحتاج الى الهجوم بكل مستلزماته ويحتاج طبعا الى نصر مماثل. اتمنى انه قد حقق في هجومه النصر الذي يبتغيه. انا لست في حالة حرب اكتب ارائي صريحة وباقصى ما استطيعه من الوضوح والتسلسل واتوصل الى نتائج وحال ارسال ما اكتبه للنشر لا يعود ملكا لي بل يصبح ملك القراء بمن فيهم يعقوب والقراء الذين يساندون هجومه يفعلون به ما يشاؤون. ولكن كل معلق في الدنيا يجابه حالة لا يستطيع تحاشيها هي انه عند تعليقه يعبر اولا عن مستواه الفكري والادبي قبل ان يبدي رايه في اراء الكاتب.

من المفاهيم التحريفية التي انتشرت في عموم الحركة الشيوعية المدمرة المشتتة المفككة نتيجة سيادة التحريفية الخروشوفية ان الاتحاد السوفييتي لم يحقق مجتمعا اشتراكيا تحت قيادة ستالين. ورغم انفضاح حقيقة الخروشوفيين وتحريفيتهم وتحطيمهم للاتحاد السوفييتيي الاشتراكي واعادة الراسمالية الامبريالية الى دول الاتحاد السوفييتي السابقة بقي هذا المفهوم سائدا في اغلب الحركات التي تسمي نفسها حركات شيوعية ان لم يكن في كلها.
ليس مفهوم عدم تحقيق النظام الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي جديدا بل كان قائما منذ اول نشوء الاتحاد السوفييتي. فبعد فشل الدول الامبريالية الكبرى مجتمعة في القضاء على الثورة الاشتراكية نشأت الدعايات الاعلامية حول عدم امكان تحقيق الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي وقد لعبت الاممية الثانية المنهارة وانصارها من المعارضين داخل الاتحاد السوفييتي دورا حاسما في نشر هذا المفهوم. ولكن الجديد في الموضوع هو انتشار هذا المفهوم فيما يسمى الحركات الشيوعية في ارجاء العالم اثناء حكم التحريفيين الخروشوفيين.
طوال وجود الاتحاد السوفييتي الاشتراكي تحت قيادة ستالين لم يكن لهذا المفهوم وجود داخل الحركة الشيوعية العالمية الموحدة في الاممية الثالثة وحتى بعد حل الاممية الثالثة. كانت جميع الاحزاب الشيوعية العالمية تعترف بوجود نظام اشتراكي كامل ومتقدم نحو المجتمع الشيوعي وكانت الطبقة العاملة العالمية تعتبر الاتحاد السوفييتي وطنها الاول لان البلدان الامبريالية ليست وطنا حقيقيا للطبقة العاملة التي تعاني فيها اشد انواع الاستغلال والاستعباد الامبريالي.
وطبيعي ان من يدعون بهذا المفهوم يبررون ادعاءاتهم بالاسباب التي تبرهن على عدم وجود النظام الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي. احاول في هذا البحث مناقشة احد هذه الاسباب التي يعتبرونها برهانا على ان الاتحاد السوفييتي لم يحقق نظاما اشتراكيا. الادعاء بان ما حققه الاتحاد السوفييتي هو راسمالية الدولة ويضيف بعضهم انها اسوأ من راسمالية الدولة في الدول الامبريالية. وهذا المفهوم يدل ليس على جهل هؤلاء المطبق للنظام الاشتراكي والمجتمع الاشتراكي وانما يدل على جهلهم المطبق لمفهوم راسمالية الدولة ايضا.
راسمالية الدولة هي حتى استنادا الى اسمها، راسمالية. انها مشاريع راسمالية تديرها الدولة ادارة راسمالية بحتة. يزداد حجم هذه المشاريع الراسمالية او ينقص ولكنها لا تتعدى كونها مشاريع راسمالية. لكي يشوهوا هذه الحقيقة اطلقوا على هذه المشاريع الراسمالية اسم القطاع العام واعتبروا ان القطاع العام ذو طابع اشتراكي وان توسع القطاع العام يعني زيادة المظاهر الاشتراكية داخل المجتمع الراسمالي. قرات لانجلز قبل عقود عبارة لا استطيع اقتباسها بالنص الاصلي، وليسمح لي القارئ اقتباسها من الذاكرة. قال انجلز ما معناه لو ان راسمالية الدولة تعني الاشتراكية لكان نابليون بونابرت اعظم اشتراكي. مشاريع الدولة في الدول الراسمالية سواء اطلقنا عليها اسم راسمالية الدولة ام اطلقنا عليها اسم القطاع العام هي مشاريع راسمالية ولا علاقة لها بالاشتراكية اطلاقا. واوضح برهان على ذلك ما يجري اليوم تحت عنوان الخصخصة حيث تحول هذه المشاريع الراسمالية من ادارة الدولة الى ادارة الشركات الامبريالية العالمية وعلى راسها الولايات المتحدة.
فما الذي حدث في الاتحاد السوفييتي بعد نجاح الثورة وانتهاء حرب التدخل؟ استلمت حكومة الثورة الاشتراكية مجتمعا راسماليا مدمرا صناعيا وزراعيا وكان عليها ان تبني من هذا المجتمع مجتمعا اشتراكيا. وهذا ما زال حتى اليوم احد الانتقادات الموجهة الى لينين على اعتبار انه لم ينتظر الى ان يكتمل الانتاج الراسمالي في روسيا قبل اعلان الثورة. كان عليها حتى ان تحقق اهداف الثورة البرجوازية التي لم تحققها الحكومة البرجوازية التي نشأت بعد ثورة شباط. وكانت الخطوة الاشتراكية الكبرى الاولى مصادرة كافة الشركات الراسمالية والبنوك بدون تعويض. بهذه الخطوة الهائلة تحولت جميع الشركات الكبرى الموجودة في الاتحاد السوفييتي سواء منها الشركات الاجنبية ام الشركات المحلية الى مكونات اولى للتحول الاشتراكي في المجتمع. ولكن هذا لم يحول الاقتصاد السوفييتي الى اقتصاد اشتراكي كامل.
فما الذي تغير في الاقتصاد السوفييتي بعد الثورة؟ التغير الهائل الذي حدث هو ان المشاريع المصادرة او المؤممة لم تعد تدار بطريقة راسمالية، لم تعد مشاريع راسمالية. لم تعد معادلة الراسمال (ن س ن) نقود سلعة نقود +ربح تنطبق على الانتاج الصناعي في هذه المشاريع. اصبحت هذه المشاريع كلها مشروعا واحدا تمتلكه الطبقة العاملة والفلاحون وسائر الكادحين وتديره الحكومة التي انتخبتها سوفييتات العمال والفلاحين. لم يعد توزيع المنتجات بين هذه المشاريع عملية بيع وشراء وانما عملية تحول جزء من الانتاج من مشروع الى اخر حسب ما يتوفر في هذا الاقتصاد المدمر وحسب حاجة هذه المشاريع من اجل تطوير الانتاج تطويرا متدرجا مدروسا ومنظما. اصبحت هذه المشاريع المصادرة مشروعا اشتراكيا واحدا.
استلمت ثورة اكتوبر مجتمعا راسماليا مدمرا جراء الحرب العالمية وجراء حرب التدخل. ورغم ان المشاريع الصناعية التي اممتها اصبحت مشروعا اشتراكيا واحدا فان الحكومة السوفييتية لم تؤمم او تصادر بدون تعويض المشاريع الصناعية التي تستخدم اقل من خمسين عاملا. هذه المعامل والمشاريع بقيت تعمل على اساس راسمالي. ولكن هذه المشاريع تحتاج الى ادوات انتاج ووقود ومواد خام هي من انتاج المشاريع الكبيرة المؤممة. كان على الدولة الاشتراكية ان تزود هذه المشاريع بحاجاتها. فكان التعامل مع هذه المشاريع تعاملا راسماليا اذ تقوم الدولة ببيع حاجات هذه المشاريع وربما تقوم بشراء منتجاتها. هذا الجزء من الانتاج اتخد شكل راسمالية الدولة. كذلك لم تصادر الحكومة السوفييتية املاك البرجوازية الريفية التي كان اسمها كولاك. واستمرت هذه البرجوازية تعمل على اساس راسمالي وكان على الدولة ان تزودها بالمكائن الزراعية والوقود وسائر المنتجات الصناعية التي تحتاجها ومقابل ذلك تشتري منها منتجاتها الزراعية للطعام وللصناعة. هذا الجزء من انتاج مشاريع الحكومة ايضا اتخذ بالضرورة شكل التعامل البرجوازي، شكل عمليات السوق، شكل البيع والشراء، شكل راسمالية الدولة. لذلك كان الاقتصاد السوفييتي في تلك الفترة، فترة السياسة الاقتصادية الجديدة، اقتصادا مزدوجا، اقتصادا اشتراكيا لا يجري التبادل فيه وفق قواعد السوق واقتصادا راسماليا يجري التبادل فيه وفق قواعد السوق، اقتصادا اشتراكيا في جزئه الاكبر وراسمالية الدولة في الجزء المتعامل مع الشركات الصغرى والبرجوازية الزراعية. ولم يخف قادة الدولة السوفييتية ذلك بل اكدوا على وجود راسمالية الدولة في الاقتصاد السوفييتي.
كانت سياسة الحكومة السوفييتية اولا توسيع الجزء الاشتراكي من الانتاج وثانيا تضييق راسمالية الدولة. ولكن المشاريع الصناعية في المدينة لم تجر ازالتها عن طريق المصادرة او التأميم وانما سلكت الحكومة السوفييتية سياسة المشاركة مع هذه الشركات من اجل تحقيق هدف ازالتها.
اما في الزراعة فاضافة الى مزارع الدولة اغري الفلاحون الى تنظيم انفسهم طواعية في مزارع تعاونية عن طريق تقديم المساعدات بالمكائن الزراعية الحديثة والارشاد الزراعي فتقدمت حركة تشكيل المزارع التعاونية تقدما بطيئا نوعما ولكنه ثابت ومثمر. وادى تشكيل المزارع التعاونية الى تقليل اعتماد الانتاج الصناعي وحاجة الشعب للطعام على الانتاج الكولاكي.
دام هذا الوضع حتى ١٩٢٨. في هذه السنة ارتفع انتاج القمح من مزارع الدولة والمزارع التعاونية الى ما يكفي لغذاء شعوب الاتحاد السوفييتي بدون الاعتماد على الانتاج الكولاكي. وفي هذه السنة اتخذت السلطة السوفييتية قرارا باكمال ثورة اكتوبر التي هدفها الاساسي القضاء على كل انواع الانتاج الراسمالي بالقضاء على الكولاك كطبقة. فبدون هذه الخطوة لا يمكن تحقيق المجتمع الاشتراكي الكامل.
في ١٩٣٣ تم انجاز تحويل المجتمع السوفييتي الى مجتمع اشتراكي حقيقي. لذلك على من يريد حقا دراسة ما اذا كان النظام الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي قد تحقق ام ان النظام كان نظام راسمالية الدولة ان يدرس هذا النظام فيما بعد ١٩٣٣ وليس قبل ذلك او بعد وفاة ستالين. اذ قبل ذلك لم يكن المجتمع الاشتراكي كاملا وبعد وفاة ستالين لم يعد الاتحاد السوفييتي نظاما اشتراكيا. ان دراسة الاتحاد السوفييتي قبل او بعد هذه الفترة على انه كامل التطور الذي طرأ على الاتحاد السوفييتي يؤدي حتما الى الخطأ والتوصل الى ان النظام السوفييتي لم يكن نظاما اشتراكيا حقيقيا.
هل كان النظام السوفييتي في هذه الفترة نظاما اشتراكيا ام كان نظام راسمالية الدولة؟
ان راسمالية الدولة لا تعني ان الدولة تصبح مالكة لكامل الانتاج الراسمالي في البلاد بل هي مجرد مؤسسة راسمالية كبيرة الى جانب الشركات المحلية والاجنبية الخاصة، او ما يسمى القطاع الخاص، كبيرة ام صغيرة. ومؤسسة الدولة الراسمالية تعمل بنفس الاسلوب الراسمالي الذي تمارسه الشركات الراسمالية الاخرى. وبما ان الدولة لا تدير كامل الانتاج الصناعي والزراعي في البلاد بل تدير مؤسسة راسمالية الدولة فقط وان كل شركة من الشركات الراسمالية الاخرى تدير مشروعها بما تتطلبه زيادة ارباحها ومنافسة الشركات الاخرى بما في ذلك مؤسسة راسمالية الدولة فليس بامكان الدولة ان تنظم الانتاج الاجتماعي. ان تنظيم الانتاج الاجتماعي يتطلب سيطرة الدولة على كامل الانتاج الاجتماعي لكي تستطيع ادارته ادارة واحدة وتنظيمه تنظيما ينفي المنافسة. والاساس الذي تقوم عليه مؤسسة راسمالية الدولة وجميع المشاريع الراسمالية هو حساب الارباح والخسائر. فيقدر نجاح او فشل كل من هذه المؤسسات بمقدار الارباح التي حققتها. النقود هي البداية وهي النهاية في كل الاحوال.
فماذا كان الوضع الاقتصادي في المجتمع السوفييتي في فترة وجود المجتمع الاشتراكي الحقيقي؟
بخلاف راسمالية الدولة التي تسيطر فقط على المشاريع التي تديرها، القطاع العام، توجد كميات هائلة من المشاريع الراسمالية الاخرى، القطاع الخاص، كانت الدولة الاشتراكية تسيطر على جميع المشاريع الصناعية اطلاقا وتسيطر جزئيا على انتاج المزارع التعاونية. وهذا يستحيل تحقيقه في المجتمع الراسمالي.
هذه السيطرة التامة على الانتاج جعلت بمستطاع الدولة ان تنظم الانتاج الاجتماعي بحيث يكمل بعضه بعضا اختفت فيه ظاهرة المنافسة والتكالب على الارباح. تشهد على ذلك مشاريع السنوات الخمس التي رفعت الاتحاد السوفييتي الى الدرجة الثانية بعد الولايات المتحدة صناعيا والدرجة الاولى زراعيا. وهذا لن تستطيع تحقيقه اية دولة راسمالية ولم يستطع الخروشوفيون المحافظة عليه اثناء فترة حكمهم التحريفي.
لم تعد النقود وسيلة التبادل بين المشاريع المختلفة وانما اصبح التبادل تعبيرا عن حاجة كل مشروع لانتاج المشاريع الاخرى من اجل تحقيق التطور السريع والمنتظم لكافة مشاريع الانتاج. لقد انخفض دور النقود في المجتمع الى نطاق ضيق هو توزيع المواد الاستهلاكية والتبادل بين المزارع التعاونية والمدينة. وهذا الاخير لا يشمل المكائن الزراعية التي كانت تدار بنفس الطريق المنظم للانتاج الصناعي وعلاقة المزارع التعاونية بها هي علاقة تعاون تقدم محطات المكائن الزراعية فيها المعونة للمزارع التعاونية وتقدم المزارع التعاونية جزءا من انتاجها الزراعي مقابل ذلك. وطبيعي ان النقود بقيت بمهمتها العالمية للتبادل بين الاتحاد السوفييتي وارجاء العالم. دور النقود هذا في الاتحاد السوفييتي لا يشكل الا جزءا ضئيلا من دور النقود في اي بلد راسمالي يما في ذلك الاتحاد السوفييتي في العهد الخروشوفي تشهد على ذلك ظاهرة السوق السوداء التي سادت بشكل فظيع في فترة الحكم الخروشوفي.
لم يكن تقدير دور اي من المشاريع الانتاجية يقاس بالارباح النقدية كما هو الحال في المشاريع الراسمالية. نجاح او فشل اي مشروع يقاس بمقدار تحقيق دوره المخصص له في برنامج السنوات الخمس. اذا تتبعنا جميع الاحصاءات وكافة الخطابات في المؤتمرات لا نجد فيها كلمة ارباح. كل الاحصاءات تشير الى تطور الانتاج في المشروع الخاص بانتاج معين كانتاج وسائل الانتاج وانتاج وسائل الاستهلاك على سبيل المثال. كل الاحصاءات تقرر اذا كان المشروع قد انجز المهمة المخصصة له في البرنامج. مفهوم الربح في الاتحاد السوفييتي كان مقدار التقدم الذي يحققه المجتمع في الفترة المعينة بخلاف مقياس التطور في المجتمعات الراسمالية الذي يقاس بمليارات الارباح التي تحرزها الشركات الراسمالية الكبرى. وقد شاهد العالم انتقاد الحروشوفيين للفترة الاشتراكية بالاحتفاظ بمشاريع غير مربحة بالمفهوم الراسمالي وقرروا الغاءها.
لم تكن الدولة مالكة للانتاج الاجتماعي الذي تديره. لم يكن بالامكان ادارة جميع هذه المشاريع الضخمة بدون ان تكون لها هيئة ادارية قادرة على تحقيق ذلك. وكانت الدولة السوفييتية هذه الادارة المنتخبة من مجلس السوفييتات. كانت ملكية الانتاج الاجتماعي ملكية شعوب الاتحاد السوفييتي وليس ملكية خاصة لاية مؤسسة. لذلك انتهى التناقض المتصارع بين قوى الانتاج، المجتمع، وبين علاقات الانتاج، ادارة الانتاج وتطويره وتوزيعه.
ان اي قطر او اية اقطار تتحقق فيها الثورة الاشتراكية في المستقبل تحتاج حتما الى دراسة التجربة السوفييتية سواء منها الفترة السابقة لتحقيق المجتمع الاشتراكي من الثورة الى ١٩٣٣، وفترة المجتمع الاشتراكي من ١٩٣٣ حتى يوم وفاة ستالين والفترة التي تلت ذلك وكيفية نجاح الحكومات التحريفية في تحقيق هدفها لاعادة الراسمالية. تحتاج ان تدرس هذه الفترات والاستفادة مما يفيد تحقيق المجتمع الاشتراكي في بلادها وتتحاشى ما يعيق تحقيق المجتمع الاشتراكي. ان عدم اجراء مثل هذه الدراسة يحتم على هذه الحكومات الاشتراكية ان تبدأ من الصفر وتمر في نفس الانجازات ونفس الاخطاء التي مر بها الاتحاد السوفييتي. دراسة تجربة الاتحاد السوفييتي دراسة جدية علمية غير متحيزة ضرورة حتمية لتقدم اية دولة اشتراكية في المستقبل.
في هذا المقال بحثت نقطة واحدة فقط من النقاط التي يبرر فيها اعداء الاتحاد السوفييتي الاشتراكي واعداء الشيوعية وحتى اصدقاء الاتحاد السوفييتي المتأثرين بالتحريفية التي تغلغلت الى داخل الاحزاب الشيوعية في تلك الفترة التحريفية. وهناك مزاعم اخرى تبرر اعتبار ان الاتحاد السوفييتي لم يكن مجتمعا اشتراكيا حقيقيا قد تتوفر لي ظروف بحثها في المستقبل.

تفسخ القيادة الثورية في جنوب افريقيا ما بعد الابارتهايد

الرفيق حسقيل قوجمان
اجرى خويزي كادالي مدير مدرسة العمال الماركسية في افريقيا الجنوبية بدعوة من الحزب الشيوعي الماركسي اللينيني في بريطانيا جولة خطابات في عدة مدن بريطانية في شباط نشرت مجلة نورثستار كومباس في عددها الاخير تلخيصا طويلا من هذه الخطابات اترجم جزءا منه تحت العنوان التالي:
من ثوريين الى اصلاحيين
خلال سنوات الابارتهايد حكمت الطبقة الراسمالية التي امتلكت وسائل الانتاج في جنوب افريقيا بواسطة دولة الابارتهايد الفاشية، حكمت بالقوة الوحشية. كان الاستغلال المباشر الصريح والتعذيب والقتل والاعتقالات العشوائية والارهاب الجماعي لمجموع السكان السود الحالة السائدة في استغلال العمل الاسود الرخيص، ليس من اجل اغناء الطبقة الراسمالية البيضاء وحسب بل من اجل الفوائد المالية لكافة السكان البيض.
بعد سنة ۱۹٩٤، حين دحر النضال الوطني التحرري الابارتهايد، اصبح التناقض الرئيس في افريقيا الجنوبية التناقض بين الطبقة الراسمالية الحاكمة والطبقة العاملة، بدأت الطبقة الراسمالية تحكم عن طريق الديمقراطية البرجوازية، نفس شكل الحكم الذي وصفه ماركس وانجلز في البيان الشيوعي بانه الدكتاتورية البرجوازية.
بالتزامن مع هذا التحول، تحول حزب المؤتمر الوطني الافريقي، حركتنا التحررية السابقة على مر السنين ايديولوجيا الى حزب اشتراكي ديمقراطي.
لقد اصبحت الانتهازية القوة المادية لدى القيادة. في الواقع قد تفسخت كامل قيادة المؤتمر الوطني الافريقي وقيادة الحزب الشيوعي الجنوب افريقي التحريفي تفسخا اجتماعيا، انها اندمجت في الطبقة الوسطى الى حد ان هؤلاء القادة اصبحوا عاجزين عن رؤية مستقبلهم الشخصي ومصالحهم الخاصة منفصلة عن مصالح البرجوازية البيضاء وكذلك مصالح الطبقة الوسطى السوداء الناشئة.
الى هذا المدى لم تعد قيادة المؤتمر الوطني وقيادة الحزب الشيوعي قادرة على تمثيل المصالح الموضوعية لاعضاء القاعدة في منظمتيهما. كما انهم لم يعودوا بعد هذا قادرين على تمثيل مطامح اعضائهم.
تتألف القاعدة الاجتماعية لكلا المنظمتين من اناس عاديين من الطبقة العاملة وعوائلها ممن تتفاقم ثورتهم ضد قياداتهم. يتضح هذا من الصراع الداخلي المتفاقم في المؤتمرات والاجتماعات، وفي نشوء التكتلات داخل هاتين المنظمتين.
جميع الاحزاب السياسية في افريقيا الجنوبية تنكر واقع ان التناقض في قطرنا اليوم هو التناقض بين العمل والراسمال. ولهذا السبب تزدهر الاشتراكية الديمقراطية.
يخبر هؤلاء القادة الطبقة العاملة باننا جميعا في نفس الخندق سوية مع الراسمالية، وان علينا ان نتصرف وطنيا من اجل تقوية افريقيا الجنوبية معا. وفي هذه الاثناء يقوم الراسماليون بالتخندق باطراد وابعاد ملايين العمال. لقد بلغت البطالة ٤٦ % وانتشر الفقر والجوع كالحريق في الغابات ومع ذلك يخبرون الطبقة العاملة ان الحل الوحيد هو الصبر في انتظار زمان افضل وان عليها ان تكون اكثر وطنية.
حين تشتد التناقضات بين العمل والراسمال وتقوم الملايين من العمال بالتعبير عن غضبها واحباطها عن طريق اضرابات بطولية واحتجاجات على الاعداد المتزايدة من العمال الذين يسجلون للتصويت في الانتخابات ، والاعداد المتدنية من العمال الذين يسجلون للتصويت والاعداد المتدنية من اولئك المسجلين الذين يميلون الى الانسحاب. اكثر من اربعين بالمائة من السكان في نطاق العمل يقومون الان بالتعبير عن زوال اوهامهم عن طريق البقاء بعيدين عن التصويت.
جميع الاحزاب السياسة بمن فيها حزب المؤتمر الوطني والحزب الشيوعي في شتى الطرق وبمستويات متفاوتة في الشدة منهمكة فيما وصفه كارل ماركس "بانه يكمل الدولة الراسمالية القائمة".
يخبرون الطبقة العاملة ان المرحلة الحالية للثورة هي مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية . وفي الحقيقة ليس هذا الخط سوى الدعوة الى التعاون الصريح المباشر مع الطبقة الراسمالية الحاكمة، ولذلك فان جميع السياسات والبرامج التي نشأت وتطورت في افريقيا الجنوبية خلال سبعة عشر عاما ليست سوى محاولات لاكمال نضال ماكنة الدولة الراسمالية ولزيادة كفاءات النظام الراسمالي للاستغلال.


بهذا انتهى المقطع الذي قررت اقتباسه من خطاب القائد الشيوعي في جنوب افريقيا. حين قرات هذا المقطع شعرت ان ما حدث في الثورات البرجوازية في البلاد العربية حدث في افريقيا الجنوبية ايضا وفي اواخر القرن العشرين واوائل القرن الحادي والعشرين وهذا اوحى لي بكتابة هذا المقال حول الموضوع.
ان ما حدث بعد ثورة يوليو المصرية شبيه بما جاء في خطاب القائد الجنوب افريقي. ولكني لم اكتب كثيرا عن هذا حول الثورة البرجوازية المصرية وما تلاها من تقاعس الاحزاب الثورية وخصوصا الحزب الشيوعي المصري الذي حل نفسه تلقائيا بعد الثورة. ولا اعرف الحجج التي اتخذها الحزب الشيوعي في حينه للاسباب التي دعته الى حل نفسه مع العلم انني كنت انذاك سجينا. ولكني كتبت كثيرا عما حدث في ثورة تموز البرجوازية العراقية لاني عشتها قبل الثورة وبعد الثورة.
قبل الثورة كانت حياتنا في السجون السياسية العراقية وكانت وسائل ثقافتنا السياسية في السجون هي ما نحصل عليه من ادبيات ماركسية قليلة رغم الحصار الشديد المفروض علينا من قبل ادارة السجون. وحول موضوع الثورة البرجوازية وتحولها الى ثورة اشتراكية كانت الوثائق التي وصلتنا نادرة جدا. لم نحصل مثلا على كراس انجلز "مبادئ الشيوعية" الذي بحث هذا الموضوع باوضح واروع صورة في السؤال الخامس والعشرين من الكراس اقتبسه ادناه:
"بما ان الشيوعيين لا يستطيعون ان يحسبوا انه سيتاتى لهم خوض المعركة الفاصلة ضد البرجوازية قبل ان تبلغ البرجوازية السيادة، فمن مصلحة الشيوعيين مساعدة البرجوازية على بلوغ السيادة في اسرع وقت ممكن لكي يطيحوا بها بدورهم فيما بعد في اسرع وقت ممكن. "(ماركس اتجلس منخبات، المجلد ١ صفحة ١٠٨ – ١۰٩ )
ففي الثورة البرجوازية الالمانية في منتصف القرن التاسع عشر كان راي انجلز ان على البروليتاريا ان تساند الطبقة الراسمالية في ثورتها لكي تنال السلطة لا حبا باعين البرجوازية وانما من اجل التحول بعد الثورة البرجوازية الى الثورة الاشتراكية للاطاحة بالراسمالية.
الا ان اهم وثيقة في هذا الموضوع التي وصلتنا الى السجن لفترة قصيرة كان كراس لينين "تكتيكان". وفي هذا الكراس كان بحث لينين ينطبق مع راي انجلز بان على الشيوعيين ان يشاركوا في الثورة البرجوازية لكي يتحولوا الى الثورة الاشتراكية فور وصول البرجوازية الى السلطة. ولكن راي لينين والبلاشفة كان اكثر جذرية بحيث كان على الطبقة العاملة ان تنافس البرجوازية في قيادة الثورة البرجوازية والنضال من اجل نيل السلطة بالتحالف مع الفلاحين في الثورة البرجوازية وليس ترك القيادة للبرجوازية ومجرد مساندتها في الحصول على السلطة. جاء هذا الخلاف بين انجلز ولينين بسبب تطور الطبقة العاملة في روسيا بحيث اصبح في مقدورها ان تنال السلطة في الثورة البرجوازية بالتحالف مع الفلاحين وهو ما لم يكن ممكنا في الثورة الالمانية.
كان هذا الكراس الوثيقة التي اتخذناها اساسا للتثقيف حول الثورة البرجوازية ودور الطبقة العاملة فيها ونوع الحكم الذي ينجم عن نجاح الطبقة العاملة في قيادة الثورة البرجوازية بدلا من الطبقة الراسمالية.
وكانت لنا وثيقة اخرى محلية حول دور الطبقة العاملة والفلاحين في العراق في الثورة البرجوازية وتحولها الى ثورة اشتراكية في الميثاق الذي اتخذه مؤتمر الحزب الشيوعي العراقي برنامجا له. ففي هذا الميثاق كان الجزء الاستراتيجي يؤكد على المرحلتين في الثورة العراقية، مرحلة الثورة البرجوازية ومرحلة الثورة الاشتراكية. ولكن هذا الحزء من الميثاق حذف في مؤلفات الرفيق فهد الذي طبع فيما بعد.
وبما ان العديد من قادة الحزب كانوا في السجون لمدد طويلة كان من المفروض انهم كانوا على علم بموضوع الثورة البرجوازية وتحولها الى الثورة الاشتراكية فور نجاح الثورة البرجوازية وبلوغ الطبقة البرجوازية السلطة.
اضافة الى ذلك كتبت كراسا من مائة وعشرين صفحة مكتوبة باليد عن الديمقراطيات الشعبية بحثت فيه تطبيق ما جاء في كراس لينين في الديمقراطيات الشعبية في اوروبا المحررة من النازية بمساعدة الجيش الاحمر والديمقراطيات الشعبية التي تحققت في اسيا في النضال ضد المستعمرين اليابانيين ثم المستعمرين الغربيين في الحرب العالمية الثانية وبعدها. وكانت قيادة المنظمة السجنية قد قررت تدريس هذا الكراس لللجنة القيادية فقط قبل تدريسه للمنظمة ولكن هذا الكراس اختفى في مجزرة سجن الكوت. وكان الكراس مبنيا على اساس نظرية لينين في الثورة البرجوزية وتحولها الى ثورة اشتراكية وموضوع دكتاتورية العمال والفلاحين الثورية في حالة نجاح الطبقة العاملة والفلاحين في قيادة الثورة والحصول على السلطة في الثورة البرجوازية. وكانت الثورة البرجوازية الصينية اهم موضوع في هذا الكراس كمثال على دكتاتورية العمال والفلاحين الثورية ولو ان الديمقراطيات الشعبية في اوروبا ايضا تصلح لان تكون امثلة على ذلك.
اردت مما تقدم ان ابين ان قادة الحزب الشيوعي الذين كانوا في السجون كانوا على علم تام بنظرية لينين البلشفية وبمحتوى ميثاق الحزب الشيوعي.
ولكن الغريب هو ان ما حدث بعد نجاح الثورة البرجوازية العراقية بشكل انقلاب عسكري انسى القادة الشيوعيين ما تعلموه في السجن عن الموضوع. فكانت سياسة الحزب الشيوعي بعد الثورة تاليه الثورة البرجوازية وقائدها عبد الكريم قاسم والتخلي عن قيادة البروليتاريا في اتجاه التعبئة من اجل الثورة الاشتراكية كما حدث في الثورة البرجوازية في روسيا وتحول الحزب البلشفي للتعبئة في سبيل تحقيق الثورة الاشتراكية فور نجاح الثورة البرجواية.
ورغم ان الحزب تخلى عني بسبب يهوديتي بحثت هذا الموضوع في رسالة وجهتها الى اللجنة المركزية للحزب بعد اطلاق سراحي بيومين اقترحت فيها استغلال الجو الثوري القائم بعد الثورة لعقد مؤتمر يبحث امرين هامين هما تحديد الشعار الاستراتيجي لما بعد الثورة ومناقشة الاخطاء التي جرت في فترة ما قبل الثورة. ولكن القيادة لم تستجب لهذه الرسالة. فيما بعد ادركت ان القيادة كانت متأثرة بقرارات المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي وبقيادة خروشوف الهادفة الى اعادة الراسمالية الى الاتحاد السوفييتي.
وكما جاء في مقال القائد الشيوعي الافريقي اصبحت قيادة الحزب ذيلا للبرجواية الى حد انها بلغت عقد جبهة مع حكومة صدام الفاشية المعادية للطبقة العاملة والشيوعية.
وحين سنحت لي فرصة الكتابة عند وجودي في لندن كتبت كتابي عن ثورة تموز وسياسة الحزب الشيوعي ناقشت فيه سياسة الحزب الشيوعي قبل وبعد ثورة تموز صدر في لندن سنة ١٩٨٤ واعيد تصويره ونشره في العراق بعد الاحتلال الاميركي البريطاني.
وما دفعني الى ان اكتب كل هذا المقال هو اني حين قرات مقال هذا القائد الشيوعي شعرت ان هذا السلوك اللاماركسي كان ظاهرة عامة جرت ليس فقط في افريقيا الجنوبية بل حدثت قبل هذا في الهند وباكستان وسنغافورة وبورما واندونيسيا وسيام وغيرها. وكان اخطر هذه الحالات ما حصل في الصين التي تحققت فيها الثورة البرجوازية بقيادة الطبقة العاملة ونشأت فيها دكتاتورية العمال والفلاحين الثورية في دولة الديمقراطية الشعبية. كان على هذه الدولة ان تسلك السلوك الصحيح في تحويل الثورة من اعلى من قبل السلطة ومن اسفل في العمل الشعبي البروليتاري الى ثورة اشتراكية بدون الحاجة الى ثورة مسلحة ولكنها عجزت عن السلوك الصحيح فتحولت الصين مرة ثانية الى دولة راسمالية امبريالية كغيرها من الدول الامبريالية.
لقد اثبتت جميع الشعارات الرنانة التي نشات بتاثير الانتهازية الخروشوفية في ارجاء العالم خطلها ابتداء من قرار الانتقال السلمي للاشتراكية المتخذ في المؤتمر العشرين وشعار التنافس السلمي بين النظام الراسمالي والنظام الاشتراكي وقدرة النظام الاشتراكي على الانتصار وتحقق التعايش السلمي الخروشوفي بين الراسمالية والاشتراكية وحتى تحديد موعد تحول الاتحاد السوفييتي الى الشيوعية بقرار حزبي. وشعارات نشأت في دول ما يسمى بالعالم الثالث مثل التطور اللاراسمالي صوب الاشتراكية وسياسة التوجه الاشتراكي وسياسة الجبهات بين الاحزاب الشيوعية والحكومات البرجوازية صوب تحقيق الاشتراكية وشعار استكمال الثورة وشعار الثورة الديمقراطية وغيرها من تلك الشعارات.
ان العالم اليوم بحاجة الى احزاب ماركسية حقيقية تدرك فور نجاح الثورة البرجوازية بقيادة البرجوازية بان التناقض اصبح بين الطبقة العاملة والطبقة البرجوازية الحاكمة وضرورة التحول الى مرحلة الثورة الاشتراكية للاطاحة بالنظام الراسمالي وتحقيق الاشتراكية. بحاجة الى احزاب تناضل في سبيل قيادة الطبقة العاملة والفلاحين للثورة البرجوازية وتحقيق دكتاتورية العمال والفلاحين الثورية. بحاجة الى احزاب تدرك ان الاحزاب الشيوعية ليست هي القوة الاساسية بل هي مجرد احزاب عديمة القوى بدون الطبقة العاملة وحلفائها. احزاب تدرك ان الطبقة العاملة هي القوة الثورية الحقيقية القادرة على تحقيق الثورة وان دور الحزب الشيوعي الحقيقي يقاس بمقدار نجاحه في توحيد الطبقة التي هو جزء منها وتحقيق التحالف بين الطبقة العاملة وفقراء الفلاحين وبغير ذلك لا يكون الحزب حزبا ماركسيا حقيقيا. وباختصار يعلم الحزب انه لا حول ولا قوة له الا بالطبقة العاملة وحلفائها وان واجبه كجزء واع منها هو ان ينظمها ويوعيها ويقودها في شعارها الاستراتيجي الوحيد، شعار الاطاحة بالنظام الراسمالي وتحقيق المجتمع الشيوعي حيث يصبح الانسان انسانا.
ولابد من الاشارة الى الثورات الحادثة في بعض البلدان العربية، ثورات الربيع العربي، وهي ثورات شعبية عظيمة ولكنها ليست ثورات ضد النظام الراسمالي وانما هي ثورات من اجل تحقيق نظام راسمالي اقل فسادا ولذلك فهي لم تنجح في تحقيق الاهداف الشعبية التي هدفت الى تحقيقها. فالبطالة والفقر والجوع والشقاء هي من مستلزمات النظام الراسمالي لان الراسمالية لا يمكن ان تعيش بالقضاء على البطالة والجوع والفقر . وتعني العدالة الاجتماعية في النظام الراسمالي بانها عدالة تصون وتحمي استغلال الطبقة الراسمالية وليست عدالة اجتماعية بالنسبة لاكثرية الشعوب الكادحة.
كذلك الثورات التي تحدث في اميركا الجنوبية ضد السيطرة الامبريالية الاميركية. فهي حققت تقدما في هذا المجال ولكن مصيرها الحقيقي غير واضح لانها ليست ثورات ضد النظام الراسمالي ككل وانما ضد السيطرة الامبريالية الاميركية.