حصاد زراعة ديمقراطية جورش بوش شوز والقرد الاسود بر اك حسين اوباما في العراق هلهولة لحكومة مجرمي سلطة الاحتلال وبرلمان خرسان وطرشان وعميان الاحتلال ياخونة حرامية مصيركم سوف يكون مثل مصير اي عميل اميركي وانكليزي وايراني ومصير اي نظام دكتاتوري جاء بقطار اسيادهم الامبريالين الامريكان

IRAQI REVOLUTIONARY MAOIST ORGANIZATION - IRMO المنظمة الماوية الثورية العراقية - جبهة نجوم الحمراء




الكفاح المسلح الطريق الوحيد للتحرير

الكفاح المسلح الطريق الوحيد للتحرير







2010-04-04

الماركسية اللينينية الماوية: تقاتل، تصمد و تنتصر6 - الاشتراكية العلمية (4)

خالد المهدي
adil_mlm@yahoo.fr

لننتقل الى نقطة أخرى من اسهامات لينين في تطوير الاشتراكية العلمية : قضية ديكتاتورية البروليتاريا و البناء الاشتراكي .إن إحدى الانتقادات ، أو لنقل بصيغة اوضح ، التهجمات التي يتعرض لها ستالين و لا زال الى يومنا هذا من طرف كل الانتهازيين يمينا كانوا ام " يسارا" ، هي ادعاؤهم ان ستالين حول ديكتاتورية البروليتاريا الى ديكتاتورية الحزب الوحيد . و بعدها الى ديكتاتورية شخص واحد .ان الماركسية على عهد ماركس و انجلز لم تقدم جوابا واضحا حول علاقة و دور الحزب الشيوعي بالدولة البروليتارية لا لشيء الا لانها لم تعش تلك التجربة الملموسة . لينين عاش هذه التجربة و أغنى الاشتراكية العلمية من هذا الجانب فإبان التهييء الفكري و السياسي للاممية الثالثة سلط لينين نقده للشيوعيين الالمان " اليسراويين " واصفا اليسراوية بانها "مرض الشيوعية الطفولي " و في هذا النقد سخر لينين من " المعارضة المبدئية "و هي كتلة من اليسراويين داخل الحزب الشيوعي الالماني " اتحاد السبارتاكيين ) لوضع المسالة على النحو التالي ".... يواجهنا هذا السؤال : من ذا الذي يجب أن يضطلع بالديكتاتورية : الحزب ام الطبقة العاملة ؟ هل ينبغي مبدئيا ان نسعى لديكتاتورية الحزب ام ديكتاتورية الطبقة البروليتاريا ؟ .."و بعد تحليل " مسهب " تصل المعارضة اليسراوية الى النتيجة التالية : "... هناك ديكتاتورية الزعماء و هناك ديكتاتورية الجماهير ..." ،لقد وصف لينين طرح المسالة على هذا الشكل بانه " يشهد وحده باختلال الفكر اختلالا عجيبا لا يرجى شفائه " 38. و يضيف لينين بعد تحليل هذه الشعارات ، بأن " إيصال الحديث هنا الى حد القول بأن ديكتاتورية الزعماء هي بوجه عام النقطة المقابلة لديكتاتورية الجماهير ، هو بلادة وسخافة تدعو للضحك "39.طرح مسألة بذلك الشكل و معارضة الحزب بالطبقة كما يفعل التروتسكيون اليوم و الاشتراكيون – الديمقراطيون الامبرياليون و الانتهازيون و كل منتقدي ستالين حول هذه النقطة يعني في حقيقة الامر " انكار الحزبية و الطاعة الحزبية .و هذا بالنسبة للينين " ... ما يعادل تجريد البروليتاريا من السلاح تجريدا تماما لصالح البرجوازية " و هو ما يعادل التشتت و التذبذب الموجودين لدى البرجوازية الصغيرة . بالنسبة للينين يشكل النضال ضد البرجوازية الصغيرة اكثر النضالات قساوة و صعوبة لان هؤلاء لا يمكن طردهم و لا يمكن قمعهم ، إنما يلزم ان نتعايش معهم ، فمن الممكن ( و الواجب ) اصلاحهم و تربيتهم من جديد " 40 ."ان قوة العادة عند الملايين و عشرات الملايين من الناس لهي ارهب قوة " هكذا يتحدث لينين .لهذا يكون " ان من يضعف ، و لو لحد ضئيل للغاية ، نظام الطاعة الحديدي في حزب البروليتاريا( خاصة في عهد ديكتاتوريتها ) ، يساعد عمليا البرجوازية ضد البروليتاريا" 41 . هذه هي نظرة لينين أما أولئك الذين يهاجمون ستالين من هذه الزاوية فانهم مجرد جبناء لا يستطيعون اعلان نقدهم للينين و اعلان معاداتهم لا "للستالينية " بل للينينية التي قالت بكامل الصراحة و الوضوح " ان العلاقة بين الزعماء و الحزب و الطبقة و الجماهير ، و كذلك ايضا موقف ديكتاتورية البروليتاريا و حزبها من النقابات هما عندنا الآن بالشكل الملموس التالي : تحقق الديكتاتورية على يد البروليتاريا المنظمة في السوفييتات ، و البروليتاريا يقودها الحزب الشيوعي البلشفي ..."42. و أن هذا الحزب "تديره لجنة مركزية منتخبة في المؤتمر و مؤلفة من 19 عضوا ، هذا وتدير الاعمال اليومية في موسكو هيئتان اقل عددا من تلك ، هما المكتب السياسي و المكتب التنظيمي، و كل منهما مؤلف من خمسة أعضاء من اللجنة المركزية و.. و النتيجة هي اذن وجود " حكم القلة " بكل معنى الكلمة .لا توجد هناك مسألة هامة ، سياسية او تنظيمية ، تقوم بحلها احدى دوائر الدولة في جمهوريتنا بدون ارشادات توجيهية من لجنة الحزب المركزية " 43 .و اذا كان هذا موقف لينين من العلاقة بين الدولة و الحزب فانه بنفس المضمون يتحدث عن علاقة الحزب بالنقابات التي اعتبرت من ادوات الثورة أي من ادوات انجاز الثورة و توطيدها بعد الانتصار .فالحزب " يستند في نشاطه مباشرة الى النقابات ... التي هي شكليا غير حزبية . و الواقع ان جميع الهيئات الادارية ، للأكثرية العظمى من النقابات ،و بالدرجة الاولى ، طبعا ، المركز او المكتب الروسي النقابي العام ...تتألف من الشيوعيين و تنفذ جميع توجيهات الحزب ، و النتيجة هي بالاجمال وجود جهاز بروليتاري ، جبار للغاية ، واسع نسبيا و مرن ، جهاز غير شيوعي شكليا ، يرتبط بواسطته الحزب ارتباطا وثيقا بالطبقة و بالجماهير و تتحقق بواسطته و عن طريق قيادة الحزب له ديكتاتورية الطبقة " 44. غير أن الارتباط بالجماهير لم يكن عن طريق النقابات وحدها بل عن طريق مؤسسات أخرى لا تقل أهمية مثل " مؤتمرات العمال و الفلاحين غير الحزبية"و قد عمل الشيوعيين و على رأسهم لينين الى ..." دعمها و توسيعها و تطويرها و ذلك لتتبع مزاج الجماهير و الاقتراب منها و الاجابة على متطلباتها و تقديم خيرة أفرادها لوظائف الدولة و غير ذلك " 45.لكن وسط هذا الترتيب العام للسلطة البروليتارية للدولة السوفياتية "...تجري جميع اعمال الحزب عن طريق السوفييتات التي توحد الجماهير على اختلاف مهنهم " و هكذا يتحدث لينين عن مؤتمرات السوفييتات " ... بوصفها تلك المؤسسات الديمقراطية التي لم تعهدها بعد افضل الجمهوريات الديمقراطية في العالم البرجوازي ، و عن طريق هذه المؤتمرات و كذلك عن طريق تعيين العمال الواعين لمناصب مختلفة في الريف ، يتحقق الدور القيادي للبروليتاريا إزاء الفلاحين ، و تتحقق ديكتاتورية بروليتاريا المدن ، و يتحقق النضال المنتظم ضد الاغنياء من الفلاحين و البرجوازيين و الاستثماريين و المضاربين منهم و غير ذلك "46.تلك كانت بإيجاز موضوعات لينين فيما يخص ديكتاتورية البروليتاريا و علاقة الحزب بباقي المؤسسات السياسية و الاجتماعية الاخرى وسطها .إن أحد مآثر الرفيق ستالين هو انه دافع باستماتة عن هذه الرؤية اللينينية عن علاقة الحزب بالدولة و بباقي المؤسسات السياسية و إن كان تطبيق هذه الرؤية قد حمل بعض الإشكالات التي سوف نعالجها فيما بعد.الاسهام السابع للينين حول الاشتراكية العلمية هو ذاك المرتبط بسبل بناء الاشتراكية و توطيد ديكتاتورية البروليتاريا .انطلاقا من الموضوعات الكلاسيكية لماركس و انجلز حول الاشتراكية سوف ينادي لينين بضرورة تطوير القوى المنتجة كشرط ضروري من اجل بناء الاشتراكية خصوصا في بلد كروسيا التي تعتبر متأخرة جدا من الناحية الاقتصادية بمقارنتها بالدول الاوروبية كفرنسا ، انجلترا و المانيا ...الخ . و هكذا طرح لينين مهمة تطوير الاقتصاد خصوصا في مجال الصناعة و صناعة وسائل الانتاج بشكل أولي ، فبالنسبة للماركسيين فان روسيا قد عرفت تطورا هائلا على مستوى البينة الفوقية السياسية الذي حققته ثورة أكتوبر ، و التي لم تحققه أي دولة قبلها على مر التاريخ . غير أن هذا التطور في البناء الفوقي السياسي كان يقابله تأخر كبير في البنية التحتية الشيء الذي طرح بإلحاح ضرورة تطوير القوى المنتجة ، كمهمة قصوى ، من أجل خلق الشروط المادية والموضوعية لتوطيد الاشتراكية و تطويرها .فالاشتراكية كما حددها ماركس و انجلز هي الحل الصحيح و العلمي لحل التناقض الذي يتحكم في تطور أسلوب الإنتاج الرأسمالي أي التناقض بين الطابع الاجتماعي للعمل و الملكية الخاصة لوسائل الانتاج . غير أن جعل العمل اجتماعيا ليس مهمة الاشتراكية و انما هو مهمة تاريخية تنجزها و تحققها الراسمالية . و هكذا وجدت ثورة اكتوبر نفسها امام هذا الوضع "الخاص " و الجديد . فكيف اذن على الاشتراكية التي يجب أن تحطم الراسمالية ان تحل الطابع الاجتماعي للعمل و الملكية الخاصة لوسائل الانتاج في حين ان الطابع الاجتماعي للعمل بروسيا لا زال قليل التطور ؟ من هذا الاشكال الذي واجهته ثورة اكتوبر ، و هو بالمناسبة الاول من نوعه في تاريخ البشرية ، برزت ثلاث استنتاجات أو إجابات :الاولى : تقول بتجاوز هذا الوضع عن طريق نقل الثورة الى اوروبا و بالتالي حل هذا الإشكال عن طريق مساعدة البروليتاريا الاوروبية للبروليتاريا الروسية .الاجابة الثانية : تقول انه ما كان من اللازم ، اصلا ، القايم بالثورة الاشتراكية في بلد متخلف اقتصاديا و لا زالت قواه المنتجة غير ناضجة بما فيه الكفاية .الاجابة الثالثة : تقول بتطوير الاقتصاد و القوى المنتجة تحت قيادة ديكتاتورية البروليتاريا عن طريق السماح بوجود الراسمالية " في الحدود المسموح بها "و هذا ما ذهب اليه لينين و اقترح خلال المؤتمر العاشر للحزب السياسة الاقتصادية الجديدة " النيب "ذات المضمون الراسمالي . و قد ساعدت هذه السياسية على خروج الاتحاد السوفياتي من الازمة الاقتصادية بل و مكنت من وضع اسس جيدة للتطور الاقتصادي اللاحق .الرفع من الانتاج و تطوير الاقتصاد و تطوير قوى الانتاج ذلك كان هو الشعار الاول الذي حدده لينين لتوطيد الاشتراكية . و قد شكل فيما بعد كما سوف نرى المبدأ الموجه لسياسة الحزب فيما بعد . أي على عهد ستالين . في نفس المضمار سوف يقدم ايضا الرفيق لينين موضوعاته حول حل التناقض بين البروليتاريا و الفلاحين على صيغة " التجميع " و " التعاون " تجميع الاراضي في كولخوزات و تعاون الفلاحين في استثمارها .و قد كانت هذه الرؤية هي امتداد لما قاله انجلز حول المسألة سنة 1891.لقد وضع الرفيق لينين امام الحزب و امام الطبقة العاملة بالاتحاد السوفياتي مهمة تطوير القوى المنتجة و بالدرجة الاولى تطوير الصناعة كمهمة تحظى بالاولوية من اجل توطيد الاشتراكية بروسيا . غير أنه مع ذلك كان يدرك الصعوبات الاساسية الاخرى التي تقف امام تطور الاشتراكية : أي الانتاج البضاعي الصغير .بالنسبة للينين فان منتجي البضائع الصغار،" ... لا يمكن طردهم ، و لا يمكن قمعهم ، إنما يلزم ان تتعايش معهم ، فمن الممكن ( و الواجب ) اصلاحهم و تربيتهم من جديد و ذلك فقط بواسطة عمل تنظيمي مديد بطيء تكتنفه الحيطة . فهؤلاء يحيطون بالبروليتاريا من جميع الجهات بروح البرجوازية الصغيرة ، و هذه الروح تتسرب في البروليتاريا و تفسدها ، و تسبب على الدوام عند البروليتاريا تكرار النواقص الملازمة للبرجوازية الصغيرة : الميوعة ، التشتت ، الفردية ، الانتقال من الحماسة الى الخمود " 47. ليضيف بأن " ديكتاتورية البروليتاريا عبارة عن نضال عنيد ، دموي ، قسري و سلمي ، حربي و اقتصادي ، تربوي و اداري يشن ضد قوى و تقاليد المجتمع القديم . إن قوة العادة عند الملايين و عشرات الملايين من الناس لهي ارهب قوة " 48 . " ان الانتصار على البرجوازية الكبيرة المتمركزة لأهون الف مرة من " الانتصار " على الملايين من المالكين الصغار ، فهؤلاء يوجدون بنشاطهم اليومي غير المحسوس و المفسد ، ذات النتائج التي تحتاج اليها البرجوازية ، و التي تبعث البرجوازية " 49. إن قوة العادة و التقاليد و الافكار و كافة العناصر الرجعية في البناء الفوقي الذي ترثه الاشتراكية من المجتمع القديم بعد انتصارها تشكل إحدى المصاعب الاكثر خطرا على ديكتاتورية البروليتاريا بل إنها تبعث البرجوازية من جديد و قد توفق لينين الى حد كبير في استخدام هذا المصطلح : تبعث البرجوازية . و هو يختلف في دلالاته على مصطلح تخلق البرجوازية .صحيح أن التغلب على هذه المصاعب لا يمكن ان يتم إلا بتوفر الشروط المادية أي تطوير القوى المنتجة أساسا و البنية التحتية التي توفر هذا الأساس المادي للبناء الفوقي . غير ان هذه المهمة لا يمكن انجازها بين عشية و ضحاها و لا يمكن انجازها حتى في عشرات السنين ، فالتغلب على قوة العادة و التقاليد التي رسختها قرون من الزمن لا يمكن محوها بمجرد امتلاك الدولة لوسائل الانتاج . إن مصادرة الملكية الخاصة انما هي الخطوة الاولى الضرورية لذلك ، لكنها لا تحمل الحل في ذاتها كما عبر عن ذلك انجلز . إن تطوير القوى المنتجة هي مهمة ذات اهمية قصوى ، و لا يمكن للاشتراكية أن تتوطد بدونها . لكن و مع ذلك فلا يجب ان تنظر للمسألة بنظرة أحادية الجانب ، فتطوير هذه القوى الإنتاجية يتم في شروط و ظروف محددة و هذه الشروط نفسها تؤثر على صيرورة تطوير هذه القوى . ان الاقتصاد هو المحدد لكن ذلك لا يعني ان باقي الجوانب في الحياة الاجتماعية لا اهمية لها بل على العكس من ذلك تماما ، لقد ساد الاعتقاد لفترة طويلة لدى العديد من الماركسيين ( و الحق يقال لا زال هذا الرأي سائدا الى حدود اليوم ) ان العنصر الحاسم الوحيد في تطور العملية التاريخية هو الاقتصاد و أن باقي العناصر الفوقية ليست سوى تابعة له .إن الماركسي انجلز قد أشار الى هذه الظاهرة في أواخر 1890 حيث كتب الى يوسف بلوخ يقول :" ...وفقا للمفهوم المادي عن التاريخ ، يشكل انتاج و تجديد الحياة الفعلية العنصر الحاسم ، في آخر المطاف ، في العملية التاريخية ، و أكثر من هذا لم نؤكده في يوم من الايام ، لا ماركس و لا أنا . أما إذا شوه أحدهم هذه الموضوعة بمعنى أن العنصر الاقتصادي هو على حد زعمه ، العنصر الحاسم الوحيد ، فإنه يحول هذا التأكيد الى حملة مجردة ، لا معنى لها و لا تدل على شيء " ." نحن نصنع تاريخنا بأنفسنا، و لكننا أولا ، نصنعه في ظل مقدمات و ظروف محددة جدا ، الاقتصادية منها هي الحاسمة في آخر المطاف . و لكن الظروف السياسية و غيرها ،و حتى التقاليد التي تعيش في رؤوس الناس ، تلعب هي أيضا دورا معينا ، و إن لم يكن الدور الحاسم " 50.ان اهتمام الماركسيين بالجانب الاقتصادي في تطور العملية التاريخية قد أخذ منذ ماركس و انجلز بعدا متضخما ضارا و هذا ما سوف ينبه اليه انجلز في نفس رسالته و يوضح ايضا الشروط التي افرزته حيث كتب يقول :".. ماركس و كذلك أنا مسؤولان جزئيا عن كون الشباب يعلقون احيانا على الجانب الاقتصادي أهمية أكثر مما يجب . و قد اضطررنا ، أثناء الاعتراض على خصومنا ، الى تأكيد المبدأ الرئيسي الذي انكروه ، ولكننا كنا دائما لا نجد الوقت و المكان و الامكانية لتقدير العناصر الباقية المشتركة في التفاعل حق قدرها . و لكن ما ان بلغت الامور حد تحليل مرحلة من المراحل التاريخية ، أي حد التطبيق العملي ، حتى يتغير الحال ، و لم يبق من الممكن هنا أن يقع أي خطأ . و لكن مع الاسف ، يعتقدون في غالب الأحيان أنهم فهموا النظرية الجديدة فهما تاما و ان بوسعهم تطبيقها على الفور ما أن يستوعبوا موضوعاتها الاساسية ، مع العلم أنهم لا يستوعبونها دائما بصورة صحيحة . و على هذا استطيع أن ألوم كثير من " الماركسيين " الجدد ، إذ بفضل هذا أيضا نشأ تشوش مذهل .."51.هكذا تحدث انجلز عن اهمية باقي عناصر تطور العملية التاريخية و تطور المجتمعات . عن هذا التنبيه الذي اعطانا إياه انجلز ، أي التضخيم من العنصر الاقتصادي في تطور المجتمعات هو الذي سوف يتحول فيما بعد الى نظرية رجعية هي ما اسماها ماو تسي تونغ بنظرية "قوى الانتاج الرجعية " التي شكلت شعار البرجوازيين لإعادة الراسمالية في عهد ديكتاتورية البروليتاريا و هو ما سوف نوضحه بمزيد من التفصيل في المقالة المقبلة .إن لينين بالرغم من انه لم يعش سوى مدة قليلة من حياته في عهد بناء و توطيد ديكتاتورية البروليتاريا قد أدرك مع ذلك الى أين تتجه الامور و حذر من ذلك . ففي آخر مقالاته أعطى أهمية فائقة لضرورة إعادة تنظيم التفتيش العمالي و الفلاحي للحد من البيروقراطية التي تفشت في جهاز الدولة نتيجة لوجود " موظفين " لا زالوا يحملون عقلية المجتمع القديم الدواوينية ، و ما كان لهم إلا أن يكونوا كذلك ، فجعل الملكية عامة لا يلغي العقلية البيروقراطية و الدواوينية التي ترسخت في عقول الناس في المجتمع القديم ، كما أن هؤلاء " الموظفين " لا يمكن الاستغناء عنهم بل يجب تربيتهم و مراقبتهم و رفع وعيهم . لقد نادى لينين بضرورة أخذ الحذر من العجلة و من الحمية و تعويضها بالتعليم و المعرفة من خلال ما تظهر الوقائع الملموسة و هكذا طالب لينين قائلا " لتجديد جهاز دولتنا ينبغي لنا مهما كلف الأمر أن نضع نصب أعيننا المهمة التالية : أولا ، أن نتعلم ، ثانيا أن نتعلم أيضا ، ثالثا أن نتعلم دائما "52 . و في نفس السياق سوف ينادي لينين بإنشاء التعاونيات في صفوف كل الجماهير خصوصا الفلاحين الى درجة انه أعلن " اليوم يحق لنا أن نقول أن مجرد نمو التعاون يعني في نظرنا نمو الاشتراكية بالذات " 53.غير ان الوصول الى التعاون حسب لينين دائما يستدعي أولا " القيام بعمل ثقافي بين جميع جماهير الفلاحين " 54. القيام بثورة ثقافية لذلك يقول لينين " يكفي لنا اليوم أن نقوم بهذه الثورة الثقافية لكي تغدو بلادنا اشتراكية تماما " 54.إن الوقائع التي عرفها تطور المجتمع الاشتراكي بعد لينين كلها أثبتت صحة هذا الجانب من رؤية لينين لكنها في نفس الوقت ابرزت ان الإشكال هو اعمق من ذلك و الاجابة عليها تستدعي ما هو اعمق مما حدده لينين .إن الثورة الثقافية الصينية الكبرى تقدم لنا عن حق إجابة عن أساس هذه الاشكالات و الاجابة عنها . و هو ما سوف نعالجه لاحقا أيضا .
-------------38- لينين : مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية .39- لينين : مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية.40- لينين : مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية41- لينين : مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية42- لينين : مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية43- لينين : مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية44- لينين : مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية45- لينين : مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية46- لينين : مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية.47-لينين : مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية.48- لينين : مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية .49- لينين : مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية.50- انجلز : رسالة الى يوسف بلوخ 1890.51- انجلز : رسالة الى يوسف بلوخ 1890.52- لينين : من الأحسن أقل شرط أحسن .53- لينين : حول التعاون .54 – لينين : حول التعاون .55
– لينين : حول التعاون .

الماركسية اللينينية الماوية: تقاتل، تصمد و تنتصر5 - الاشتراكية العلمية (3)

خالد المهدي
adil_mlm@yahoo.fr

ان الحزب بالنسبة للينين يشكل الأداة الأولى و الأساسية التي لاغنى عنها من اجل الثورة،لكنه ليس الاداة الوحيدة بل هناك ايضا السوفييتات .ان ظهور السوفييتات ( أي المجالس ) لم يأتي بدعوة من لينين او أي ماركسي آخر بل انه شكل أبدعته الجماهير العمالية ايام الاضراب السياسي الذي دعا له البلاشفة سنة 1905 ، ففي غمرة النضال السياسي و الجماهيري الجبار استطاعت الجماهير إيجاد هذا السلاح الجديد الذي لم يعرف التاريخ قبل ذلك مثيلا له .ان هذا الواقع سوف يقلب رأسا على عقب العديد من الموضوعات السابقة للاشتراكية العلمية ، سوا ء تلك المتعلقة بشكل الدولة او تلك المتعلقة باشكال العنف الثوري المسلح من اجل الاستيلاء على السلطة .لقد كانت سوفييتات العمال منظمة جماهيرية للطبقة العاملة تضم مندوبي جميع المصانع و المعامل و قد انتشرت في العديد من المدن و المناطق الصناعية بروسيا و خلقت جدالا فكريا و سياسيا عظيما بين الماركسيين ساهم في دفع قضية الثورة الى الامام و ساهم ايضا في تطوير الاشتراكية العلمية .لقد كان يرى البلاشفة و على رأسهم لينين بأن السوفييتات هي نواة للحكم الثوري المقبل و هي أيضا هيئات للثورة المسلحة . و لذلك نادوا بالعمل داخلها و توسيعها لتشمل ايضا الجنود و خلق سوفييتات الجنود كما حصل بموسكو التي كانت تحت قيادتهم الفعلية . اما المناشفة فإن ضيق افقهم البرجوازي الصغير جعلهم لا يرون في السوفييتات سوى هيئات للادارة المحلية ( على شاكلة البلديات عندنا بالمغرب ) قائمة على أسس ديمقراطية .ان هذا الإبداع الجماهيري الخلاق قد استوعبه لينين بسرعة و طالب بتعميمه و بث الوعي فيه باعتباره نواة الحكم الثوري المقبل أي نواة ديكتاتورية البروليتاريا و الفلاحين و بعدها ديكتاتورية البروليتاريا سنة 1917 .من المعلوم ان الماركسيين قبل ذلك الزمن و في جميع البلدان بما فيها روسيا ،كانوا ينظرون الى الجمهورية الديمقراطية البرلمانية باعتبارها اكثر الاشكال ملائمة لتنظيم المجتمع سياسيا في مرحلة الانتقال من الثورة الديمقراطية البرجوازية الى الثورة الاشتراكية . ففي نقده لبرنامج ارفورت سنة 1891 كتب انجلز قائلا :إن " الجمهورية الديمقراطية ... هي الشكل الملائم بصورة خاصة لديكتاتورية البروليتاريا " و أصبح موقف انجلز هذا موجها لجميع الماركسيين من بعده بمن فيهم لينين ، لكن ظهور السوفييتات سنة 1905 و بشكل خاص بفبراير 1917 قد غير جذريا موقف الاشتراكية العلمية من مسالة شكل السلطة ، و عوض الجمهورية البرلمانية اصبحت جمهورية السوفييتات .إن هذا الغنى الذي أغنى به لينين الاشتراكية العلمية لم يكن نتيجة لعبقرية ما ( رغم صحة هذا الجانب ) بل لقد كان أساسا نتيجة للواقع الملموس و نتيجة لما أبدعته الجماهير صانعة التاريخ ، لكن هذا المضمون الذي اعطاه لينين للسوفييتات و الذي قلب به رأسا على عقب إحدى الموضوعات السابقة للاشتراكية العلمية ما كان ان يتم دون ان يجلب سلسلة من الانتقادات و الصراعات ، دون سلسلة من الدعاوي الى الرجوع الى الماركسية و ما قاله انجلز ...الخ .ان لينين ما كان ليقدس كلاما صادرا عن انجلز او عن ماركس ، بل انه استوعب الماركسية بوصفها " مرشدا للعمل و ليست عقيدة جامدة " كما كان يردد دائما ماركس و انجلز ذاتهما . " و بالضبط لأن الماركسية ليست عقيدة جامدة ، ميتة ،مذهبا ميتا ، جاهزا ،ثابتا لا يتغير ، بل مرشد حي للعمل ، لهذا بالضبط كان لا بد لها من ان تعكس التغير الفريد السرعة في ظروف الحياة الاجتماعية " 27هكذا يتحدث لينين عن الماركسية على خلاف أصحاب الجمود العقائدي عندنا مثلا اولئك الذين يهاجمون ماو حول" الديمقراطية الجديدة " و ديكتاتورية الطبقات الثورية (*) بدعوى ان لينين لم يقل ذلك .!! ان محاكمات اولئك السادة انما تشوه الماركسية و تحط من قيمتها .ان اسهامات لينين في الاشتراكية العلمية لم تقف عند هذا الحد ، بل يمكن ان نعتبر احدى اهم اسهاماته في هذا القسم هي الموضوعة التي صاغها إبان الحرب العالمية الثانية و القائلة : " ان الامبريالية هي عشية الثورة الاشتراكية " ، لقد صاغ لينين هذه الاطروحة سنة 1916 و ها نحن لا نبتعد سوى 7 سنوات ليكون قد مر قرن من الزمن على هذه الاطروحة ، 100 سنة دون ان تنهار الامبريالية . لماذا ؟ ان حفظة الكتب و الصيغ الجاهزة سوف يقفون بكل تأكيد عاجزين عن تفسير ذلك ، أو ربما يشوشون على المسالة كعادتهم و يشوهون الماركسية .و لكي نجيب على هذا السؤال الذي تواجه به البرجوازية الشيوعيين لابد ان نوضح مضمون هذا الكلام ، محتواه الاقتصادي و أبعاده السياسية ؛ و بدون ذلك سوف نظل الطريق .بدراسته لتطور الانتاج الراسمالي استطاع لينين ان يكشف الانتقال النوعي الذي حدث ضمن صيرورة تطور هذا الانتاج ، انتقاله من المنافسة الحرة الى الاحتكار ، ان هذا الانتقال النوعي قد تحقق بعد تراكمات هائلة حققها الراسمال على طول مرحلة طويلة او لنقل على طول مرحلة تطوره في اطار المنافسة الحرة . ان لينين قد خلص الى ان الامبريالية أي الاحتكار بالمعنى الاقتصادي هو اعلى الاشكال الممكنة لتطور الراسمال و آخرها " ان عهد الامبريالية الراسمالية هو عهد الراسمالية الناضجة و المفرطة في النضوج "28 ، و هذا الكلام يعني من الناحية الاقتصادية ،ان الراسمال لا يمكن ان يتجاوز الاحتكار في صيرورة تطوره التاريخي ، فالاحتكار هو اعلى شكل يمكن ان يأخذه الراسمال ، و هذا الاحتكار لم يقتصر على تطور الراسمال في بلد بعينه كما كان سابقا بالنسبة لانجلترا بل انه اصبح الخاصية الاساسية للراسمالية على النطاق العالمي و من هنا برز تناقض جديد في تطور الراسمالية : التناقض بين الدول الامبريالية و ما يجعل حدة هذا التناقض ترتفع انما هو انتهاء تقاسم العالم بين الامبرياليات ، و في كل محاولة لاعادة تقاسم مراكز النفوذ و السيطرة الا و تعمق التناقض و تجعله حادا حتى يصل الى حرب عسكرية مباشرة ، هكذا كان الامر ابان الحرب العالمية الاولى والثانية .ان اعادة تقاسم مراكز النفوذ و السيطرة بين الدول الامبريالية ليست رغبة ذاتية لهذه الدولة او تلك او نتيجة لأطماع هذا الزعيم او ذاك بل ان اعادة تقاسم العالم يفرضه القانون الاقتصادي الذي يتحكم في تطور الامبريالية و الذي كشفه لينين سنة 1916 أي قانون التطور اللامتكافئ .ان الاحتكار قد تولد كما بين لينين في العديد من مؤلفاته من اندماج الراسمال الصناعي و الراسمال البنكي و خلق شكلا جديدا من الراسمال هو الراسمال المالي الذي جعل من الراسمالية الاحتكارية رأسمالية طفيلية و متعفنة و هذه الخاصية برزت ميل الراسمالية الى التفسخ و التعفن .ان هذه الخصائص الاقتصادية هي التي حددت أيضا المضمون السياسي للامبريالية " ان الراسمال المالي يهدف الى السيطرة ، لا الى الحرية ". و هكذا تكون الراسمالية في مرحلتها الامبريالية هي "الرجعية على طول الخط " كما قال لينين نفسه و هي نفي للديمقراطية البرجوازية . ان الامبريالية تعبر عن وصول الاصطدام بين علاقات الانتاج الراسمالية و القوى المنتخبة الى درجة كبيرة و حادة و اصبحت معها الراسمالية لتضمن استمرارها تتجه الى تدمير القوى المنتجة بشتى الوسائل و الاساليب .ان الامبريالية قد جعلت العمل اجتماعيا على نطاق واسع و راسخ و عمقت بذلك التناقض الخاص لاسلوب الانتاج الراسمالي أي التناقض بين الطابع الاجتماعي للعمل و الملكية الخاصة لوسائل الانتاج . إن العمل أصبح اجتماعيا الى أبعد الحدود و الملكية لوسائل الانتاج اصبحت في ايدي حفنة من الراسماليين الطفيليين الذين خلقهم الراسمال المالي ." و لذا تدرك لماذا الامبريالية هي راسمالية محتضرة ، تسجل الانتقال الى الاشتراكية : فإن الاحتكار الذي ينبثق من الارسمالية ، انما هو احتضار الراسمالية و بداية انتقالها الى الاشتراكية .إن جعل العمل اجتماعيا ، ان هذه العملية الهائلة التي تقوم بها الامبريالية ...تعني الشيء نفسه " 29. و قد أكدت تجربة الثورة الروسية و الازمة الاقتصادية العالمية و الحرب العالمية الأولى و الثانية و الثورات بأوروبا الشرقية و آسيا صحة هذا الكلام .بهذا المعنى يتحدث لينين عن الامبريالية باعتبارها عشية الثورة الاشتراكية ، لكن انهيار الامبريالية و قيام الاشتراكية لا يتحقق بشكل عفوي ، انهيار الامبريالية لن يكون ذاتيا أي من تلقاء ذاته ، فالماركسية قد سبق لها ان قطعت مع هذه النظرة الانتهازية التي برزت مع برنشتاين من قبل . إن شروط انهيار الامبريالية ، الشروط المادية و الموضوعية قد اصبحت ناضجة كل النضج هذا ما يقوله لينين ، و من تم يجب الاستعداد و العمل من أجل إسقاطها و ليست هناك من طبقة تستطيع ذلك غير البروليتاريا المتحالفة مع الفلاحين او المستندة الى الفلاحين ، إذا استعرنا صيغة لينين . و لكي تتمكن البروليتاريا من القيام بذلك لا بديل عن وجود حزب ثوري متشبع بفكر الطبقة العاملة .إن هذا الحزب مطالب بشكل خاص من اجل الثورة ان يشن نضالا لا هوادة فيه ضد الاحزاب الانتهازية ، التي استطاعت في تلك الفترة من كسب السيطرة على الحركة الشيوعية العالمية . و ساهمت في تمديد عمر الامبريالية كما تفعل اليوم ايضا خصوصا في ايامنا هذه ، حيث كل المؤشرات الموضوعية تشير الى الثورة ، ففي مثل هذه الشروط تكون مهمة الشيوعيين الاكثر إلحاحا هي بناء حزب ثوري يضع في جدول اعماله النضال ضد الامبريالية و الرجعية ، لكن حسب لينين " لا يمكن القول لا بالنضال ضد الامبريالية و لا بالماركسية و لا بالحركة العمالية الاشتراكية دون نضال حاسم لا هوادة فيه و لا رحمة ، و على طول الخط ، ضد هذه الأحزاب أو ، ما هو الشيء نفسه ، ضد هذه الجماعات ، ضد هذه الميول ...الانتهازية " بهذا المعنى يتحدث لينين عن الامبريالية باعتبارها عشية الثورة الاشتراكية أي نضج شروط القضاء على الراسمال الى أبعد حد و من تم تبرز مهمة تأهيل الطبقة العاملة و تنظيمها من أجل قيادة الجماهير و خصوصا الفلاحين من اجل الثورة و تحطيم الرأسمالية .و من هنا أيضا نفهم صيغة الرفيق ستالين حول اللينينية باعتبارها ماركسية العصر الامبريالي و الثورة الاشتراكية ، و هو ما يعني ان حزب الطبقة العاملة لا يستطيع تحقيق هذه الاهداف بدون الاستناد الى اللينينية بوصفها تطوير خلاق للماركسية .إن أولئك الذين يحاولون رفض الماوية انطلاقا من اعتبار " ان اللينينية هي ماركسية العصر الامبريالي و سوف تبقى ما دامت الامبريالية قائمة " لا يفهمون هذا الجانب من اللينينية و لا يعرفون من اللينينية سوى مجموعة من الشعارات و المواقف ، إنهم لا يفهمون ابدا طريقة اللينينية في طرح القضايا و حل الاشكالات و لو كان لينين مثلهم في يوم من الايام و تشبت هو الآخر بالماركسية و باعتبارها مقولات و شعارات لما استطاع تطوير الماركسية .لقد أحسنت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي على عهد ستالين عندما لخصت تاريخ الحزب سنة 1938 عندما أكدت على هذا البعد الفكري في اللينينية ." ان استيعاب النظرية الماركسية اللينينية و هضمها ، معناه ان نعرف كيف نغني هذه النظرية بالتجربة الجديدة التي تكتسبها الحركة الثورية ، هو ان نعرف كيف نغنيها بآراء و استنتاجات جديدة ، هو ان نعرف كيف نطورها و نحركها الى الأمام ، و ان نعمد دون تردد ، مستلهمين في ذلك جوهر النظرية ، الى إبدال بعض آرائها و استنتاجاتها التي تكون قد هرمت ، بأراء و استنتاجات جديدة تطابق الوضع التاريخي الجديد " 30.الإسهام الرابع للينين في الاشتراكية العلمية هو إمكانية انتصار و قيام الاشتراكية في بلد واحد .فقبل ثورة أكتوبر او بشكل أدق قبل الحرب العالمية الاولى كان الماركسيون بمن فيهم ماركس و انجلز ينظرون الى انتصار الثورة الاشتراكية ، كثورة داخل كل دول اوروبا او اغلبها على الاقل و هذا الاعتقاد الذي دافع عنه ماركس و انجلز كان مرتبطا بتحليل ملموس للمرحلة التي كانت تجتازها الراسمالية أي مرحلة المنافسة الحرة و قد عملا بجهد من اجل خلق منظمة مركزية على الصعيد الاممي تضطلع بمهمة تهيئ و قيادة الثورة البروليتاريا الاشتراكية العالمية .ففي نقده لبرنامج غوتا سخر ماركس من صيغة لاسال القائلة " ان الطبقة العاملة تعمل من اجل تحرير نفسها اولا في نطاق الدولة القومية الحالية ..." و قد علق عليها قائلا " خلافا " للبيان الشيوعي" و لكل الاشتراكية السابقة ، كان لاسال قد رأى الحركة العمالية من أضيق وجهات النظر القومية " 31. و اشار ماركس في نفس المرجع الى " ان عمل الطبقة العالمة العالمي في مختلف البلدان لا يتوقف في حال من الاحوال على وجود " جمعية الشغيلة العالمية " ، في اشارة منه الى حل الاممية الأولى التي اعتبرت القيادة المركزية للثورة الاممية الاشتراكية ، ليضيف " فإن هذه المنظمة كانت فقط اول محاولة لتزويد هذا العمل بجهاز مركزي ، محاولة كانت لها نتائج لا تمحى بسبب من الاندفاع الثوري الذي بثته ، و لكنه لم يبق من الممكن القيام بها ، بشكلها التاريخي الأول ، بعد سقوط كمونة باريس " 32 .إن هذه الرؤية للثورة الاشتراكية و خلال القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين قد شكلت المبدأ الموجه لكل الماركسيين و الاحزاب الماركسية . لكن تحول الراسمالية من عهد المنافسة الحرة و انتقالها للمرحلة الامبريالية توصل لينين الى ان صيغة ماركس و انجلز لم تعد تطابق الشروط الموضوعية الجديدة و الوضع التاريخي الجديد الذي خلقته الامبريالية . و انه من الممكن ان تنتصر الاشتراكية في بلد واحد و يجب ان نستعد لذلك دون ان ننسى واجباتنا الاممية و دون ان ننسى ايضا امكانية قيام الثورة في العديد من الاقطار دفعة واحدة و في نفس الوقت .عندما صاغ لينين موضوعاته تلك هب الانتهازيون و أصحاب الجمود العقائدي متهمين لينين بالانتهازية و الخيانة و بالانحراف عن الماركسية . هذا ما حدث فعلا بعد موضوعات لينين حول اتفاقية الصلح المجحفة مع المانيا ، حيث ذهب بوخارين و اعضاء مكتب الحزب بموسكو مدعومين بتروتسكي الى شن هجوم قوي على اللجنة المركزية و على لينين و انهم غير " ملزمين بالخضوع لقراراتها "، بل ذهبوا الى حد التهديد بالانشقاق و وضعوا مهمة توحيد العناصر الشيوعية الثورية المنسجمة ، المناضلة على حد سواء ضد انصار عقد الصلح المنفرد و ضد جميع عناصر الحزب الانتهازية المعتدلة " و قد برر هؤلاء " اليسراويون " مواقفهم تلك مدعين انه " ... في مصلحة الثورة العالمية ، نعتبر من العقلاني القبول باحتمال خسارة السلطة السوفييتية التي تغدو الآن شكلية بحثة " و قد سخر لينين من هؤلاء معتبرا ان الامر " غريب و فظيع " و ان هؤلاء " اليسراويين "هم من يعرقل الثورة العالمية . و من الواجب على الشيوعيين الحقيقيين ان يبذلوا اقصى الجهد من أجل توطيد الاشتراكية بالاتحاد السوفياتي لانها سوف تشكل اكبر دعم للبروليتاريا في جميع البلدان و للثورة العالمية .ان التروتسكيين عندما يريدون النيل من ستالين و يتهمونه بانه صاحب موضوعة امكانية قيام الاشتراكية في بلد واحد ، غالبا ما نجدهم يستنجدون بماركس و انجلز و " البيان الشيوعي " من أجل نقد هذه الموضوعة و لا يفهمون ان الاشتراكية العلمية تتطور و تغتنى مع التجربة الثورية و مع تطور الشروط التاريخية و الاجتماعية . و حالهم هذا هو شبيه ، الى حد ما ، و من هذا الجانب ، بأولئك الذين يحاولون الادعاء بان اللينينية قد أجابت على كل شيء و لم يبقى أمام الشيوعيين (ات) سوى معرفة كيفية تطبيقها .ان هذه النظرة البئيسة هي احدى النظرات التي جابهتها اللينينية نفسها.و نأتي الآن الى الاسهام الخامس للينين في تطوير الاشتراكية العلمية : مسالة الثورة الاشتراكية و ديكتاتورية البروليتاريا.كما سبق و ان اوضحنا سابقا ان لينين بدراسته للامبريالية قد خلص الى لإمكانية قيام الثورة الاشتراكية في بلد واحد لكن دون ان ينفي امكانية قيام الثورة في العديد من الدول الاوروبية دفعة واحدة أي دون ان ينفي امكانية قيام الثورة الاشتراكية العالمية كما كانت تقول الماركسية على عهد ماركس و انجلز .بل ان لينين كان يتوقع قيام هذه الثورة خصوصا بالمانيا التي كانت تعرف نهوضا جماهيريا قويا وانتعاشة قوية للخط الثوري . و هذا ما يمكن ان يبدو واضحا للاهتمام الكبير الذي أولاه لينين للحركة الشيوعية بالمانيا عند التهييء للاممية الثالثة (*) .ان لينين كان يرى ان مركز الثورة العالمية هي اوروبا حيث وصلت قوى الانتاج الى مرحلة عالية من التطور و من التناقض مع علاقات الانتاج ، و هذا ما سوف تغيره الظروف التاريخية فيما بعد و سوف يعبر عنه الرفيق ماوتسي تونغ الذي برهن على ان مركز الثورة العالمية لم يعد بأوروبا و انما " بالشرق "أي في البلدان التبعية المستعمرة و شبه المستعمرة ، و سنعود الى هذه النقطة لاحقا .في 7 ابريل 1917 كتب لينين " موضوعات نيسان " التي بين من خلالها رؤيته للثورة الاشتراكية بروسيا و مهمات الحزب ، ففي تلك الموضوعات سوف يعدل لينين شعار البلاشفة من ديكتاتورية البروليتاريا و الفلاحين الديمقراطية الثورية الى شعار ديكتاتورية البروليتاريا المستندة الى الفلاحين و قد أثار هذا التغيير الذي قام به لينين جملة من الانتقادات و ظهر شيوعيون داخل الحزب يتهمون لينين " باليسراوية "و بالقفز عن الثورة الديمقراطية و بالانحراف نحو " التروتسكية ".و ما له دلالاته اننا نجد اليوم التروتسكيين ، و قبل ذلك تروتسكي ، لا ينظرون الى انبثاق اللينينية الا ابتداء من موضوعات نيسان .فكيف رد على كل هؤلاء ؟ و لماذا غير شعار الثورة ؟ من ديكتاتورية البروليتاريا و الفلاحين الى ديكتاتورية البروليتاريا المستندة الى الفلاحين ؟ ان ما يجب الانتباه له هنا ليس هو هذا الشعار او ذاك و انما طريقة لينين في معالجة القضايا.في رسائله حول التكتيك استهل لينين رسالته الاولى على النحو التالي :" ان الماركسية تطلب منا ان نأخذ بالحسبان ، على ادق وجه و بصورة ، يمكن معها التثبت من صحته موضوعيا ، النسبة بين الطبقات و الخصائص الملموسة في كل حقبة من حقبات التاريخ "33 ، مؤكدا كلام ماركس و انجلز "ان مذهبنا ليس عقيدة جامدة بل مرشد للعمل " .و في تحليله للنسب بين الطبقات سوف يوضح لينين ان شعار " ديكتاتورية البروليتاريا و الفلاحين الثورية الديمقراطية " قد تجاوزه التاريخ و تجاوزه الصراع الطبقي بروسيا آنذاك . "و أن من يتحدث اليوم على هذا الشعار ، يتأخر عن موكب الحياة ، ينتقل ، بالتالي ، عمليا ، الى البرجوازية الصغيرة ضد النضال البروليتاري الطبقي و يستحق نبذه الى ارشيف تحف " البلشفية " ما قبل الثورة " 34.من هذه الموضوعة اللينينية حاول بعض " الماركسيين "و منهم بعض الماركسيين عندنا للحديث أن لينين تخلى عن الفلاحين و ان من يقول اليوم " بديكتاتورية البروليتاريا و الفلاحين " هو من "ارشيف البلاشفة القدماء " .ان هؤلاء السادة حاولوا من خلال صيغة لينين هذه التنكر لأهمية و ضرورة الثورة الديمقراطية البرجوازية و لقيام ديكتاتورية هاتين الطبقتين . لكن هؤلاء السادة إذ يتشبثون بصيغة لينين و اصطلاحه فانهم بالمقابل يبتعدون عن طريقة لينين و عن تحليله . لماذا غير لينين شعار الثورة و مهام الشيوعيين آنذاك ؟ .لقد درس لينين الواقع الملموس للصراع الطبقي بروسيا في تلك الحقبة ، الواقع الحي مؤكدا في بداية الامر الى انه "...ينبغي استيعاب هذه الحقيقة التي لا جدال حولها و هي انه يترتب على الماركسي ان يحسب الحساب للواقع الحي ، لواقع الحياة الدقيقة ، لا ان يتشبث بنظرية الامس ، التي هي ، ككل نظرية ، لا تفعل ، في احسن الاحوال ، غير ان ترسم الجوهري ، العام ، غير ان تقترب من شمل تعقد الحياة ." ان النظرية رمادية اللون ، يا صديقي ، و لكن شجرة الحياة خضراء الى الابد " 35.و بعد ان يوضح هذه الموضوعات الاساسية في التحليل الماركسي سوف ينتقل الى دراسة " وقائع الحياة الدقيقة " ليكتشف ان مسار الثورة الروسية قد خلق شيئا آخر غير متوقع ، لقد خلقت تشابك بين سيادة البرجوازية و سيادة البروليتاريا و الفلاحين ، " تشابك اصيل الى اعلى درجات الاصالة ، تشابك جديد الى درجة انه لم يسبق له مثيل " هكذا تحدث لينين . و انه وسط هذا التشابك و هذا الازدواج في السلطة تتنازل ديكتاتورية البروليتاريا و الفلاحين ، بملء ارادتها عن السلطة للبرجوازية ، و تصبح ، بملء ارادتها عبارة عن ذيل للبرجوازية " 36.بدراسته " لوقائع الحياة الملموسة "و جد لينين ان نزعة الدفاع عن الوطن اصبحت تسيطر على الفلاحين و الجنود في قلب السوفييتات بفعل نشاط المناشفة و الاشتراكيين الثوريين داخل هذه السوفييتات من جهة و بفعل الأساس الطبقي للفلاحين من جهة ثانية ، مشيرا عن حق أن " ...البرجوازية لا تبقى بواسطة العنف و حسب ، و انما تبقى ايضا بفضل رتوب الجماهير و همود همتها ، و عدم وعيها ، و عدم تنظيمها " و من هذا كله بات من الاوضح و من الضروري القيام بنضال عنيد داخل السوفييتات ضد النزعة البرجوازية الصغيرة و من الضروري الفصل في قلب هذه السوفييتات بين العناصر الشيوعية المنسجمة و بين العناصر البرجوازية الصغيرة المتذبذبة ، و هكذا فما جعل لينين يغير الشعار انما هو سيادة" نزعة الدفاع عن الوطن " ، النزعة الشوفينية وسط الفلاحين و بالتالي اتجاههم الى التعاون مع البرجوازية ، إن ذلك فرض رسم الحدود بين البروليتاريا و باقي حلفائها بشكل واضح و قاطع .و هكذا رد لينين على كامينيف الذي اتهمه بالقفز على الثورة الزراعية قائلا " ...و من فادح الخطأ ان ننسى الحركة الزراعية و البرنامج الزراعي ، إلا أنه من فادح الخطأ ايضا ان ننسى الواقع الذي بين لنا [انه ] ... حدث تعاون طبقي ضد البرجوازية و الفلاحين " 37 و من هذا يكون كل " ... من يفصل من الآن ، فورا و نهائيا ، العناصر البروليتاريا في السوفييتات ... عن العناصر البرجوازية الصغيرة ، انما يعبر بأمانة عن مصالح الحركة ..."38 .ماذا نستنتج من كل هذا ؟ هناك بعض " اللينينيون " قولا ، يستنتجون ان لينين تخلى عن التحالف مع الفلاحين و لا يجب من الآن فصاعدا على البروليتاريا سوى تقديم الدعم لهم لا التحالف معهم . و هذا الكلام يصدر خصوصا من من هم اقرب الى تروتسكي منه الى لينين رغم انهم يقولون عن انفسهم لينينيون و على كل فتروتسكي يقول عن نفسه هو ايضا بانه "لينيني" .لكن الاستنتاج السليم الذي نراه في هذه المعركة التي خاضها لينين ضد " البلاشفة القدماء" هي ان الفلاحين هم قوة رئيسية في الثورة و لا يمكن نجاحها بدونهم لكن في نفس الوقت الفلاحون هم برجوازيون صغار في آخر المطاف و موقعهم الطبقي هذا يجعلهم يتذبذبون بين البروليتاريا و البرجوازية . اذن المهمة المباشرة التي تطرح وفق هذا التحليل ليس الابتعاد عن الفلاحين لان الابتعاد عنهم يعني بكل بساطة تسليمهم للبرجوازية كما دلت على ذلك الثورة الفرنسية و الالمانية و الروسية كذلك ، بل المهمة الملحة التي تبرز هي " السيطرة "على الفلاحين و تربيتهم خلال الثورة ، السيطرة بمعناها الإيديولوجي و السياسي و التنظيمي . و هذا ما حققه الحزب الشيوعي بالصين على عهد ماو . و هو ما سوف نوضحه لاحقا .
--------------------27- لينين :بعض خصائص تطور الماركسية التاريخي ص 154.* : هنا نود ان نشير ان بعض الانتقادات لماو حول ديكتاتورية الطبقات الثورية تصدر من بعض الاشخاص الذين ينسبون انفسهم لستالين و هو لا يعلمون ان ستالين نفسه يقول بها فيا للسخرية .!!28 – لينين : الانتهازية وافلاس الاممية الثانية ص 265.29 – لينين : الامبريالية و الانشقاق في الاشتراكية .30- موجز تاريخ الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي مصادق عليه من طرف اللجنة المركزية للحزب سنة1938.31 – ماركس نقد برنامج غوتا .ص 2532- ماركس نفس المرجع ص 26( التسطير اصلي ).*- انظر على الخصوص مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية / رسالة الى الرفاق الالمان ..الخ .33- رسائل حول التكتيك. 34- رسائل حول التكتيك.35- رسائل حول التكتيك. 36- لينين : رسائل حول التكتيك.37- لينين : رسائل حول التكتيك.
38- لينين : مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية .

الماركسية اللينينية الماوية: تقاتل، تصمد و تنتصر 4 - الاشتراكية العلمية (2)

خالد المهدي
adil_mlm@yahoo.fr

لينين

لقد رأينا في المقالة السابقة كيف تمكن ماركس وانجلز من تحديد الأسس العلمية للاشتراكية بعدما توفرت الشروط الموضوعية لذلك . و كيف ان هذه الشروط المادية نفسها ، نتيجة لتطورها ، فرضت ضرورة تطوير الاشتراكية العلمية و هكذا فمن بين الإشكالات التي لم تقدم عليها الماركسية إجابات او إجابات شاملة نجد مثلا : قوانين تطور المجتمع الاشتراكي ، اتجاهات و محتوى النضال الثوري بالمستعمرات ، أشكال النضال المسلح ...الخ .سوف نحاول خلال هذه المقالة أن نقدم للقارئ كيف تمكن لينين من اغناء الاشتراكية العلمية من خلال الإجابات التي قدمها حول هذه الاشكالات، لكن قبل ذلك ، و ارتباطا بالمنهج المادي التاريخي ، سوف نحاول بسط الشروط المادية الجديدة التي فرضت ضرورة تطوير الاشتراكية العلمية .لقد أدى التمركز القوي و الهائل للرأسمال و اتساع رقعة سيطرة الراسمالية المتقدمة على العديد من شعوب العالم بآسيا و افريقيا و امريكا الجنوبية الى خلق شروط جديدة للصراع الطبقي على المستوى الوطني او العالمي . و هكذا شكل مثلا استعمار بعض الدول الراسمالية لشعوب العالم عاملا اساسيا في تطوير الانتاج الراسمالي من جهة و في خلق شروط جديدة استفادت منها البرجوازيات في صراعها مع الطبقة العاملة في بلدانها الخاصة ،حيث اصبحت الدول الاستعمارية تجني ارباحا طائلة من استعبادها لشعوب العالم . ان هاته الارباح التي كانت تحققها تلك البرجوازيات قد استخدمت ايضا في رشوة فئة معينة من الطبقة العالمة من اجل حثها على التخلي على فكرة و هدف تحطيم الراسمال ، لقد خلق تطور الاستعمار و هو في بداياته فئة جديدة داخل الطبقة العاملة ارتبطت مصالحها بمصالح البرجوازية انها الارستقراطية العمالية كما اسماها انجلز .ان هذه الفئة هي التي شكلت الاساس المادي المشين لنمو و تطور الانتهازية داخل صفوف العمال . و انه لمن الطبيعي ان نجد ان انجلترا التي كانت بفعل احتكارها الكبير للسوق العالمية ، تلك الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس ، هي مهد الانتهازية الاكثر خسة . لقد اشار انجلز نفسه الى هذا الواقع ، حيث كتب في جوابه الى كارل كاوتسكي 12 شتنبر 1882 قائلا "... انك تسألني ما هو رأي العمال الانجليز في السياسة الاستعمارية .انه تماما نفس رأيهم في السياسة بوجه عام ؛ أي نفس رأي البرجوازيين فيها . فلا يوجد هنا حزب عمالي ، إنما يوجد فقط حزب محافظ و حزب ليبرالي راديكالي ؛ اما العمال فانهم يتمتعون معها بكل هدوء باحتكار انجلترا الاستعماري و باحتكارها في السوق العالمية "1.ان هذا الواقع الذي اشار اليه انجلز سنة 1882 ، لم يعد خاصا بانجلترا مع مطلع القرن 20 بل لقد اقتفت اثره العديد من الدول الراسمالية التي كانت تشكل مركز الثورة العالمية : المانيا ، فرنسا ، الولايات المتحدة الأمريكية...الخ حيث تمكن الراسمال بهذه البلدان من شق صفوف العمال بخلق فئة ارستقراطية ارتبطت مصالحها المباشرة ببرجوازية بلدانها . ان هذا الاتجاه التاريخي لتطور الراسمالية و حتى قبل ان يصل الى مداه الاخير أي الامبريالية و الحرب العالمية الاولى قد جعل من مركز الثورة العالمية يتجه شيئا فشيئا من الغرب " المتحضر "الى الشرق " الهمجي " لكن دون ان يتغير وضع الغرب الراسمالي آنذاك كمركز للثورة العالمية .ان هذا الواقع قد طرح من جديد العديد من الإشكالات الحقيقية على جدول اعمال الحركة الشيوعية العالمية .تحديد اتجاهات الصراع الطبقي بالدول المستعمرة ، تدقيق الاجابة حول كيفية الوصول الى الاشتراكية بالدول التي لم تنهي بعد مرحلة الثورة الديمقراطية ...الخ.انجلز نفسه قد أشار في رسالته الى كاوتسكي ، التي اشرنا اليها سابقا ، ان الشيوعيين آنذاك لا يستطيعون الاجابة على بعض هذه الأسئلة خصوصا تلك المتعلقة بالدول المستعمرة ، حيث كتب قائلا : " ... اية أطوار اجتماعية و سياسية يترتب على هذه البلدان اجتيازها قبل ان تبلغ ايضا التنظيم الاشتراكي ، فهذا ما لا نستطيع ، اليوم ، الإجابة عنه إلا بفرضيات لا طائلة تحتها " 2.ان انجلز كان على قدر عميق من الوضوح الفكري و السياسي جعله يمتنع عن تقديم اجابات حول اسئلة لم تنضج بعد الشروط المادية للاجابة عليها تاركا الباب مفتوحا للماركسيين من بعده لانجاز هذه المهمة بعدما تتوفر شروط ذلك . لكن ليس هذا هو السؤال الوحيد الذي ظل بدون اجابة ، فقد اشرنا في المقالة السابقة كيف ان تطور التكنيك العسكري جعل من الأشكال المسلحة التي طبقتها البروليتاريا سنوات 1848 الى الكمونة تدخل الى متحف التاريخ و أصبحت عاجزة عن تحقيق النصر للبروليتاريا في الانتفاضة المسلحة . و هو ما فرض فيما بعد ضرورة إيجاد اشكال جديدة للعنف الثوري باعتباره الوسيلة الاساسية للاستيلاء على السلطة السياسية .ان تطور الراسمالية سوف يخلق كما أوضحنا أعلاه ، الشروط المادية لنمو الانتهازية داخل الحركة العمالية كما ان تطور الراسمالية قد فرض اشتداد التناقض الطبقي بين البروليتاريا و البرجوازية و دفع بهذه الاخيرة الى تشديد سيطرتها و ديكتاتوريتها على الطبقة العاملة .ان هذا الواقع ايضا فرض على الماركسيين تطوير نظرية الحزب باعتباره قائد البروليتاريا و المعبر عن مصالحها أي طليعتها : تطوير نظرية الحزب سواء من اجل النضال ضد الانتهازية التي بدأت تنخر الحركة العمالية او من أجل النضال ضد الرجعية التي اصبحت تنحو الى الرجعية اكثر فاكثر .و مع تطور الإنتاج الرأسمالي و تطور الصراع الطبقي و الدروس التي خلفها للبروليتاريا كما للبرجوازية ايضا و تطور العلم سوف تطرح اشكالات أخرى عديدة في جدول اعمال الماركسيين : المسالة القومية ، مسالة الفلاحين ...الخ.و تعتبر الحرب العالمية الاولى الانعطاف التاريخي الاكبر والاول من نوعه في عهد لينين حيث شكلت الحرب بالضبط اعلان دخول الراسمالية الى مرحلة جديدة من تطورها ، المرحلة الاعلى من تطورها التاريخي أي الامبريالية .بعد ذلك سوف تشكل ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى الانعطاف الاكبر الثاني من نوعه ، ان هذه الثورة قد قلبت كل موازين القوى الطبقية على النطاق العالمي و فرضت تغيرات جذرية في العديد من القضايا النظرية و العملية التي حددتها الاشتراكية العلمية سابقا و خلقت في نفس الوقت الظروف الملموسة لتطوير الاشتراكية العلمية في العديد من الجوانب و الاتجاهات و نخص هنا على سبيل الذكر : اشكالات بناء الاشتراكية و قوانين تطور المجتمع الاشتراكي .اذن بعد هذا العرض الموجز لبعض الشروط المادية التي فرضت ضرورة تطوير و اغناء الاشتراكية العلمية ، ما هي اسهامات الرفيق لينين في هذا القسم من الأقسام الثلاث المكونة للماركسية ؟منذ ظهور الماركسيين بروسيا في العقد الثامن من القرن التاسع عشر ، تم تحديد هدفهم بوضوح تحطيم الرأسمال و إقامة المجتمع الاشتراكي . لكن روسيا آنذاك لم تكن قد اجتازت بعد مرحلتها الديمقراطية البرجوازية ، و هو ما جعل الصراع داخل الماركسيين او بين الماركسيين و المعبرين عن البرجوازية والبرجوازية الصغيرة يحتد حول سؤال كيف يمكن الوصول الى الاشتراكية ؟ و باية وسائل ؟...الخان هذا السؤال لعلى قدر كبير من الأهمية ، خصوصا بالنسبة لنا نحن المغاربة حيث تتحدد طبيعة الثورة في بلادنا في المرحلة الحالية من تطور المجتمع المغربي باعتبارها ثورة ديمقراطية برجوازية ضد الإقطاع و الملاكين العقاريين و ثورة وطنية ضد الامبريالية و عميلتها البرجوازية الكمبرادورية ، فهل يمكن ان يحدد الآن الشيوعيين (ات )المغاربة مهمتهم المباشرة على صيغة تحطيم الرأسمال و اقامة ديكتاتورية البروليتاريا ؟ و هل البروليتاريا من مصلحتها ان تناضل في سبيل الثورة البرجوازية و في سبيل توطد الرأسمالية ؟ ان العديد من "الماركسيين " ( الماركسيين بين قوسين ) يهاجمون التجربة الصينية ، باسم لينين ، لانها سعت في مرحلتها الاولى الى حدود 49 الى "إقامة الرأسمالية" في الصين و يهاجمون ماو لانه سعى الى التحالف مع الفلاحين و البرجوازية الصغيرة و البرجوازية الوطنية من اجل الثورة الديمقراطية ذات المضمون البرجوازي . و اليكم نماذج من هذه المحاكمات التي تصدر عن أناس يقولون عن انفسهم انهم "ماركسيين لينينيين ": يكتب عسو الزياني في "نقده" لماوتسي تونغ متهما إياه بانه ممثل و معبر عن مصالح البرجوازية ضد الاقطاع ما يلي :"... في وضع يتسم بالملكية الخاصة لوسائل الانتاج و بتطوير نمط الانتاج الراسمالي في الصناعة و الزراعة و التجارة وباطلاق العنان للفلاحين الاغنياء سيتطور استغلال الطبقة العاملة و ستتطور الراسمالية كطبقة في الوجود المادي و في البنية السياسية كونها طرفا في " الديمقراطية الجديدة "3.كان صاحبنا عسو الزياني يشن هجوما كثيفا باسم " الماركسية اللينينية " على ماو لانه لم يعارض الراسماليين و ان "ثورته ليست مناهضة للراسمالية "و مادام الامر كذلك فان صاحبنا "الماركسي اللينيني" يطلق سلسلة من الاسئلة الاستنكارية ضد ماو : " الم يكن يعرف ان ثراء هؤلاء الرأسماليين سيكون على حساب الطبقة العاملة الصينية ؟ و " اذا كان ماو ماركسيا ألا يعلم ان القانون الذي يحكم تطور مشاريعهم واثرائهم هو ان يتحولوا الى امبرياليين لهم اطماع في استعمار و استغلال بتطور الرأسمالية .و إذا كان من حق الفلاحين في هذه !! الشعوب خارج الصين و بالتالي عليه أن يعارض لا أن يسمحالمرحلة التي تحدث عنها ماو القيام بثورة ضد الاقطاع ، فما الذي يمنع العمال من الثورة على الراسمال ؟ ".و نحن هنا لن نجيب صاحبنا بما قاله ماو .لانه لا يعرف عنه شيئا ، بل سوف نجابهه بنظرية لينين خصوصا و انه يدعي انتمائه للينين . سوف نجابهه بلينين لكن ليس لفضح " ماركسية " صاحبنا بل أساسا لنوضح إحدى المساهمات الكبرى للينين في تطوير الاشتراكية العلمية .و لنجيب صاحبنا حول سؤاله " ما الذي يمنع العمال من الثورة على الرأسمال قبل تحقيق الثورة الديمقراطية البرجوازية؟. في نقده لدوهرينغ كتب انجلز قائلا : " و منذ ظهور اسلوب الانتاج الراسمالي في التاريخ و الافراد و الشيع على حد سواء يحلمون كثيرا باستملاك وسائل الإنتاج من قبل المجتمع باعتباره المثل الاعلى للمستقبل .بيد ان هذا الاستملاك لا يمكن ان يصير ضرورة تاريخية الا عندما تتوفر الشروط الفعلية من اجل تحقيقه "4.و هذا هو السبب الذي يمنع العمال من الثورة على الرأسمال في مرحلة لم يصبح معها الرأسمال مسيطرا و متطورا . و في البيان الشيوعي ايضا يكتب ماركس و انجلز انه : " خلال هذا الطور لا يحارب البروليتاريون اعدائهم بل اعداء اعدائهم : بقايا الحكم المطلق ، الملاكين العقاريين ، البرجوازيين غير الصناعيين و البرجوازيين الصغار ، و على هذا النحو تكون الحركة التاريخية برمتها مركزة بين يدي البرجوازية ،و كل انتصار يتحقق في هذه الشروط انما هو انتصار برجوازي "5.و على خطى ماركس و انجلز سوف يشن لينين حربا ضروسا ضد المناشفة و الاشتراكيين الثوريين من اجل تحديد مضمون الثورة الروسية و رسم خطة الطريق من اجل الوصول الى الاشتراكية . لقد اعتبر لينين الصراع الذي شهده الحزب إ ش د ر بين المناشفة و البلاشفة يقوم بالضبط و على وجه التحديد حول هذه النقطة ، ففي تقييمه للمغزى التاريخي للصراع الحزبي في روسيا انتقد لينين كل من مارتوف و تروتسكي اللذان لم يفهما مضمون هذا الصراع بقوله :" ... في مضمون الثورة الروسية الاقتصادي تقوم جذور الخلاف بين المناشفة و البلاشفة "6. ان لينين الذي يدعي صاحبنا الزياني الانتماء اليه هو الذي قال انه " في بلدان كروسيا ، لا تعاني الطبقة العاملة من الراسمالية بقدر ما تعاني من النقص في تطور الراسمالية ، لذا فان من مصلحة الطبقة العاملة اطلاقا ان تتطور الراسمالية في منتهى الاتساع و الحرية و السرعة "7 ، و عليه فان " الثورة البرجوازية تقدم للبروليتاريا اكبر الفوائد ، و الثورة البرجوازية لا غنى عنها اطلاقا في مصلحة البروليتاريا "8 ، "و هذا الاستنتاج لا يمكن ان يبدو جديدا او غريبا او متناقضا الا لأولئك الذين يجهلون ألفباء الاشتراكية العلمية "9.و هكذا يظهر أن صاحبنا الزياني هو من طينة اولئك الجهلة بالألف باء الاشتراكية العلمية . ان اتهاماتهم و محاكماتهم ضد ماوتسي تونغ هي في حقيقة الامر ضد لينين و ضد ماركس و هذه المسألة أصبحت واضحة جدا .و لكي نوضح جيدا موقف لينين من مسالة توفير الشروط من اجل الثورة الاشتراكية سوف نحاول عرض المسالة من عدة زوايا أخرى .ان الاشتراكية العلمية تعلمنا كما سبق و ان اشرنا أعلاه أن الوصول الى الاشتراكية بما هي حل للتناقض بين الطبيعة الاجتماعية للانتاج و التملك الخاص لوسائل الانتاج لا يمكن ان تتم دون تطور الراسمالية ، لماذا ؟ لان تطور الراسمال هو بالضبط الذي يجعل من الانتاج ذو طبيعة اجتماعية . و هكذا يكون من نافل القول التأكيد على أهمية و ضرورة المرور بمرحلة الثورة الديمقراطية ذات المضمون الاقتصادي البرجوازي من أجل توفير الشروط للمرور الى الاشتراكية ، إن الثورة البرجوازية و تطور الراسمالية من الناحية الاقتصادية و الاجتماعية و كذا من الناحية السياسية الديمقراطية هو في مصلحة البروليتاريا و هو الشرط الضروري للانتقال الى مرحلة الاشتراكية ."ان الماركسيين لعلى اقتناع مطلق بطابع الثورة الروسية البرجوازي ، ماذا يعني هذا ؟ هذا يعني ان التحويلات الديمقراطية في النظام السياسي ثم التحويلات الاجتماعية و الاقتصادية التي اصبحت ضرورة لروسيا ، لا تفترض بحد نفسها زعزعة سيطرة البرجوازية ، و ليس هذا و حسب ، بل انها على العكس، ستمهد ايضا السبيل حقا و للمرة الأولى لتطور واسع و سريع ، أوروبي لا أسيوي ؛ و ستجعل من الممكن للمرة الأولى قيام سيطرة البرجوازية بوصفها طبقة ..."10.ان صاحبنا عسو الزياني و من على شاكلته الذين يتهمون ماو بانه أراد تطوير الراسمالية في الصين سوف يزجعون من هذا الكلام الواضح للينين و هم مثل أولئك الاشتراكيين الثوريين الروس أي انهم المعبرين الفكريين لا للبروليتاريا و إنما للبرجوازية الصغيرة، و هو التحديد الذي اعطاه لينين لأمثالهم " ان الاشتراكيين الثوريين لا يستطيعون إدراك هده الفكرة لأنهم يجهلون ألفباء قوانين تطور الانتاج البضاعي و الراسمالي ...إن عدم فهم الاشتراكيين – الثوريين لهذه الحقيقة يجعل منهم مفكري البرجوازية الصغيرة عن غير وعي منهم "11 ، كما هو حال صاحبنا عسو الزياني و من على شاكلته من مهاجمي ماو و الماوية .إن قيام الثورة الديمقراطية البرجوازية يعني تطور الرأسمالية و يعني انها في صالح البرجوازية أكثر منها في صالح البروليتاريا و " لكنه لا ينجم من هنا إطلاقا ان الانقلاب الديمقراطي ( البرجوازي بمحتواه الاقتصادي و الاجتماعي ) ليس على درجة هائلة من الأهمية بالنسبة للبروليتاريا ، لا ينجم من هنا إطلاقا ان الانقلاب الديمقراطي لا يمكن له ان يرتدي على السواء أشكالا مفيدة على الأخص للرأسمالي الضخم و طاغوت المال ،و الملاك العقاري " المستنير "و اشكالا مفيدة للفلاح و العامل "12.هذا نموذج من تحليل لينين بالرغم من أن الثورة الديمقراطية ( التي هي برجوازية في مضمونها ) هي في مصلحة الراسمال ، في مصلحة الملاك العقاري " المستنير" ( و هنا نود ان نفتح قوسا لاولئك الذين يهاجمون ماو لنقول لهم انظروا الى ما يقوله لينين حول الملاك العقاري " المستنير" أي الاقطاعي " المستنير ") انها في مصلحة كل هؤلاء لكنها أيضا في مصلحة العامل و الفلاح و كونها في مصلحتهما يعني العمل من أجلها و التحالف مع كل من له مصلحة فيها و يعمل من اجل انجازها.و هكذا تطرح في جدول أعمال الماركسيين الاجابة على سؤال مدى مساهمة البروليتاريا في هذه الثورة و ما هي حدود تحالفاتها مع من لهم مصلحة في هذه الثورة أي على حد تعبير لينين نفسه " الراسمالي الضخم و طاغوت المال و الملاك العقاري " المستنير" و طبعا و قبل كل شيء الفلاح .للاجابة على هذا السؤال خاض لينين صراعا قويا ضد المناشفة و الاشتراكيين الثوريين و ضد البرجوازية الليبرالية . و يعلمنا لينين في هذا الصدد " ان الماركسية لا تعلم البروليتاريا ان تبتعد عن الثورة البرجوازية و تتخذ منها موقف اللامبالاة ، وتترك قيادتها للبرجوازية ، بل هي على العكس ، تعلمها ان تشترك فيها انشط اشتراك و أقواه ، و أن تناضل اشد نضال في سبيل الديمقراطية المنسجمة تماما . في سبيل السير بالثورة الى النهاية "13 ، من أجل قطع الطريق على البرجوازية التي ترهبها البروليتاريا و تهرع الى التحالف مع الاقطاع و مع أشد الرجعيين بؤسا ،كما كان الحال في المانيا سنة 1818 وبفرنسا 1848 و بروسيا 1905.إن لينين هنا يطور احدى الموضوعات الاساسية للاشتراكية العلمية : ضرورة قيادة البروليتاريا للثورة الديمقراطية البرجوازية، و يطرح السؤال في نفس الوقت مع اية طبقات او فئات يجب ان تتحالف البروليتاريا ، هل مع كل من له مصلحة في الثورة الديمقراطية البرجوازية ام مع كل من له مصلحة و يعمل من اجل انجازها و إنجاحها . ان لينين يضع المسالة على الشاكلة التالية : " ان تحول النظام الاقتصادي و السياسي في روسيا تحولا ديمقراطيا برجوازيا امر أكيد ، محتم ... و لكن التفاعل بين القوى الموجودة التي تحقق هذا التحول قد يؤدي الى نتيجة مزدوجة او الى شكل مزدوج لهذا التحول ، فنحن امام امرين لا ثالث لهما : 1 – فإما أن يؤول الامر الى " انتصار الثورة الحاسم على القيصرية " ؛ و إما 2- أ ن لاتكفي القوى لإحراز الانتصار الحاسم و ينتهي الامر بصفقة بين القيصرية و اشد العناصر " ذبذبة " و اكثرها "أنانية " في صفوف البرجوازية "14.لينين الذي يعلمنا كيف يجب ان نكون ماركسيين ، كيف يجب ان ننبذ التحليل الذاتي و الدوغمائي يعرض المسالة من جانبين اثنين : الجانب النظري و الجانب العملي ، و لكي يجيب عن أي اتجاه سوف تتجهه الثورة الديمقراطية البرجوازية يقول لنا ان المسالة " رهن بالتفاعل الموضوعي بين مختلف القوى الاجتماعية "، " طابع هذه القوى انما حدده في حقل النظرية التحليل الماركسي للواقع الروسي "15.التحليل الماركسي للواقع الروسي الذي حدد خلاله الماركسيون من لهم مصلحة في الثورة البرجوازية :" الراسمال الضخم ، طاغوت المال ، الملاك العقاري " المستنير" و العامل و الفلاح " على حد تعبير لينين نفسه .لكن المسألة لا تقف عند لينين في هذا الحد أي تحديد من لهم مصلحة في الثورة الديمقراطية البرجوازية بل ينتقل لينين الى مسألة النشاط العملي لهذه الطبقات و الفئات .ان " طابع هذه القوى انما حدده في حقل النظرية التحليل الماركسي للواقع الروسي؟ أما الآن فيحدده في التطبيق العملي نشاط الفئات و الطبقات السافر إبان الثورة "16. و بعد أن يعرض لينين مضمون الممارسة السياسية لكافة الطبقات التي لها مصلحة في التغيير و كيف تنحو البرجوازية الليبرالية الى جانب القيصرية .ان هذا التحليل الماركسي الذي قدمه لنا لينين هو ضد كل تلك الجمل و العبارات الذاتية التي يتفوه بها بعض " اليسراويين "حول انعدام امكانية التحالف مع البرجوازية او بعض فئاتها إبان الثورة الديمقراطية البرجوازية و يقذف بهم الى موقع البرجوازيين الصغار .فما هي إذن الخلاصة التي وصل اليها لينين بعد دراسة السلوك السياسي لكافة التعبيرات السياسية عن الطبقات و الفئات التي لها مصلحة في التغيير :" إن القوة القادرة على إحراز " انتصار حاسم على القيصرية "لا يمكن أن تكون إلا الشعب ، أي البروليتاريا و الفلاحين ، إذا أخذنا القوى الاساسية الكبرى و إذا وزعنا بين البروليتاريا و الفلاحين البرجوازية الصغيرة في الريف و المدينة ( التي هي ايضا من " الشعب ") . ان "انتصار الثورة الحاسم على القيصرية " انما هو ديكتاتورية البروليتاريا و الفلاحين الديمقراطية الثورية " 17 .هكذا يطرح لينين المسألة و على هذا النحو يجيب : ديكتاتورية البروليتاريا و الفلاحين الديمقراطية الثورية ."و هذه الديكتاتورية لن تكون ، بكل تأكيد ،ديكتاتورية اشتراكية ، بل ديكتاتورية ديمقراطية . فهي لن تستطيع المساس بأسس الرأسمالية ( دون جملة كاملة من المراحل الانتقالية في التطور الثوري ) "18.ان انتصار الثورة الديمقراطية ، انتصارا تاما هو الذي سوف يجعل ، حسب لينين ، البروليتاريا غير مقيدة اليدين في نضالها بعد ذلك ضد البرجوازية و ضد الرأسمال و في قيادتها للثورة الديمقراطية بأكبر النشاط و الفعالية هو الذي سوف يحول دون أن" تذوب" في الديمقراطية البرجوازية " و بكلمة لكي لا تكون البروليتاريا مقيدة اليدين في النضال ضد الديمقراطية البرجوازية المتذبذبة، ينبغي لها ان تبلغ من القوة و الوعي ما يمكنها ان ترفع الفلاحين الى الوعي الثوري و تقود هجومها " 19 .و ضد صراخ المناشفة الذين أنكروا ضرورة مشاركة البروليتاريا في الحكومة المؤقتة معتبرين إياها خيانة إزاء الطبقة العاملة و مطالبين في نفس الوقت بأن يتخذ الحزب موقع أقصى المعارضة اجاب لينين بهدوء : "...لأن البروليتاريا ليست الوحيدة التي يهما امر الثورة الديمقراطية و التي تشترك فيها بنشاط و لان الانتفاضة " شعبية" و تشترك فيها أيضا " فئات غير بروليتارية "... أي برجوازية ايضا ، فان المبدأ القائل بان أي اشتراك من جانب الاشتراكيين في الحكومة المؤقتة ، مع البرجوازية الصغيرة ، يشكل خيانة إزاء الطبقة العاملة قد قذف بها المجلس العام الى البحر ، و هذا ما كانت تعمل له " فيربود "20 ، و يضيف لينين قائلا " ان " الخيانة " لا تكف عن ان تكون خيانة إذا كانت الاعمال التي تشكلها جزئية ، مؤقتة ، منطقية ...الخ " 21.بهذا المحتوى أغنى لينين الاشتراكية العلمية و قدمها الى الامام ، موضحا سبل الوصول الى الاشتراكية بالمجتمعات التي لم تنجز بعد ثورتها البرجوازية و محددا ايضا وسائل و تكتيك البروليتاريا من أجل هذا الهدف التاريخي .الوصول الى الاشتراكية يتطلب بالضرورة انجاز مهام الثورة الديمقراطية البرجوازية ( أي تطوير الراسمالية من الناحية الاقتصادية و اكتساب الحرية السياسية من الناحية السياسية ...) .لكن إنجاز هذه المهام لا يمكن ان يكون إلا عن طريق قيادة البروليتاريا لهذه الثورة في شخص حزبها الثوري و أن المهمة الأولى في طريق الاشتراكية هي ديكتاتورية البروليتاريا و الفلاحين الديمقراطية الثورية .إن لينين هنا هو ضد اولئك الذين يدعون انه لا يمكن ان تقام ديكتاتورية طبقات عدة متحالفة فيما بينها . فبعض " الماركسيين "يروجون لتلك الفكرة الخرقاء ،إما ديكتاتورية البروليتاريا و إما ديكتاتورية البرجوازية ولا يمكن ان يكون هنا شيء آخر بينهما .ففي نقده سنة 1910 للمناشفة كتب لينين قائلا : " و إنه لخاطئ أصلا الرأي الذي يزعم ان ديكتاتورية هاتين الطبقتين " تناقض كل مجرى التطور التاريخي " ، فالأمر على العكس تماما .فمن شأن هذه الديكتاتورية وحدها دون غيرها ان تكنس كليا جميع بقايا الاقطاعية و تؤمن نمو القوى المنتجة بأسرع نحو " 22 . وقد أعلن قبل ذلك لينين انه "اذا لم يكن بوسعنا الاعتماد على الفلاحين ، فضلا على البروليتاريا في النضال من أجل الجمهورية الديمقراطية ، فان " الحفاظ على السلطة " يكون مشروعا يائسا "23.نعتقد ان الامور اصبحت مكشوفة و واضحة، و واضح معها أيضا من يمثل بالفعل الخط الثوري المتشبث بفكر لينين و من يمثل الخط الانتهازي المتشبع بفكر البرجوازي الصغير الراديكالي الفج الضيق الافق داخل الحركة الشيوعية بالمغرب.ان هذه الاطروحات الأساسية للرفيق لينين حول طريق العبور الى الاشتراكية و حول التكتيك البروليتاري الثوري يجب ان لا نستحضرها كشعارات و مواقف جاهزة ، بل يجب ان نفهم و ان نستوعب طريقة لينين في تناول القضايا النظرية و طريقته في التعبير عنها سياسيا ، و هذا هو الأهم .إن لينين حينما تناول مسألة مهام الثورة في روسيا حددها آنذاك في الثورة الديمقراطية البرجوازية و حدد معها ايضا شكل و مضمون السلطة المقبلة باعتبارها ديكتاتورية الشعب أي البروليتاريا والفلاحين و البرجوازية الصغيرة لكنه في المقابل كان واضحا حول مسألة في غاية الاهمية ، مسألة قيادة الثورة و قيادة هذا التحالف : ضرورة قيادة البروليتاريا ، فهذه الأخيرة بوصفها الطبقة الثورية الى النهاية في المجتمع الحالي ، انما يترتب عليها ان تستلم زمام القيادة ، ان تبسط زعامتها في النضال الذي يخوضه جميع الشغيلة و المستثمرين ضد الظالمين و المستثمرين " 24 ، بل ان لينين لا يقف عند هذا الحد بل انه يذهب ابعد من ذلك بكثير حيث يعتبر ان البروليتاريا " ليست ثورية الا بقدر ما تعي فكرة الزعامة هذه و تطبقها عمليا "25.لكن ماذا تعني فكرة القيادة هذه ؟ كيف يمكن للطبقة العاملة ان تبسط زعامتها على باقي الطبقات التي تناضل من أجل الديمقراطية؟ كيف يمكن للطبقة العاملة ان تقود الفلاحين من اجل الثورة الزراعية ؟هناك مع الأسف ، بعض " الماركسيين " ممن يفهمون المسألة بطريقة اقتصادوية و يعجزون على الإجابة بشكل واضح دون السقوط في أحضان البرجوازية الليبرالية. هناك من يفهم قيادة البروليتاريا للفلاحين بوصفه "دعم " لنضالات الفلاحين بشكل هامد ، بوصفه دعم العمال ، للفلاحين داخل المعامل و المصانع ، إن هذا الفهم الاقتصادوي لمسألة القيادة قد خاض ضده لينين حربا لا هوادة فيها واصفا شعار " لا زعامة بل حزب طبقي " بأنه صيغة الإصلاحية الاشد انسجاما و تماسكا الى النهاية ، بل إنها أكثر من ذلك انها صيغة ارتداد مطلق " 26.إن زعامة البروليتاريا للفلاحين و للثورة الديمقراطية البرجوازية يعني قيادتها للفلاحين و لكل من لهم مصلحة في هذه الثورة و يعملون من أجلها ، قيادة سياسية بالدرجة الاولى، ان البروليتاريا تقود الفلاحين و تقود الثورة عبر حزبها الثوري .ان حزب الطبقة العاملة ، الحزب الثوري هو أعلى ما يمكن ان تصله الطبقة العاملة من تنظيم ، هو التنظيم الأنضج و الاكثر وعيا على حد تعبير لينين، و حزب الطبقة العاملة لا يعني عمال المعامل ، ان الحزب يضم العامل و الفلاح و الطالب و المثقف و أي شخص من اية طبقة اجتماعية شرط الالتزام ببرنامج الحزب و قوانينه ...الخ .و هنا نطرح السؤال عن مضمون ذلك النقد الذي يوجهه بعض المتمركسين لماوتسي تونغ باعتباره اعتمد على الفلاحين بل هناك من يذهب ليقول ان الحزب الشيوعي الصيني ليس حزبا للطبقة العاملة بل حزبا للفلاحين!!على كل حال عش يوما ترى عجبا.
يتبع___________________________1- من انجلز الى كارل كاوتسكي 1882.2 – من انجلز الى كارل كاوتسكي 1882.3- عسو الزياني : ملاحظات حول مقال الموقع التاريخي للثورة الصينية و الموقع النظري لماوتسي تونغ .الحوار المتمدن 23/06/2009.4- انجلز : ضد دوهرينغ .5- ماركس/ انجلز البيان الشيوعي .6- لينين . المغزى التاريخي للصراع الحزبي الداخلي في روسيا ص 121 ، مجلد ضد الانتهازية اليمينية و اليسراوية و ضد التروتسكية .7- لينين خطتا الاشتراكية الديمقراطية ص 448- لينني. خطتا الاشتراكية الديمقراطية ص 44.9 – لينين. خطتا الاشتراكية الديمقراطية ص 45.10-لينين .خطتا الاشتراكية الديمقراطي ص42.11- لينين . خطتا الاشتراكية الديمقراطية ص 4212- لينين. خطتا الاشتراكية الديمقراطية ص 43.13- لينين. خطتا الاشتراكية الديمقراطية ص 44.14- لينين. خطتا الاشتراكية الديمقراطية ص 51-52.15- لينين. خطتا الاشتراكية الديمقراطية ص 51.16- لينين. خطتا الاشتراكية الديمقراطية ص 5117- لينين. خطتا الاشتراكية الديمقراطية ص 53.18 لينين. خطتا الاشتراكية الديمقراطية .19 لينين. خطتا الاشتراكية الديمقراطية ص 58.20 لينين. خطتا الاشتراكية الديمقراطية ص 48.21 لينين. خطتا الاشتراكية الديمقراطية .22 لينين: المغزى التاريخي للصراع الحزبي الداخلي في روسيا ص 126.23 لينين. خطتا الاشتراكية الديمقراطية ص 91.24 لينين : الاصلاحية في الاشتراكية الديمقراطية الروسية .25 لينين : الاصلاحية في الاشتراكية الديمقراطية الروسية .
26- لينين : الاصلاحية في الاشتراكية الديمقراطية الروسية .

الماركسية اللينينية الماوية: تقاتل، تصمد و تنتصر 3- الاشتراكية العلمية

خالد المهدي
adil_mlm@yahoo.fr

ماركس / انجلز

يعتبر ماركس و انجلز مؤسسا الاشتراكية العلمية لكنهما ليسا اول من نادى بالاشتراكية ، فقد سبقهما الى ذلك العديد من المفكرين و النظريين : سان سيمون فورييه ، روبرت أوين . غير ان اشتراكية هؤلاء الرواد كانت طوباوية ، كانوا يتصورون حل القضايا الاجتماعية من خلال و بواسطة العقل ، لقد كانوا المعبرين عن خيبة الآمال على الوعود البراقة التي رفعتها البرجوازية في ثورتها على الإقطاع ، فوجهوا جميعهم نقدا لاذعا لمختلف المآسي التي جلبتها معها البرجوازية ، لكن نقدهم ظل طوباويا مفتقدا للقدرة على الوصول الى الهدف الذي أعلنوه ، الاشتراكية . ان ما جعل من اشتراكيتهم ذات طبيعة طوباوية قد حددته هو الآخر الظروف المادية التي عايشوها حيث كانت الرأسمالية في بداية تطورها و كان معها التناقض بين البرجوازية و البروليتاريا لم يتطور بعد إلا قليلا . لقد وصف انجلز في مؤلفه " ضد دوهرينغ "تلك الفترة بالكلمات التالية :" كانت النظريات الفجة تقابل شروط الإنتاج الرأسمالي الفجة و الظروف الطبقية الفجة و لقد حاول الطوباويون اخراج حل القضايا الاجتماعية ، هذه القضايا التي كانت مختفية بعد في العلاقات الاقتصادية المتخلفة ، من الدفاع الانساني .لم يكن المجتمع يبدي سوى الاخطاء ، و كان من واجب العقل القضاء على هذه الاخطاء . و لذا كان من الضروري بمكان اكتشاف نظام اجتماعي جديد اكثر كما لا يفرض على المجتمع من الخروج بواسطة الدعاية ، و بواسطة قدوة التجارب النموذجية حيثما كان ذلك في المستطاع . و كانت هذه الانظمة الاجتماعية الجديدة محكوما عليها سلفا بالطوباوية ، و بقدر ما كانت تصمم بمزيد من التفاصيل فقد كانت تنساق اكثر فاكثر مع الاوهام الخالصة "1 .لقد كان هؤلاء المفكرين يحملون حسا مرهفا و مشاعرا نبيلة اتجاه الطبقات الكادحة ، لقد عرى فورييه بؤس العالم البرجوازي المادي و خلقه و خاصة العلاقة بين الجنسين و مركز المرأة في المجتمع البرجوازي ، " لقد كان سباقا الى المناداة بان درجة تحرر المرأة في أي مجتمع معين هي المقياس الطبيعي للتحرر العام " اما الانجليزي روبرت أوين فقد ناضل بقوة من أجل العمال و كان هو " من فرض سنة 1918 القانون الاول الذي يحدد ساعات العمل من اجل النساء و الاولاد في المصانع " و " كان رئيسا لأول مؤتمر اتحدت فيه نقابات العمل في انجلترا في جمعية عمالية كبيرة " .و قد كان يرى في الملكية الخاصة و الدين و شكل الزواج هم العقبات الاساسية التي تقف امام تطور المجتمع و ضحى بكل ثروته في محاولته مع العمال لخلق تجربة شيوعية تشكل نموذجا للآخرين .إن هؤلاء المفكرين الذين يمدحهم انجلز في مؤلفاته * بأروع العبارات لم يستطيعوا فهم حقيقة الواقع المزري الذي ولدته الراسمالية و ظلوا ينادون ، و هم صادقين و مخلصين لأنفسهم ، بأحلام طوباوية .لكن ذلك ليس عيبهم و ما كان من الممكن ان يكونوا إلا كذلك ." لقد كان الطوباويين ، كما رأينا ، طوباويين لانهم ما كانوا يستطيعون ان يكونوا شيئا آخر في وقت كان فيه الانتاج الراسمالي قليل التطور و لم يكن لهم بد من تشييد عناصر المجتمع الجديد من رؤوسهم الخاصة ، لان عناصر هذا المجتمع لم تكن قد ظهرت بعد على العموم ضمن المجتمع القديم "2.لكن المجتمع الجديد استمر في التطور و اصبحت علاقات الانتاج الراسمالية اكثر وضوحا و سفورا و اشتد التناقض بينها و بين قوى الانتاج و اشتدت معه التناقضات بين البرجوازية و البروليتاريا و ظهرت البروليتاريا على المسرح السياسي بوصفها حاملة مشروع التخيير،في ذلك الوقت الذي برزت فيه هذه الضرورة التاريخية كانت الصدفة قد أتت بماركس و رفيقه انجلز . و سوف يتمكن هذان المفكران العظيمان ، على الخصوص ، من اخراج الاشتراكية من عقيدتها الطوباوية و اعادة تأسيسها على قاعدة علمية .و اذا استثنينا عنصر العبقرية ، فان ما كتبه ماركس و انجلز لم يكن في الحقيقة سوى تعبيرا عن الشروط المادية و الموضوعية التي كانت سائدة آنذاك . ان التطور التاريخي للنظام الراسمالي نفسه هو الذي طور البروليتاريا بوصفها طبقة و خلق تعبيرها النظري : الماركسية .انجلز في تحديده للاشتراكية يقول " ليست الاشتراكية الحديثة سوى انعكاس هذا النزاع الواقعي ( يقصد انجلز النزاع بين علاقات الانتاج و القوى المنتجة ) في فكر الانسان . انعكاسه في شكل الافكار ، قبل كل شيء في اذهان الطبقة التي تعاني منه بصورة مباشرة اعني الطبقة العاملة " 3 .فما هي اذن الاسس العلمية التي شيدت بها الماركسية الاشتراكية العلمية ؟ هل الاشتراكية ضرورة تاريخية و حتمية ؟ لماذا ؟ كيف برهنت الماركسية على ذلك ؟ انطلاقا من المادية الجدلية و من المفهوم المادي للتاريخ استطاع ماركس من تحليل المجتمع الراسمالي و الكشف عن القوانين التي تتحكم فيه و ابراز تناقضاته الداخلية . مقدما الدليل على حتمية الاشتراكية .لقد قدم ماركس في مؤلفه راس المال صيرورة تطور النظام الرأسمالي و كيفية تعاقب انماط الانتاج عبر التاريخ كاشفا لاول مرة في التاريخ ان " ... الاشكال الاقتصادية التي ينتج الناس و يستهلكون و يتبادلون في ظلها اشكالا عابرة و تاريخية . و مع اسلوب الانتاج يغيرون جميع العلاقات الاقتصادية التي لم تكن علاقات ضرورية الا لاسلوب الانتاج المعين هذا "4.و هكذا يكون أسلوب الإنتاج الرأسمالي هو الآخر أسلوبا عابرا و تاريخيا ولد من احشاء المجتمع القديم ( الاقطاعي ) بعدما وصلت قوى الانتاج الى مرحلة من النمو استحال معها التطور في ظل نفس علاقات الانتاج السابقة .ان ماركس قد اوضح هنا عمومية التناقض داخل المجتمعات الطبقية : التناقض بين علاقات الانتاج و القوى المنتجة ، لكنه لم يقف عند هذا الحد بل كشف ايضا خاصية التناقض في المجتمع الراسمالي ، انه التناقض بين الطابع الاجتماعي لاسلوب الانتاج الراسمالي و الملكية الفردية لوسائل الانتاج . ان النمو المتزايد للانتاج الراسمالي و تمركز الراسمال في يد قلة من الراسماليين يولدان حسب ماركس الفقر و الجهل و البؤس لدى كافة الجماهير و خصوصا العمال ، لكنه في الوقت نفسه يولد الشروط المادية للقضاء على الراسمالية ، نفسها ... و يصبح احتكار الراسمال عقبة و عائقا بالنسبة الى نمط الانتاج الذي نما و ازدهر معه و تحت رعايته .ان منح الطابع الاجتماعي للعمل و مركز محركاته المادية يبلغان نقطة لا يستطيعان فيها الثبات و البقاء في غلافهما الراسمالي . و هذا الغلاف يتحطم شظايا ، لقد دقت ساعة الملكية الراسمالية ، و نازعوا الملكية تنتزع ملكيتهم هم بدورهم ."5ديكتاتورية البروليتارياان حتمية انهيارا النظام الرأسمالي ليست مطروحة هنا من " فكرة عبقرية "طوباوية او من نموذج " امثل "بل ان حتمية انهيار النظام الرأسمالي مستمدة من الأسس المادية و الموضوعية لهذا النظام نفسه من قوانينه الموضوعية .ان جعل العمل اجتماعيا ، ان هذه العملية التي تتقدم بسرعة متزايدة ابدا و بألون الاشكال ... في توسع الصناعة الكبيرة و الكارتيلات و السانديكات و الزوستات الراسمالية و في التطور الأسطوري لنسب الراسمال المالي و قوته ، ذلك هو الاساس المادي الرئيسي لمجيء الاشتراكية " 6.لكن بالنسبة لماركس و انجلز مجيء الاشتراكية لا يأتي بشكل عفوي ، و سلمي و لا يمر عبر طريق مستقيم بل انه يأتي بالعنف كما جاءت كل المجتمعات الطبقية من قبله ، يأتي عبر صيرورة طويلة من نضال العناصر الثورية التي تحمل الجديد و تعبر عن المستقبل أي البروليتاريا ، و خصوصا بالنسبة لماركس و انجلز البروليتاريا الصناعية . و هكذا برز جل التناقض واضحا : جعل ملكية وسائل الانتاج ملكية اجتماعية و خلق نوع من التناغم و التوافق بينها و بين الطابع الاجتماعي للعمل . و من اجل ذلك لابد للطبقة الثورية البروليتاريا من الاستيلاء على السلطة السياسية اولا و فرض هذا الحل بقوة العنف عن طريق جهاز الدولة كخطوة اولى .بالنسبة لانجلز " ان ملكية الدولة للقوى الانتاجية لا تشكل حلا للنزاع ، لكن الشروط التقنية التي تشكل عناصر هذا الحل تكون كامنة فيها.و لا يمكن ان يقوم هذا الحل الا في الاعتراف العملي بالطبيعة الاجتماعية للقوى الانتاجية الحديثة و بالتالي في تنسيق اساليب الانتاج و الاستهلاك و المبادلة مع الصفة الاجتماعية لوسائل الانتاج "7 .لكن بالنسبة لماركس و انجلز الاستيلاء على السلطة السياسية لا يعني الاستيلاء على الدولة القديمة بل يعني تحطيمها و اقامة دولة جديدة . و هنا الماركسية تعارض كل النظريات الفوضوية التي تنادي بضرورة الاستغناء عن الدولة . و تعارض في ذات الوقت كافة النظريات البرجوازية التي اخترقت الحركة العمالية ( مثل اللاسالية ) الداعية الى مجرد الاستيلاء على الدولة القديمة .ان تقييم ماركس للحرب الاهلية في فرنسا و لنضال الطبقات في هذا البلد مهد الاشتراكية قاده الى الإعلان " ان المحاولات التالية التي ستقوم بها الثورة الفرنسية ينبغي ان تتلخص فيما يلي : لا ينبغي نقل الآلة البيروقراطية العسكرية من يد الى يد ، كما يحدث حتى الآن ، بل تحطيمها ، و هذا على وجه التدقيق الشرط المسبق لكل ثورة شعبية فعلية في القارة . و في هذا بالذات تقوم محاولة رفاقنا الباريسيين البواسل " 8.و من هذا المنظور بالذات حدد ماركس و انجلز دور الشيوعيين (ات) باعتبارهم المعبرين الفكريين و السياسيين عن الطبقة العاملة حيث " يمثل الشيوعيين دائما و في كل مكان المصالح العامة للحركة بكاملها ... ان الشيوعيين يناضلون في سبيل بلوغ الاهداف الفورية و في سبيل تحقيق المصالح المؤقتة للطبقة العاملة ، لكنهم يمثلون ايضا ، في الوقت الراهن مستقبل هذه الحركة و يعنون به " 9 .و هكذا يرى الشيوعيون مهمة "... الاستيلاء على السلطة السياسية من قبل البروليتاريا من حيث هو وسيلة لإعادة تنظيم المجتمع "10بالنسبة لماركس و انجلز الاستيلاء على السلطة من قبل البروليتاريا يعني ضرورة اقامة ديكتاتورية البروليتاريا ، و تحطيم الراسمال و بالتالي العمل المأجور .و مع ماركس و انجلز سوف يصبح مفهوم الدولة مفهوما علميا حيث سوف يتمكنان من إبراز جهاز الدولة باعتباره أداة ضرورية لكل طبقة سائدة من اجل ممارسة ديكتاتوريتها ضد الطبقات المسودة . ان ماركس لم يكتشف الطبقات و لا حتى الصراع الطبقي فماركس اعلن في رسالته الى يوسف فيديمار سنة 1852 "... فيما يخصني ، ليس لي فضل اكتشاف وجود الطبقات في المجتمع المعاصر و لا فضل اكتشاف النضال فيما بينها ، فقد سبقني بوقت طويل مؤرخون برجوازيون بسطوا تركيب الطبقات الاقتصادي . و ان الجديد الذي اعطيته يتلخص في اقامة البرهان على ما يلي : 1 – ان وجود الطبقات لا يقترن الا بمراحل تاريخية معينة من تطور الانتاج . 2- ان النضال الطبقي يفضي بالضرورة الى ديكتاتورية البروليتاريا . 3- ان هذه الديكتاتورية نفسها لا تعني غير الانتقال الى القضاء على كل الطبقات و الى المجتمع الخالي من الطبقات ..."11 .و هكذا فالدولة بالنسبة لماركس و انجلز لا تعني شيئا آخر إبان المجتمع الاشتراكي سوى ديكتاتورية البروليتاريا . و ان هذه المرحلة هي مرحلة ضرورية للوصول الى المجتمع الشيوعي الخالي من الطبقات . ان الهدف الذي وضعه ماركس و انجلز انما هو الشيوعية حيث تنعدم الحاجة الى كافة المؤسسات السياسية لكن الوصول الى هذه المرحلة يستوجب بحكم الضرورة التاريخية المرور بمرحلة اولى مرحلة الاشتراكية أي ديكتاتورية البروليتاريا و هكذا في نقده لبرنامج غوته يحدد ماركس المرحلة الاشتراكية باعتبارها المرحلة الاولى من المجتمع الشيوعي " ...بين المجتمع الراسمالي و المجتمع الشيوعي تقع مرحلة تحول المجتمع الراسمالي تحولا ثوريا الى المجتمع الشيوعي و تناسبها مرحلة انتقالية سياسية ، لا يمكن ان تكون الدولة فيها سوى الديكتاتورية الثورية للبروليتاريا "12 .لقد لعبت كمونة باريس دورا جوهريا في بلورة مفهوم ديكتاتورية البروليتاريا لدى ماركس . فبتتبعه لشروط النضال بين الطبقات بفرنسا و الثورة الفرنسية بعدما هبت البروليتاريا الباريسية في وجه البرجوازية بقوة السلاح و بالعنف .ان الماركسية بوصفها علم لا تفعل اكثر من تفسير الواقع تفسيرا علميا و تحديد سبل تغييره و العمل من اجل هذا التغيير . ان الماركسية بكل قوتها آنذاك ما كان لها ان تتجاوز الشروط المادية التي انبثقت منها . بهذا المعنى لم يكن ماركس و انجلز قادران على تحديد المجتمع الاشتراكي و دولة ديكتاتورية البروليتاريا الا في خطوطه العريضة ، فالشيوعية او طورها الاول أي الاشتراكية تنشأ من الراسمالية و هي اضافة لكل ذلك نتيجة ثورة قوة اجتماعية خلقتها الراسمالية نفسها و هكذا لم يقم ماركس و لا انجلز باية محاولة لمعرفة ما لا يمكن معرفته . في نقده لبرنامج غوتا يطرح ماركس السؤال التالي " ...اي تحول يطرأ على الدولة في المجتمع الشيوعي ؟ و بتعبير آخر اية وظائف اجتماعية مماثلة للوظائف الحالية للدولة تظل قائمة في المجتمع الشيوعي ؟ العلم وحده يستطيع الجواب عن هذا السؤال ، و لن ندفع القضية امام قيد شعرة ..." 13.نفس المضمون سوف يؤكده انجلز في جوابه على رسالة اوتوبونيغك حيث قال : " ان ما يسمى " المجتمع الاشتراكي " ليس ، حسبما اعتقد ، شيئا ما أعطي مرة واحدة و الى الابد ، بل ينبغي اعتباره ، مثله مثل كل نظام اجتماعي آخر قابلا لتغيرات و تحولات دائمة "14. و هكذا يتضح ان لا ماركس و لا انجلز لم يكن لهما ادنى وهم بمعرفة صيرورة تطور المجتمع الاشتراكي قبل ان ينشأ هذا المجتمع بالذات و هكذا فقد تركا الباب مفتوحا ( و ما كانا ليفعلا غير ذلك ) للماركسيين فيما بعد من اجل الاجابة على هذه الاشكالات و هو ما سوف يتحقق بالفعل مع لينين و ماوتسي تونغ .لكن و رغم ذلك فان ماركس و انجلز بامتلاكهما للمادية الجدلية و للمادية التاريخية قد برهنا على ضرورة و حتمية قيام الشيوعية و طورها الاول الاشتراكية و اعطيا الخطوط العريضة الممكنة لكيفية التطور التاريخي لهذه المرحلة من تطور المجتمعات الانسانية .لقد برهن ماركس على ضرورة اضمحلال الطبقات و اضمحلال الدول و كل الاشكال السياسية المرافقة لنضال الطبقات .ان اولى الخطوات في هذا الاتجاه هو قيام ديكتاتورية البروليتاريا و مصادرة أملاك الراسماليين و بالتالي فتح المجال لتطور القوى المنتجة ، ماركس و انجلز كانا يعرفان اية صعوبات جمة سوف تعترض هذا المسار و الاساس المادي لهذه الصعوبات هو كما اسلفنا الذكر انبثاق هذا المجتمع من رحم المجتمع القديم و بالتالي سوف يبقى متأثرا به في العديد من النواقص التي يرثها عن المجتمع الراسمالي ، ان تلك النواقص هي "...نواقص محتومة لا مناص منها في الطور الاول من المجتمع الشيوعي كما يخرج من المجتمع الراسمالي بعد مخاض طويل و عسير " 15.ان الوصول الى الشيوعية يمر في نظر ماركس و انجلز بحل العديد من التناقضات التي يرثها المجتمع الشيوعي عن المجتمع الراسمالي : التناقض بين العمل الذهني و العمل اليدوي ، التناقض بين المدينة و القرية و التناقض بين المرأة و الرجل ...الخ . و هكذا تصبح مهمة البروليتاريا ،بوصفها طبقة مسيطرة ، حل التناقضات عن طريق اعادة تنظيم تقييم العمل الاجتماعي على قاعدة " تجميع متناسق للقوى المنتجة وفقا لخطة عامة تسمح بتوزيع الصناعة في جميع البلاد وفقا لاحسن الظروف ملائمة لتطورها و الحفاظ عليها ، و كذلك لتطوير العناصر الاخرى للانتاج " 16.و بهذا فالقضاء على التضاد بين المدينة و القرية ليس ممكنا فحسب بل لقد اصبح حتمية مباشرة للانتاج الصناعي نفسه و الانتاج الزراعي على حد سواء و هو علاوة على ذلك ضروري لصالح الصحة العامة . فعن طريق دمج المدينة بالقرية فقط يمكن القضاء على النهج الحالي للهواء و الماء و التربة و بهذا الشرط وحده يمكن لجماهير سكان المدن الذين يصبهم السقم حاليا ان يتوصلوا الى وضع تستخدم فيه فضلاتهم كسماد لاستنبات الزرع بدلا من توليد الامراض " 17 . ان انجلز هنا يوضح ايضا الحل لاجل انقاذ البيئة انها الاشتراكية .نفس الشيء يمكن قوله عن العائلة و العلاقة بين الجنسين "... التي ستصبح قضية شخصية لا تتعلق الا بالاشخاص المعنيين و لا داعي للمجتمع للتدخل فيها و هذا امر ممكن بفضل الغاء الملكية الخاصة و بفضل تربية الاطفال الاجتماعية ، الامر الذي يؤدي الى القضاء على اسس الزواج المعاصر المرتبطين بالملكية الخاصة : تبعية الزوجة للزوج و الاولاد للوالدين "18.لقد رأينا الى حد الآن كيف نظر ماركس و انجلز الى الاشتراكية ، حتميتها و سبل الوصول اليها أي اقامة ديكتاتورية البروليتاريا عن طريق الثورة المسلحة و الاستيلاء على السلطة السياسية .لكن السؤال الذي يطرح هنا هو كيف كانت تنظر الماركسية حينها لأدوات انجاز هذه الثورة ؟ كيف يمكن ان تستولي الطبقة العاملة على السلطة السياسية ؟ و ما هي علاقتها بالطبقات الاخرى و خصوصا الفلاحين ؟ .الحزبفي صراع ضار و عسير ضد الفوضوية البرودونية حددت الماركسية مهام البروليتاريا للوصول الى الاشتراكية في الاشتراك الفعال في الحركة السياسية من اجل الهدف النهائي : حسم السلطة السياسية و في هذا السياق يشكل بناء حزب الطبقة العاملة المهمة الاولى و الاداة الضرورية لضمان نجاح ثورة البروليتاريا و هكذا نجد ماركس و انجلز يرسمان هذا الهدف على الشكل التالي :" في صراعها ضد السلطة الموحدة للطبقات السائدة ، لن تستطيع البروليتاريا التصرف كطبقة الا إذا اسست لها حزبا مختلفا و معارضا لكل الاحزاب السياسية القديمة التي خلقتها البرجوازية " بالنسبة لماركس " تشكل البروليتاريا في حزب سياسي هو امر حتمي لضمان اندلاع الثورة الاجتماعية و هدفها النهائي : القضاء على الطبقات ".و هكذا حدد ماركس و انجلز الاداة الاولى للقيام بالثورة : الحزب .حزب سياسي مختلف و معارض لكل الاحزاب التي أنشأتها البرجوازية .فبالنسبة للماركسية تحرر العمال هو من صنع العمال انفسهم و يشكل تحررهم الاقتصادي الهدف الاسمى الذي يجب ان تخضع له كل حركة سياسية بما هي وسيلة ".و من اجل تاسيس الحزب المستقل للبروليتاريا خاض ماركس و انجلز نضالا لا هوادة فيه ضد اللاساليين بألمانيا و ضد البرودونيين بفرنسا و ضد كل التأثيرات البرجوازية داخل الاممية .من اجل حسم السلطة السياسية علمنا ماركس و انجلز ضرورة تهيئ البروليتاريا و تحضيرها و تنظيمها و تربيتها وسط الصراع و عن طريق التحريض الدائم ضد البرجوازية و الاقطاعية .ف " حيث لم تحرز الطبقة العاملة بعد ما يكفي من النجاح في تنظيمها لأجل القيام بزحف حاسم على السلطة الجماعية ، أي على السلطة السياسية للطبقات السائدة ، ينبغي في كل حال اعدادها لهذا الغرض عن طريق التحريض الدائب ضد السلطة و اتخاذ موقف عدائي حيال سياسية الطبقات السائدة ، و الا بقيت الطبقة العالمة ألعوبة في أيدي الطبقات السائدة " 19.بعد فشل الثورة الالمانية سنة 1848 انكب ماركس و خصوصا انجلز على دراسة تلك التجربة من جميع النواحي من اجل استخلاص الدروس اللازمة للنجاح في المستقبل ، و قد صيغت هنا العديد من الموضوعات النظرية و السياسية للماركسية سواء فيما يتعلق بجانبها الفكري النظري او بجانبها السياسي العملي . ان احدى تلك الخلاصات كانت ضرورة الطبقة العاملة لحزب مستقل . لقد كانت احدى الاسباب التي ادت الى فشل الحزب البروليتاري في المانيا هي تأثير البرجوازية الديمقراطية في سياسته و نشاطه العملي و " لم ينجح الحزب البروليتاري ، الحزب الثوري حقا ، الا تدريجيا في ابعاد جمهور العمال عن تأثير الديمقراطيين الذين لم يكن جمهور العمال في بداية الثورة الا ذيلا لهم . و لكن في وقت لاحق ساهم تردد و ضعف و جبن القادة الديمقراطيين في انجاز البقية " .و في سنة 1850 بعثت اللجنة المركزية لعصبة الشيوعيين الى اعضائها في المانيا رسالة كشفت دروس و خلاصات هزيمة الثورة بالمانيا و حددت في الوقت ذاته مهام الشيوعيين الالمان ، حيث صاغت موقف الحزب الثوري من الديمقراطية البرجوازية الصغيرة على الشكل التالي : " ان موقف الحزب العمالي الثوري من الديمقراطية البرجوازية الصغيرة هو التالي : يناضل معها ضد الفئة التي تريد اسقاطها و يحاربها في كل النقاط التي تريد استعمالها لتوطيد مواقعها الخاصة " 20.و قد حذرت العصبة الشيوعيين من دعوات البرجوازية الصغيرة للبروليتاريا لتشكيل حزب موحد بينهما و وصفت نداءات البرجوازيين الصغار الديمقراطيين بانها " محاولات "لإيقاع العمال في فخ تنظيم حزبي يسود فيه الانشاء الاشتراكي الديمقراطي العام الذي يخفي خلفه مصالحهم الخاصة "21.ان هذا الاتحاد الذي يدعو اليه البرجوازيين الصغار الديمقراطيين " لا يمكن ان يخدم مصلحة البروليتاريا في شيء ، ان هذا الاتحاد يفقد البروليتاريا استقلالها كطبقة ... و يجعلها ذيلا للديمقراطية البرجوازية الرسمية " و هكذا رسم الهدف بدقة " على العمال ( و قبل كل شيء العصبة ) ، بدل ان يحضروا انفسهم و يصفقوا للديمقراطيين البرجوازيين ، عليهم ان يسعوا خارج الديمقراطية البرجوازية الرسمية الى تشكيل تنظيم مستقل ، سري و علني ، الحزب العمالي ..."22.ان الحزب المستقل للطبقة العاملة هو امر ضروري لا يمكن تجاوزه من اجل انجاز مهام الثورة سواء الديمقراطية كما كانت ثورة 1848 في المانيا ام البروليتارية .ان انجاز التغيير الاجتماعي أي الثورة هو عمل تقوم به الجماهير كلها تحت قيادة الحزب عن طريق الانتفاضة المسلحة . لذلك على العمال " ان يكونوا مسلحين و منظمين " و تؤكد العصبة في نفس الرسالة على انه " يجب القيام فورا بكل ما هو ضروري لكي تكون البروليتاريا مسلحة بالبنادق و المدافع و الذخيرة... عليهم ( أي العمال ) أي يسعوا الى تنظيم انفسهم في حرس بروليتاري بقيادة من اختيارهم و قيادة اركان منتخبة من قبلهم لا تحت امرة السلطات العامة ... لا ينبغي ، و لأي سبب كان ، تسليم الاسلحة و الذخائر و يجب الحيلولة ، بالقوة عند الحاجة ، دون جميع محاولات نزع سلاح العمال . القضاء على تأثير البرجوازيين الديمقراطيين على العمال ، التحقيق الفوري للتنظيم المستقل و المسلح للعمال ... تلك هي المهام التي ينبغي على البروليتاريا و بالتالي على العصبة ، ان لا تغيب عن ذهنها لحظة واحدة سواء اثناء او بعد الانتفاضة الوشيكة " 23.ان هذه التوصيات الواضحة حول مهام حزب البروليتاريا المستقل تفضح اليوم كل أكاذيب و خداع اولئك الداعين الى بناء " حزب الطبقة العاملة و عموم الكادحين " حيث تتستر خلف مصالح البرجوازية الصغيرة و كذا اولئك الذين ينتظرون الثورة على شكل انتفاضة بالحجر والعصي . لقد حددت الماركسية من خلال تقييمها للثورة الفرنسية و الالمانية مهمة الاستيلاء على السلطة السياسية عن طريق الانتفاضة المسلحة ، حيث كان ماركس و انجلز ينظرون الى هذه الانتفاضة كعمل هجومي غير متوقف تخوضه فيالق العمال المسلحين الى جانب الجماهير المسلحة ضد اجهزة دولة الطبقات المسيطرة الى درجة ان انجلز قال " ان الروح الدفاعية هي موت كل هبة مسلحة فانك مهزوم حتى قبل ان تنازل اعدائك "24.لكن تطور الصراع الطبقي من جهة وتطور الأسلحة و تسلح البرجوازية قد دفع بانجلز سنة 1895 الى القول ان شروط الصراع قد تبدلت .. بصورة جوهرية ، إذ ان العصيان على الاسلوب القديم ، قتال الشوارع مع استخدام المتاريس الذي كان يقرر نتائج النضال في كل مكان حتى 1848 ، قد بطل حتى درجة بعيدة " ."فلنطرح عنا الأوهام في هذا المجال ، ان النصر الحقيقي للعصيان على القوة العسكرية في قتال الشوارع ...قد اصبح من انذر الاستثناءات "25.لكن ما هو الشكل الجديد الذي يجب ان تأخذه الانتفاضة المسلحة ؟ ان انجلز لم يقدم جوابا على هذا السؤال و هو ما حاول الانتهازيون فيما بعد استخدامه لإسقاط مهمة النضال المسلح للوصول الى الاشتراكية و حولوا مهمة الشيوعيين و حزب البروليتاريا الى مجرد حزب يناضل تحت الشرعية البرجوازية من اجل الظفر بالسلطة السياسية عن طريق الانتخابات مستغلين في ذلك كلام انجلز نفسه حول الاقتراع العام ، الى درجة ان مقدمة انجلز نفسها تعرضت للبتر و الحذف من طرف قيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الالماني بالشكل الذي يظهر فيه انجلز بانه مدافع عن السلام باي ثمن كان .و على كل حال ، فان تغير شروط النضال قد جعل من قتال الشوارع في متحف التاريخ و فتح الباب مجددا لإيجاد وسائل جديدة للنضال من اجل حسم السلطة السياسية ، و هو ما سوف تجده الثورة الروسية سنة 1905 .الأمميةاذا كان الحزب البروليتاري المستقل هو الضمانة الاولى لنجاح البروليتاريا في الاستيلاء على السلطة السياسية فان الماركسية رأت ايضا في النقابات العمالية أداة لا غنى عنها اطلاقا من اجل العمال و من اجل الثورة . و قد شكلت النقابات بالنسبة لماركس و انجلز اداة ثانية بعد الحزب من اجل الثورة ، ففي رسالته الى بولته سنة 1821كتب ماركس "... و بديهي ان للحركة السياسية للطبقة العالمة هدفها النهائي ، و هو الظفر بالسلطة السياسية في صالحها ، و لهذا الغرض لابد من تنظيم تحضيري للطبقة العاملة يبلغ درجة من التطور و ينبثق و يتنامى من النضال الاقتصادي نفسه "26.و اذا كان كل من الحزب و النقابات قد شكلت بالنسبة لماركس و انجلز الأداتان الاساسيتان لانجاز الثورة البروليتارية فان الاممية قد شكلت مركز اهتمام كبير لديهما باعتبارها اداة لا غنى عنها من اجل الثورة العالمية و من اجل توجيه الاحزاب البروليتارية على المستوى الوطني ، توجيه تلك الاحزاب من الناحية الفكرية و السياسية و التنظيمية والعملية كذلك لما فيه مصلحة للثورة العالمية .ان فكرة توحد نضال العمال الاممي ليست رغبة ذاتية أسقطها ماركس و انجلز وغيرهم على الحركة العمالية بل انها الاجابة السياسية على واقع موضوعي خلقه تطور الانتاج الراسمالي نفسه." فاذا حدث ان كان اتحاد العمال اكثر تلاحما فذلك ليس نتيجة لوحدتهم هم انفسهم و انما هو نتيجة لوحدة البرجوازية التي عليها ، لكي تحقق اهدافها الخاصة بها ، ان تحرك البروليتاريا باسرها " 27.ان تطور نمط الانتاج الراسمالي باوروبا و بداية تغلغله في دول الشرق ، نتيجة لفعل قوانينه الخاصة : الحاجة الى المواد الاولية ، الحاجة الى الاستيراد و التصدير ، ضرورة تطوير ادوات التبادل : السكك الحديدية ، الاساطيل البحرية ، الطرق ..الخ قد وحد من جهة مصالح البرجوازية على الصعيد العالمي و خلق الشروط الموضوعية لوحدة العمال العالمية " فنتيجة لتطور البرجوازية ، لحرية التجارة ، للسوق العالمية ، للتماثل الذي اوجده الانتاج الصناعي و لشروط الحياة الملائمة لذلك ، اخذت الحواجز القومية و التناقضات بين الشعوب تزول اكثر فاكثر . وستصبح اكثر زوالا بظهور سلطة البروليتاريا . و يشكل نشاط البروليتاريا المشترك على الاقل في البلدان المتمدنة ، شرطا اوليا من شروط تحررها " 28. ان " العمال لا وطن لهم " .ان الشيوعيين في مختلف نضالات البروليتاريين القوميين يضعون في المقدمة و يغلبون المصالح المستقلة عن القومية و المشتركة لكل البروليتاريا " * ( البيان) . لقد كشف ماركس و انجلز رؤيتهما هذه في ذلك الشعار الذي هز أركان البرجوازية كلها و أينما كانت و اقصد هنا شعار " يا عمال العالم اتحدوا ".لكن خلق وحدة العمال على المستوى الوطني و خصوصا على النطاق العالمي لا يمكن ان تكون بشكل عفوي ، فما دامت هناك البرجوازية و مادامت هناك البرجوازية الصغيرة فان تأثيرهم على العمال هي مسالة نافلة لذلك تشكل مهمة تأسيس الأممية في حد ذاتها نضالا ضد كل التأثيرات البرجوازية في صفوف العمال و نضالا ضد التشيع بشكل خاص .إن الأممية الأولى قد تأسست بالضبط "...بغية الاستعاضة عن الشيع الاشتراكية و نصف الاشتراكية بمنظمة حقيقية للطبقة العاملة من اجل النضال " 29 و " تاريخ الاممية كان أيضا عبارة عن نضال مستمر خاضه المجلس العام ضد التشيع و ضد محاولات الهواية المبتذلة التي سعت الى التوطد داخل الأممية خلافا للحركة الحقيقية للطبقة العاملة "30 . مسالة الفلاحين شكلت مسالة الفلاحين إحدى المسائل التي جابهت الماركسيين منذ ظهور الماركسية نفسها .الا اننا يمكن ان نلاحظ رؤية الماركسية لهذه المسالة قد تغيرت بشكل جذري ما بين 1848 و 1894 .ففي تقييم كل من ماركس و انجلز للثورة الفرنسية والثورة الالمانية تناول الاثنان الموقع الطبقي للفلاحين و مواقفهم السياسية .ماركس الذي تناول بالدراسة هزيمة الثورة الفرنسية و الانقلاب الذي قام به لويس بونابرت خلص الى ان الفلاحين الصغار لا يستطيعون الدفاع عن مصالحهم الخاصة باسمهم الخاص " فأسلوبهم في الانتاج يعزلهم الواحد عن الآخر بدلا من ان يدفعهم الى التعامل المتبادل ،... ان ميدان انتاجهم – و هو قطعة الارض الصغيرة – لا يسمح بتقسيم العمل في فلاحتها و لا بتطبيق العلم و لا يسمح بالتالي بتنوع اشكال التطور و لا بتنوع المواهب و لا بغنى العلاقات الاجتماعية "31.ان هذا الواقع المتسم بالعزلة التي تفرضها حياة الارياف هو الذي جعلهم " يعجزون عن الدفاع عن مصلحتهم الطبقية باسمهم الخاص سواء اكان ذلك بواسطة برلمان او بواسطة كونفاسيون . انهم لا يستطيعون تمثيل انفسهم ولابد ان يمثلهم غيرهم ".32.انجلز ايضا في تقييمه للثورة الالمانية و الهزيمة التي منيت بها سنة 1848 اشار الى نفس الخلاصة : " ان السكان الزراعيين هم نتيجة انتشارهم على رقعة واسعة و صعوبة جمع أي جزء مهم منهم للتفاهم ، لا يمكن ان يقوموا ياية حركة مستقلة و ناجحة . انهم يحتاجون الى دفعة بادئة من سكان المدن ظن الاكثر تمركزا و وعيا ، و الذين يمكن تحريهم بسهولة ".33ان هذه الخلاصات التي اشار اليها كل من ماركس و انجلز بخصوص مسالة الفلاحين لم تكن تنظيرا في السماء بل كانت قراءة للواقع الملموس ، هذا الواقع الذي سوف تحدث فيه تغيرات جذرية احدتث بدورها تغيرات لا تقل جذرية في موقف الماركسية من الفلاحين.تطور الصناعة الكبرى و وسائل التبادل قد احدث تغيرات قوية في حياة الريف و ايضا هدير الثورة الفرنسية الباريسية هو الآخر أيقظ الى حد كبير يقظة الفلاحين .و بعد 40 سنة على ثورة 1848 اصبح الاهتمام بمسالة الفلاحين يزداد بشكل كبير من طرف الاحزاب العمالية الى درجة ان انجلز سنة 1894 افتتح نقده للبرنامج الزراعي للاشتراكين الفرنسيين في مؤتمر كانت بالكلمات التالية :" تعجب الاحزاب البرجوازية والرجعية خارق العجب لان مسألة الفلاحين اخذت في الوقت الراهن ترد ، فجأة و في كل مكان ، في جدول الاعمال عند الاشتراكيين . و لا بد لها ، والحق يقال ، ان تعجب لان هذا لم يحدث منذ زمان " 34.ان تطور الانتاج الراسمالي شكل عاملا اساسيا لمجمل التغيرات التي حدثت في الريف حيث اصبح الانتاج الصغير اكثر تدهورا ، و بفعل المزاحمة التي خلفها استيراد الحبوب و المواد الزراعية بكل من امريكا الشمالية و الهند و باثمان غير تنافسية على الاطلاق باوروبا جعل " شبح الهلاك يزحف على مالك الارض الكبير و على الفلاح الصغير ، يزحف عليها بالقدر نفسه ، و بما ان كلاهما مالك ارض و ساكن ريف ، فان مالك الارض الكبير يعلن نفسه مناضلا طليعيا في سبيل مصالح الفلاح الصغير .و الفلاح الصغير يعترف به . عموما و اجمالا ، مناضلا في سبيل مصالحه "35.ان هذا الواقع هو الذي دفع بانجلز ان يطرح السؤال حول مهمة الحزب المعبر عن مصالح الطبقة العاملة اتجاه الفلاح على النحو التالي : "... هل يسع هذا الحزب ان يترك بهدوء الفلاح الذي يتهدده الهلاك ، في ايدي حماته الكاذبين ، هل يسعه ان يترك الفلاح في ايديهم حتى يحولوه من خصم خامل للعمال الصناعيين الى خصم نشيط ؟ و هكذا نجد انفسنا في مركز المسالة الفلاحية " 36 . في الاجابة على هذا السؤال يحدد انجلز المهمة بشكل واضح ّ "... يجب على الحزب ، لكي يظفر بالسلطة السياسية ، ان يذهب بادئ بدء من المدينة الى الريف ، يجب عليه ان يغدو قوة في الريف " 37.و يطرح انجلز بعد ذلك المسالة من الزاوية العملية : " فاي من اقسام سكان الريف ... يمكن اجتذابها الى الحزب الاشتراكي الديمقراطي ؟ " 38.ان طرح هذا السؤال على هذه الشاكلة من طرف انجلز يحطم كل حماقات بعض " الماركسيين " عندنا حول مسالة حزب الطبقة العاملة المستقل .حزب العمال . ان هؤلاء الماركسيين ينظرون الى مسالة الاستقلال الفكري و السياسي و التنظيمي للطبقة العاملة نظرة كاريكاتورية فهم يرون ان حزب العمال لا يجب ان يضم الا العمال و لا يجب ان يدخله الفلاحون او غيرهم ، ان هؤلاء السادة الذين يقولون هذه الحماقات هم اصلا ليسوا عمال بل مثقفون .انهم لا يفهمون ان استقلال حزب الطبقة العاملة يعني امتلاك الطبقة العاملة لحزب سياسي بخط سياسي و فكري يخدم المصالح الآنية و الاستراتيجية للطبقة العاملة . اما ان ينتسب اليه عامل او فلاح او مثقف طالب ،معطل او استاذ فتلك قضية اخرى يعالجها القانون الداخلي للحزب و ليس النظرية المجردة ،و على كل حال هذا ليس في بحثنا سوى قوس اردنا ان ننبه به اولئك " الماركسيين ".ان انجلز بعد ان طرح هذا السؤال قام بتحديد و تصنيف الفلاحين : صغار متوسطين و كبار . و في نفس الوقت اكد على انه " ما ان نستوضح موقفنا من الفلاح الصغير حتى نملك جميع نقاط الارتكاز لاجل تحديد موقفنا من سائر اقسام سكان الريف "39.و بعد ان يعرض انجلز لوحة دقيقة حول موقع الفلاح الصغير و مصالحه و باقي اقسام سكان الريف يخلص الى النتيجة التالية ، التي نتمنى ان يمعن فيها النظر بعض " ماركسيينا "." إني أنكر قطعا انه يجب على حزب العمال الاشتراكي في أي بلد كان من البلدان ، ان يقبل في صفوفه ، الى جانب البروليتاريين الريفيين و الفلاحين الصغار ، الفلاحين المتوسطين و الكبار او حتى مستأجري العقارات الكبيرة و مربي المواشي الرأسماليين و غيرهم ممن يستثمرون ارض البلد على اساس راسمالي . ان الملكية العقارية الاقطاعية هي و في وسعنا ان نسير معهم في بعض المسائل ، و في وسعنا ، لأجل بلوغ اهداف معينة ان نناضل بعض الوقت الى جانبهم . و من الممكن ان يقبل حزبنا افرادا من أي طبقة اجتماعية كانت ، و لكنه لن يقبل ابدا جماعات تمثل مصالح الراسماليين او البرجوازية المتوسطة او فئة الفلاحين المتوسطين "40هكذا وقعت المسالة من طرف الماركسية و بهذا المضمون قدمت الماركسية الاجابة عن مسالة الفلاحين قبل انجاز الثورة الاشتراكية ، يبقى ان نشير هنا الى موقف الماركسية من الفلاحين بعد الثورة ،موقفها من الفلاحين الصغار ، يجيب انجلز في نفس المرجع ." من الواضح كذلك انه عندما تصبح سلطة الدولة في يدنا لن يخطر ببالنا ان ننتزع ملكية الفلاحين الصغار بالعنف ( بتعويض او بغير تعويض ، بيان ) مثلما سنكون مضطرين لان نفعل بالنسبة لكبار الملاكين العقاريين ، ان مهمتنا تجاه الفلاحين الصغار تقوم قبل كل شيء في توجيه انتاجهم الخاص و ملكيتهم الخاصة في السبيل التعاوني لا بواسطة العنف ، بل عن طريق المثل و تقديم مساعدة المجتمع لهذا الغرض . و من المؤكد انه سيكون لدينا آنذاك ما يكفي من الوسائل لإقناع الفلاح بجميع المزايا التي سيتم بها هذا التحول و التي لا بد من توضيحها له منذ الآن "41.ان ماركس و انجلز قد كانا على حق مؤسسا الاشتراكية العلمية ، مؤسساها الفعليين . و اذا أبعدنا صفة العبقرية التي كانا يتحليان بها فاننا نجزم بانه لولا التطور الذي عرفته الراسمالية و بروز طبقة ثورية قوية هي البروليتاريا و دخولها في الصدام المكشوف ضد البرجوازية ما كان هذان المعلمان ليقدما شيئا إضافيا عن ما قدمه أسلافهما .و كما علمنا ماركس و انجلز ، فالفكر هو نتاج الواقع ، نتاج الشروط المادية الاجتماعية . ان تلك الشروط التي عاش فيهما كل من ماركس و انجلز هي التي حددت مضمون الاشتراكية عندهما و هي نفسها التي خلقت بتطورها الضرورة التاريخية لتطوير الاشتراكية العلمية .ان درجة تمركز الراسمال ، واتحاد الراسمال الصناعي و المالي و بروز الامبريالية من جهة و بروز الانتهازية في قلب الحركة العمالية من جهة ثانية ، و الاندفاع الثوري للشعوب المستعمرة من طرف الامبرياليين و ما خلقته من اشكالات و حاجات قد دفع بقضية الاشتراكية لأن تتقدم نحو الامام .في ذلك الوقت ظهر لينين لتحقيق هذه الضرورة التاريخية . "ان واقع ظهور هذا الرجل العظيم و هذا الرجل العظيم بالذات لا غيره في زمن معين و في بلد معين هو بالطبع مجرد صدفة . و لكن اذا أزيل هذا الرجل ، ظهر طلب بإحلال بديل محله ، و هذا البديل يتواجد و يكون موفقا الى هذا الحد او ذاك ، و لكنه يتواجد مع مر الزمن "42.كيف طور اذن لينين الاشتراكية العلمية ؟ لكن قبل ذلك ما هي الشروط المادية الجديدة التي فرضت هذه الضرورة؟ ذلك ما سوف نتحدث عنه في المقالة المقبلة .
________________________1- انجلز : ضد دوهرينغ ص 309ص* - انظر ضد دوهرينغ ، " الاشتراكية الطوباوية و الاشتراكية العلمية " ، " ديالكتيك الطبيعة ".2- انجلز : ضد دوهرينغ ص 319.3- انجلز : ضد دوهرينغ ص 323.4- ماركس : رسالة الى انتكوف 18465- كارل ماركس رأس المال جزء 3 القسم الأول ص 1138 ( في 5 أجزاء ).6- لينين : كارل ماركس قسم الاشتراكية انجلز : ضد دوهرينغ ص 336..7- من ماركس الى لودفيغ كوغلمان 1871.8- ماركس /انجلز البيان الشيوعي .9- من انجلز الى ف.توراتي 1894.10- إنجلز نفس المرجع السابق11- من ماركس الى يوسف فيديمار 1852.12-ماركس : نقد برنامج غوتا .13- ماركس : نقد برنامج غوتا.14-من انجلز الى اوتوبونيغك .15- ماركس : نقد برنامج غوتا16- انجلز : أنتي دوهرينغ .17- انجلز : أنتي دوهرينغ .18- انجلز : مبادئ الشيوعية .19- من ماركس الى بولته 1871.20-ملحق لكتاب انجلز الثورة و الثورة المضادة ص 196.21- ملحق لكتاب انجلز الثورة و الثورة المضادة ص 196.22- ملحق لكتاب انجلز الثورة و الثورة المضادة ص 196.23- ملحق لكتاب انجلز الثورة و الثورة المضادة ص 196( التسطير أصلي ).24- الثورة و الثورة المضادة ص 144.25- مقدمة لكتاب ماركس " نضال الطبقات في فرنسا " 26- ماركس : رسالة الى بولته 1871.27- ماركس / انجلز : البيان الشيوعي .28- ماركس / انجلز : البيان الشيوعي .* - نود ان نسمع تعليقا عن هذا الكلام من اولئك الشوفينيين الذين يدعون الانتماء الى ماركس و لا يخجلون من وصف استحضار البعد الاممي بأنه " محاولة لتكوين الدكاكين السياسية ".29- من ماركس الى بولته 1871.30- من ماركس الى بولته 1871.31- ماركس : الثامن عشر من لويس بونابارت ص 132.32- ماركس: الثامن عشر من لويس بونابارت ص 133.33- انجلز : الثورة و الثورة المضادة في المانيا ص21.34- انجلز : مسألة الفلاحين في فرنسا و ألمانيا ص 63.35- انجلز : مسألة الفلاحين في فرنسا و ألمانيا .36- انجلز : مسألة الفلاحين في فرنسا و ألمانيا .37- انجلز : مسألة الفلاحين في فرنسا و ألمانيا .38-انجلز : مسألة الفلاحين في فرنسا و ألمانيا .39- انجلز : مسألة الفلاحين في فرنسا و ألمانيا .40- انجلز : مسألة الفلاحين في فرنسا و ألمانيا .41- انجلز : مسألة الفلاحين في فرنسا و ألمانيا .42
- انجلز : رسالة الى بورغيوس 1894.

الماركسية اللينينية الماوية : تقاتل، تصمد و تنتصر 2

خالد المهدي
adil_mlm@yahoo.fr

الجزء الأول: الفلسفة1
-2 نظرية المعرفة
كيف يكتسب الانسان المعرفة؟ و كيف يتم انتاجها ؟
و هل هناك معرفة مطلقة ام ان المعرفة نسبية ؟
ان الماركسية ليست هي من طرحت هذه الاسئلة، حيث نجد ان لهذه الاشكالات الفلسفية جذورا تاريخية بعيدة جدا و في خضم تطور البشرية و تطور الانتاج المادي تطورت الاجابات على هذه الاسئلة ، لكن الماركسية تعتبر هي الوحيدة التي قدمت اجابات علمية و صحيحة عن هذه الاسئلة بعدما وصل تطور البشرية الى مستوى من الرقي يسمح بذلك .يرجع الفضل الى ماركس و رفيقه انجلز في وضع الاسس العملية لنظرية المعرفة حيث قدما البرهان على ان افكار الناس و معارفهم هي نتيجة لمجمل الشروط المادية التي يعيشون داخلها و ينتجون في ظلها وسائل العيش. ان هذه النظرة المادية التي تناول بها ماركس و انجلز مسالة المعرفة قد شكلت بالفعل قفزة هائلة الى الامام في تطور نظرية المعرفة .هل معارفنا تتسم بطابع الموضوعية ؟ هل تعكس بالفعل حقيقة الواقع الموضوعي ؟ ان الاجابة على هذا السؤال ظلت لفترة طويلة قبل الماركسية ينظر اليها كمسالة نظرية بحثة لكن ماركس في نقده لمادية فيورباخ سوف يعلن ان " مسالة ما اذا كان التفكير الانساني يتسم بحقيقة موضوعية ليس اطلاقا قضية نظرية ، انما هي قضية عملية ففي النشاط العملي ينبغي على الانسان ان يثبت حقيقة تفكيره أي فعاليته و قوته ...و النقاش حول فعالية او عدم فعالية التفكير المنعزل عن النشاط العملي انما هو قضية سكولاستية بحثة "ماركس .ان الماركسية هي من ادخلت الممارسة العملية ، النشاط العملي الى قلب نظرية المعرفة بل انها ابرزت ان هذا النشاط العملي هو المسالة الاولى و الاساسية في نظرية المعرفة كلها ، ففي نقده لكانط حول مقولة " الشيء في ذاته" الذي لا يمكن ادراكه كتب انجلز قائلا : " ان اعظم دحض حاسم لهذه الأحابيل الفلسفية و لجميع الأحابيل الاخرى هو العمل و على الاخص التجربة و الصناعة ، فاذا استطعنا ان نبرهن على صحة فهمنا لظاهرة طبيعية بخلق هذه الظاهرة بانفسنا و باحداثها بمساعدة شروطها و باستخدامها ، فوق ذلك ، في سبيل اغراضنا ففي ذلك القضاء المبرم على مقولة كانط بشان " الشيء في ذاته الذي لايمكن ادراكه "1لقد كانت نظريات ماركس و انجلز مرافقة لثورة هائلة وضخمة على العديد من الاصعدة : في العلوم ، في الصراع الطبقي و في الانتاج و قد جابها المدرسة المثالية و دافعا عن البعد المادي في نظرية المعرفة مطبقين المنهج الديالكتيكي لهيغل بشكل خلاق بعدما اوقفوه على رجليه .لكن هذا المنهج الديالكتيكي لا يعترف بشيء مطلق جاهز و أزلي انه يرى الانهيار في كل شيء ، و لا يعترف سوى بهذا الانتقال الدائم من القديم الى الى الجديد . اذن كيف يمكن لهذا المنهج ان يعترف بالحقيقة المطلقة الموضوعية كيف يمكن لنا اذن ان نحسم ان معرفتنا بهذا الشيء هي معرفة صحيحة ؟ان هذا السؤال سوف يطرح بحدة بعد ماركس و انجلز . خصوصا بعد فشل ثورة 1905/1907 الروسية و سيادة التفكير المثالي و الديني حتى داخل بعض الماركسيين . و بالرغم من اننا نجد الاجابة عن هذا السؤال لدى انجلز في نقده لدوهرينغ فان مجريات الصراع الطبقي و الفشل الذي منيت به الثورة سوف يطرح من جديد . ففي التمييز بين الحقيقة و الخطأ يكتب انجلز قائلا : " ان اهمية الحقيقة و الخطأ ، شأنهما شأن جميع المقولات المنطقية المتحركة ضمن حدود التضاد ، لا يتسمان بأهمية مطلقة الا ضمن حدود ميدان خارق ضيق . و ما أن نشرع في استعمال تضاد الحقيقة و الخطأ خارج حدود الميدان الضيق المذكور اعلاه حتى يصبح التضاد نسبيا ، و بالتالي غير صالح للاسلوب العلمي الدقيق للتعبير . اما إذا حاولنا ان نستعمل هذا التضاد خارج حدود الميدان المذكور بوصفه تضادا مطلقا ، فاننا نمنى بالاخفاق كليا .فإن حدي التضاد يتحول كل منهما الى ضده اي ان الحقيقة تصبح خطأ و يصبح الخطأ حقيقة " 2.لينين في نقده للماخيين الروس يعلق على ما كتبه انجلز قائلا :" و هكذا يستطيع التفكير البشري بحكم طبيعته ان يعطينا و هو يعطينا الحقيقة المطلقة التي تتكون من مجمل الحقائق النسبية ، و كل درجة في تطور العلم تضيف ذرات جديدة الى مجمل الحقيقة المطلقة هذا ، و لكن حدود حقيقة كل موضوعة علمية هي حدود نسبية لانها تتسع تارة و تضيق طورا من جراء نمو المعرفة اللاحق "3 .ان هذه النظرة التي طورتها الماركسية و اللينينية حول مجمل اشكالات نظرية المعرفة تنطبق ايضا على الماركسية نفسها بوصفها نظرية البروليتاريا و فكرها ، فهي الاخرى تتطور من جراء و تبعا لتطور الممارسة الاجتماعية .ان اللينينية نفسها إذا أخذت من هذه الزاوية ، هي تطوير و تدقيق للعديد من الحقائق التي ابرزتها الماركسية و كشف بعض الحقائق التي انتجها تطور الانتاج الراسمالي و تطور الصراع الطبقي و العلم . ان لينين في دفاعه و تطويره الماركسية في نظرية المعرفة اكد " ان الديالكتيك المادي لماركس و انجلز ينطوي بلا ريب على النسبية و لكنه لا ينحصر فيها أي انه يعترف بنسبية جميع معارفنا ، لا بمعنى انكار الحقيقة الموضوعية ، بل بمعنى الشرطية التاريخية لمدى اقتراب معارفنا من هذه الحقيقة "4 ان هذا الكلام الصادر عن لينين لا ينطبق على " صنف" معين من المعارف بل على كل معرفة بما فيها الماركسية نفسها .اي مجمل الحقائق التي اكشفتها الماركسية ، حيث ان هذه الحقائق نفسها تخضع للشرطية التاريخية أي انها صحيحة داخل شروط تاريخية معينة و هنا طبعا نحن نتحدث عن درجة حقيقة معرفة الماركسية بالواقع الموضوعي .إن إحدى المآثر العظمى لماركس و انجلز ليس انهم كشفوا الحقيقة ( فهما لم يقولا ذلك و لم يكن بوسعهما ذلك اساسا ) بل انهما صاغا المنهج العلمي الوحيد الذي يمكننا من الاقتراب من الحقيقة الموضوعية اكثر فاكثر .لينين يقول في هذا الصدد عند نقده للماخيين : " ان الاستنتاج الوحيد من ذلك الرأي الذي يشاطره الماركسيون و الذي يقول ان نظرية ماركس هي حقيقة موضوعية ، يتلخص فيما يلي : بالسير على طريق النظرية الماركسية ، سنقترب اكثر فاكثر من الحقيقة الموضوعية ( دون ان نستنفذها أبدا ) " 5 ان هذا الكلام الواضح للينين هو على النقيض تماما من تلك الادعاءات الصبيانية التي تصدر عن بعض المناضلين " اللينينيين" الذين يصرخون بان الماركسية اللينينية قد اجابت على كل شيء و لا يكفي سوى استيعابها و تطبيقها ، فهي لا تحتاج الى تطور لقد وصلت الى الحقيقة الموضوعية "كلها ".ان هذا الكلام الذي بينا في الماركسية هو مثالي في شكله و مضمونه و يردد نفس الاخطاء المثالية لهيغل حول " الفكرة المطلقة " و طبعا اصحابه لن يكونوا احسن من سابقيهم .ان ماو قد اكد على نفس فكرة لينين عند مجابهته للدغمائيين اصحاب الجمود العقائدي و الذاتيين حين كتب في مؤلفه في الممارسة العملية :" ان الماركسية اللينينية لم تختم الحقيقة ، بل إنها تشق دون توقف الطريق لمعرفة الحقيقة خلال الممارسة العملية " 6.لكن السؤال الذي يطرح نفسه بالحاح هنا ، هل المعرفة التي نكتسبها هي معرفة صحيحة هل تعكس بالفعل الحقيقة الموضوعية الى هذا الحد أو ذاك ؟ ما هو مقياس موضوعية و حقيقة و صحة معارفنا ؟ان الماركسية قد اجابت عن هذا السؤال في نضالها ضد كافة المدارس التي سبقتها انه مقياس النشاط العملي و هكذا تكون الماركسية بإدخالها لمقياس الواقع العملي و الممارسة العملية في قلب نظرية المعرفة قد أحدثت ثورة على هذا الصعيد .ادخال عنصر النشاط العملي في نظرية المعرفة يعكس بكل تأكيد الطابع المادي لنظرية ماركس و انجلز . ان ما يحدد صحة افكارنا او عدم صحتها انما هو الممارسة العملية و هكذا يردد لينين ضد اللاعرفانيين " بنظر المادي يثبت " نجاح "الواقع العملي البشري تطابق تصوراتنا مع الطبيعة الموضوعية للاشياء التي ندركها "7.بالنسبة للينين دائما : " يقول الماركسي : اذا ادرجنا مقياس الواقع العملي في اساس نظرية المعرفة فاننا نحصل على المادية " 8.و هكذا فان ما يثبت صحة معرفتنا انما هو الممارسة العملية هو النشاط العملي الملموس ، و ليس البرهنة المنطقية و العقلية المفصولة عن الواقع ." يعتبر الماركسيون ان الممارسة العملية التي يباشرها الانسان في المجتمع هي وحدها المقياس الذي يختبر به ما إذا كانت معرفة الانسان لا تثبت صحتها إلا عندما يتوصل من خلال ممارسته العملية الاجتماعية ( خلال الانتاج المادي و الصراع الطبقي و التجربة العلمية ) الى احراز النتائج المنشودة" 9.ان ماو هنا يؤكد مقولات انجلز و لينين لكنه في نفس الوقت يكشف الجواب عن سؤال من اين تاتي و تتطور المعرفة . ان ماو هنا لم يقف عند حدود القول بالنشاط العملي و الممارسة العملية بل انه حدد المجالات الثلاث التي " تخلق "المعرفة و تطورها : (1) الانتاج المادي .(2) الصراع الطبقي .(3) التجربة العلمية .بالنسبة للماركسيين نقطة الانطلاق في تكون المعرفة ليس هي العقل و الفكر و انما الواقع و النشاط العملي ، فبالنسبة للينين " الممارسة العملية اعلى من المعرفة ( النظرية ) لانها لا تمتاز بصفة الشمول فحسب ، بل تمتاز كذلك بصفة الواقع المباشر " 10 .كذلك يؤكد دائما لينين : " يجب ان تكون وجهة نظر الحياة ، وجهة نظر الواقع العملي . وجهة النظر الاولى و الاساسية في نظرية المعرفة " 11 .إن هذا التصور المادي لنظرية المعرفة يوصلنا الى خلاصة اساسية هي حزبية العلم و حزبية الماركسية نفسها ، لا توجد هناك افكار مجردة ان كل فكر و كل معرفة تعبر عن مصلحة طبقية محددة و تعكس الى هذا الحد أو ذاك مصالح طبقية معينة .بالنسبة للينين " ان العلم لا حزبي في نضال المادية ضد المثالية والدين .و هذه هي الفكرة المفضلة لا عند ماخ وحده ، بل ايضا عند جميع البروفسورات البرجوازيين المعاصرين " 12 .لذلك بالضبط نجد ماو يؤكد " ان للمادية الديالكتيكية – الفلسفة الماركسية ميزتين بارزتين : أولاهما صفتها الطبقية ، فهي تعلن بصراحة ان المادية الديالكتيكية هي في خدمة البروليتاريا ، و الثانية صفتها العلمية ، فهي تؤكد على تبعية النظرية للممارسة العملية ثم تعود لخدمة الممارسة العملية "13 .لكن كيف تتم هذه العملية ، كيف تنشأ المعرفة عن طريق الممارسة العملية و تعود لتخدم الممارسة العملية مجددا ؟ هكذا يطرح الرفيق ماو السؤال . لكن قبل الاجابة عن هذا السؤال لابد من وضعه في سياقه التاريخي .ان لينين قد اشار في تطويره لنظرية المعرفة ابان نقده لللاعرفانيين انه " في نظرية المعرفة ، كما في جميع ميادين العلم الاخرى ، تجب المحاكمة بصورة ديالكتيكية " و في نقده لبليخانوف بعد ذلك في مقاله حول الديالكتيك الذي عمق من خلاله فهم الماركسية لقوانين الجدل كتب يقول :" ان الديالكتيك هو حقا نظرية المعرفة ( عند هيغل و ) عند الماركسيين . ان هذا "الجانب " من الامر( و هو ليس " جانبا "انما هو جوهر الامر ) قد اهمله بليخانوف ، فضلا عن الماركسيين الآخرين " 14 .ان إثبات صحة هذا الجانب و تقديم البرهان عليه سوف يقوم به الرفيق ماوتسي تونغ في خضم صراعه ضد الدغمائية و الجمود العقائدي الذي برز داخل الحزب الشيوعي الصيني .لقد اوضحنا في الدراسة الاولى حول الديالكتيك قانون وحدة و صراع الاضداد باعتباره يشكل جوهر الديالكتيك و باستحضارنا لهذا البعد في نظرية المعرفة يطرح السؤال عن خاصية التناقض.ان للتناقض صفته العمومية أي انه موجود في كل عملية تطور الاشياء من البداية حتى النهاية ،و هذا يعني ان عملية نشوء و تطور المعرفة هي ايضا محكومة بقانون التناقض . لكن التناقض له ايضا طابعه الخاص ،" ان كل شكل من اشكال الحركة يحتوي في ذاته على تناقضه الخاص . و هذا التناقض الخاص يشكل الجوهر الخاص الذي يميز الشيء عن الاشياء الاخرى ".اذا ما هو الشكل الخاص الذي يظهر به التناقض في تطور المعرفة ؟ انه التناقض بين النظرية و الممارسة العملية . انهما يشكلان طرفا التناقض . الوحدة بين النظرية و الممارسة و الصراع بينهما . انه الشكل الخاص لقانون وحدة و صراع الاضداد في صيرورة تطور المعرفة .إذن كيف يدخل هذان الضدان في وحدة بينهما ، و كيف يصارع كل طرف الآخر و يعتمد عليه في نفس الوقت ؟ماو يحدد ثلاث مراحل في صيرورة تكون المعرفة و تطورها .المرحلة الاولى هي مرحلة المعرفة الحسية و تتكون هذه المعرفة لدى الانسان في احتكاكه الاولي بالشيء ، ان هذه المعرفة التي يسميها ماو بالمعرفة الحسية تنطلق من الممارسة العملية و من النشاط العملي و لا تعبر الا عن ظواهر الاشياء و علاقاتها الخارجية ." ان الانسان لا يرى في بداية عملية الممارسة العملية سوى ظواهر الاشياء و جزئياتها و الروابط الخارجية التي تربطها " 15و هذه المرحلة هي مرحلة الاحساسات و الانطباعات . أي ان الاشياء تترك آثارا في حواس الناس و "تثير أحاسيسهم و تترك في أذهانهم انطباعات عديدة و صور عامة عن الروابط الخارجية "16 ان هذا التحديد الذي قدمه لنا ماو حول المرحلة الاولى لتكون المعرفة و انطلاقها من الممارسة العملية هو استحضار قوي لمفهوم المادة الذي طوره لينين " ان المادة مقولة فلسفية للاشارة الى الواقع الموضوعي الذي يعطى للانسان في احساساته ، و الذي تستنسخه ، تصوره ، تعكسه احساساتنا . و هو موجود بصورة مستقلة عنها " 17 .المرحلة الثانية في تكون المعرفة هي المرحلة العقلية و هذه المرحلة ترتكز على المرحلة الاولى و تنطلق منها ، فبتكرار المرحلة الاولى أي الممارسة العملية و اخضاع الافكار و الاحاسيس التي تركتها فينا علاقتنا بالشيء للدراسة و التحليل يتوصل الانسان الى المعرفة العقلية او المنطقية التي تتميز بادراك جوهر الاشياء و علاقاتها الباطنية " و باستمرار الممارسة العملية الاجتماعية ، تتكرر مرارا الاشياء التي تترك احاسيس و انطباعات في حواس الانسان في مجرى ممارسته العملية ، و عندئذ يحدث في ذهن الانسان تبدل مفاجئ ( قفزة ) في عملية المعرفة و تتكون المفاهيم " 18." ان المفهوم و الاحساس لا يختلفان كميا فحسب بل كيفيا ايضا " 19ان هذه المرحلة الثانية من تكون المعرفة أي مرحلة المعرفة العقلية تتأسس على التراكم ، تراكم المعرفة الحسية من جهة و على الدراسة المنطقية و العقلية لمختلف الاحساسات التي تركها الواقع الموضوعي فينا.بالنسبة لماو فالاحساس لا يحل سوى مسالة الظواهر ، و النظرية وحدها تستطيع حل مسالة الجوهر ، لكن في نفس الوقت " ان هاتين المسالتين لا يمكن حلهما باي حال من الاحوال بمعزل عن الممارسة العملية .فاذا اراد أي شخص ان يفهم أي شيء من الاشياء ، فليس له من سبيل الى ذلك سوى الاحتكاك بهذا الشيء ،أي العيش ( الممارسة العملية ) في محيطه " 20.من هنا نستنتج مجموعة من الخلاصات الاساسية :1- ان معرفة الانسان هي مشروطة بالظروف التاريخية التي يكتسب فيها هذه المعرفة . فمثلا لم يكن بامكان أي مفكر في عصر الاقطاع ان يدرك قوانين الراسمالية ، فهي لم تكن قد ظهرت بعد . كما هو الشأن بالنسبة لماركس ، فهو لم يكن في مقدوره اطلاقا ان يدرك بعض القوانين المحددة للامبريالية لانه عاش في مرحلة المنافسة الحرة . نفس الشيء يمكن قوله عن قوانين المجتمع الاشتراكي فلم يكن بوسع لينين ان يدرك كل قوانينه (*) لانه لم يعش سوى فترة ضئيلة جدا في ظله ،و هذه الفترة القصيرة جدا من الناحية التاريخية هي اولا لم تسمح بتكرار و تراكم الظواهر الحسية التي تشكل شرط و اساس تطور المعرفة النظرية . يقول لينين حول نظرية المعرفة " جميع المعارف تنشأ من التجربة ، من الاحساسات ، من المدركات هكذا هو الحال "21.ثانيا ان بناء الاشتراكية بعد ثورة اكتوبر شكل اول تجربة في التاريخ البشري و هو الشيء الذي يبرر صعوبة ادراك قوانينها دفعة واحدة .و على خلاف بعض" الماركسيين اللينينيين " الذين يعتقدون ان اللينينية قد اجابت على كافة قوانين المجتمع الاشتراكي فاننا نحن الماركسيون اللينينيون الماويون نردد مع انجلز قوله "ان ما يسمى " المجتمع الاشتراكي " ليس ، حسبما اعتقد ، شيئا ما اعطي مرة واحدة و الى الابد ، بل ينبغي اعتباره مثله مثل كل نظام اجتماعي آخر قابلا لتغيرات و تحولات دائمة "22.إن اصحاب مقولة " ان الماركسية اللينينية هي ماركسية العصر الامبريالي و سوف تبقى مادامت الامبريالية قائمة " لا يستطيعون ادراك هذه الحقائق و يقفون هنا موقف اصحاب الجمود العقائدي و يميلون الى المثالية اكثر منها الى المادية . و على كل حال سوف نعود الى هذا الموضوع عندما نتطرق الى اضافات الماوية في الاشتراكية العلمية .2 – الخلاصة الثانية التي يمكننا استنتاجها ايضا من كلام ماو السابق ، هي ارتباط المعرفة العقلية نفسها أي ارتباط الوعي بالنشاط العملي و بالممارسة العملية .فلا يمكن ان نفهم جوهر الشيء الا بالعيش في محيطه و الاحتكاك به بشكل مادي و ملموس . مثلا معرفة شخص معين لم تسنح له الفرصة للذهاب الى البحر بالامواج . ان مثل هذا الشخص يستطيع ان يحدثنا عن البحر و عن الاسماك و عن الأمواج و عن الرمال و الصخور البحرية ...الخ انطلاقا مثلا مما قرأه عن الموضوع او انطلاقا من ما سمعه او شاهده على التلفاز و هكذا فبالرغم من انه لم يذهب يوما ما في حياته الى البحر ، لديه معرفة بهذا الاخير .ان هذه المعرفة هي ما اسماها ماو بالمعرفة غير المباشرة أي المعرفة التي تنقل عبر اشخاص آخرين و عبر أجيال آخرين لكن رغم ذلك فان هذه المعرفة ذاتها هي ناتجة عن الممارسة العملية للاشخاص الذين عرفوا البحر و الامواج ...الخ .بمعنى آخر ان المعرفة المباشرة او المعرفة غير المباشرة كلاهما يتكون انطلاقا من النشاط العملي الحي . " و هكذا فان معرفة الانسان لا تعدو هذين القسمين : التجربة المباشرة و التجربة غير المباشرة . و فضلا عن ذلك فان ما هو تجربة غير مباشرة عند شخص معين هو عند غيره تجربة مباشرة . و هكذا فان المعرفة من أي نوع كانت ، اذا اعتبرنا المعرفة ككل ، لا يمكن ان تنفصل عن التجربة المباشرة " 23.لكن هل يمكن ان تكون معرفة المرء عن البحر بالرغم من انه لم يحتك به اطلاقا معرفة صحيحة .نعم يمكن ان تكون معرفة حقيقية اذا كانت الكتب التي تعرف من خلالها على البحر تحمل معرفة حقيقية و صحيحة . لكن و مع ذلك فان معرفته تظل معرفة مجردة غير ملموسة ، و إذا ما سألنا صيادا في البحر او غواصا فربما نجد لديه معرفة ادق بالامواج و حركة المد و الجزر و الاسماك ...الخ .و لكي تصبح المعرفة ملموسة و يصبح الوعي وعيا ملموسا لا بد من الاشتراك في التجربة المباشرة .لنأخذ مثالا آخر مثال المعرفة بقوانين بناء الحزب الثوري ، العديد من الماركسيين عندنا بالمغرب اذا سالتهم عن الحزب الثوري فسوف يتكلمون بدون انقطاع و نجد ان معرفتهم مستقاة من ما صاغه ماركس و لينين و غيرهم من الماركسيين حول مسالة الحزب ، لكن ما صاغه هؤلاء العظماء من قوانين و موضوعات و توجيهات كانت عبر التجربة المباشرة و عبر الممارسة العملية الهادفة الى بناء الحزب و تطويره ، موضوعات لينين حول الحزب لم يستقيها من الكتب او من الكتب اساسا ( كتب ماركس ، انجلز ..) بل من الممارسة العملية من النشاط المباشر في بناء الحزب .لكن هل بالفعل ان المعرفة التي نجدها عن كل من يتحدث عن الحزب هي معرفة صحيحة حقيقية ؟ و هل هذه المعرفة هي معرفة ملموسة ام مجردة .هناك طبعا العديد من "الماركسيين "الذين يتحدثون عن الحزب الثوري من خلال مؤلفات لينين و ماركس...الخ لكن معرفتهم تلك هي معرفة خاطئة اذ يربط مثلا بعضهم بناء الحزب انطلاقا من النضال داخل الاطارات الجماهيرية او يهملون مثلا النضال الفكري و يعتبرونه " ترف مثقفين " ...الخ . ان هؤلاء بالرغم من انهم قرؤوا ماركس و لينين ...الخ فانهم لم يستطيعوا ادراك ما قاله هؤلاء المفكرين .و هناك ايضا بعض المناضلين (ات) الذين لديهم معرفة بعملية تشكل و تطور الحزب الثوري ، معرفة أخذوها من كتب الماركسيين الكبار لكن معرفتهم تلك تظل مع ذلك ، حتى و ان استوعبوا ما قاله هؤلاء المفكرين ، معرفة مجردة ، بل يمكن القول خصوصا في هذا الموضوع ، معرفة ناقصة و ناقصة جدا و من اجل استيعاب اطروحات ماركس و لينين و ماو حول بناء الحزب لا يجب دراسة تلك الموضوعات و حسب بل يجب الانتقال الى الممارسة العملية أي يجب التقدم العملي في بناء الحزب ، ففي هذه العملية المباشرة تتحول اولا المعرفة المجردة الى معرفة مباشرة و تتطور هذه المعرفة و تنضج .ان معرفة عملية بناء الحزب و تطوره بل حتى معرفة الاشكالات الحقيقية لهذه العملية لا يمكن ان نصل اليها الا بالتقدم العملي لانجاز هذه المهمة بالذات أي بناء الحزب نفسه .لكن ماو في تحديده لصيرورة تطور المعرفة لا يقف في حدود المعرفة العقلية او النظرية بل هناك ايضا مرحلة ثالثة و هي مرحلة حاسمة انها مرحلة الانتقال من المعرفة الى الممارسة العملية من جديد .المرحلة الثالثة : الانتقال من المعرفة العقلية الى الممارسة العملية ." ان الدور الفعال للمعرفة لا يتجلى في القفزة الفعالة من المعرفة الحسية الى المعرفة العقلية فحسب ، بل ينبغي ان يتجلى ايضا – و هذه اكثر اهمية – في القفزة من المعرفة العقلية الى الممارسة العملية الثورية"24.ان هذه القفزة من جديد الى الممارسة العملية هي شرط ضروري لإتمام عملية تكون المعرفة العلمية .اولا انها ضرورية لان معيار صحة معرفتنا العقلية ليس سوى شيء آخر غير الممارسة العملية و النشاط العملي المباشر . ان مسالة ما اذا كانت نظرية ما منطبقة مع الحقائق الموضوعية ام لا ، لم تحل تماما ، و لا يمكن ان تحل تماما ، اثناء تطور المعرفة من المرحلة الحسية الى المرحلة العقلية التي تحدثنا عنها آنفا.و الطريقة الوحيدة لحل هذه المسالة هي اعادة المعرفة العقلية الى الممارسة العملية الاجتماعية ، و تطبيق النظرية على الممارسة العملية ، لمعرفة ما اذا كانت هذه النظرية توصلنا الى الهدف المنشود " 25.و هكذا تتكون المعرفة العلمية انطلاق من التجربة العملية ، ان الماركسية اللينينية الماوية هي نظرية علمية و تعكس الى حد كبير الحقيقة الموضوعية ( دون طبعا ان تستنفذها ) و علمية هذه النظرية لا تستمد من النظرية في حد ذاتها بل من النتائج التي تم التوصل اليها عبر الممارسة الثورية إبان النضال الثوري الذي خاضه الشيوعيين ببلدانهم و على الصعيد الاممي ، نجاح الثورة البلشفية يؤكد ذلك ، نجاح الثورة الصينية يؤكد هو الآخر ذلك.لكن ماذا يعني فشل الثورة و المشروع البروليتاري بكل من روسيا بعد وفاة ستالين و بالصين بعد وفاة ماو ؟ان معنى ذلك هو معنى مزدوج .أولا لانه يدل على ان هذه المرحلة الثالثة من المعرفة لا تختم عملية تكون المعرفة بشكل نهائي . فعند الانتقال من المعرفة العقلية الى الممارسة العملية غالبا ما تظهر شروط جديدة و وقائع لم تأخذ و لم يكن من الممكن ان تأخذ بالحسبان ابان مرحلة تكوين المعرفة العقلية .فنادرا ما" تتحقق الافكار و النظريات و الخطط و المشاريع التي صاغها الناس سلفا ، دون ادنى تغيير ، سواء اكان ذلك عند الممارسة العملية الرامية الى تغيير الطبيعة ام تغيير المجتمع " (26) .لماذا ؟ " لان الذين يباشرون تغيير الواقع يخضعون لكثير من القيود فهم مقيدون عادة لا بالامكانيات العلمية و التكنيكية فحسب ، بل مقيدون كذلك بدرجة تطور العملية الموضوعية و انكشافها ( أي ان اوجه العملية الموضوعية و جوهرها لم تكشف بعد بصورة تامة ) 27 .و هكذا ، و في مثل هذه الحالات لابد من الرجوع من الممارسة العلمية الى المعرفة و تعديل الافكار و الخطط و المشاريع تعديلا جزئيا او كليا في بعض الحالات ، أي الرجوع الى المعرفة من اجل طرح ما ظهر خاطئا و اغناء النظرية بالجوانب الأخرى التي لم تؤخذ بعين الاعتبار قبلا .و هكذا تتطور المعرفة الى مرحلة اعلى ، ان هذه العودة من الممارسة العملية الى المعرفة تتم ليس عبر الرجوع الى الوراء بل بالتقدم نحو الامام ، فبعد ان تغتني النظرية و المعرفة يتم مجددا العودة الى الممارسة العلمية لكن ليست بالمعرفة النظرية السابقة بل بعد اغناء هذه المعرفة و تطويرها ، ان هذا الخط في تطور عملية تشكل و تطور المعرفة هو خط حلزوني." ان الماركسيين يعترفون بان تطور كل عملية محددة ضمن نطاق عملية التطور العام المطلق هو تطور نسبي ،و لهذا فان معرفة الناس بكل عملية محددة اثناء مرحلة معينة من التطور لا يمكن ان تكون سوى حقيقة نسبية في مجرى الحقيقة المطلقة اللامحدود " 28.ثانيا . ان تطور حركة المعرفة البشرية مرتبط بتطور العملية الموضوعية أي بتطور الواقع الملموس ،" ان شجرة الحياة خضراء في حين ان النظرية رمادية اللون " و هذا يعني ان المعرفة التي يكتسبها الانسان هي معرفة مرتبطة بالواقع الملموس الذي أنتجت فيه ، في حين ان هذا الواقع الملموس ليس واقعا جامدا بل واقعا حيا ، واقعا مليء بالمتناقضات التي قد تدفع العملية الموضوعية أي تدفع الواقع المادي الى الامام فاذا لم نستطع تطوير معرفتنا وفقا لتطورات الواقع الموضوعي فان معرفتنا به تظل في مرحلتها القديمة و نسقط في شتى الوان الانتهازية و هذا هو حال اولئك الذين ينفصل تفكيرهم عن الممارسة العملية الاجتماعية من اصحاب الجمود العقائدي و القوالب الجامدة .و هو حال بعض المناضلين عندنا اليوم الذين لا يزالون يعتقدون بامكانية تجميع الماركسيين المغاربة على ارضية مجموعة من الشعارات العامة و لم يدركوا بعد ما تحقق في الواقع من نضج وسط الحركة الشيوعية ببلادنا .و هو ايضا حال بعض التحريفيين الذين يبشرون بالتخلي عن لينين لان التجربة العملية ( هزيمة ديكتاتورية البروليتاريا بالاتحاد السوفياتي ) تثبت ذلك . هكذا مثلا طرح مصطفى البراهمة السؤال حول اللينينية و هو في حقيقة الامر لا يفعل شيئا سوى ابراز الجوانب الانتهازية التي وضعها ابراهام السرفاتي حول لينين و حول نظرية الحزب اللينيني **.و على كل حال فان " جميع الحركات الديالكتيكية في العالم الموضوعي يمكن ان تنعكس عاجلا ام آجلا في المعرفة البشرية . و نظرا لان عملية النشوء و التطور و الفناء في الممارسة العملية الاجتماعية هي عملية لا متناهية ، فان عملية النشوء و التطور و الفناء في المعرفة البشرية هي ايضا كذلك ،و بما ان الممارسة العملية التي يقوم بها بعض الناس لتغيير الواقع الموضوعي وفقا لافكار و نظريات وخطط و مشاريع معينة هي في تقدم مستمر ، فان معرفتهم بالواقع الموضوعي تتعمق كذلك اكثر فاكثر . و نظرا لان حركة التغيير في عالم الواقع الموضوعي لا تنتهي ابدا ، فان المعرفة التي يكتسبها الناس عن الحقيقة خلال ممارستهم العملية لا تنتهي ابدا كذلك ."29و هكذا ففي هذه المرحلة الثالثة من تكون المعرفة ، يبرز دائما التناقض بين المعرفة النظرية التي ننطلق منها لتغيير الواقع ( سواء الطبيعة او المجتمع ) و بين الممارسة العملية المحكومة بشروط هذا الواقع نفسه ، ان هذا التناقض و الصراع بن الضدين ( نظرية – ممارسة ) هو الذي يدفع المعرفة الى التطور لكن ليس في خط مستقيم بل عبر سلسلة من التطورات ، من الاخفاقات و الانتصارات . و مع كل اخفاق تتم العودة الى المرحلة الثانية و خلال هذه المرحلة ايضا يشكل التناقض جوهر عملية تطور المعرفة عبر الصراع بين الافكار و النظريات التي تقدم الاجابة عن اسباب الفشل و سبل تجاوزه ، فإذا اخذنا مثلا الخط الفكري و السياسي لحزب ثوري ، فان تشكله لا يتم دفعة واحدة و لا يمكن ان يتشكل على ضوء ما قاله الماركسيون السابقون و فقط بل انه يتشكل و يتطور عبر الصراع و عبر التناقض الذي يحكم تطور اية صيرورة و منها صيروة تطور المعرفة ، فهذا الحزب بعد ان يحدد خطه الفكري و السياسي و يصيغه في شكل برنامج ثوري تصبح الممارسة العملية هي الطرف الرئيسي في التناقض بينها و بين النظرية أي يصبح التطبيق هو المحدد في تطور خط الحزب ، لكن بمجرد ان يمنى هذا الحزب بالاخفاق إلا و يصبح السؤال حول تفسير اسباب الاخفاق و شروطه ...الخ ، ذو ملحاحية كبيرة وتصبح الاجابة على هذا السؤال هي المحدد في تطوير خط الحزب و ممارسته الثورية أي ان النظرية تصبح تحتل مركز الطرف الرئيسي وسط هذا التناقض . فتطور خط الحزب و ممارسته يصبح رهين بمدى تقديم الاجابة السديدة على سؤال الفشل .في هذه المرحلة و هي مرحلة العودة من الممارسة الى النظرية ، يشكل الصراع بين الافكار و التصورات في صفوف الحزب هو التناقض الرئيسي في صيرورة تطور خط الحزب و ممارسته الثورية . ان هذا الصراع ليس مستحبا بل انه ضرورة موضوعية مستقلة عن ارادة المناضلين( ات ) و رغباتهم فهو يعكس من الناحية المادية الموضوعية انعكاس العملية الموضوعية في ذهن المناضلين (ات) و بما ان العملية الموضوعية هي محدد في آخر التحليل بصراع الطبقات فان مواقف هذه الطبقات و مصالحها تنعكس في شكل افكار لدى مناضلي الحزب و قيادييه .ان هذا المضمون هو الذي عبر عنه ماو كما اشرنا سابقا بصراع الخطين ، فعبر هذا الصراع و بالوعي به و قيادته بشكل صحيح يتم تطوير الخط الفكري و السياسي للحزب الثوري ." ان تضاد الافكار المختلفة و الصراع بينهما في صفوف الحزب ينشأ على الدوام ،و هو انعكاس داخل الحزب للتناقضات بين الطبقات و التناقضات بين القديم و الجديد في المجتمع ، و لا شك ان حياة الحزب ستتوقف إذا خلا من التناقضات و من الصراع الإيديولوجي من اجل حل هذه التناقضات "30.ان حصيلة هذا الصراع الفكري داخل الحزب تكون ليس الاجابة و فقط على سؤال لماذا الفشل ؟ بل غالبا ما تؤدي الى ابراز العديد من الافكار الاخرى الصحيحة و الخاطئة و على قضايا في غاية التنوع بالرغم من انها انطلقت من سؤال محدد . و هنا ايضا يتحقق مبدأ و قانون الواحد ينقسم الى اثنان ، و بعد الوصول الى خلاصة حول اسباب الفشل ...الخ ، تتم صياغتها في خطط و برامج لتعود مجددا الى الممارسة العملية لكن في هاته المرحلة تتم العودة الى الممارسة و قد نضج خط الحزب و تطور و تستمر هذه العملية الى ما لا نهاية .ماو يلخص هنا رؤية البروليتاريا لنظرية المعرفة على الشكل التالي : " اكتشاف الحقيقة عن طريق الممارسة العملية ، و إثبات و تطوير الحقيقة عن طريق الممارسة العملية مرة ثانية ، الانطلاق من المعرفة الحسية و تطويرها بصورة فعالة الى المعرفة العقلية ، ثم الانطلاق من المعرفة العقلية لتوجيه الممارسة العملية الثورية بصورة فعالة في سبيل تغيير العالم الذاتي و العالم الموضوعي .الممارسة العملية ، ثم المعرفة و العودة الى الممارسة العملية ثانية ، ثم المعرفة ايضا ، وهكذا تتكرر العملية و المعرفة الى مستوى اعلى . هذه هي كل النظرة المادية الديالكتيكية عن المعرفة ، و هذه هي النظرية المادية الديالكتيكية عن وحدة المعرفة و العمل "31.ان هذه الرؤية المادية الديالكتيكية لتشكل و تطور المعرفة التي طورها الرفيق ماوتسي تونغ تعتبر سلاحا في يد الشيوعيين و الشيوعيات . و من هذا المنظور سوف نحاول تناول و نقد بعض الافكار و المواقف التي يعبر عنها بعض المناضلين و التيارات .اولى هذه الافكار هي تلك التي تتناول واقع الحركة الشيوعية ببلادنا و ازمتها الراهنة او ما يسميه البعض ازمة "اليسار الجذري" و سبل تجاوزها . وسط هذه الافكار يبرز اتجاهان : الاول اتجاه يقلل من الايديولوجيا بل انه يذهب الى حد ابراز العداء للنضال الإيديولوجي و ينظر الى الحل باعتباره مرتبط بتطوير الاداء السياسي " لليسار " و هكذا تصبح المهمة بالنسبة له هي النضال الجماهيري و التنسيق بين المناضلين داخل الحركات و الاطارات الجماهيرية و الاتفاق بينهم على خطوات و مواقف معينة . ان هذا الاتجاه لا يعي ضرورة العودة من الممارسة الى النظرية من اجل توجيه الممارسة العملية ذاتها و تسقط في آخر المطاف في مقولة " الحركة هي كل شيء و الهدف النهائي لا شيء " ، ان مثل هذا الاتجاه ليس خاصا بالمغرب فقد ظهر تاريخيا داخل الحركة الشيوعية العالمية و أثبتت التجربة العملية الملموسة فشل هذا التصور و قصوره على قيادة الحركة او حتى التأثير داخلها بشكل ايجابي .أما الاتجاه الثاني فهو عكس الاول و تشكل كرد فعل على الاول ، فهو يقلل من شأن الممارسة العملية و الممارسة السياسية و ينظر الى النظرية بمعزل عنها ، ينظر اليها بوصفها مجموعة من النصوص و المواقف و المقولات . و هكذا تصبح المهمة بالنسبة له هي دراسة هذه الكتب و المقولات و استيعابها و بعد ذلك تأتي الممارسة و الى ذلك الحين ( الذي لن يأتي بطبيعة الحال ) تصبح عنده الممارسة السياسية هي ترديد الشعارات و المواقف .ان هذا الاتجاه هو ايضا لا يرى أي دور للممارسة في تطوير المعرفة و مصيره لن يكون احسن من مصير الاول .ثاني هذه الافكار هي تلك التي يعبر عنها بعض الرفاق الذين يرفضون اعتبار الماوية تطوير خلاق للماركسية اللينينية . وسط هؤلاء يمكن ان نميز بين من يحملون العداء لماو و يعتبرون الماوية " تحريفية "و هؤلاء لا داعي لان نتناولهم هنا ، فبالاضافة الى انهم لا يعرفون شيئا عن " الماوية "فقد اثبتوا للجميع في "نقد"هم للماوية انهم ليسوا ماركسيين حتى .اما الاتجاه الثاني فهم أولئك الرفاق الذين يعتبرون ماوتسي تونغ ماركسيا لينينيا لكن انتاجاته لم تكن سوى تطبيق للماركسية اللينينية او في احسن الاحوال يقفون حد فكر ماوتسي تونغ او افكار ماوتسي تونغ و حجتهم في ذلك هي "ان اللينينية هي ماركسية المرحلة الامبريالية و سوف تبقى كذلك مادامت هذه المرحلة قائمة " .

_________________________1- انجلز :فيورباخ و نهاية الفلسفة الكلاسيكية الالمانية ص 23.2- انجلز .انتي دوهرينغ ص68.3- لينين. المادية و نقد المنهج التجريبي ص168-169 .4- لينين .نفس المرجع السابق ص 171.5- لينين .نفس المرجع السابق ص 180.6- ماو . في الممارسة العملية ص 450.7- لينين .نفس المرجع السابق ص 175 .8- لينين .نفس المرجع السابق ص 175.9- ماو .نفس المرجع السابق ص 434 .10 - لينين .نفس المرجع السابق .11- لينين .نفس المرجع السابق ص 179 .12- لينين .نفس المرجع السابق ص 174 .13 – ماو .نفس المرجع السابق ص 434 .14 –لينين .حول الديالكتيك .15 – ماو . في التناقض ص 465 .16- ماو في الممارسة العملية ص 435 .17 - ماو في الممارسة العملية ص 435 .18 – لينين . المادية .ونقد المنهج النقدي التجريبي ص 161 .19 - ماو في الممارسة العملية ص 43520 - ماو في الممارسة العملية ص 435 .*- طبعا لينين قد قدم لنا العديد من القوانين الت يتتحكم في تطور المجتمع الاشتراكي شق منها بشكل ملموس و آخر مجرد.21 – لينين نفس المرجع السابق ص 158 .22- انجلز . رسالة الى أوتو بوينغك .23 – ماو نفس المصدر السابق ص 439 .24 –ماو نفس المرجع ص445 .25 –ماو نفس المرجع السابق ص 445 .26- ماو نفس المرجع الاسبق ص 447 .27 – ماو نفس المرجع السابق ص 447.28 – ماو نفس المرجع السابق ص 449 .** - انظر هنا على الخصوص تأملات نظرية لصاحبها أبراهام السرفاتي .
29- ماو نفس المرجع السابق ص 449/450 .30- ماو في التناقض ص 462 .31- ماو نفس المرجع السابق ص 451 .