حصاد زراعة ديمقراطية جورش بوش شوز والقرد الاسود بر اك حسين اوباما في العراق هلهولة لحكومة مجرمي سلطة الاحتلال وبرلمان خرسان وطرشان وعميان الاحتلال ياخونة حرامية مصيركم سوف يكون مثل مصير اي عميل اميركي وانكليزي وايراني ومصير اي نظام دكتاتوري جاء بقطار اسيادهم الامبريالين الامريكان

IRAQI REVOLUTIONARY MAOIST ORGANIZATION - IRMO المنظمة الماوية الثورية العراقية - جبهة نجوم الحمراء




الكفاح المسلح الطريق الوحيد للتحرير

الكفاح المسلح الطريق الوحيد للتحرير







2012-12-09

نحتاج الى شطف ادمغتنا ٤

الرفيق حسقيل قوجمان

 
نحتاج الى شطف ادمغتنا ٤
احد المفاهيم التي شاعت في بلدان ما يسمى العالم الثالث او على الاقل في البلاد العربية نتيجة التحريفية الخروشوفية كان ما سمي الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية. وقد نسب منظرو نظرية الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية الى ماركس والى لينين.
كتب ماركس في احدى رسائله ما معناه انه في ظروف معينة يمكن ان تتحول الكومونة الفلاحية في روسيا الى الطريق الاشتراكي بدون المرور في المرحلة الراسمالية. فما هي هذه الظروف المعينة؟ انا لم اقرأ رسالة ماركس بهذا الصدد ولا يقتبس منظرو الطريق اللاراسمالي عبارة ماركس بنصها الاصلي. ولكني قرأت في احدى رسائل انجلز شرحا لما قاله كارل ماركس. وملخصه هو ان الطبقة العاملة الظافرة في اوروبا تستطيع ان تساعد روسيا على الانتقال من المرحلة الاقطاعية الى المرحلة الاشتراكية بدون المرور في المرحلة الراسمالية. هذا الشرط الاساسي، شرط انتصار الثورة الاشتراكية ووجود الطبقة العاملة الظافرة لا يشكل عاملا مهما لدى منظري هذا الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية.
ويشير منظرو الطريق اللاراسمالي الى لينين باعتباره مثل ماركس مؤسسا لنظرية الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية. والفقرة التي يستندون اليها مشوهة عادة، معروفة مقتبسة من خطاب القاه في الاممية الشيوعية اقتبسها بنصها الحقيقي ادناه:
"لقد طرحت المسألة بالشكل التالي: هل يمكننا ان نعتبر ان التأكيد القائل بان المرحلة الراسمالية في تطور الاقتصاد الوطني محتومة بالنسبة للشعوب المتأخرة التي تتحرر الان والتي نلاحظ في اوساطها بعد الحرب حركة في اتجاه التقدم، هو ـاكيد صحيح؟ وقد كان جوابنا على هذا السؤال سلبيا. فاذا ما قامت البرولياريا الثورية الظافرة بدعاية منتظمة بين هذه الشعوب، واذا ما ساعدتها الحكومات السوفييتية بجميع الوسائل الموجودة تحت تصرفها، عندئذ يصبح من غير الصحيح التأكيد بان مرحلة التطور الراسمالي هي مرحلة محتومة بالنسبة للاقوام المتاخرة. ان واجبنا في جميع المستعمرات والبلدان المتأخرة لا يقتصر على تكوين ملاكات مستقلة من المناضلين، لا يقتصر على تشكيل المنظمات الحزبية والقيام حالا بالدعاية من اجل تنظيم سوفييتات الفلاحين والسعي كي تصبح هذه السوفييتات ملائمة لظروف ما قبل الراسمالية، انما يتوجب كذلك على الاممية الشيوعية ان تقر وان تثبت نظريا انه بمساعدة البروليتاريا في البلدان المتقدمة يمكن للبلدان المتأخرة ان تنتقل الى النظام السوفييتي والى الشيوعية عبر درجات معينة من التطور متجنبة مرحلة التطور الراسمالي." (لينين، المختارات، مجلد ١٠ ص ٩٦)
نرى من هذا ان الشرط الاساسي الذي يتفق عليه ماركس وانجلز ولينين هو وجود البروليتاريا الثورية الظافرة. فما معنى عبارة البروليتاريا الثور ية الظافرة؟ معناها الوحيد هو ان تكون الطبقة العاملة قد ثارت على النظام الراسمالي واستولت على السلطة لكي تسير في عملية بناء المجتمع الاشتراكي.
والشرط الاساسي الثاني الذي يتفق عليه ماركس وانجلز ولينين هو وجود شعوب منفصلة عن البروليتاريا الثورية الظافرة تمر في مراحل متأخرة من التطور بحيث لم تنشأ فيها بعد بدايات الانتاج الراسمالي. ففي حالة روسيا التي تحدث عنها كارل ماركس كانت روسيا انذاك ما تزال في عصر القنانة، اي انها لم تعرف بعد الانتاج الراسمالي. ومعروف ان ماركس وانجلز كانا يعتبران ان الثورة الاشتراكية ينبغي ان تقوم في جميع او اغلب بلدان اوروبا الراسمالية. ففي حالة نجاح الثورة، واستيلاء الطبقة العاملة على السلطة في اوروبا، وهذا هو مفهوم البروليتاريا الثورية الظافرة، فانها، السلطة الاشتراكية في اوروبا، تستطيع ان تقدم لروسيا المساعدة على التحول الى الاشتراكية بدون ان تمر في المرحلة الراسمالية. ولكن الثورة لم تحدث في اوروبا وتطور الانتاج في روسيا فنشأت طبقة راسمالية وتطورت محليا ونتيجة نشوء المشاريع الاجنبية فيها وانتفى بناء على ذلك كلا الشرطين الاساسيين للانتقال الى الاشتراكية بدون المرور في مرحلة الانتاج الراسمالي. اصبح الوضع في روسيا كما في سائر الدول الاقطاعية التي نشأت فيها طبقة راسمالية متطورة تحتاج الى القضاء على الطبقة الحاكمة الاقطاعية وتحويل المجتمع بثورة برجوازية الى مجتمع راسمالي.
تغير الوضع في سنة ١٩٢١ حين القى لينين خطابه في الاممية الشيوعية. في الاتحاد السوفييتي تحقق الشرط الاول في ثورة اكتوبر واصبحت الطبقة العاملة الروسية بروليتاريا ثورية ظافرة. ولم تكن الاوضاع الثورية في اوروبا منتهية اذ كان في الجو السياسي امل في ان تقوم ثورات اشتراكية اخرى غير الاتحاد السوفييتي. لم تتحقق ثورات ناجحة في دول اوروبا الراسمالية الاخرى رغم المحاولات العديدة.
في الاتحاد السوفييتي تحقق الشرط الاساسي الثاني ايضا. كانت روسيا القيصرية قد استولت على بلدان عديدة واستعمرتها. كانت سيبريا كلها والاسكيمو في شمال سيبريا ايضا تحت السيطرة الروسية. وعند نجاح ثورة اكتوبر تحولت هذه المستعمرات لتقع تحت سيطرة الدولة الاشتراكية. كان العديد من شعوب اسيا حينذاك في مراحل ابعد ما تكون عن تطور الانتاج الراسمالي. كانت ثمة شعوب ليست لها حتى لغات مكتوبة تعيش في ظروف تشبه العصر الحجري. وهذه الشعوب هي الشعوب التي يشملها خطاب لينين.
ماذا كان على دكتاتورية البروليتاريا ان تحققه في هذه البلدان المتأخرة؟ كان واجب دكتاتورية البروليتاريا ما كتبه لينين في خطابه وكانت دكتاتورية البروليتاريا تنفذه فعلا في هذه البلدان. لم يترك الاتحاد السوفييتي بلدان المستعمرات هذه تمر في مرحلة الاقطاع ثم الراسمالية لكي تنتقل الى بناء المجتمع الاشتراكي بل قامت بالعمل المثابر لتحويل هذه الشعوب المتأخرة الى شعوب اشتراكية مع شعوب الاتحاد السوفييتي المتقدمة. وكان هذا الواجب بالغ الصعوبة ولكن الاتحاد السوفييتي نجح في تحويل هذه الشعوب الى التطور الاشتراكي ابتداءا من تكوين لغاتهم المكتوبة ونشوء تاريخهم وثقافتهم بلغاتهم المحلية الى ان تحولت هذه الشعوب فعلا الى شعوب اشتراكية شانها في ذلك شأن الشعب الروسي. هذا هو معنى المفهوم الماركسي للتطور اللاراسمالي صوب الاشتراكية.
ماذا يحدث اذا تحقق احد الشرطين الاساسيين ولم يتحقق الشرط الثاني؟ الشرط الاول، وجود البروليتاريا الظافرة شرط حتمي لا وجود للقضية بدونه. اذ بدون ان تكون ثمة بروليتاريا ثورية ظافرة سائرة في طريق التطور الاشتراكي لا يمكن مساعدة الشعوب المتأخرة للتطور الى المرحلة الاشتراكية. وجود الجانب الاشتراكي في مثل هذه الحالة حتمي.
فما الذي يحصل اذا تحقق الشرط الاول ولم يتحقق الشرط الثاني؟ ان امكانية تحقق الشرط الاول بدون ان يتحقق الشرط الثاني ممكنة وواقعية. فثمة بلدان اقطاعية نشأت فيها طبقة راسمالية وتطورت وتحتاج الى القيام بثورة برجوازية لكي تتحول الى بلدان راسمالية. كانت بلدان عديدة في المستعمرات واشباه المستعمرات كان قد تطور فيها الانتاج الراسمالي رغم نظام حكمها الاقطاعي ولكن الثورة البرجوازية لم تتحقق فيها بعد لكي تتحول الى بلدان راسمالية. هذه البلدان تواجه مشكلة تحقق الثورة البرجوازية لانها لا تستطيع ان تحقق الثورة الاشتراكية قبل ان تحقق الثورة البرجوازية.
لماذا لا يمكن تحقيق الثورة الاشتراكية قبل تحقق الثورة البرجوازية؟ لكي تتحقق الثورة الاشتراكية ينبغي على الطبقة العاملة ان تطيح بالنظام الراسمالي. ولكن لا يمكن الاطاحة بالنظام الراسمالي اذا لم يكن هناك نظام راسمالي. ولذلك على الشيوعيين كما قال انجلز ان يسندوا البرجوازية لكي تحقق ثورتها باسرع ما يمكن لكي تستطيع الطبقة العاملة ان تطيح بها باسرع وقت ممكن.
لو فرضنا ان المجتمع في اذربايجان كان متطورا من الناحية الراسمالية رغم بقاء نظام الحكم اقطاعيا. يتحتم على اذربايجان ان تحقق الثورة البرجوازية قبل الانتقال الى مرحلة الثورة الاشتراكية. وهذا الوضع معروف لدينا لان العراق كان اثناء الحكم الملكي بلدا شبه اقطاعي شبه استعماري وكان تطوره يتطلب تحقيق الثورة البرجوازية التي تحققت في ثورة تموز. هناك في اذربايجان الافتراضية التي لم تتحقق فيها الثورة البرجوازية بعد تحقق الشرط الاول وجود البروليتاريا الثورية الظافرة في الاتحاد السوفييتي ولم يتحقق الشرط الثاني وجود اذربايجان متأخرة لم ينشأ فيها الانتاج الراسمالي بعد. فما هو واجب البروليتاريا الظافرة تجاه اذربايجان في مثل هذه الحالة؟ هل عليها ان تنتظر تحقيق الثورة البرجوازية في اذربايجان لكي تقودها الى الانتقال الى مرحلة بناء المجتمع الاشتراكي؟ بالطبع كان على الاتحاد السوفييتي ان يحول اذربايجان الى بلد اشتراكي بدون ان يمر في مرحلة الثورة البرجوازية.
الطريق اللاراسمالي في نظر ماركس وانجلز ولينين يقتضي اولا وقبل كل شيء وجود البروليتاريا الثورية الظافرة، اي البروليتاريا التي تحولت الى طبقة حاكمة لكي تستطيع تقديم المساعدة للمجتمعات التي لم ينشأ فيها الانتاج الراسمالي او التي لم تتحق فيها الثورات البرجوازية لتحاشي المرور في المرحلة الراسمالية للانتاج والتحول مباشرة الى الانتاج الاشتراكي.
ولكن الفترة التحريفية التي نشأت بتحول الاتحاد السوفييتي من دولة اشتراكية سائرة في اتجاه بناء المجتمع الشيوعي الى دولة تحريفية سائرة في اتجاه العودة الى المجتمع الراسمالي حرفت المفهوم الماركسي للطريق اللاراسمالي الى مفهوم يحقق استمرار النظام الراسمالي تحت شعارات ماركسية وهمية واستناد مشوه الى النظرية الماركسية للطريق اللاراسمالي. اطلق على بلدان كثيرة من البلدان المستعمرة والبلدان شبه المستعمرة او ما يسمى جزافا العالم الثالث بلدانا سائرة في الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية او البلدان ذات التوجه الاشتراكي. حتى الهند، هند انديرا غاندي، اعتبرها بريجنيف دولة سائرة في الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية. وابحث المثل العراقي كنموذج على جميع البلدان التي دخلت تحت هذا العنوان. ابحث على سبيل المثال العراق الذي اعتبر احد البلدان السائرة في الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية.
كان العراق في فترة الحكم الملكي بلدا شبه اقطاعي شبه استعماري نشأت فيه مشاريع راسمالية كبيرة امبريالية مباشرة او حكومية تحت ادارة امبريالية مثل السكك والنفط والميناء، وشركة لنج وغيرها. ونشأت في هذه المشاريع الراسمالية طبقة عاملة واسعة. اضافة الى المشاريع الراسمالية الاجنبية او الاجنبية الادارة نشأت شركات راسمالية محلية مثل مصانع النسيج والتبغ والاحذية والاسمنت والطابوق والكاشي وغيرها. واصبحت الطبقة العاملة العراقية طبقة متبلورة لها حزبها السياسي ومنظماتها النقابية العلنية والسرية خاضت نضالات واسعة للمطالبة بتحسين اوضاعها المعاشية والصحية والاجتماعية. تقدم الانتاج الراسمالي في العراق الى درجة نشأت فيه ضرورة تحقيق الثورة البرجوازية. وتحققت الثورة البرجوازية بشكل انقلاب عسكري تكونت فور نجاحه حكومة برجوازية مثالية. اي ان العراق اصبح مثذ ثورة تموز بلدا راسماليا شأنه شأن سائر البلدان الراسمالية السائرة في طريق التطور الراسمالي للانتاج الاجتماعي وجزءا من النظام الراسمالي العالمي.
في هذه الظروف رفع الحزب الشيوعي العراقي تحت تأثير الاتحاد السوفييتي التحريفي شعار الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية في بلد شبع تطورا راسماليا واتهم صدام حسين باختيار الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية ولجأ الى التحالف معه في السير في هذا الطريق. لا ابحث هنا موضوع الاختيار باعتباره نقضا واضحا وتاما للماركسية لان الماركسية لا تؤمن بامكانية الاختيار اذ تعتبر علاقات الانتاج هي التي تحدد طبيعة النظام ولا يمكن تغيير النظام الا عن طريق تغيير علاقات الانتاج. ونسبوا هذا الاتجاه الى ماركس ولينين على الاساس الذي جاء اعلاه.
راينا ان الشرط الاساسي الذي لا يمكن بدونه الحديث عن الطريق اللاراسمالي هو وجود البروليتاريا الثورية الظافرة. وفي عراق صدام حسين لم يتحقق هذا الشرط بل كانت الطبقة العاملة ترزح تحت اشد الظروف السياسية والاقتصادية والثقافية والتنظيمية شدة.
ولم يتحقق الشرط الثاني ايضا وهو وجود المجتمع في مرحلة لم ينشأ فيها الانتاج الراسمالي بعد. ففي العراق لم ينشأ انتاج راسمالي اجنبي ومحلي واسع النطاق وحسب بل تحققت فيه الثورة البرجوازية واصبحت الطبقة البرجوازية طبقة حاكمة. وهذه الطبقة الحاكمة البرجوازية بمختلف اشكالها اعتبرت سائرة في طريق لاراسمالي. كيف يمكن تحويل الطريق الراسمالي الى طريق لاراسمالي؟ هل يجب تحطيم الانتاج الراسمالي القائم لجعل الطريق طريقا لاراسماليا؟ او ان الطبقة الراسمالية الحاكمة تستطيع رفع المجتمع الى الاشتراكية كما يرفع الرباع الاثقال فوق راسه؟
ان خرافة الطريق اللاراسمالي طريق هدفه الاساسي والوحيد حرف الطبقة العاملة عن طريق نضالها الحقيقي، عن هدفها الاستراتيجي، هدف النضال ضد الطبقة الراسمالية الحاكمة والسير في اتجاه الثورة الاشتراكية من اجل الاطاحة بها وتحقيق النظام الاشتراكي والسير في طريق بناء المجتمع الاشتراكي.
لذا اعتبر ان من واجب جميع الثوريين الحقيقيين ان يزيحوا كل ما تبقى من اثر هذا الشعار التحريفي من اذهانهم.

كتاب- خارطة طريق الولايات المتحدة الاميركية برؤية ماركسية - الجزء الثاني

الرفيق حسقيل قوجمان



خارطة طريق الولايات المتحدة في العراق
بدأت خارطة طريق الولايات المتحدة في العراق عمليا منذ ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ حين جاءت حكومة برجوازية اظهرت بعض المقاومة والتصدي للمصالح الامبريالية في العراق. فلم تترك الولايات المتحدة فرصة للقضاء على هذه الثورة والمجيء بحكومة خاضعة كليا لسلطة الولايات المتحدة. فكان انقلاب شباط ١٩٦٣ البعثي وما رافقه من قتل قادة الثورة والالاف من الناس بحجة الشيوعية. وتواصلت الانقلابات حتى انقلاب ١٩٦٨ الذي جاء بصدام حسين كنائب لرئيس الجمهورية اولا وكرئيس لها لاحقا. فمن المعروف ان صدام كان عضوا في السي اي اي ينصاع لاوامر الولايات المتحدة كل الانصياع.
لم تكن لصدام حسين انذاك مكانة شعبية واسعة لذا كان بحاجة الى مساندة الاحزاب السياسية القائمة وخصوصا الى مساندة الحزب الشيوعي. وتألفت الجبهة الوطنية القومية التقدمية بين حزب البعث الحائز على السلطة والجيش والشرطة والمحاكم والسجون والمشانق واموال الدولة وبين الحزب الشيوعي واحزاب اخرى لا تملك سوى اسمها والمقر الذي سمح لها بحيازته حزب البعث الحليف وصحيفة علنية لا مهمة لها سوى تمجيد الرفيق صدام حسين. وقد اشترك وزيران او ثلاثة وزراء اذا اضيف عزيز شريف الى قائمة الحزب الشيوعي في الحكومة لا دور لهم سوى المصادقة على قرارات صدام حسين. وقد لعبت حكومة الاتحاد السوفييتي التي كانت قد تحولت من حكومة اشتراكية الى حكومة معادية للاشتراكية والشيوعية دورا هاما في دفع الحزب الشيوعي لعقد الجبهة مع حزب البعث وصدام. وكان لهذه الاحزاب المؤتلفة في الجبهة الوطنية القومية التقدمية الدور الاول في رفع مكانة صدام حسين السياسية والشعبية. وكانت هذه الجبهة عمليا جبهة اذلال لأن صدام حسين كان يعامل الاحزاب الحليفة بمنتهى الاستهانة. ومن ظواهر ذلك اعدام الضباط الشيوعيين بحجة نشاطهم الشيوعي وفقا لقانون اعدام كل جندي او ضابط له علاقة بالحزب الشيوعي الحليف بدون ان يبدي الحزب اية معارضة بل وباضطرار الحزب الى انكار علاقته بهؤلاء الضباط¸ وحتى اضطرار الوزير الشيوعي على توقيع حكم الاعدام على صديقه ورفيقه الشيوعي المحكوم بالاعدام. وليس هنا مجال تعداد مثل هذه الاحداث التي كانت تصور الاذلال والاحتقار للحلفاء في الجبهة والشركاء في الحكومة. وقد دام هذا التحالف من ١٩٧٣ حتى ١٩٧٩ حين ركل صدام حسين حلفاءه في الجبهة برجليه والغى الجبهة واضطر قادة الحزب الشيوعي وغيره من احزاب الجبهة الى الهرب والتشتت في ارجاء العالم وقتل وسجن من تبقى في العراق ولم يستطع الهروب فلم تبق في العراق تنظيمات حقيقية لهذه الاحزاب واضطرت كما قال قادتها الى التحول من خندق صدام حسين والجبهة الى خندق المعارضة.
منذ ذلك الحين ظهرت شعارات الجبهة العريضة او الشاملة او غير ذلك. واخذت كل حفنة من الاشخاص تجد لها ممولا وراعيا وتعلن نفسها حزب معارضة. فتعددت احزاب المعارضة وتعدد راعوها وممولوها فتارة عقدت المؤتمرات تحت رعاية حافظ الاسد واخرى تحت رعاية القذافي وتارة اخرى تحت رعاية خادم الحرمين الخ,,, الى ان تبلورت المعارضة تحت رعاية وتمويل الولايات المتحدة وفق قانون تحرير العراق. وتحت هذه الرعاية بذلت الولايات المتحدة الاموال بملايين الدولارات لكسب عملائها او من يسمون انفسهم حلفاءها من شخصيات واحزاب المعارضة.
بدأ نزوح شتات الاحزاب وخصوصا احزاب الجبهة الوطنية القومية التقدمية كالحزب الشيوعي في ١٩٧٩ حين ركل صدام حسين الجبهة ونبذها. وفي ١٩٨٠ دفعت الولايات المتحدة صدام حسين الى غزو ايران بحجة الغاء اتفاقية اقتسام شط العرب التي اجبرته الولايات المتحدة على ابرامها في ١٩٧٥مقنعة اياه بان الحصول على مناطق النفط الايراني ليس سوى نزهة قصيرة فدامت الحرب ثمانية اعوام وراح ضحيتها مليون من الايرانيين والعراقيين. ورغم ان الولايات المتحدة اعلنت مع الاتحاد السوفييتي انهما تقفان على الحياد في الحرب العراقية الايرانية فانها جهزت العراق بالاسلحة والمساعدات المالية بصورة التفافية عن طريق الدول العربية مثل المملكة العربية السعودية والكويت. ولكن حكيم الولايات المتحدة ، هنري كيسينجر، صرح في حينه ان الولايات المتحدة لا تريد ان يحقق اي من الطرفين انتصارا في هذه الحرب بل تريد انهاك الطرفين دونما انتصار حاسم لاي منهما وتأسف لان من غير الممكن ان ينهزم الطرفان معا في الحرب. وقد قام الحزب الشيوعي وما سمي في حينه جبهة جود بحرب انصار في جبال كردستان لم يكن بامكان صدام ان يحطمها لانشغاله في الحرب الايرانية ولم تكن من القوة بحيث تحقق انتصارات او تحرر مناطق واسعة وتحقق فيها بعض الاصلاحات لتحكمها او لان تكون حربا ثورية تستهدف الاطاحة بحكومة صدام. فكانت في الواقع مناوشات ازعجت صدام ولم تؤثر عليه بصورة جدية ولكنه اطلق يد الاتراك لمهاجمة الاكراد لكي يستطيع تحرير جيشه لمحاربة الايرانيين.
وفي اثناء ذلك قامت قوات جلال الطالباني بالهجوم على قوات الحزب الشيوعي الحليفة في الجبهة وقتلت المئات من البيشمركة الشيوعية. فتشتتت الجبهة واصبح اعضاؤها يقاتلون بعضهم البعض الى ان نجح الحزب الشيوعي بقيادة عزيز محمد في اقناع الطالباني بالتوبة والعودة الى خندق الثورة والانضمام الى الجبهة مرة اخرى وعادت الجبهة الى مناوشاتها لجيوش صدام. كان الحزب الشيوعي في تثقيفه يعتبر جود نموذجا للجبهة العريضة التي يدعو الى تشكيلها.
وقبل ان انتهت الحرب العراقية الايرانية شن صدام هجومه المفاجئ على الاكراد فكانت مجزرة حلبجة حيث قتل الاف الاكراد بالاسلحة الكيماوية التي زودت صدام بها الولايات المتحدة الاميركية وباستخدام الطائرات السوفييتية. وتشتتت قوات البيشمركة وانتهت حرب الانصار بالهزيمة امام جيوش صدام.
وفي آب ١٩٩٠ غزا صدام حسين الكويت واحتلها وطرد حكامها واعلن ضم الكويت كمحافظة من محافظات العراق. وكل الدلائل تشير الى ان الولايات المتحدة كانت على علم بنية الغزو وان سفيرة الولايات المتحدة في بغداد اعطت صدام الضوء الاخضر حين قالت له ان النزاع بينه وبين الكويت قضية عربية وان الولايات المتحدة لا تتدخل فيها. وبعد الغزو ثارت ثائرة الولايات المتحدة واعلنت استعدادها لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي. واستعدادا لتحرير الكويت احتلت الولايات المتحدة كافة دول الخليج احتلالا عسكريا بصفتها صديق يريد انقاذها وحمايتها من صدام حسين.
في مقال كتبته في ١ كانون الثاني ١٩٩١ ونشر قبل الهجوم على العراق حول ازمة الخليج جاء فيه حول ارباح الولايات المتحدة من احتلال الكويت "ومن الناحية السياسية حققت الولايات المتحدة هدفا طالما كانت تحلم به وهو احتلال منطقة الخليج الاستراتيجية احتلالا عسكريا كاملا. وربما ثمة من يقول ان انتهاء الازمة سيؤدي الى انسحاب الجيوش الاميركية من المنطقة. ولكن هذا ليس بالامر اليسير. فقد سمعنا المسؤولين الاميركيين منذ الان يقولون ان الجيوش الاميركية يجب ان تبقى في المملككة العربية السعودية لسنوات عديدة. ان خروج الجيوش الاجنبية من البلاد العربية ليس كدخولها. فالخروج سيتطلب نضالا شعبيا قاسيا لمدة طويلة يروح خلالها الالوف من الضحايا لان المستعمر لا يخرج من تلقاء ذاته واولئك الذين دعوه للاحتلال غير قادرين على اجباره على الانسحاب. والولايات المتحدة تعد منذ الان سلاحها لقمع النضالات الشعبية المقبلة ضدها في هذه المنطقة. فهي تعد نظامها الامني العالمي بحجة مكافحة الارهاب والحفاظ على سلامة الدول الضعيفة في المنطقة. ونحن نعلم ان اي نضال ضد اي نظام استعماري او نظام رجعي يمكن تسميته ارهابا وقمعه بهذه الحجة. ولذلك يجب ان نتوقع في المستقبل تدخل اميركا المباشر في اية حركة ثورية ضد اي نظام من الانظمة التي تريد بقاءها. فهل في العالم غير صدام حسين من يستطيع ان يقدم للامبريالية الاميركية مثل هذه الخدمة؟ أولم يكن اجدر بالولايات المتحدة ورئيسها بوش ان يقلدا صدام حسين اعلى الاوسمة؟" وها قد مرت ١٢ سنة منذ تحرير الكويت ومازالت جيوش الولايات المتحدة قابعة بقواعدها العسكرية وجيوشها الجرارة في جميع اقطار الخليج العربي وليس في الافق اية اشارة الى مغادرتها قريبا او بعيدا.
وجاء الهجوم على العراق فيما يسمى حرب الخليج الثانية من اجل تحرير الكويت بتخويل مجلس الامن وباسم الامم المتحدة حيث قتلت جيوش الولايات المتحدة مئات الاف المدنيين العراقيين واستخدمت افظع اسلحة الدمار الشامل ومارست ابشع الجرائم بحق المدنيين العزل. وقد تحالفت اغلب الدول العربية مع الولايات المتحدة وبريطانيا في هذه الحرب وارسلت جيوشها للاشتراك في حرب تحرير الكويت. وجربت الولايات المتحدة افظع واحدث انواع اسلحة الدمار الشامل التي توفرت لديها لاول مرة، قنابل اليورانيوم المنضب التي يبقى تاثيرها عشرات السنين والتي تسبب السرطان وغيره من الامراض والتشويهات للاطفال في العراق وفي المنطقة. ولم يسلم من اثار هذه القنابل حتى الجنود الذين القوها بدون ان تنبهم القيادة الاميركية الى اخطارها او تتخذ التدابير اللازمة لوقايتهم من تأثيرها فاصيب الالوف منهم بامراض ناجمة عنها. ولكن الولايات المتحدة لم تكلف نفسها عناء اسقاط صدام او المساس بحرسه القومي لانها كانت تريد ان تستمر في الاستفادة من خدماته. فاعلنت ايقاف القتال وخضع العراق اثني عشر عاما من الحصار الاقتصادي مما ادى الى وفاة نصف مليون طفل نتيجة الامراض وسوء التغذية وانعدام المعالجة الطبية ارتات مارلين اولبرايت ان هذا الثمن مناسب من اجل تحقيق مصالح الولايات المتحدة. اما جون بيلغر فقد اقتبس من كتاب للباحثين الاميركيين جون مولر وكارل مولر العبارة التالية: "ربما كان الحصار الاقتصادي قد ازهق حياة عدد من البشر في العراق يفوق عدد الذين قتلوا بجميع اسلحة الدمار الشامل في التاريخ". (جون بيلغر، حكام العالم الجدد ص٦٣)
ودعا بوش الاول الشعب العراقي الى الثورة على صدام فاندلعت انتفاضة في جنوب العراق ولكن الولايات المتحدة ساندت صدام وساعدته على اخمادها وقتل الالاف من الثائرين فيها.
ورغم انتهاء الحرب في ١٩٩١ رسميا فانها استمرت في الواقع طيلة سنوات الحصار الاقتصادي الخانق للشعب العراقي. فكانت طائرات الولايات المتحدة وبريطانيا تشن هجومات يومية صغيرة او كبيرة على الاهداف العسكرية والمدنية في العراق بحجج شتى طيلة هذه السنوات. وحتى اتفاقية النفط مقابل الغذاء كانت عبئا كبيرا على العراق لان اغلب الدخل من بيع النفط ذهب للتعويضات عن الحرب ولتمويل لجان التفتيش عن الاسلحة التي مارست نشاطها طيلة هذه السنوات وكانت الولايات المتحدة تهدد بالحرب وتمارسه حين كان العراق يقاوم اعمال هذه اللجان التي كان اعضاؤها عملاء تجسس للولايات المتحدة.
وجاء يوم ١١ ايلول (سبتمبر) ٢٠٠١حين نكبت الولايات المتحدة بافظع نكبة في تاريخها. يقوم البعض بتشبيه هذه النكبة بهجوم الجيش الياباني على برل هاربر في الحرب العالمية الثانية الذي ادى الى دخول الولايات المتحدة الحرب ضد اليابان. ولكني اعتقد ان ضربة ١١ سبتمبر افظع من برل هاربر لان برل هاربر نفذته قوة عسكرية داخلة في حرب عالمية ومن جيوش نظامية ضد اهداف عسكرية اما ضربة سبتمبر فجرت من قبل منظمة القاعدة التي يقودها ربيب الولايات المتحدة بن لادن الذي ربته ومولته ودربته لكي يحارب الاتحاد السوفييتي الذي ارسل جيوشه لاحتلال افغانستان فانقلب على الولايات المتحدة واخذ يحاربها بحجة احتلالها للاراضي السعودية المقدسة. وهي افظع من برل هاربر لانها اول واكبر نكبة تصاب بها الولايات المتحدة في عقر دارها. فلم يكن امام الولايات المتحدة الاميركية وادارتها وامام رئيسها بوش الابن الا اعلان الحرب العالمية الثالثة فور وقوع هجوم ١١ سبتمبر. وكان من اول انتصارات الحرب العالمية الثالثة احتلال افغانستان تحت شعار القضاء على بن لادن وحكم طالبان. ولكن بوش اعلن ان الحرب سجال وانه سيمضي بها حتى تحقيق "عالم بلا ارهاب".
حدد بوش الثاني محور الشر بثلاث دول هي العراق وايران وكوريا الشمالية. ولكن هذا لا يستنفد كل محاور الشر في العالم. ففي عرف الولايات المتحدة ورئيسها بوش ثمة محاور شر اخرى كثيره سيأتي دورها بعد او قبل التخلص من هذا المحور المعلن.
وبدأت حملة الهجوم على العراق بحجة امتلاكها اسلحة دمار شامل تهدد امن الولايات المتحدة وبريطانيا وامن اسرائيل وامن سائر دول الشرق الاوسط والعالم اجمع. لذلك اصبح من واجب الولايات المتحدة ان تحتل العراق لتحرير الشعب العراقي واعادة الثروات العراقية التي نهبها صدام حسين الى الشعب العراقي وانشاء عراق ديمقراطي يكون مثالا يحتذى لاعادة تنظيم الشرق الاوسط.
واصدر مجلس الامن قراره باعادة فرق التفتيش عن اسلحة الدمار الشامل الى العراق. فوافق العراق على اعادة فرق التفتيش بلا شروط ووفر لها كافة الامكانات للتفتيش حتى في غرفة نوم صدام حسين. ففتشت القصور الجمهورية والمدارس والمستشفيات والمكتبات والمعامل واية اماكن ارادت تفتيشها بلا انذار. ووافقت الحكومة العراقية على كل ذلك. ولكن لجان التفتيش لم تفلح في ايجاد اي اثر لاسلحة دمار شامل في العراق لان هذه الاسلحة التي جهزتها الولايات المتحدة وبريطانيا للعراق كانت قد دمرت نهائيا في حرب الخليج وبعدها. ولم تكن ظروف الحصار والمراقبة اليومية المستمرة توفر للعراق فرصة للحصول حتى على الاسلحة التقليدية. وكانت الحرب المستمرة طوال فترة الحصار والهجومات المتكررة طوال هذه الفترة على كل مؤسسة عسكرية او مدنية من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا تدمر كل ما يبدو للولايات المتحدة انه يمكن ان يكون وسيلة لانتاج الاسلحة. وكانت الرقابة المفروضة على الاراضي العراقية من الاقمار الاصطناعية ومن طائرات التجسس الاميركية ترصد كل مكان يمكن ان يكون مقرا لانتاج اسلحة دمار شامل جديدة لكي تقوم طائراتها بتدميرها. وقد قررت لجان التفتيش ان تدمر حتى الصواريخ المتاح بها التي لا يتجاوز مداها ١٥٠ كيلومترا. والولايات المتحدة تعلم ذلك حق العلم ولكنها اصرت على ان العراق يمتلك من اسلحة الدمار الشامل ما يستطيع به ان يدمر العالم كله واصرت على ان احتلال العراق هو الحل الوحيد لانقاذ العالم من شر هذه الاسلحة.
طيلة فترة وجود لجان التفتيش في العراق كانت الولايات المتحدة وبريطانيا وبعض حليفاتها ترسل الاساطيل وتهيئ الظروف المناسبة للهجوم على العراق واحتلاله. وحين اكملت استعداداتها واصبحت جاهزة للهجوم حاولت الحصول من مجلس الامن على تخويل لها بالهجوم العسكري والاحتلال كما هي العادة في الحروب الحروب السابقة بما فيها احتلال افغانستان. ولكن ظاهرة جديدة غير مسبوقة ظهرت هذه المرة. فقد اعلنت ثلاث دول حليفة للولايات المتحدة معارضتها للحرب وهددت فرنسا وروسيا باستعمال حق الفيتو في حالة طلب الولايات المتحدة قرارا كهذا. وثارت ثائرة الولايات المتحدة من موقف حلفائها الغريب عليها وقام رامسفلد بوصف فرنسا والمانيا بانها اوروبا القديمة وهدد بوش وباول وتشيني وغيرهم بفرض عقوبات على هاتين الدولتين الحليفتين وعلى روسيا وحرمانها من العقود المبرمة مع العراق في مجال النفط وغيره. واضطرت الولايات المتحدة الى سحب طلب قرار من مجلس الامن والقيام باحتلال العراق بدون تخويل من مجلس الامن.
فاحدى صفات الحرب العالمية الثالثة التي اعلنتها وتخوضها الولايات المتحدة هي انها حرب ضد الصديق قبل العدو. فالولايات المتحدة تريد في هذه الحرب السيطرة على العالم كله وعولمة راسمالها على حساب صديقاتها وحليفاتها الدول الاستعمارية الاخرى التي ما زالت تسيطر على جزء من دول العالم وتنهب ثرواتها وتستثمر فيها راسمالها. ولذلك فان هذه الدول لا بد ان تقاوم الولايات المتحدة رغبة منها في المحافظة على مستعمراتها واسواقها. والحرب سجال بين هذه الدول الحليفة والصديقة فيما يدعى بالحروب الاقتصادية باستمرار. فنسمع عن حرب الكحول وحرب الزبدة وحرب الخمور وحرب صيد السمك وحرب اللحوم وحروب اخرى كثيرة. ونسمع عن فرض عقوبات وقرارات تقييد الاستيرادات وفرض ضرائب على الواردات المتبادلة بين هذه الدول الصديقة حتى اثناء عقد مؤتمراتها المتكررة التي تهدف قبل كل شيء الى زيادة استغلال العالم من قبل الدول الصناعية الثماني الكبرى. ولكن هذه التناقضات اما انها كانت تبقى سرية لا تكشف للعالم واما تقتصر على خلافات اقتصادية تبدو كانها خلافات طفيفة يجري النقاش عليها وتسويتها وديا. ولكنها تظهر لاول مرة بشكل واضح وصريح في قضية بحث الحرب على العراق في مجلس الامن. غير ان هذه الخلافات ليست خلافات بسيطة او مؤقتة بل انها خلافات جوهرية لا بد ان تتفاقم وتزداد حدة كلما واصلت الولايات المتحدة الاعتداء على مصالح حلفائها في ارجاء العالم.
ففي مقال بعنوان "الثورة التكنولوجية واقتصاد العولمة" كتبته في تموز ٢٠٠٢ جاء ما يلي:
ِ"يبدو في الحرب العالمية الحالية كأن الدول العظمى متفقة ومتحالفة في حرب الارهاب التي تشنها الولايات المتحدة. فقد اعلنت هذه الدول كلها بما فيها الاتحاد الاوروبي وروسيا عن تأييدها لهذه الحرب وعن استعدادها للمشاركة فيها الى جانب الولايات المتحدة فأصبح شعار محاربة الارهاب شعار اغلب دول العالم اذ لم تحجم عن رفع هذا الشعار سوى ما يدعوه بوش بمحاور الشر التي يجب تحطيمها او تحطيم الارهاب فيها. وهذا التحالف حول محاربة الارهاب قابل للتحقيق في اتجاه واحد هو ان تشارك كل الدول الامبريالية الاخرى الولايات المتحدة في اقتسام غنائم وارباح هذه الحرب بحصص تتناسب مع مستوى تطور كل من هذه الدول. الا ان الولايات المتحدة تريد ان تحوز على حصة الاسد من هذه الغنائم وأن تحرم الدول الاخرى الحليفة لها لا من مكتسبات الحرب فقط بل حتى مما تستطيع الولايات المتحدة ان تسلبه من اقتصاديات هذه الدول ذاتها ايضا. فهذه الدول تتفق فيما بينها على عملية النهب والاستغلال ولكنها لا ولا يمكن ان تتفق على عملية الاقتسام. فالاتفاق والتحالف الظاهر على السطح يخفي صراعا هائلا يجري تحت ستار هذا الاتفاق. وما المؤتمرات ومؤتمرات القمة التي تجري من حين لآخر تحت ستار شعارات رنانة كمساعدة الدول النامية على تقوية اقتصادها وبحث قضية القروض المتراكمة على هذه الدول ومعالجة مشكلة الفقر وما شاكل ذلك سوى محاولات لتسوية هذه الخلافات بطرق سلمية في الظاهر وتنطوي على اشد انواع الصراع في الباطن. فهذه الدول كلها تعاني من نفس الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها الولايات المتحدة. وكل هذه الدول تريد استعباد جزء من هذا العالم لاستغلاله تخفيفا لازماتها وزيادة في ارباحها. فدول مثل المانيا واليابان مثلا وهما الدولتان الصناعيتان الكبريان تريدان حصتهما في اقتسام الكعكة العالمية. ولكن حصتهما يجب أن تأتي عن طريق اقتطاعها واغتصابها من الولايات المتحدة التي تريد السيطرة على ارباح العالم كلها. وحتى بريطانيا التي اشتركت في الحرب الى جانب الولايات المتحدة في تدمير افغانستان ويقوم جيشها بالدور الرئيسي في المحافظة على سيطرة الولايات المتحدة على هذا البلد المنكوب ومستعدة لمرافقة الولايات المتحدة في حربها العالمية الى النهاية تريد حصتها من مكاسب هذه الحرب. والصراع بين هذه الدول وبين الولايات المتحدة ما زال ‘سلميا‘ لحد الان. ولكن الى متى تستطيع هذه الدول تحمل سطوة الولايات المتحدة التي تسلب هذه الدول الصديقة الحليفة حتى مما لديها ولا تترك لها سوى الفتات؟ ان منطق التاريخ يعلمنا ان هذه الدول لا يمكن ان تخضع لسطوة الولايات المتحدة الى الأبد ولابد ان تتحول الحرب في النهاية من حرب غير معلنة الى حرب معلنة بين هذه الدول الامبريالية نفسها. ان انفتاح اسواق الاتحاد السوفييتي والصين فسح المجال للدول الاستعمارية ان تحتل كل منها جزءا من هذه الأسواق الواسعة مما اجل تحول الصراع السلمي الى صراع حربي"
حين كتبت هذا المقال لم اكن اتوقع ان يظهر هذا النزاع السافر الصريح بهذه السرعة ولكن حرب العراق على ما يبدو كانت تشكل خسارة للدول الحليفة لم تستطع تحملها فانفجر هذا الصراع المكشوف بين الولايات المتحدة وحليفاتها الامبريالية.
حين اكتملت استعدادات الولايات المتحدة وبريطانيا لاكتساح العراق ودقت ساعة الصفر حاولت الولايات المتحدة فرض قرار من مجلس الامن بتخويلها بالهجوم على العراق كما هي العادة في حروبها السابقة. الا ان موقف الدولتين الدائمتين في مجلس الامن، فرنسا وروسيا، وتهديدهما باستعمال حق الفيتو وعدم نجاح الولايات المتحدة باقناع جميع الاعضاء غير الدائميين في المجلس في الموافقة على القرار لكي تحصل على اغلبية الاصوات رغم موقف فرنسا وروسيا جعل الولايات المتحدة تسحب طلبها وتقرر الحرب بدون موافقة مجلس الامن وبذلك تجاهلت الامم المتحدة ومجلس الامن وجعلتهما صفرا على اليسار لا قيمة لهما.
في كتاب تشومسكي "دول الشر" جاءت العبارة التالية:
"ان جعل الامم المتحدة ‘غير ذات تأثير بصورة قطعية كان من الاجرءات الروتينية منذ خرجت المنظمة عن الطوق بازالة الاستعمار. أحد الشواهد هو استخدام حق الفيتو في مجلس الامن الذي شمل نطاقا واسعا من القضايا. فمنذ الستينات كانت الولايات المتحدة في الطليعة وكانت بريطانيا في المقام الثاني وفرنسا بعيدا عنهما في المقام الثالث. واتخذت عمليات التصويت في الجمعية العامة صورة مشابهة. فالمبدأ الاهم هو ان اية منظمة دولية لا تخدم المصالح التي تسود الولايات المتحدة لا يوجد سبب للسماح لها بالبقاء. " (تشومسكي، ص ٣)
وقبل اندلاع الحرب وجه بوش انذارا الى صدام حسين بوجوب مغادرة العراق خلال اربع وعشرين ساعة. وكان من الواضح ان هذا غير وارد. وحتى لو غادر صدام حسين العراق لما تخلت الولايات المتحدة عن حربها واحتلالها للعراق. وقد جاء ذلك صريحا في اقوال وزير الخارجية باول وغيره. ولكن هل كان من مصلحة الولايات المتحدة ان يترك صدام حسين العراق قبل احتلاله؟ اعتقد ان ذلك ليس في مصلحة الولايات المتحدة. فأحد الهدفين اللذين حددهما بوش للحرب هو انعاش الاقتصاد الاميركي واخراجه من ازمته. وفي حالة خروج صدام حسين من العراق وترك السلطة كان من المتوقع احتلال العراق بدون مقاومة وبدون استخدام الاسلحة المدمرة في الحرب. وهذا ليس في صالح الولايات المتحدة. فاستهلاك الاسلحة ذاته احد العوامل الاساسية في انعاش الاقتصاد الاميركي. واستخدام الاسلحة يؤدي الى تدمير الكثير من المؤسسات العسكرية والمدنية. وهذا بحد ذاته هدف مقصود اساسي. فان اعادة اعمار ما دمرته الحرب هو الاخر مصدر ارباح طائلة يسيل لعاب الشركات الاميركية الى تحقيقه. وهذا عامل مهم اخر في انعاش الاقتصاد الاميركي. فهل في مصلحة الولايات المتحدة التخلي عن هذين العاملين المهمين واحتلال العراق بدون تدميره؟ بالطبع لا. ونحن نرى بعد انتهاء الحرب ان الشركات تتكالب على الحصول على امتيازات اعادة الاعمار وكيف تتجاهل الولايات المتحدة الشركات غير الاميركية في الحصول على هذه الامتيازات وكيف تقوم الادارة الاميركية بمنح امتيازات للشركات التي يمتلكها اقطابها حتى بدون مناقصة وكيف تقوم الامم المتحدة والدول الكبرى على اقناع الولايات المتحدة بالتودد والمداهنة على السماح لها ببعض ارباح اعادة الاعمار. ونحن نسمع اليوم عن ان الشركات العراقية سيسمح لها بالقيام ببعض اعمال الاعمار وكذلك نسمع عن دعوة الشركات الاسرائيلية بالمساهمة باعمال الاعمار. وهذا امر علينا ان نتناوله بعبارة قصيرة. فشركة بكتيل لتشيني مثلا حصلت على امتياز ب ٦٨٠ مليون دولار للقيام بمجرد مسح اعمال اعادة الاعمار. وهذه الشركة بامكانها ان تبرم عقودا ثانوية مع شركات صغرى عراقية او غير عراقية للقيام باجزاء متعددة من الاعمال التي التزمتها لقاء بضعة ملايين من الدولارات وبذلك تستطيع شركة تشيني نائب الرئيس انجاز ما التزمته بدون ان تقوم هي بهذه الاعمال وتكتفي باجتناء الجزء الاكبر من الارباح بدون ان تساهم هي نفسها باعادة البناء.
انتهى احتلال العراق بالصورة المزرية التي حدث فيها ودخلت الجيوش الاميركية والبريطانية العراق كجيش محتل. ورافق الجيوش الاميركية اصدقاؤها الذين اطلقوا على انفسهم اسم المعارضة العراقية في الخارج ظنا منهم ان الشعب العراقي سيستقبلهم بالورد والرياحين وان شخصيات المعارضة تستطيع ان تخدع الشعب العراقي بان الولايات المتحدة جاءت محررة لا فاتحة. لذا علينا ان نتساءل من هم هؤلاء الذين اسموا انفسهم بالمعارضة العراقية.
راينا ان نزوح شتات الاحزاب من العراق بعد تخلي صدام حسين عن الجبهة نجم عن اختفاء المعارضة الداخلية اختفاء تاما تقريبا. ولكن هؤلاء النازحين كان لابد لهم من موارد يستطيعون بواسطتها العيش برفاه واصدار الصحف والتنقل في بلدان العالم كله وبث الدعاية لانفسهم على انهم يشكلون معارضة يمكن ان تؤدي الى ازاحة صدام وتحقيق حكم ديمقراطي في العراق بعد ازاحته. فتشكلت احزاب قد لا يزيد عدد اعضائها على اصابع اليد ولجأت الى مصادر مختلفة لاستجداء الاموال التي تحقق لهم رغباتهم. فكان حافظ الاسد والقذافي وخادم الحرمين وغيرهم. ولكن ذلك لم يكن كافيا فلجا المعارضون الى الولايات المتحدة وبريطانيا. ومعروف ان الولايات المتحدة رصدت ٩٧ مليون دولار لما اسمته بقانون تحرير العراق ثم رصدت مبلغ ٩٢ مليونا اخرى في كانون الاول ٢٠٠٢. فسال لعاب المعارضة الى هذه الملايين الطائلة وتنافسوا على الحصول عليها. وقد جرت تحالفات باسماء مختلفة وبمقاييس مختلفة في هذا السباق.
ما الذي كان يجمع بين مختلف هذه الاحزاب والكتل المعارضة؟ راينا ان الاحزاب والكتل كانت ذات اراء واهداف وطبائع شتى. فمنهم الملكيون ومنهم الاسلاميون ومنهم الاكراد ومنهم الشيعة ومنهم السنة ومنهم من يسمون انفسهم الشيوعيين واليساريين. فما الذي يجمع بين كل هذه الاتجاهات ليوحدها عدا الحصول على هذه الاموال الطائلة؟ في اعتقادي ليس ما يجمع هذه الاتجاهات غير امر واحد هو صدام حسين. فكلهم يريد ازاحة صدام. فما الذي يحدث بعد ازاحة صدام؟ لا يجمعهم شيء اخر. فكل فئة منهم تريد الابقاء على مركزها وعلى موارد رزقها من الولايات المتحدة. وكل كتلة منهم تريد الحصول على حصة الاسد من هذه الاموال. كانت كل كتلة منهم تزعم انها تقود الشعب العراقي ولها نفوذ وقوى في داخل العراق. ولكننا نعلم ان قيادة شعب لا تجري بالمراسلة بل على الحزب او المنظمة التي تريد قيادة شعب ان تكون في وسطه وتوجه نضاله اليومي وهذا ما لا يمكن تحقيقه من الخارج.
وعاد زعماء هذه الاحزاب والمنظمات على الاقل على الدبابات الاميركية الى العراق وتجولوا في العراق تحت حراسة الجيوش الاميركية. وظهر ان ما زعموه من نفوذهم على الشعب العراقي كان هباء وزيفا وان الشعب العراقي لم ير فيهم سوى عملاء للجيوش الاميركية. وهذا ما نراه من تفكك هذه الجماعات بمن فيهم الاكراد الذين مارسوا بعض الاستقلال في الحكم تحت الحراسة الاميركية لسنوات عديدة مع الحروب المتواصلة بين انصار الحزبين الكرديين الرئيسيين. ونرى ان السلطات الاميركية اخذت تتجاهلهم جميعا ولا تقيم لهم وزنا بعد ان حققت اهدافها في احتلال العراق واستعباده. (لدى تنقيح الكراس عينت الولايات المتحدة مجلسا استشاريا قوامه ٢٥ شخصا لم يستطع حتى بعد مرور اسبوعين الاتفاق على تعيين رئيس له)
اعلن جورج بوش ورهطه من باول وتشيني ورامسفلد وغيرهم انهم جاؤوا الى العراق لكي يحرروا الشعب العراقي من صدام ويعيدوا ثروات العراق من نفط وغيره الى الشعب العراقي. انهم جاؤوا لكي يقيموا نظام حكم ديمقراطي في العراق يكون نموذجا يحتذى في الشرق الاوسط. وأعلنوا انهم باقون في العراق الى حين تحقيق ذلك وليس يوما واحدا اكثر من ذلك.
قد ينجح الاميركيون في تنصيب حكومة كرزاي عراقي تمنح العراقيين بعض الحريات الديمقراطية مثل حرية الصحافة وحرية التنظيم الحزبي وما يرافقها من الحريات التي تسمى زيفا بالديمقراطية. وفعلا قرأنا في الصحف عن نشوء احزاب عراقية كما ينشأ الكمأ في الصحراء. فقد بلغ عدد الاحزاب العراقية ٧٢ حزبا والعدد في ازدياد. وسمعنا عن صدور جريدة في كركوك لاول مرة منذ ٤٠ عاما, ونسمع عن انعقاد مؤتمرات تعقد تحت قيادة اميركية للتسريع في تشكيل حكومة مؤقتة تعمل تحت ادارة اميركية. ولكن قرار مجلس الامن الاخير بدد جميع هذه الاقاويل ومنح الولايات المتحدة حق استعمار العراق استعمارا مباشرا. وهو قرار يحدث لاول مرة في تاريخ الامم المتحدة. فقد جرت كل او اغلب حروب الولايات المتحدة تحت لواء الامم المتحدة الا ان هذه المنظمة العالمية ومجلس امنها لم يمنح اية دولة حق الاستعمار المباشر قبل هذا. في الواقع اشعر ان الولايات المتحدة قد انتقمت من مجلس الامن على رفضه تخويلها بالحرب على العراق فأجبرته على اصدار قرار انحط بمجلس الامن والامم المتحدة الى مستوى عصبة الامم او دونه باجباره على اتخاذ اول قرار منح حق الاستعمار المباشر منذ نشوء هيئة الامم الى يومنا هذا. وهذه سابقة خطرة تهدد باعادة الاستعمار المباشر الى مستوى ما بعد الحرب العالمية الاولى.
كذلك نسمع بعض الصرخات التي تندد بالاحتلال الاميركي البريطاني وعن المطالبة بحكومة ينتخبها الشعب العراقي بدون تدخل اجنبي . وسنسمع المزيد من هذه الاحاديث في المستقبل ايضا. ونرى على شاشة التلفزة مظاهرات جماهيرية ترفع شعارات ضد الولايات المتحدة وتطالبها بتحقيق بعض المطاليب الشعبية كتوفير الغذاء وفرص العمل ودفع الرواتب أو توفير الماء والكهرباء والامن وغير ذلك تارة وتطالبها بالخروج من العراق ومنح العراق استقلاله تارة اخرى. ولكن بريمر الحاكم الاميركي المطلق للعراق قرر حل الجيش العراقي ووزارة الاعلام وبذلك جعل العراق بلا دولة بلا جيش ولا سلاح ولا وسيلة للدفاع عن نفسه، وبدلا من نزع اسلحة الدمار الشامل غير الموجودة في العراق تقوم الولايات المتحدة حاليا بنزع كافة انواع الاسلحة بما فيها المسدس والبندقية وتقتحم البيوت بحثا عن الاسلحة وتعرض العوائل بمن فيهم النساء لاسوأ انواع الاهانة والاذلال بحجة البحث عن هذه الاسلحة.
جاءت الحرب على العراق بعد ان روج الاميركيون والبريطانيون مسألة اسلحة الدمار الشامل الموجودة في العراق وهم يعلمون حق العلم بعدم وجودها لانهم هم انفسهم الذين دمروها سواء في حرب الخليج او بعدها بواسطة لجان التفتيش او بواسطة الغارات التي كانت طائراتهم تشنها يوما بعد يوم طوال فترة الحصار. والحديث عن نزع اسلحة الدمار الشامل واسقاط الحكومات لمجرد انها تطمح في الحصول على مثل هذه الاسلحة والولايات المتحدة على راس الدول المسوقة لها يذكرني بالطبيب الذي ينصح مريضه بالتخلي عن التدخين وفي فمه سيجار. فاذا كان هم الولايات المتحدة نزع اسلحة الدمار الشامل فلماذا لا تبدأ بنزعها هي وهذا لا يتطلب منها اعلان الحرب على اية دولة؟ من المعروف ان الولايات المتحدة هي اكبر الدول المالكة والمنتجة لشتى انواع اسلحة الدمار الشامل. ومن المعروف ان الولايات المتحدة هي اكثر الدول استخداما لاسلحة الدمار الشامل في جميع حروبها. فهي الدولة الوحيدة لحد الان التي استخدمت القنابل الذرية في هيروشيما وناكازاكي فابادت مدينتين امنتين. وهي التي استخدمت اسلحة الدمار الشامل في كوريا والفيتنام وكوسوفو والعراق ويوغوسلافيا وافغانستان وغيرها من البلدان التي استعمرتها. وهي التي اعلنت بالامس عن تجربتها لخمسين نوع من الاسلحة الكيماوية والبيولوجية فهل اختار الله الولايات المتحدة لنزع اسلحة الدمار الشامل في العالم كله باسلحة دمار شامل افظع فتكا واشد تدميرا من كل الاسلحة المتوفرة في العالم؟
في مسار البحث عن اسلحة الدمار الشامل التي يعرفون حق العلم انها غير موجودة اخذت الجيوش الاميركية والبريطانية وعملاؤها في اكتشاف مقابر جماعية. فكل يوم او يومين يكتشفون مقبرة جماعية جديدة. وفجأة اصبحت المقابر الجماعية قميص عثمان يتخذها كل مدافع عن غزو الولايات المتحدة للعراق للرد على من تخوله نفسه اعتبار الغزو احتلالا لا تحريرا. فما هو واقع المقابر الجماعية؟
من المعروف ان المقابر الجماعية ظاهرة ملازمة للقتل الجماعي. فالقتلة الجماعيون لا يشغلون انفسهم بتشييع ودفن قتلاهم وفقا للاصول المتبعة في دفن الموتى ووضع نصب على قبر كل واحد منهم وكتابة تاريخ قتله واسم قاتله. لقد شاهد التاريخ مقابر النازيين الجماعية وغيرها من المقابر الجماعية في حروب الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية كثيرة يجري السكوت عنها في اوساط الاعلام العالمية. ومن المعروف ايضا ان صدام حسين كان من افظع القتلة الجماعيين فما هو الغريب في اكتشاف المقابر الجماعية؟ هل ظن احد ان صدام حسين قتل الناس ولم يدفنهم في مقابر جماعية؟ ان موضوع المقابر الجماعية هو موضوع اعلامي يراد به التغطية على استعمار العراق والجرائم المرتكبة في حق الشعب العراقي المستعمر. والواقع يجب علينا ان نحترم صدام حسين بسبب دفن القتلى في مقابر جماعية اذ انه لم يترك قتلاه لكي تأكل لحمهم الكلاب. ومن المعرووف ان جيوش الولايات المتحدة وبريطانيا قتلت عشرات الالوف من الجيش العراقي الذي القى سلاحه وحاول العودة من الكويت الى العراق. ولكن الجيوش الاميركية لم تتكرم على قتلاها حتى بدفنهم في مقابر جماعية. فمن هو الاقسى؟ اهو صدام الذي دفن قتلاه في مقابر جماعية ام الاميركيون الذين لم يدفنوا قتلاهم في مقابر جماعية؟ وهل حرصت الولايات المتحدة على دفن نصف المليون او المليون من ضحاياها في الانقلاب الذي دبرته في اندونيسيا سنة ١٩٦٥ دفنا فرديا ام اكتفت بتقديم قوائم الاشخاص الذين ينبغي قتلهم الى حكومة سوهارتو لتنفيذ دلك؟
ثم ان اكثر المقابر الجماعية كانت لقتلى انتفاضة الشعب العراقي في جنوب العراق تلبية لنداء بوش الاول الذي دعا الشعب العراقي الى الانتفاض على صدام واسقاطه. وحين ثار الشعب على صدام وقفت الولايات المتحدة الى جانب صدام في ابادة الثوار العراقيين. جاء في كتاب جون بيلغر "حكام العالم الجدد" ما يلي: "اخبرني سعيد ابو ريش ان المعارضة وجدت نفسها تجابه الولايات المتحدة تساعد صدام حسين ضدها. ان الاميركيين منعوا الثوار في الواقع من الوصول الى مخازن الاسلحة. وحرموهم من الحماية ومنحوا حرس صدام حسين الجمهوري ممرا امنا عبر الخطوط الاميركية لكي يفسحوا لهم مجال مهاجمة الثوار. انهم قاموا بكل شيء عدا الانضمام الى صفوفه في القتال؟ (بيلغر, حكام العالم الجدد, ص ٨٢)
وفي كتاب "صدام حسين استحواذ اميركي" لاندرو وباتريك كوكبرن حاءت العبارة التالية في وصف كرب احد قادة الثورة، برتبة عميد، الذي كان يراقب الطائرات العمودية الاميركية تحوم فوق الرؤوس حين كان طيارو المروحيات الحكومية العراقية يصبون النفط على صفوف اللاجئين الهاربين ويشعلون النار فيهم قائلا :"لقد رأيت بام عيني الطائرات الاميركية تحوم فوق المروحيات. كنا نتوقع منهم مساعدتنا؛ والان استطعنا ان نراهم يشاهدون محنتنا ... كانوا يلتقطون الصور وكانوا على اتم علم بما يجري" (جون بيلغر، حكام العالم الجددـ ص ٨٢)
فالجيوش الاميركية شريك ومساهم في خلق المقابر الجماعية التي تثير الدنيا ولا تقعدها حولها.
هل جاءت الولايات المتحدة الى العراق لتحريره وانشاء نظام حكم ديمقراطي عراقي والخروج منه كما ادعى بوش؟ بالطبع لا. فالولايات المتحدة لم تترك بلدا احتلته عسكريا منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الان، فجيوشها ما زالت معسكرة في المانيا واليابان وحتى البلدان الحليفة لها في الحرب. وها هي جيوشها تحتل افغانستان الى امد غير معروف وكذلك تحتل الدول الصديقة مثل باكستان واوزبكستان وقرغيزستان. والجيوش الاميركية ما زالت تحتل جميع دول الخليج منذ حرب الخليج الثانية وحتى الان. فلماذا نعتقد ان الولايات المتحدة تريد ان تترك العراق بعد ان احتلته بالحرب؟ ان الولايات المتحدة جاءت الى العراق لتحتله الى الابد اذا لم ينجح الشعب العراقي في طردها منه. ولكن الولايات المتحدة جعلت من احتلال العراق نموذجا جديدا لم يسبق له مثيل بعد الحرب العالمية الثانية اذ جعلته مستعمرة مباشرة كاملة ودمرت كل شكل من اشكال الاستقلال العراقي. ان احتلال العراق هو جزء من خارطة طريق الولايات المتحدة الاميركية الذي يهدف الى عولمة الراسمال الاميركي واكمال استعمار واستعباد العالم كله.
تتحدث الولايات عن هدفها البعيد في تشكيل حكومة منتخبة تمثل الشعب العراقي. والحديث عن حكومة تمثل الشعب العراقي هو كالحديث عن حكومة تمثل الشعب الاميركي والشعب البريطاني والشعب الاسرائيلي والشعب الفلسطيني والشعب الياباني والكوري والصيني والروسي وجميع شعوب العالم. في جميع هذه البلدان يجري الحديث عن حكومات تمثل شعوبها. فهل توجد فعلا حكومات تمثل شعوبها؟ لكي نبحث هذا الموضوع علينا ان نجد قبل كل شيء تعريفا لكلمة شعب في كل هذه البلدان لكي نرى ان كانت حكوماتها تمثل هذه الشعوب ام لا. فكلمة شعب ليست كلمة مطلقة تنطبق على كافة العصور ومختلف الظروف. كلمة الشعب تتطور بتطور المجتمع وبتغير انظمته الحاكمة. وعليه يجب تعريف الشعب في كل مرحلة من مراحل التطور الاجتماعي. لناخذ تعريف الشعب العراقي كمثال لان موضوعنا الاساسي هو بحث اوضاع العراق بعد القضاء على نظام صدام حسين واحتلال الجيوش الاميركية والبريطانية له.
من هو الشعب العراقي؟
قد يبدو لاول وهلة ان كل مواطن عراقي، ولد في العراق وعاش فيه، هو من الشعب العراقي. ولكن هذه النظرة خاطئة. فثمة مواطنون عراقيون يحملون الجنسية العراقية لا تشملهم عبارة الشعب العراقي. ففي فترة الحكم شبه الاقطاعي شبه الاستعماري، منذ تأسيس الدولة العراقية بعد ثورة العشرين، كان الحكام العراقيون والشيوخ الاقطاعيون والراسماليون المرتبطون مع الاستعمار اعداء للشعب العراقي. لذلك لم يكونوا من الشعب العراقي رغم كونهم عراقيي الجنسية. كانت هذه الفئة الحاكمة تستغل الشعب العراقي لمصلحة هذه الطبقة الحاكمة والاستعمار. في هذه الفترة كان تعريف الشعب العراقي يشمل العمال والفلاحين بكافة مراتبهم الفقيرة والمتوسطة وبرجوازية الريف ويشمل الحرفيين والمراتب المتوسطة والمثقفين وفئات من البرجوازية العراقية الناشئة، البرجوازية الوطنية، اذ هي تعاني من مضايقات الراسمال الاجنبي والقيود الاقطاعية في تطوير راسمالها. فالبرجوازية الوطنية، رغم انها تستغل العمال، شأنها شأن اية برجوازية اخرى، كانت جزءا من الشعب العراقي لان من مصلحتها تحرير الشعب العراقي من الاقطاع والاستعمار ما من شأنه ان يفسح المجال امامها للتطور السريع غير المقيد بالقيود التي يفرضها الاستعمار والاقطاع على تطورها.
انتهى هذا الوضع في ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ حين قاد الضباط الاحرار انقلابا عسكريا جاء بالبرجوازية الوطنية الى الحكم. هذه الحقيقة وحدها، حقيقة ان الطبقة الحاكمة العراقية القديمة سقطت واحتلت الطبقة البرجوازية العراقية نظام الحكم في العراق، هي الظاهرة الوحيدة التي ميزت هذا الانقلاب العسكري عن سائر الانقلابات العسكرية السابقة والانقلابات العسكرية اللاحقة، وجعلت من الانقلاب العسكري ثورة. في ١٤ تموز تغير التركيب الطبقي للشعب العراقي. فالبرجوازية الوطنية اصبحت منذ ذلك اليوم طبقة حاكمة تمارس دكتاتوريتها لضمان الديمقراطية للبرجوازية المحلية. وأصبح من واجب هذه الطبقة الحاكمة ليس صيانة مصالحها في استغلال الشعب العراقي وحسب بل والمحافظة على بقايا المصالح القديمة، بقايا الاقتصاد الاقطاعي وبقايا المصالح الاستعمارية. وقد كان ذلك واضحا في قانون الاصلاح الزراعي الذي حافظ في الواقع على الكثير من المصالح الاقطاعية. وبينما كانت الحركة العمالية التي تريد التخلص من الاستغلال بجميع اشكاله حليفا ممكنا للبرجوازية في فترة الثورة البرجوازية اصبحت هذه الحركة القوة الاساسية التي تناضل ضد استغلال الطبقة الحاكمة الجديدة. لذا فان تعريف الشعب العراقي بعد ثورة ١٤ تموز لا يشمل هذه الطبقة الحاكمة الجديدة. ان تعريف الشعب العراقي في هذه الفترة يشمل العمال وفقراء الفلاحين بالدرجة الرئيسية. ويكون وضع المراتب المتوسطة في الريف وفي المدينة وضعا قلقا. فالمراتب المتوسطة من الفلاحين تتذبذب بين برجوازية الريف وبين فقراء الريف. ولا ينتمي الى الشعب العراقي في هذا الحال الا متوسطو الفلاحين الذين يربطون مصيرهم بمصير الطبقة العاملة وفقراء الفلاحين. ويحل الوضع ذاته لدى المراتب المتوسطة في المدينة. فالكثير من كبار الموظفين والصحفيين والقضاة والاساتذة يربطون مصيرهم بمصير البرجوازية الحاكمة وهم لا ينتمون الى الشعب العراقي في هذه المرحلة من مراحل التطور في العراق. والكثير من المراتب المتوسطة من حرفيين ومدرسين ومثقفين واغلبية طلاب الجامعات والمدارس الثانوية يشعرون بالظلم والاستغلال ويربطون مصائرهم بمصير الطبقة العاملة. هؤلاء ينتمون ويشكلون جزءا من الشعب العراقي. وقد رأينا كيف كان مصير الاصلاح الزراعي والجمعيات الفلاحية بعد ثورة تموز وكيف كان مصير اتحاد نقابات العمال في هذه الفترة التي هي افضل فترة سياسية في تاريخ العراق من وجهة نظر الديمقراطية البرجوازية. وقد رأينا كيف ان السجناء السياسيين في فترة ١٩٥٨/١٩٦٣ كانوا اضعاف ما كانوا عليه في فترة الحكم السابق. وتفسير ذلك هو ان البرجوازية الحاكمة بعد ١٤ تموز اصبحت تخاف الطبقة العاملة التي تناضل من اجل تحررها من الاستغلال البرجوازي اضعاف ما كانت الطبقة الحاكمة القديمة تخاف منها في فترة الحكم الملكي.
لماذا يجب التاكيد على تعريف الشعب العراقي مما قد يراه البعض بحثا اكاديميا ليس له اهمية في التطبيق العملي وفي تنظيم حياة الشعب اليومية والمصيرية؟ ان تعريف الشعب العراقي في غاية الاهمية لانه يحدد نوعية التحالفات الممكنة وغير الممكنة في الحياة السياسية وفي مسيرة نضال الشعب العراقي من اجل تحرره وسعادته. فبينما كان بالامكان تحقيق جبهة وطنية في الاعداد للثورة البرجوازية قبل ثورة تموز اصبح من غير الممكن تحقيق مثل هذه الجبهة مع البرجوازية الحاكمة بعد ثورة تموز. فان الجبهة الوطنية قد انهت مهمتها يوم ثورة تموز كما عبر عن ذلك عميد البرجوازية العراقية محمد حديد. ولان توحيد الشعب العراقي في النضال لا يتحقق مع البرجوازية بل ضدها. بهذه الطريقة فقط يمكن توحيد الشعب العراقي. فالعراقي العربي يعتز بعروبته وبلغته وبتقاليده وتاريخه ولكنه فرد من الشعب العراقي. والكردي انسان يعتز بكرديته وبلغته وبتقاليده وتاريخه ولكنه فرد من الشعب العراقي وكذلك المسلم السني والمسلم الشيعي والمسيحي والتركماني واليزيدي والاثوري وغيرهم. هؤلاء هم الجمهور العراقي الذي يمكن توحيده في النضال من اجل تحرير الشعب العراقي. وكل وحدة للشعب العراقي تضم كل عراقي بصرف النظر عن كونه من الطبقة الحاكمة او الطبقة المحكومة هو خطل وهباء. ولا يشكل ذلك سوى وحدة المستغلين والواقعين تحت الاستغلال لمصلحة الطبقة الحاكمة وحدها. ويكفي ان نذكر ما سمي بالجبهة الوطنية القومية التقدمية بين احزاب ادعت بانها تمثل الشعب العراقي وبين حكومة صدام حسين الفاشية كاروع مثال على مثل هذه الجبهات التي تعقد مع مستغلي الشعب. وكان مصير تلك الجبهة المصير المحتم لمثل هذه الجبهات.
وقد رأينا كيف ان ما يدعى بالوحدة العربية والجامعة العربية تخبطت طوال العقود من تاريخها بدون ان تتوصل الى راي موحد او موقف موحد حتى في القضية الكبرى، القضية الفلسطينية. فالجامعة العربية تمثل الطبقات الحاكمة العربية على اختلاف تراكيبها وتنوع مصالحها. وهي لا تمثل ولا يمكن ان تمثل شعوب البلدان العربية لانها ليست جزءا من هذه الشعوب. واذا امكن يوما ان تتحقق وحدة عربية فهي لا تتحقق الا بعد ان تأخذ الشعوب العربية مصيرها بايديها.
اتخذت الشعب العراقي مثالا لتعريف الشعوب عموما لان بحثي هذا جاء نتاجا لغزو العراق واحتلاله من قبل الجيوش الاميركية والبريطانية. ولكن هذا التعريف ينطبق عموما على جميع شعوب العالم التي اجتازت مرحلة الثورة البرجوازية مع بعض الفوارق التي قد يتصف بها شعب عن شعب اخر. فالشعب الاميركي لا يمكن ان يشمل الراسمالية الاميركية التي تستغل العمال والكادحين الاميركيين قبل ان تستغل شعوب العالم اجمع. ولا يمكن اعتبار الراسماليين الاميركيين والزنوج الاميركيين شعبا واحدا. بمثل هذا التعريف فقط يمكن التحدث عن شعب اميركي يضم العامل الابيض والاسود، العامل المسيحي واليهودي والمسلم وغير ذلك.
ولا يختلف هذا التعريف لدى بحث الشعب الهندي والالماني والارجنتيني والجنوب افريقي والكوري والصيني والروسي والفرنسي والاسرائيلي والمصري والكونغولي.
وبما ان اساس هذا البحث هو مصير العراق بعد صدام حسين علينا ان نرى ان كان احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا قد احدث تغييرا في تكوين الشعب العراقي. ان الرجوازية العراقية تبقى رغم هذا الاحتلال عدوة الشعب العراقي والطبقة التي تستغله. ولكن احتلال العراق ومحاولة استعباده يؤدي حتما الى اتساع النطاق البشري الذي تشمله عبارة الشعب العراقي. فان الكثير من المراتب المتوسطة تشعر بفداحة السيطرة الاجنبية على البلاد ولذلك يدفعها شعورها الوطني الى الانحياز الى قوى الشعب العراقي رغم ان مصالحها الاقتصادية الانية قد تكون اكثر ميلا الى الارتباط بالمصالح البرجوازية. وحتى افراد من الطبقة البرجوازية قد ينحازون الى جانب الشعب ويعادون الاستعمار رغم كونهم ينتمون الى طبقة مستغلة اقتصاديا للشعب العراقي. ان التعريف السابق ما زال صحيحا ولكن نطاقه اصبح اكثر اتساعا عما كان لو لم تسيطر القوى الاجنبية على العراق سياسيا واقتصاديا وعسكريا.
عراق تسيطر عليه الولايات المتحدة وبريطانيا
قبل غزو العراق بسنوات كانت الاستعدادات تجري لاحتلال العراق. وقد تضمن ذلك استعدادات اعلامية كانت احدى صورها خلق جماعات عراقية تدعو وتثقف بضرورة هذا الاحتلال وتدريب جماعات اخرى للاشتراك في عملية الغزو. وقد نجحت الولايات المتحدة في خلق مثل هذه الجماعات بطريقتها المألوفة، طريقة بذل الاموال الطائلة لتحقيق هدفها. وقد انتمت الى هذه الجماعات اغلب احزاب ومنظمات المعارضة العراقية الموجودة خارج العراق. ودأبت هذه الجماعات على بث الدعاية للوعود الاميركية في تحرير العراق من صدام وتحقيق الديمرقراطية في العراق ثم مغادرة العراق وتسليم ثرواته النفطية وغيرها الى الشعب العراقي. وقامت هذه الاحزاب والمنظمات المتآلفة بعقد المؤتمرات بقيادة او تحت اشراف الولايات المتحدة لوضع البرامج للعراق المحرر من حكم صدام وانتخبوا اللجان المختلفة التي تشكل اساسا للحكومة العراقية المؤقتة التي تجري انتخابات لمجلس تأسيسي يضع دستورا يعرض على الشعب العراقي للاستفتاء واجراء انتخابات حرة لحكومة ديمقراطية دستورية فدرالية الخ. كان واضحا لكل انسان ذي نظر بعيد ان كل هذه الوعود والمؤتمرات والوثائق ليست سوى وسائل اعلامية لخدع الشعب العراقي وشعوب العالم حول حقيقة ما تريد الولايات المتحدة تحقيقه في العراق. فلم يكن ما يجمع احزاب المعارضة سوى معارضتها لصدام وولائها للولايات المتحدة التي تغدق عليها بنعمها.
لم يكن قرار احتلال العراق نتيجة لاحداث سبتمبر كما لم يكن احتلال افغانستان نتيجة لذلك. ولم تكن الحرب العالمية الثالثة هي الاخرى نتيجة لاحداث سبتمبر. فالحرب العالمية الثالثة هي نتيجة حتمية لخارطة طريق الولايات المتحدة التي تهدف الى استعمار العالم كله وعولمة الراسمال الاميركي. وما احداث سبتمبر سوى الحجة التي منحت الولايات المتحدة فرصة اعلان الحرب العالمية الثالثة دونما معارضة . واحتلال افغانستان والعراق وما سيتبع ذلك حلقات في خارطة طريق الولايات المتحدة مقررة سلفا ووفق خطط دقيقة على كل ادارات الولايات المتحدة الاميركية ان تنفذها مهما كانت طبيعتها وايا كان رئيسها.
وتحققت هذه الحلقة من حلقات خارطة طريق الولايات المتحدة باحتلال العراق بعد تدميره تدميرا كاملا. وتم تدمير ما لم تدمره القنابل الاميركية بواسطة اعمال النهب والسلب التي تلت الاحتلال تحت سمع وبصر الجيوش المحتلة. فالتدمير غاية في حد ذاته واعادة الاعمار هدف يتوخى تحقيق الازدهار للاقتصاد الاميركي الذي يعاني من ازمته الخانقة شأنه في ذلك شأن القنابل التدميرية المستخمة في عملية التدمير. واصبحت وعود الولايات المتحدة للمعارضة واللجان التي وضعتها احزاب المعارضة تحت رعاية الولايات المتحدة خبرا بعد عين. وما حققته جيوش الاحتلال بعيد كل البعد عن الوعود البراقة التي ازجلتها الولايات المتحدة قبل الغزو.
اهم ما حققته الولايات المتحدة بعد الاحتلال هو اجبار مجلس الامن على منحه العراق هدية للولايات المتحدة كأول مستعمرة مباشرة في تأريخ الامم المتحدة منذ نشوئها بعد الحرب العالمية الثانية. فأصبحت الولايات المتحدة بموجب الشرعية الدولية واجماع المجتمع الدولي مستعمرة اميركية. وهذا يعني ان الولايات المتحدة هي الحاكم المطلق في العراق. وهذا الحكم المطلق يتطلب عدم وجود دولة عراقية او جيش عراقي او شرطة عراقية او جهاز قضائي عراقي او حكومة عراقية. فكل ذلك هو من اختصاص الولايات المتحدة وحدها. ولذلك قام بريمر بحل الجيش العراقي والشرطة العراقية ووزارة الاعلام العراقية. وبذلك اصبح الميدان واسعا امام الولايات المتحدة لتاسيس مؤسساتها الخاصة التي تعوض عن كل ذلك. وقد اعترف بريمر بخطأ حله للجيش العراقي ولكن لا لكي يحقق تصحيح الخطأ واعادة الجيش العراقي انما لكي يقوم بالخطوات التالية التي تحتمها سياسة فرض الاستعمار المباشر على العراق بصورة تامة. ويجري الحديث عن تأسيس جيش عراقي قوامه كذا الف جندي وشرطة عراقية جديدة ومجلس استشاري ولجنة تقوم بوضع الدستور العراقي وغير ذلك. فاي جيش عراقي تستطيع الولايات المتحدة انشاءه؟ ان الولايات المتحدة هي التي تختار ضباط هذا الجيش وهي التي تختار الجنود المنتمين اليه وهي التي تدفع رواتب هذا الجيش ورواتب الادارة الاميركية في العراق ولو من اموال عراقية وهي التي تقود هذا الجيش وهذه الادارة. فماذا يمكن ان يكون هذا الجيش غير جيش مرتزقة اميركي ينفذ طوعا السياسة الامبريالية المقررة في العراق؟ وليس بعيدا عنا مثلا الجيش الهندي في فترة استعمار الهند المباشر من قبل الامبراطورية البريطانية الذي كان يحارب تحت القيادة البريطانية لا في الهند وحدها بل في ارجاء الامبراطورية البريطانية. ان اي جيش تؤسسه الولايات المتحدة لا يمكن ان يكون الا جيشا شبيها بالجيش الهندي تحت الحكم البريطاني. والامر شبيه ذلك في الشرطة وحتى في لجنة وضع الدستور التي تعينها الادارة الاميركية لوضع دستور عراقي.
وما نسمعه ونقراه عن مؤسسات عراقية ومؤتمرات ومطالبة الولايات المتحدة بالسماح للعراقيين بتاسيس حكومة مؤقتة تضع دستورا عراقيا جديدا وتجري انتخابات حرة تنشأ عنها حكومة عراقية ديمقراطية تمهد الطريق لمغادرة الجيوش الاجنبية من العراق يشمل نوعين من وسائل الاعلام. نوع صادر عن عملاء يتقاضون رواتبهم من الولايات المتحدة ونوع اخر هو احلام طوباوية يحلم بها بعض ذوي النوايا الطيبة ويتصورون بانهم يستطيعون ان يحققوا شيئا من هذه الاحلام في ظل الاستعمار الاميركي بالاستقلال عنه. ان الولايات المتحدة جاءت الى العراق لتبقى الى الابد ما لم ترغم على الخروج. وكل ما يجري في العراق اليوم يسير في اتجاه تثبيت هذا الاستعمار. لذا نرى ان بريمر يريد حكومة عراقية ديمقراطية على ان لا تكون شيوعية ولا اسلامية ولا شيعية الخ... وكل انسان يعرف معنى كلمة شيوعية في قاموس الولايات المتحدة الاميركية منذ الاربعينيات من القرن الماضي حين كانوا يتهمون كل انسان بالشيوعية في عهد ما يدعى بالمكارثية حتى لو ان احد اقربائه ابدى ميلا للشيوعية قبل عشرين عاما. وكانت الولايات المتحدة في فترة ما يدعى بالحرب الباردة تعتبر الاتحاد السوفييتي شيوعيا رغم علمها بان قادة الاتحاد السوفييتي تخلوا عن الشيوعية منذ يوم وفاة ستالين وتحولوا الى عملاء لها في قيادة الاتحاد السوفييتي نحو العودة الى الراسمالية. فكل من يقاوم الاحتلال وكل من يدعو الى الاستقلال هو شيوعي او ارهابي. وليس ما يبدو من مظاهر ديمقراطية شكلية في العراق اليوم من حرية نشر الصحف واقامة الاحزاب سوى مظاهر كاذبة يمكن القضاء عليها في اول لحظة يبدو انها تشكل خطرا على سلطة الاحتلال الاميركية.
في مقال نشرته جريدة الانديبندنت البريطانية بتاريخ ١١ حزيران (يونيو) ٢٠٠٣ تحت عنوان "الرقابة على الصحافة : قصة مألوفة للعراقيين" اشارت الصحيفة الى ان السلطة الاميركية في العراق قررت فرض الرقابة على الصحافة العراقية جاء فيه كمثال من الامثلة العديدة التي اوردها المقال على ضرورة فرض الرقابة على الصحف بالنسبة للسلطة الاميركية في العراق:
"أين هو طارق عزيز نائب رئيس الوزراء السابق؟ يقول الاميركيون انه لديهم. لكننا لا نعلم اين هو. ما الذي يجري سؤاله عنه؟ هل عن اسلحة صدام حسين للدمار الشامل؟ ام وهذا ما اتوقعه- (كاتب المقال) كم هو يعلم عن علاقات اميركا الوثيقة مع صدام بعد ١٩٧٨؟ في الواقع ان طارق عزيز يعلم الكثير جدا عن ذلك التحالف المشين، وعلى اية حال كان قد قابل دونالد رامسفيلد عدة مرات. شيء واحد هو مؤكد. لن تكون ثمة محاكمة لطارق عزيز. فان ابقاءه صامتا هو الافضلية الاولى. الا ان هذا الامر ليس شيئا ينبغي للعراقيين ان يعلموه. والرقابة هي القصة."
هذا هو رأي جريدة الاينديبندنت وهو يشير الى ان ما يدعى حرية الصحافة هو امر شكلي لا وجود له الا اذا كان في مصلحة المحتلين او اذا لم يكن لهذه الصحافة اي تاثير سلبي على الخطط الاستمعمارية.
فما هو مصير العراق بعد صدام والاستعمار المباشر؟
ان الوضع الذي يسود العراق الان قد يمكن تشبيهه بظروف ما قبل ثورة العشرين تحت حكم المستعمرين البريطانيين. ولكنه في الواقع يختلف عنه اختلافا جوهريا. ففي ١٩١٨ تحول العراق من مستعمرة للدولة العثمانية الى مستعمرة بريطانية. وكان العراق انذاك قطرا متأخرا من حيث التطور الاقتصادي. لم تكن للعراق انذاك دولة او جيش او حكومة عراقية او شرطة او نظام قضائي عراقي. ولم تكن للعراق انذاك مؤسسات ثقافية او اجتماعية واسعة النطاق كل هذا جعل في الامكان استعمار العراق استعمارا مباشرا لبريطانيا. ولكن ثورة العشرين احبطت هذا الاستعمار المباشر ونتجت عن قيام حكم شبه اقطاعي شبه استعماري كان حكامه يمثلون الاستعمار البريطاني والاقطاعيين ويتحكم فيه الاستعمار البريطاني عن طريق المعاهدة والقواعد العسكرية والعملاء الذين كانوا يحكمون العراق تحت اشراف المستشارين والخبراء البريطانيين وطبقا لاوامرهم. اي ان الاستعمار المباشر تحول الى استعمار غير مباشر.
ولكن وضع العراق يختلف الان عما كان عليه قبل ثورة العشرين. فالعراق اليوم قد مر في مراحل تطور اقتصادي واجتماعي واسعة النطاق واصبح دولة من الدول المؤسسة لهيئة الامم المتحدة. وفي ١٩٥٨ اجتاز العراق مرحلة الحكم شبه الاقطاعي الى حكم برجوازي اصبحت فيه الطبقة البرجوازية العراقية هي الطبقة الحاكمة. اصبح للعراق الان دولة وحكومة وجيش وشرطة وهيئة قضائية لذلك فان ما كان يصح في ثورة العشرين لا يصح على الوضع العراقي اليوم. ولكن الاستعمار يستلزم تخلف البلد الى مستوى ١٩١٨ لكي تستطيع الدولة المستعمرة ان تنشئ مؤسساتها بدلا من المؤسسات القائمة. وهذا ما يحتم على بريمر حل المؤسسات كلها وجعل العراق بلدا بلا دولة ولا جيش ولا حكومة ولا سلاح ولا تمثيل دبلوماسي دولي في العالم ولا جهاز قضائي لكي يقيم في البلد مؤسسات تكون الولايات المتحدة هي المؤسسة لها والمسيطرة عليها وهي التي تسيطر على العراق سيطرة امبريالية كاملة. وطبيعة مقاومة الاستعمار وطرده هي الاخرى تختلف جوهريا عما كانت عليه في ثورة العشرين. ولكن المقاومة الشعبية هي الوسيلة الوحيدة لتحقيق استقلال العراق والتحرر من الاستعمار الاميركي المباشر.
رغم انتهاء الحرب واكتمال السيطرة الاستعمارية الكاملة عسكريا على العراق نرى وجود مقاومة مسلحة ومناوشات ضد جيوش الاحتلال الاميركية البريطانية ازعجت جيوش الاحتلال وارغمتها على دعوة كافة دول العالم بما فيها الدول العربية الى ارسال جيوشها لمساعدتها على تثبيت الاحتلال. واستخدام جيوش الدول الاخرى كمرتزقة للولايات المتحدة ليس جديدا سواء أكان تحت لواء الامم المتحدة ام لا. فالجيش الاميركي يشن حاليا حربا عالمية ثالثة تهدف الى اتمام الاستيلاء على العالم كله ولهذا الغرض يحتاج الى جيوش اخرى تمكنه من تحرير بعض قواته للتفرغ لتحقيق المهام الاخرى واحتلال دول محور الشر التي تقررها الولايات المتحدة حسب اولوياتها العسكرية والسياسية.
والاحزاب التي نشأت بالعشرات في العراق في عهد الاحتلال احزاب صغيرة ناشئة تحتاج الى كسب التأييد الشعبي لبرامجها ودعاياتها واكثرها يحتاج الى بعض التمويل من مصادر قد تكون مشبوهة. ولكن هذه الاحزاب كلها موجودة في ظل الاحتلال. والسلطات المحتلة تستطيع التخلص منها فور الشعور بوجود خطر على الاحتلال منها. وهي كلها احزاب فئوية تحاول ان تمثل جماعة بعينها. والكثير من هذه الاحزاب تقودها جماعات كانت لها علاقة ومازالت مع المحتل الاميركي بشكل من الاشكال. لذا فمن الصعب ان نتصور ايا من هذه الاحزاب كقوة قادرة على طرد المستعمرين خصوصا وان الذين جاؤوا على دبابات اميركية الى العراق لا يستطيعون ان يقاوموا الاحتلال ويحققوا الاستقلال. فانهم مجرد عملاء يأتمرون بأوامر من يغدق عليهم المال. وهذا ما نشاهده في القنوات التلفزيونية المختلفة من اناس يحاولون اقناع الشعب بضرورة بقاء الجيوش الاميركية واعطائها فرصة تحقيق ما جاءت لتحققه من ديمقراطية ونظام حكم عراقي غير دكتاتوري لكي تخرج من العراق ولا تبقى فيه يوما واحدا اكثر مما يلزم حسب ادعاء بوش. ان الاحزاب التي يقودها اشخاص من هؤلاء الذين ساعدوا ورحبوا بالولايات المتحدة وبغزوها للعراق ليسوا القوى التي تستطيع اخراج الجيوش الاجنبية من العراق واستعادة استقلاله. واذا وجدت في الاحزاب المعلنة الان في العراق احزاب تقودها عناصر نزيهة حقا تريد الخلاص من الاستعمار فان وجودها ليس الا وجودا مؤقتا اذ سرعان ما تقضي عليها السلطات الاميركية او تغوي قادتها باللحاق بركب العملاء والاذناب الموالين لها.
ونسمع عن هجمات مسلحة هنا وهناك ضد الجيوش الاميركية والبريطانية وقتل عدد من جنودها. وطبيعي ان الجيوش المحتلة على لسان بريمر وغيره تعزو هذه الهجمات اما الى اعوان صدام حسين او الى احدى دول الشر المجاورة التي تعد الولايات المتحدة العدة للهجوم عليها او اخضاعها واحتلالها "سلميا". فالولايات المتحدة وسياسيوها لا يمكن ان يفكروا ولا يريدون ان يفكروا بان الشعب العراقي لا يريدهم بعد ان "حرروه" من حكم صدام. فالشعب العراقي في عرفهم شعب حر الان يتمتع بحق الكلام والتظاهر وحق اصدار الصحف وتأسيس الاحزاب وليس شعبا يقع تحت الاستعمار يفتقر الى كل وسائل العيش الانسانية كالماء والكهرباء والعمل واكتساب الرزق. ولا يفكرون بان معاملة جيوش الاحتلال المذلة يمكن ان تسبب رد فعل لدى افراد الشعب العراقي رغم خلاصهم من حكم صدام. ولذلك فان مقاومي جيوش الاحتلال في عرفهم لا يمكن ان يكونوا من الشعب العراقي. وكثيرا ما نسمع في القنوات العربية اشخاصا يزعمون بان المهاجمين كلهم ليس فيهم عراقي واحد وانما كلهم مواطنون من دول مجاورة.
ليس من المستبعد ان يكون بعض من يقومون بمقاومة الاحتلال حاليا من مؤيدي صدام. ولكن المعاملة المذلة لجيوش الاحتلال للناس البسطاء وقتحام منازلهم وتفتيش نسائهم بصورة لا اخلاقية لا بد ان يثير غضب الانسان البسيط ويدفعه الى النقمة بهؤلاء المحتلين الاجلاف فيثور عليهم ويفعل ما يستطيع ان يفعله ضدهم. يبدو لي ان العديد من عمليات المقاومة التي يلاقيها المحتلون حاليا هي عمليات تلقائية فورية ناشئة كرد فعل لمعاملة جيش الاحتلال للعوائل العراقية. ومن المعروف تاريخيا ان الاعمال التلقائية العفوية ضد جيوش منظمة ومدربة تؤدي دائما الى المزيد من الضحايا ولكنها لا تؤدي الى نتائج ايجابية واسعة. قد تؤدي هذه الاعمال الى ازعاج الجيوش المحتلة والى قتل بعض افرادها ولكنها ليست المقاومة التي من شأنها ان تؤدي الى التحرر من هذه الجيوش وتحقيق الاستقلال.
ما العمل اذن؟
اعتقد ان المقاومة يجب ان تكون مقاومة شعبية منظمة تنظيما دقيقا.
والمقاومة لا تعني دائما مقاومة مسلحة. فالمقاومة كالحرب لها اسلحة مختلفة يساند بعضها بعضا. فوسائل المقاومة كثيرة مثل الاضرابات والاعتصامات والدعاية ونشر الصحف وانشاء المنظمات المختلفة والاضراب العام والمقاطعة وغير ذلك. وتجري المقاومة بالاساليب المتوفرة والممكنة والمؤدية بالتالي الى المقاومة المسلحة والعمل على طرد الغزاة بالقوة.
وكلمة شعبية تعود بنا الى ما جاء اعلاه حول تعريف الشعب العراقي. ان المقاومة يجب ان تكون شعبية اي ان يكون افرادها افرادا من الشعب العراقي وان يبعد عنها كل عراقي ليس من افراد الشعب العراقي او حتى قريب من اعداء الشعب العراقي. ان عناصر المقاومة يجب ان تنشا من الشعب وان تضم اكثر عناصر الشعب اخلاصا وتفانيا في سبيل تحقيق اماني الشعب بالتحرر والاستقلال من المحتل الاجنبي ومن عملائه واعوانه. ان الشعب هو الذي يجب ان يختار قادته بعد اختبارهم في ساحات النضال المستميت الخطر ضد الاحتلال واعوانه.
والمقاومة الشعبية يجب ان تكون منظمة. وتنظيم المقاومة في ظل الاحتلال الاجنبي يجب ان تنجزه منظمة في منتهى السرية في تنظيمها. فالتنظيم العلني خاضع دائما للمراقبة والاعتقالات والقمع من قبل السلطات. وهذا ما يحتم ان تكون المظمة الجدية, المنظمة الشعبية، سرية. ان القول بان المنظمة يجب ان تكون سرية لا يعني انها سرية في نشاطها. ان منتهى السرية يجب ان يكون بصدد اعضائها وتنظيماتها الداخلية. ولكن نشاطها يكون علنيا ومعروفا لدى الشعب حق المعرفة. ان اعمالها يجب ان تكون جماهيرية واسعة النطاق وغير محدودة على افراد يمكن مهاجمتهم والقضاء عليهم او زجهم بالسجون. وفي سبيل مثل هذه الاعمال يمكن للمنظمة السرية ان توسع نشاطها في بعض المنظمات الشعبية العلنية كالنقابات ومنظمات الشبيبة والطلبة والنساء وحتى في بعض النقابات الحرفية كنقابات المهندسين والمحامين والاطباء وفي الجمعيات الفلاحية اذا وجدت. يجب ان تكون المنظمة غاية في السرية في تنظيماتها وغاية في العلنية في نشاطها.
قد يقول البعض ان التطور التكنولوجي وتطور وسائل القمع جعلت ممارسة اشكال النضال القديمة مستحيلة. وفي هذا شيء كبير من الصحة. ففي استطاعة الحكومات اليوم ان تتتبع مثل هذه الاعمال النضالية بوسائل اكثر تطورا. ولكن الثورة التكنولوجية ذاتها خلقت ظروفا جديدة يمكن استخدامها في النضالات الشعبية ايضا. في الظروف السرية في الثلاثينات والاربعينات مثلا كان الحزب السري يجد صعوبة كبرى في الحصول على مطبعة بسيطة يطبع بها وثائقه واليوم اصبح في كل بيت مطبعة. وفي السابق كان توزيع المناشير والجرائد الحزبية عملية خطرة كثيرا ما كان يجري القبض على منفذيها اثناء عملهم. واليوم اصبح بالامكان توزيع منشورات الحزب ووثائقه في ارجاء البلاد خلال دقائق. فعلى الحزب المناضل ان يجد طرقا حديثة للنضال تتفق والوسائل المتوفرة حاليا وتتحاشى الوسائل الحديثة للقمع المستخدمة من قبل السلطات الحاكمة. ولكن شيئا واحدا ثابت لا يمكن القضاء عليه هو الشعوب. فاذا صمم شعب على تحرير نفسه من الاستعمار او من الحكام الذين يستغلونه فانه يحقق ذلك ولا توجد قوة تستطيع ايقافه عن تحقيق ذلك رغم الصعوبات والتضحيات الجمة التي ترافق ذلك.
اية منظمة يمكن ان تكون منظمة كهذه؟ يجب ان تكون منظمة لا تجتذب اعضاءها وفقا لمعتقداتهم الدينية او اصلهم القومي او غير ذلك مما يؤدي الى فئوية المنظمة. بل يجب ان تكون منظمة تجتذب اعضاءها كأفراد من الشعب العراقي ولا يميزهم عن بعضهم سوى نشاطهم في خدمة الشعب العراقي واخلاصهم لمبدئهم في العمل على تحرير العراق من الجيوش المحتلة ومن عملائها وتحقيق عراق مستقل. منظمة كهذه يمكنها ان تضم العربي والكردي والتركماني والاثوري واليزيدي وان تضم المسلم الشيعي والسني لا بصفاتهم هذه وانما بصفتهم مناضلين مخلصين لقضية العراق وتحريره من الاستعمار.
فاية منظمة يمكن ان تكون مثل هذه المنظمة؟ هنا نعود الى التأريخ قليلا. ان التأريخ يثبت لنا ان منظمة كهذه لم تتألف في القرن العشرين الا اذا كانت منظمة تؤمن بالماركسية كمبدأ لها وكنظرية هادية لها في اختيار وسائل النضال المناسبة في الوقت المناسب حتى النهاية اللازمة والضرورية في الانتفاض على المستعمر وطرده وتحقيق الاستقلال.
قد يقول البعض ان الاحزاب المؤمنة بالماركسية والتي كان من المألوف تسميتها بالاحزاب الشيوعية قد فشلت في الاتحاد السوفييتي وفي العالم كله وهذا ما يثبت ان هذه النظرية غير قادرة على توجيه هذه الاحزاب الى الهدف المنشود. وهذا غير صحيح. فالتأريخ برهن على ان هذه الاحزاب افلحت حين كانت تهتدي بالنظرية الماركسية سواء بتحقيق الثورة في الاتحاد السوفييتي او في بناء الاشتراكية فيها او في الدفاع عنها ضد الغزاة النازيين. واثبتت ان الاحزاب التي تسير بهدى هذه النظرية تتطور وتتقدم تقدما هائلا وتنال ثقة ومحبة الشعوب وتنجب لها خيرة ابنائها ليلتحقوا فيها. والحزب الشيوعي العراقي مثال على ذلك. ففي فترة قصيرة من ١٩٣٨ وحتى ١٩٤٧ اصبح الحزب الشيوعي اقوى منظمة سياسية عرفها العراق حتى يومنا هذا. ولم يتسبب في تدهور هذا الحزب وانحطاطه الى درجة التعاون مع صدام فيما سمي بالجبهة الوطنية القومية التقدمية سوى تخليه عن النظرية الماركسية واللحاق بركب حكومة خروشوف ومن تلاه من معادي الشيوعية والماركسية والاشتراكية.
منظمة ماركسية حقيقية تمارس النظرية الماركسية بعد دراستها واتقانها والتمرن على ممارستها ممارسة صحيحة في حومة النضال هي المنظمة الوحيدة التي تستطيع في المستقبل القريب او البعيد ان تحقق استقلال العراق وتحرره من الاستعمار الاميركي ومن اعوانه وعملائه.
ولكن العراق من ناحية اخرى ليس وحيدا منفردا ومنعزلا في نضاله ضد الاستعمار الاميركي. فاستيلاء الولايات المتحدة الاميركية قبل حربها العالمية الثالثة وفي اثنائها على المزيد والمزيد من دول العالم يؤدي الى نضالات مشابهة لنضالات الشعب العراقي في جميع هذه البلدان. فالنضال ضد الاستعمار صفة ملازمة للشعوب ولا يمكن القضاء عليها. ووجود هذه المستعمرات العديدة التي سبق للولايات المتحدة ان استولت عليها والتي تقوم بالاستيلاء عليها في حربها الحالية عامل مساعد للعراق بالضبط كما يشكل نضال العراق ضد الاحتلال عونا للمستعمرات الاخرى المناضلة ضد الاحتلال الاميركي.
وثمة عامل عالمي اخر يساعد على تطور واتساع هذا النضال القاسي ضد الاستعمار ولو بصورة غير مباشرة. لقد اوضحت سابقا ان محاولة الولايات المتحدة للاستيلاء على العالم كله تؤدي حتما الى سلب مصالح الدول الامبريالية الاخرى التي كما الولايات المتحدة تشارك في الاستيلاء على العالم وتتقاسمه فيما بينها. ولكن سلب مصالح هذه الدول الاستعمارية يؤدي حتما الى مقاومتها. وهذه المقاومة قائمة منذ امد بعيد يرجع بنا الى نهاية الحرب العالمية الثانية. ولكن هذه المقاومة كانت اما خفية تظهر في المؤتمرات التي تعقدها هذه الدول الكبرى تحت ستار شعارات براقة كمكافحة الفقر وتطوير الدول النامية والمساعدات الانسانية وتنتهي عمليا بفرض عقوبات ومحاولة حل المشاكل القائمة والى حروب اقتصادية مثل حرب الخمر وحرب صيد الاسماك وحرب اللحوم وحرب فرض الضرائب على الواردات وغير ذلك. ولكنها لاول مرة ظهرت بصورة مكشوفة وجدية قبل الحرب على العراق برفض دول حليفة كبرى مثل المانيا وفرنسا وروسيا اعطاء الضوء الاخضر او المشاركة في غزو العراق لا لان هذه الدول تحب العراق او تؤيد صدام حسين بل لان الحرب على العراق تشكل سلبا لمصالحها فيه. ومن المحتم في المستقبل ايضا ان تشتد هذه المقاومة الى حد القتال المسلح وتحويل الحرب العالمية الثالثة القائمة التي تشنها الولايات المتحدة على دول صديقة وعدوة بحجة الحرب ضد الارهاب الى حرب بين فئتين من الدول الامبريالية كما كان الوضع في الحربين العالميتين السابقتين.

للمؤلف
١ الموسيقى الفنية المعاصرة في العراق
نشر في المملكة المتحدة ١٩٧٨
٢ Marx and his Dialectical Materialism
نشر في المملكة المتحدة ١٩٨١
٣ ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ في العراق وسياسة الحزب الشيوعي
نشر في المملكة المتحدة ١٩٨٥
٤ قاموس عبري عربي كامل (في ثلاثة مجلدات)
نشر في اسرائيل ٢٠٠٠
٥ Stalin As I Understood Him
نشر في المملكة المتحدة ٢٠٠١
٦ The Maqam Music Tradition of Iraq
نشر في المملكة المتحدة ٢٠٠١
٧ ذكرياتي في سجون العراق السياسية
نشر في المملكة المتحدة ٢٠٠١
٨ الثورة التكنولوجية واقتصاد العولمة
نشر في المملكة المتحدة ٢٢٠٠
٩ خطرات من قراءة كتاب عزيز سباهي
عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي
نشر في المملكة المتحدة في ايلول ٢٠٠٢

كتاب - خارطة طريق الولايات المتحدة الاميركية برؤية ماركسية - الجزء الاول

الرفيق حسقيل قوجمان

خارطة طريق الولايات المتحدة برؤية ماركسية

Y. Kojaman
The Road Map of
The United States of America
Copyright © Y. Kojaman
First published 14 July 2003
116 Hanover Road
London NW10 3DP
Tel/Fax: 020 8357 0690
www.kojaman.co.uk Website:
Printed in London
U.K.

المحتويات
الموضوع الصفحة
المحتويات ٥
خارطة طريق الولايات المتحدة الاميركية ٧
تمهيد ٩
الولايات المتحدة رائدة الديمقراطية في العالم ١٢
الديمقراطية برؤية ماركسية ١٥
الحرب العالمية الثالثة ٢١
ماهو الارهاب؟ ٢٢
الحرب كوسيلة للازدهار الاقتصادي ٢٦
حتمية الحرب العالمية في عصرنا ٣٠
طبيعة الحرب العالمية الثالثة ٣٢
خارطة طريق الولايات المتحدة في النزاع الاسرائيلي الفلسطيني ٣٤
خارطة طريق الولايات المتحدة في العراق ٤٢
من هو الشعب العراقي؟ ٦٠
عراق تسيطر عليه الولايات المتحدة وبريطانيا ٦٤
فما هو مصير العراق بعد صدام والاستعمار؟ ٦٨
ما العمل اذن؟ ٧١
للمؤلف ٧٦


خارطة طريق الولايات المتحدة
برؤية ماركسية
في فترة الاعداد لغزو العراق ظهر في الميدان السياسي حول الحرب الفلسطينية الاسرائيلية ما سمي "خارطة الطريق". واشتد الحديث عن هذه الخارطة قبل وأثناء الغزو الاميركي البريطاني للعراق حيث ادعت الادارة الاميركية ورئيسها بوش بأن خارطة الطريق سيجري اعلانها وتسليمها وتحقيقها بصورة جدية بعد الانتهاء من احتلال العراق او ما سمي بحرب تحرير العراق. وفعلا ابرت الادارة الاميركية بوعدها فسلمت خارطة الطريق الى طرفي النزاع، الحكومة الاسرائيلية والحكومة الفلسطينية فور تحقيق المطلب الاميركي الاسرائيلي بخلق منصب رئيس وزراء للحكومة الفلسطينية وتعيين رئيس وزراء لها مع التأكيد على تأييد الولايات المتحدة وأسرائيل لاختيار محمود عباس (أبو مازن) لهذا المنصب المستحدث مع اصرار ابو مازن على تعيين محمد دحلان في الوزارة الجديدة.
الحقيقة ان خارطة الطريق هذه وخرائط طريق اخرى يجري اعلانها في اماكن مختلفة من العالم ليست سوى اجزاء صغيرة متفرقة من خارطة طريق كبرى اوسع وأشمل منها هي خارطة طريق الولايات المتحدة الاميركية. وهي خارطة طريق سلكتها وما زالت تسلكها وستواصل سلوكها كل ادارات الولايات المتحدة بدون استثناء منذ الحرب العالمية الثانية والى امد غير محدود وغير معروف النتائج. فخارطة طريق الولايات المتحدة هي موضوع هذا البحث وسيجري بحث خرائط الطريق الجزئية الاخرى في سياق البحث مع التأكيد على خارطة طريق الولايات المتحدة في العراق وخارطة طريق الولايات المتحدة في فلسطين باسهاب كمثالين على هذه الخرائط الاميركية.
ما سبب اصرار الادارة الاميركية على خارطة الطريق هذه وما الذي يجعل جميع رؤساء الولايات المتحدة ملتزمين بهذه الطريق؟ اليس بين هؤلاء الرؤساء من يحب السلام، يحب البشرية، يحب العدالة الانسانية؟ قد يكون رئيس الولايات المتحدة بصفته الشخصية كانسان يحب الانسانية ويحب السلام. ولكن رئيس الولايات المتحدة بصفته رئيس لها ليس انسانا مستقلا يتصرف بارادته وحسب رغباته. انه رئيس الولايات المتحدة وعليه ان يسلك الطريق التي تفرضها عليه مصالح الطبقة التي يمثلها، طبقة الراسماليين الاميركيين. انه انسان مسير لا مخير. والطبقة الراسمالية ذاتها مثل رئيسها ليست مخيرة بتصرفاتها بل مسيرة. فالراسمالي عبد لراسماله ويجب ان يخدم مصالح راسماله والا نبذه راسماله ومال الى عبد راسمالي اخر. والراسمالية تخضع لقوانين طبيعية تفرض نفسها وتفعل بصرف النظر عن ارادة الراسماليين ورغباتهم. والقانون الاساسي للراسمالية الاحتكارية هو اجتناء الحد الاقصى من الارباح. ولا يتحقيق هذا القانون الا بزيادة استغلال واستعباد شعوبها وشعوب العالم الاخرى. وكلما ازداد تطور الصناعات المدنية والعسكرية ازدادت الحاجة الى المزيد من اسواق المواد الخام اللازمة للصناعة واسواق توزيع البضائع المنتجة واسواق استغلال الراسمال المتراكم في ارجاء العالم لمضاعفة الارباح. وعلى رئيس الولايات المتحدة ايا كان ان يضمن للراسمالية الاميركية سلوك هذه الطريق طالما بقي رئيسا للولايات المتحدة. واذا فكر احدهم ولو لحظة واحدة في السير بخلاف هذه الطريق فان الراسمالية التي اختارته رئيسا لها تنبذه نبذ النواة وتزيحه لتأتي برئيس يضمن لها مصالحها. وهدف خارطة طريق الولايات المتحدة الحالي هو عولمة الراسمال الاميركي، اي سيطرة الراسمال الاميركي على اقتصاد العالم كله، لا فرق بين صديق وعدو، واستخدام كل الوسائل اللازمة لتحقيق ذلك من حروب واحتلال واستعمار واستعباد وتدمير الدول الراسمالية المنافسة.
تمهيد
بدأت خارطة طريق الولايات المتحدة في الواقع اثناء الحرب العالمية الثانية. فمن المعروف ان الولايات المتحدة لم تدخلها الا اضطرارا بعد الهجوم الياباني المفاجئ على برل هاربر. ولكن الولايات المتحدة اصبحت منذ بدء الحرب المجهز الاوحد للاطراف المتحاربة بالاسلحة والمعدات والمواد الغذائية والملابس وكل شيء مما ادى الى ازدهار صناعتها في جميع الميادين الى مستويات هائلة. ولم تتوقف هذه العملية بعد دخول الولايات المتحدة طرفا في الحرب. اذ حتى بعد دخولها الحرب كان عدد ضحاياها في حوادث الطرق اكثر من ضحاياها في الحرب. وكانت الولايات المتحدة الاميركية الدولة المتحاربة الوحيدة التي لم تطلق على اراضيها خلال الحرب طلقة واحدة من طلقاتها. وقد ادى ذلك الى ان تصبح الدول المتحاربة غريقة قروض اميركية كان عليها ان تسددها بعد الحرب او ان تتنازل في مقابلها عن جزء كبير من مستعمراتها تسديدا لديونها. وكان من ضمن ذلك ارساء قواعد عسكرية وقوات عسكرية في البلدين الحليفين بريطانيا وفرنسا وفي بلدان المحور المانيا وايطاليا واليابان. وما زال هذا الاحتلال قائما الى يومنا هذا.
بدأ اعداد الولايات المتحدة للحرب العالمية الثالثة قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية باسقاط قنبلتين ذريتين على هيروشيما وناكازاكي. ومعروف للعالم اجمع اليوم ان القاء القنابل الذرية لم يكن لضرورات عسكرية نظرا الى ان الحرب كانت منتهية عسكريا. كما ان القنابل القيت على مدينتين مدنيتين لا اثر فيهما لاية اهداف عسكرية ولم يكن بين ضحاياها جندي واحد. كان الهدف من القاء القنبلتين ارهاب العالم بهذا السلاح الهائل الذي كانت الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي تحوز عليه واجبار الاصدقاء والاعداء على الخضوع لارادة هذه الدولة الجبارة خوفا من هذا السلاح.
انتهت الحرب العالمية الثانية بانتصار الاتحاد السوفييتي والحلفاء على دول المحور الفاشستية. وقد ادى خروج الاتحاد السوفييتي منتصرا الى انسلاخ واسع النطاق من نفوذ العالم الامبريالي الاستعماري بظهور المعسكر الاشتراكي الذي يضم الديمقراطيات الشعبية في اوروبا الشرقية واسيا. وتعزز ذلك بانتصار الثورة الصينية وتحرير الصين من نظام جان كاي جك والولايات المتحدة الاميركية سنة ١٩٤٩.
في الجانب الثاني استطاعت الولايات المتحدة ان تخضع دول المحور والدول الامبريالية المنتصرة، بريطانيا وفرنسا، خضوعا عسكريا واقتصاديا وسياسيا تاما وسيطرت عليها اقتصاديا عن طريق مشروع مارشال.
كان من نتائج الحرب العالمية الثانية نشوء هيئة الامم المتحدة بديلا عن عصبة الامم التي انتهى امرها لدى اندلاع الحرب. ولكن هذه الهيئة الدولية كانت منذ البداية اداة خاضعة لنفوذ الولايات المتحدة الاميركية كما كانت مثيلتها عصبة الامم خاضعة لبريطانيا وفرنسا. فان مقر هذه الهيئة في نيويورك وكانت الولايات المتحدة وما زالت الممول الرئيسي لها، وكانت اغلب الدول المؤسسة للهيئة دولا خاضعة للنفوذ الاميركي. وفي مجلس الامن كانت ثلاث من الدول الكبرى الخمس التي تتمتع بحق الفيتو دولا خاضعة للنفوذ الاميركي، بريطانيا وفرنسا وصين جان كاي جك التي اصبحت تايوان بعد انتصار الثورة الصينية في ١٩٤٩. ولم يكن يحد من سيطرة الولايات المتحدة هذه سوى الاتحاد السوفييتي الذي كان يحبط بعض قرارات مجلس الامن باستخدام حق الفيتو.
وفي ١٩٤٧ بدأ وينستن تشرتشل، رئيس الوزراء البريطاني خلال الحرب، في خطاب القاه في الولايات المتحدة، دعوته الى فرض ستار حديدي حول الاتحاد السوفييتي والتهديد باستغلال القنابل الذرية، قبل حصول الاتحاد السوفييتي على مثل هذا السلاح، فكان ذلك بداية ما سمي بالحرب الباردة.
كان من اول مظاهر خارطة طريق الولايات المتحدة بعد الحرب، الحرب الاهلية في الصين التي وقفت الولايات المتحدة فيها الى جانب حكومة جان كاي جك وزودتها بالسلاح بغية القضاء على الجيش الشيوعي الصيني. ولكن جهودها منيت بالفشل وانتصر الجيش الشيوعي الصيني على جيوش جان كاي جك الذي فر الى جزيرة تايوان وكون حكومة اعتبرتها الولايات المتحدة الحكومة الشرعية للصين وابقت عضويتها في هيئة الامم المتحدة ومجلس الامن رغم انها لا تشكل الا نقطة في بحر الصين الحقيقية.
ثم جاءت الحرب الكورية حين ارادت الولايات المتحدة القضاء على الدولة الديمقراطية الشعبية التي نشأت في شمال كوريا والحاقها بجنوب كوريا التي تحتلها الولايات المتحدة الاميركية. الا ان الولايات المتحدة جابهت المعسكر الاشتراكي كله في حربها هذه. فالمعسكر الاشتراكي كان يعتبر اي هجوم على اي جزء من المعسكر هجوما على المعسكر الاشتراكي كله. ودخلت الصين بملايينها لمحاربة الولايات المتحدة الى جانب جيوش كوريا الشمالية مما احبط خطط الولايات المتحدة في القضاء على كوريا الشمالية. وكانت تجربة الحرب الكورية تجربة قاسية بالنسبة للولايات المتحدة الاميركية اذ كان عليها بعدها ان تحسب الف حساب قبل مهاجمة اية دولة من دول المعسكر الاشتراكي. ومما يجدر ذكره ان الولايات المتحدة شنت حربها الكورية تحت علم الامم المتحدة اذ نجحت في اتخاذ قرار في مجلس الامن يخولها شن الحرب على كوريا الشمالية.
وواصلت حكومات الولايات المتحدة مسيرتها في خارطة الطريق فجاءت الحرب الفيتنامية وحروب اخرى متتالية في البوسنة والهرسك وكوسوفو وحرب الخليج وغيرها عدا الحروب والانقلابات واغتيالات الرؤساء المتمردين على سيطرة الولايات المتحدة مثل الانقلاب ضد سوكارنو في اندونيسيا وضد اللندي في شيلي وفي بلدان اخرى عديدة والعقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة على الدول المقاومة لسيطرتها مثل كوبا وغيرها. وكانت الولايات المتحدة تشن اكثر هذه الحروب وكأنها حروب الامم المتحدة.
الولايات المتحدة رائدة الديمقراطية في العالم
بما ان هذا البحث جاء نتيجة للحرب الاميركية البريطانية على العراق واحتلالها للعراق عسكريا اتناول موضوع الديمقراطية بالعلاقة بحرب الولايات المتحدة وبريطانيا في العراق.
زعم بوش ونظيره بلير انهما يهاجمان العراق لنزع اسلحة الدمار الشامل ولاسقاط نظام صدام حسين وارساء نظام ديمقراطي في العراق يكون مثالا يحتذى في الشرق الاوسط وهو ما سماه كولن باول اعادة تنظيم خارطة الشرق الاوسط. ولكن بيلغر نقل عن باول تصريحا اقتبسه من "سيدني مورننع هيرالد" قال فيه "سيكون لاميركا وجود ومصالح دائمة في اسيا الوسطى ذات نوع لم يمكن ان نحلم به قبل الحادي عشر من سبتمبر". (بيلغر ص ١٠٨)
اية ديمقرطية يستطيع بوش ان يؤسس في العراق؟ وما هو مفهوم الديمقراطية لدى بوش؟ بالطبع ليس بامكان بوش ان يحقق ديمقراطية في العراق او في اي مكان اخر من العالم يختلف عن ديمقراطية بوش نفسها. علينا ان نعرج على ديمقراطية بوش او بلير او جميع الديمقراطيات الغربية المعروفة بما فيها روسيا التي جاءت نتيجة ادعاء قادة الاتحاد السوفييتي بعد وفاة ستالين انهم يقومون بالغاء الدكتاتورية وتحقيق الديمقراطية.
ان ما تتبجح به هذه الدول هو انها تمنح شعوب بلادها حريات واسعة, مثل حرية الصحافة وابداء الرأي، حرية التنظيم الحزبي والنقابي، حرية كل شخص بابداء رأيه حتى ولو كان ذلك ضد الملوك والرؤساء، حق كل انسان في التصويت في الانتخابات البرلمانية, حق التظاهر والاضراب الخ...
لنأخذ على سبيل المثال حرية الصحافة. ان حرية الصحافة متاحة قانونا لكل فرد في هذه البلدان الديمقراطية. وصحيح ان بعض الجماعات والافراد ينجحون في اصدار صحف معارضة وخصوصا صحف الاحزاب والنقابات المعارضة في هذه البلدان. ولكن حرية الصحافة متاحة ايضا لامثال مردخ الذي يسيطر على وسائل الاعلام بما فيها الصحف والمجلات ومحطات الاذاعة والتلفزيون وشركات السينما في هوليوود وحتى نوادي كرة القدم ليس في استراليا وحسب بل في بريطانيا والولايات المتحدة ايضا. فكيف يستطيع فرد او جماعة معارضة ان تتبارى مع مثل هؤلاء العمالقة في وسائل الاعلام؟ ثم هل حرية الصحافة حرية مطلقة في هذه البلدان؟ بالطبع لا. فالحكومات تستطيع بقوانينها ان تمنع الصحف عن الانتقادات التي تؤثر على مصالحها بواسطة الرقابة على الصحف وغلقها واعتقال محرريها وغير ذلك من الوسائل بحجة المحافظة على النظام. وكيف يستطيع العامل العاطل او الفلاح الفقير الجاهل او المشرد الذي لا يجد مكانا يلجأ اليه فينام في الشوارع ان يعبر عن رايه في هذه الصحافة الحرة؟ صحيح ان هؤلاء يتمتعون قانونا بنفس الحرية التي يتمتع بها مردخ من حرية للصحافة ولكن البون شاسع بين هذا وذاك.
ومن مظاهر الديمقراطية حق التظاهر. وهو حق معترف به في الديمقراطيات الغربية ولو ان هذا الحق مشروط في اغلب الاحيان بالحصول على موافقة السلطات على ممارسته. وقد شاهدنا مظاهرات الملايين في ارجاء العالم ضد الحرب على العراق قبل نشوبها. وفي لحظة كتابة هذه السطور نسمع عن مظاهرة كبيرة تجري ضد العولمة في ايفيان الفرنسية بمناسبة انعقاد مؤتمر رؤساء الدول الصناعية الثماني الكبرى. وقد رأينا كيف حمل المتظاهرون صور بوش مرفقة بالسواستيكا النازية وصورة بوش مع حبيبته بلير. فهل هناك اكثر من هذه الحرية؟ ولكن ما ان تتعرض المظاهرات لبعض المصالح الراسمالية بصورة جدية الا ويصبح قمعها متاحا قانونا وفي سبيل ذلك تستعمل كل وسائل القمع من الشرطة والجيش والاعتقالات والسجون واستخدام الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه وحتى اطلاق النار على المتظاهرين اذا تطلب الامر. ولدينا مثال على ذلك حدث عند اضراب عمال الفحم في بريطانيا سنة سنة ١٩٨٤.
والديمقراطية تكفل حق الاضراب للعمال للمطالبة بزيادة الاجور وتحسين ظروف عملهم. وفي تاريخ هذه البلدان العديد من الاضرابات الناجحة احيانا والفاشلة احيانا اخرى. وليس غريبا عن المتتبع في هذه البلدان المؤامرات التي تحاك من اجل تحطيم الاضرابات الواسعة النطاق وتجاهل الاضرابات وترك العمال يقاسون من استمرار اضراباتهم واستخدام عملاء لكسر الاضرابات وغير ذلك من وسائل تحطيم الاضرابات.
ومن الحقوق الديمقراطية التي نالها العمال في عصرنا حق البطالة. ففي العصور الاولى للراسمالية كانت القوانين تعاقب العامل العاطل او الهارب من المعمل لعدم تحمله ظروف العمل القاسية فيه بعقوبات تبلغ احيانا حكم الاعدام. ولكننا في عصرنا نشاهد عشرات الملايين من العاطلين في مختلف هذه البلدان وبصورة دائمة. بل ان العمال العاطلين يتمتعون حتى بحق التصدق عليهم من اموال الدولة لابقائهم على قيد الحياة. وحق البطالة مكفول لكل انسان في البلدان الديمقراطية ولا فرق في ان يقضي العاطل من اصحاب البلايين وقته بالمقامرة في البورصة نهارا والمقامرة على موائد القمار في مونت كارلو ليلا او ان يقضي العامل العاطل وقته في التفتيش في القمامة عن لقمة خبز تسد رمقه. فالانسان يتمتع بكامل حريته في الديمقراطية. ومن حق كل بريطاني ان ينام تحت الجسر كما قال احد كبار مفكري بريطانيا ولعله كان برنارد شو. فحين كان فقراء لندن ينامون تحت جسر تشارينغ كروس وتقوم منظمة الصليب الاحمر بتقديم الشاي لهم مجانا كل مساء بحيث تحول تحت الجسر الى موقع سياحي. فكما يزور السائح تغيير الحرس الملكي في قصر بكينغهام صباحا يزور تحت الجسر ليلا للتفرج على فقراء لندن الذين يفترشون قطع الكرتون ليناموا نوما هادئا تحت الجسر قد تكون نومتهم الاخيرة من شدة البرد احيانا. ومن حق كل اميركي ان يعيش في اكواخ الصفيح في ظل الديمقراطية. كل هذه الحريات الديمقراطية قائمة في الولايات المتحدة الاميركية وصنوها الديمقراطية التاريخية العتيدة بريطانيا وهما تستطيعان ان توفرا قسما منها في العراق ايضا.
ولكن هناك حق ديمقراطي اخر يندر ذكره لدى التحدث عن الديمقراطية. حق كل انسان اميركي او بريطاني او كل انسان في الدول الامبريالية في استغلال الطبقات الكادحة من الشعب في بلاده واستغلال شعوب العالم كله. هذا الحق الديمقراطي هو اهم الحقوق الديمقراطية في جميع هذه البلدان الديمقراطية. وفقا لهذا الحق يحق للدولة ان تعاقب كل من تخوله نفسه المساس بهذا الحق المقدس الذي يسمى عادة حق الملكية الخاصة. ولهذا الغرض تحتاج الدولة الى القوانين والجيش والشرطة والمحاكم والسجون ووسائل الاعلام بشتى اشكالها اضافة الى الاستخبارات والمؤامرات واسقاط الحكومات المعارضة واغتيال الرؤساء المنتخبين وغير ذلك. هنا دور الدولة الرئيسي، الدكتاتورية السافرة بابشع صورها، كما شاهدناه ونشاهده كل يوم في ارجاء العالم وفي الديمقراطيات الراسمالية ذاتها. فتحقيق الديمقراطية للطبقة الحاكمة في استغلال شعوبها وشعوب العالم جلبت سلسلة غير متناهية من الحروب والمجازر وابادة الشعوب منذ نشوء الدول الراسمالية وحتى يومنا هذا حيث نعيش الحرب العالمية الثالثة التي اعلنتها الولايات المتحدة على العالم كله يوم ١١ سبتمبر ٢٠٠١.
الديمقراطية برؤية ماركسية
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي اخذ الناس عموما يتحدثون عن فشل الماركسية وثبوت خطلها مستندين بذلك الى زوال اول دولة اشتراكية في التاريخ رغم ان هذه الدولة انجزت خلال ١٥ عاما من الناحية الاقتصادية والصناعية اكثر مما انجزته الراسمالية في اربعة قرون وبلغت من القوة والمتانة ما مكنها من تحطيم اكبر قوة عسكرية عرفها التاريخ حينذاك، المانيا النازية، وانقاذ العالم من شرورها وعبوديتها.
والواقع ان هناك فرقا بين انهيار الدولة الاشتراكية وبين الماركسية. فالدولة الاشتراكية هي نظام حكم معرض للهجوم شأنه في ذلك شأن اي نظام حكم اخر وبالامكان تحطيمه واسقاطه بمثل هذا الهجوم سواء من الداخل ام من الخارج.
اما الماركسية فهي قوانين اجتماعية طبيعية كانت تفعل قبل اكتشافها وما زالت تفعل بعد اكتشافها رغما عن ارادة الانسان وبصرف النظر عن رغباته ومصالحه الخاصة. لذا فمن المستحيل تحطيم او الغاء او تغيير اتجاه هذه القوانين. وأكبر برهان على ذلك ان الراسمالية رغم تطورها الهائل في العلوم والتكنولوجيا والصناعة لم تستطع التغلب او القضاء على اي من هذه القوانين، لناخذ قانون الازمة الاقتصادية في النظام الراسمالي مثلا. راينا ان في كل ازمة اقتصادية منذ وقوع اول ازمة سنة ١٨٢٥ وحتى اليوم كانت ابواق الراسمالية من الاقتصاديين تدعي بانها تغلبت عليها ووجدت الحلول لاستمرار تطور الراسمالية وازدهارها الاقتصادي بدون الازمات. ولكن الازمات تكررت بصورة دورية وتطورت بحيث ان النظام الراسمالي دخل فيما يسمى الازمة العامة واختفت فترة الرواج التي كانت تنتهي بها كل ازمة واصبحت البطالة والكساد ظاهرتين مستمرتين في النظام الراسمالي. وقد رأينا ان الهدفين اللذين حددهما جورج بوش الابن للحرب العالمية التي اعلنها يوم ١١ سبتمبر فور الهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون هما اولا القضاء على الارهاب وتحقيق عالم بدون ارهاب وثانيا انقاذ الاقتصاد الاميركي من الركود . والركود او الكساد او غير ذلك مصطلحات يطلقها الاقتصاديون الامبرياليون لتجنب ذكر الازمات الاقتصادية.
فالماركسية اذن لم تتحطم ولم يثبت خطلها بانهيار الاتحاد السوفييتي. بل بالعكس كان انهيار الاتحاد السوفييتي ذاته برهانا على صدق الماركسية وفعل قوانينها. اذ ان انهيار الاتحاد السوفييتي لم يتحقق الا حين تخلى قادة هذه الدولة عن الماركسية وسلكوا سياسات اقتصادية وسياسية مناقضة لمتطلبات القوانين الاقتصادية الطبيعية التي تتحكم بتطور الاشتراكية في اتجاه المجتمع الشيوعي.
وما هي الديمقراطية بالمفهوم الماركسي؟ في المفهوم الماركسي تشكل الديمقراطية والدكتاتورية وحدة نقيضين لا ينفصل احدهما عن الاخر. فلا وجود للديمقراطية بدون الدكتاتورية ولا وجود للدكتاتورية بدون الديمقراطية. واذا زال احدهما زال الاخر ايضا.
لقد اكتشف كارل ماركس قانون التطور الاجتماعي الذي يدعى اليوم المادية التأريخية. ووجد ان الدولة منذ نشوء اول دولة في التاريخ البشري وحتى بقاء اخر دولة في هذا التاريخ هي وحدة نقيضين، الدكتاتورية والديمقراطية. وبين ان الصفة الاساسية للدولة هي الدكتاتورية لانها لا تستطيع تحقيق الديمقراطية لطبقتها الا بممارسة اشد انواع الدكتاتورية ضد الطبقات التي تستغلها. فدول العبيد كانت ديمقراطية لاسياد العبيد لم يمكن تحقيقها الا بممارسة اقسى انواع الدكتاتورية تجاه العبيد حين لم يكن ينظر اليهم كبشر. وما حروب الابادة ضد ثورات العبيد الا امثلة رائعة على ذلك. ولكن التاريخ سار حسب القوانين الطبيعية لتطور المجتمع رغم حروب الابادة ورغم ارادة الاسياد وتحقق النظام الاقطاعي.
ومارست النظم الاقطاعية اقسى انواع الدكتاتورية من اجل تحقيق الديمقراطية للطبقات الاقطاعية. ولكن التاريخ سار ايضا حسب القوانين الطبيعية للتطور الاجتماعي واندلعت الثورات البرجوازية ضد النظام الاقطاعي في اوروبا. كانت ابرز هذه الثورات الثورة الفرنسية الكبرى بعد ثورة كرومويل في بريطانيا والثورة الاميركية ضد الحكم البريطاني.
ومارست البرجوازية دكتاتوريتها من اجل تحقيق الديمقراطية للطبقة الراسمالية وبقايا الطبقات القديمة. ولكن قوانين التطور الاجتماعي سارت مسارها واندلعت اول ثورة بروليتارية في ثورة الكومونة في باريس فحطمتها البرجوازية الفرنيسة بالتعاون مع الجيوش الالمانية المحتلة. الى ان اندلعت ثورة اكتوبر في روسيا فنشأت اول دولة بروليتارية في التاريخ ودام حكمها حتى سنة ١٩٥٣. واذا انتصرت الراسمالية واستطاعت تحطيم الدولة الاشتراكية فهذا لا يعني ان الراسمالية قد انتصرت على القوانين الطبيعية لتطور المجتمع او غيرتها. فهذه القوانين تعمل رغم ارادة الانسان ولا يمكن تحطيمها او ازالتها او تغييرها شانها في ذلك شأن قانون الجاذبية مثلا.
واعتبر كارل ماركس وفريدريك انجلز ان الصفة الدكتاتورية للدولة هي الاساس وان الديمقراطية هي نتاج للدكتاتورية التي تمارسها الطبقات الحاكمة على انواعها بما فيها الدولة العمالية التي تطيح بالنظام الراسمالي وتحقق نظاما اشتراكيا. وادركا ان تسمية الدول الراسمالية بالديمقراطيات لا يعبر عن هذه الحقيقة التاريخية. لذا اطلقا على الدولة العمالية التي تنشأ بعد تحطيم الراسمالية دكتاتورية البروليتاريا وليس ديمقراطية البروليتاريا.
ولا يختلف الامر في دكتاتورية الطبقة العاملة عن سابقاتها دكتاتوريات اسياد العبيد والاقطاعيين والراسماليين من حيث كون الدولة هي في الاساس دكتاتورية الطبقة الحاكمة ضد الطبقة المحكومة بسوى ان الدكتاتوريات السابقة كلها كانت دكتاتوريات الاقلية ضد الاغلبية بينما تكون دكتاتورية البروليتاريا دكتاتورية الاكثرية ضد بقايا الطبقة المطاحة التي تحاول استغلال كل فرصة لاستعادة سيادتها ودكتاتوريتها السابقة. لذا قال لينين ان دكتاتورية البروليتاريا هي اكثر ديمقراطية من اكثر الدول الديمقراطية الراسمالية مليون مرة.
فالتحدث عن ديمقراطية الولايات المتحدة لا وجود له في الواقع الا للطبقة الراسمالية الحاكمة التي تمارس اقسى انواع الدكتاتورية للمحافظة على استغلال الشعب الاميركي وشعوب العالم والتحدث عن العراق الديمقراطي الذي تريد انشاءه لا يعني شيئا سوى منح الراسمال الاميركي حرية استغلال واستعباد الشعب العراقي ونهب ثرواته.
قد يقول البعض ان ماركس اخطأ في توقعه بان الراسمالية سائرة الى الزوال وان الاشتراكية نظام حتمي يجب ان يتحقق باسقاط النظم الراسمالية. واكبر دليل على ذلك استمرار النظام الراسمالي وتطوره الهائل صناعيا وعلميا وتكنولوجيا. ان قانون المادية الديالكتيكية، قانون الحركة الاساسي في الطبيعة والمجتمع، وهو القانون الاساسي الذي تستند اليه الماركسية، يفيد بان كل تناقض حين يبلغ مرحلة معينة من التطور تتحتم الطفرة التي تنقضه وتحول النقيض النامي الذي كان النقيض الضعيف المتطور الى النقيض الرئيسي المتحكم بالتناقض. وهذا يعني ان المجتمع الراسمالي المؤلف من نقيضين متصارعين، الراسمالية والطبقة العاملة، حين يبلغ درجة في تطوره يتحتم قيام ثورة النقيض النامي، البروليتاري، على نقيضه الراسمالي لتحقيق النظام الجديد، النظام الاشتراكي. وهذا ما حدث في ثورة اكتوبر. ولكن هذه الثورة لا تتحقق اذا لم تكن هناك الحركة القادرة على تحقيقها نظرا لوجود طبقات تتعارض مصالحها والمصالح التي ينبغي ان تتحقق بالثورة وهي طبقات تمتلك كل شيء من الثروة والسلطة والجيش والشرطة والاسلحة والمحاكم والسجون والقوانين ووسائل الاعلام. وقد بلغ النظام الراسمالي هذه المرحلة منذ امد بعيد ولكن القوة التي تستطيع الثورة على النظام الراسمالي على نطاق عالمي للتغلب على المقاومة المستميتة للنظام الراسمالي بجيوشه واسلحته الفتاكة لم تتحقق بعد. وهذا هو التفسير الوحيد لاستمرار النظام الراسمالي حتى يومنا هذا وتطوره صناعيا وتكنولوجيا.
ولكن قانون الديالكتيك يفيد ايضا بان عجز النقيض النامي المتطور عن تحقيق الثورة على نقيضه يؤدي الى فناء الضدين. وقد اورد انجلز مثال البيضة كاحد الامثلة البسيطة والواضحة على قانون فناء الضدين هذا. فقشرة البيضة تكون حامية نمو الجنين في داخلها الى ان يتطور الجنين الى مرحلة كسر القشرة والخروج منها. فاذا عجز الجنين عن تحطيم القشرة كان مصير البيضة والجنين هو الفناء. فلا القشرة تبقى بيضة لا الجنين يبقى جنينا. وهذا القانون هو القانون الفاعل في المجتمع الراسمالي منذ بلوغ تطوره الى مرحلة ضرورة الثورة وتحطيم النظام الراسمالي. وطبيعي ان فناء الضدين في هذه الحالة لا يعني فناء المجتمع الانساني كله مثلما ان فناء بيضة لا يعني فناء كل البيض في الطبيعة. ولكن فناء الضدين في المجتمعات الراسمالية يتحقق امام اعيننا باشكال عديدة كل يوم.
احد اشكال فناء الضدين واكثرها تكررا هو الازمات الاقتصادية. فالازمة الاقتصادية في النظام الراسمالي ظاهرة تدل من الناحية الديالكتيكية على ان التناقض بين الطبقة العاملة والراسمالية قد بلغ حدا يتطلب من الطبقة العاملة الثورة على البرجوازية وتاسيس دكتاتوريتها البروليتارية. الا ان البروليتاريا ليست من التنظيم والقوة قادرة على تحقيق ثورتها ولذا يتحتم فناء الضدين، وهو الازمة. ففي الازمة تعاني الطبقة الراسمالية من كساد في تصريف بضائعها لعدم قدرة الكادحين على استهلاكها فتغلق المعامل وتفسد السلع او تتلف او تحرق الحبوب او تلقى في البحر وغير ذلك. وفي الازمة تعاني الشركات من الصعوبات ما يؤدي الى سلسلة من الافلاسات الخ... وهذا فناء جزئي للراسمالية. وفي الازمة تظهر البطالة. والبطالة تعني من الناحية الاقتصادية فناء القوى العاملة. فان العامل يمتلك قوة عمله التي يستطيع بها ان ينتج للمجتمع وهو يعيد انتاج قوة عمله كل يوم. ولكن عدم امكانه الحصول على ادوات العمل التي يستطيع بها استهلاك قوة عمله لهذا اليوم معناه فناء قوته العاملة لذلك اليوم وحرمان المجتمع كله من انتاجه. كانت الازمات في بدايتها تتكرر كل عشر سنوات تقريبا ثم تليها فترة انتعاش تبلغ درجة الرواج والتطور السريع للانتاج الراسمالي. ولكن دخول الراسمالية في ظاهرة الازمة العامة الغى فترة الرواج من الدورة الاقتصادية للراسمالية واصبحت البطالة باعدادها الهائلة ظاهرة ثابتة لا تستطيع اية دولة راسمالية ان تبلغ فيها فترة رواج تنتفي فيها البطالة كليا. وهذا ما نشاهده في عصرنا حيث يحصى العاطلون بالملايين وتتبارى الحكومات الراسمالية بمحاولات خفض البطالة بوسائل شتى لاخفاء ظاهرة تفاقم البطالة المستمرة.
ومن ظواهر فناء الضدين الحروب. ففي الحرب يكثر استهلاك الاسلحة المدمرة ويكثر التدمير الذي يتطلب اعادة الاعمار وتكثر الضحايا من البشر لدى الاطراف المتحاربة مما يشكل فترة رخاء للراسماليين الذين ينتجون الاسلحة للحرب ويقومون باعمار ما دمرته الحرب بعد ذلك.
ومن ظواهر فناء الضدين تلوث البيئة. ونحن شهود في عصرنا لتشقق الغلاف الاوزوني للارض وزيادة ثاني اكسيد الكربون في الجو واثار ازالة الغابات للاغراض التجارية وزيادة المواد الاشعاعية في الجو وتاثيرات التجارب الذرية على القشرة الارضية وزيادة الهزات الارضية وثوران البراكين والعواصف والفيضانات المدمرة في بعض البلدان يقابلها جفاف مميت في بلدان اخرى من جراء ذلك وارتفاع درجة حرارة الارض بصورة مستمرة والاخطار المترتبة على ذلك الى اخر ذلك وما يرافقه من مجاعات وغيرها من الماسي التي تعاني منها البشرية كل يوم وفي ارجاء العالم.
الحرب العالمية الثالثة
كانت الولايات المتحدة في حالة حرب دائمة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الان. فقد دخلت حروبا كبرى مثل الحرب الكورية والحرب الفيتنامية وحرب الخليج وغيرها. وكانت في حرب دائمة مع الاتحاد السوفييتي فيما سمي بالحرب الباردة. وكانت وراء حروب اخرى مثل الحرب الايرانية العراقية والحروب التي تجري في افريقيا واميركا اللاتينية وبعض بلدان الشرق الاقصى والحرب الاسرائيلية الفلسطينية. وقامت بانقلابات عسكرية في مختلف بلدان العالم. الا انها لم تعلن الحرب العالمية رسميا الا يوم ١١ سبتمبر ٢٠٠١. وهذه الحرب ليست صدفية وليست نتيجة حتمية لاحداث ١١ سبتمبر. فكل الدلائل والاخبار تشير الى ان الحروب التي جرت بعد اعلان هذه الحرب العالمية خطط لها وكانت مقررة قبل هذه الاحداث وما احداث ١١ سبتمبر الا الذريعة التي اتخذتها الولايات المتحدة لاعلان الحرب. فهذه الحرب هي نتيجة منطقية لخارطة طريق الولايات المتحدة التي سارت عليها جميع اداراتها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
حدد الرئيس بوش هدفين لهذه الحرب العالمية التي يشنها. الهدف الاول هو الحرب ضد الارهاب. والارهاب حسب رأيه منتشر في العالم كله وهو يشكل خطرا على امن الولايات المتحدة والعالم اجمع. لذا يرى من مهمات الولايات المتحدة باعتبارها الدولة العظمى الوحيدة في العالم ان تحارب الارهاب اينما وجد والقضاء عليه وتحقيق عالم بلا ارهاب، عالم سلام وامان لجميع شعوب العالم.
وحدد الرئيس بوش هدفا ثانيا لهذه الحرب هو انقاذ الاقتصاد الاميركي من الركود الذي يعاني منه وتحقيق الازدهار الاقتصادي للولايات المتحدة وللبلدان الصناعية الاخرى. وقد بشر شيراك هذه الدول وما يسمى الدول النامية في مؤتمر ايفيان الفرنسية للدول الصناعية الثماني الكبرى بأن الازدهار الاقتصادي قريب.
فما علاقة الحرب ضد الارهاب بالازدهار الاقتصادي؟ وكيف تحقق الحرب العالمية الحالية الازدهار الاقتصادي مع القضاء على الارهاب؟
ما هو الارهاب؟
مرت على الحرب العالمية ضد الارهاب ما يقرب من السنتين دون ان تكلف ادارة بوش نفسها عناء تعريف الارهاب. ولكننا نستطيع من مسار الحرب ومن التصريحات العديدة المتتالية كل يوم من مختلف شخصيات الادارة وعلى راسهم رئيسهم بوش ان نميز بعض عناصر الارهاب بالعرف الاميركي.
اول واكبر ظاهرة للارهاب كانت اسامة بن لادن وحكومة طالبان في افغانستان. فابن لادن، ربيب الولايات المتحدة اثناء مقاومة الاحتلال السوفييتي لافغانستان، اعتبر العقل المدبر لاحداث ١١ سبتمبر. وحكومة طالبان اعتبرت حكومة ارهابية لذا اصبح من الضروري اعلان الحرب على افغانستان كمرحلة اولى في الحرب ضد الارهاب. وشنت الولايات المتحدة بتخويل من مجلس الامن هجومها على افغانستان وهي دولة لم تكن خاضعة للولايات المتحدة كليا واحتلتها وعينت حكومة افغانية صورية تقوم بتثبيت احتلالها ونهب ثرواتها واستخدمت فرق مرتزقة من دول عدة لحماية احتلالها لافغانستان. ولكن بن لادن مازال حيا يرزق في مكان ما من العالم وما زال الارهاب، بصورة مقاومة الاحتلال الاجنبي لافغانستان, وسيبقى ويشتد طيلة وجود الاحتلال الاميركي وسيبقى الارهاب بهذا المفهوم قائما رغم سقوط حكم طالبان ورغم الدمار الذي سببه الاحتلال الاميركي لافغانستان.
والشكل الاخر للارهاب في العرف الاميركي هو امتلاك الدول التي لا تحبها الولايات المتحدة ما يسمى باسلحة الدمار الشامل او طموح هذه الدول في الحصول على اسلحة الدمار الشامل من غير الولايات المتحدة او وجود اسلحة دمار شامل سبق للولايات المتحدة او حليفاتها بيعها لها. وكان العراق اول ضحية من ضحايا هذا النوع من الارهاب. فمعروف ان الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا زودتا صدام حسين باسلحة كيماوية وبايولوجية وبمعدات لمساعدته على تطوير الانتاج النووي حين كانت الولايات المتحدة تحب صدام حسين ولكنها لسبب ما غيرت موقفها من صدام حسين فاصبحت اسلحة الدمار الشامل التي زودوه بها اسلحة دمار شامل تشكل خطرا على امن الولايات المتحدة وبريطانيا والعالم كله واصبح من الضروري ازالة اسلحة الدمار الشامل العراقية رغم ان المفتشين لم يستطيعوا اثبات وجود مثل هذه الاسلحة بعد ان دمرتها الولايات المتحدة في حرب الخليج الثانية سنة ١٩٩١ وما بعدها من سنوات الحصار الخانق على الشعب العراقي. في كتاب جون بيلغر "حكام العالم الجدد" اورد الكاتب العديد من البراهين على تدمير جميع انواع اسلحة الدمار الشامل في العراق اقتبس منها ما يلي:
"في ١٩٩٨ كانت البنية التحتية للاسلحة الكيماوية قد فككت او دمرت من قبل لجان التفتيش اونسكوم او من قبل العراق وفقا لوصاياها. وكان برنامج الاسلحة البيولوجية قد انتهى وازيلت كافة المرافق الكبرى. وكان برنامج الاسلحة النووية قد ازيل نهائيا. وكان برنامج الصواريخ البالستية البعيدة المدى قد ازيل نهائيا. لو كان علي ان احدد تهديد العراق للعالم لقدرته صفرا" (من حديث للكاتب مع سكوت ريتر الذي كان احد كبار المفتشين في اونسكوم. (بيلغر، حكام العالم الجدد ص٥٩)
وشنت الولايات المتحدة وبريطانيا حربهما على العراق بغية نزع اسلحة الدمار الشامل العراقية باسلحة دمار شامل اقوى وافضع منها. واحتلت الولايات المتحدة العراق بدون ان تجد ذرة من اسلحة الدمار الشامل المزعومة ولكنها اعلنت ان حربها تستهدف اسقاط نظام صدام حسين وتحرير الشعب العراقي واعادة ثرواته اليه. ولكن الارهاب متمثلا بمقاومة العراقيين للاحتلال الاميركي مازال قائما ومتواصلا وسيزداد حدة طالما بقي الاحتلال الاجنبي للعراق.
وتشمل حيازة اسلحة الدمار الشامل او محاولة الحصول عليها دولا اطلق عليها الرئيس بوش دول محور الشر وهي العراق وايران وكوريا الشمالية. وقد انتهت الحرب ضد اول دول محور الشر وتخلص العالم منها وبقي ان تقوم الولايات المتحدة بالقضاء على طرفي محور الشر الاخرين لانقاذ الولايات المتحدة والعالم من شرهما.
والشكل الثالث من الارهاب الذي نشاهده هو مقاومة الاحتلال. فكل حركة تقاوم احتلالا من قبل الولايات المتحدة او من قبل احدى حليفاتها او اية دولة خاضعة لنفوذها هو ارهاب. وعليه فان المجازر التي تنفذ لسحق هذه الحركات المقاومة للاحتلال هي دفاع عن النفس. وابرز مثال قريب منا لانه يقع في منطقتنا هو مقاومة الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين. فمقاومة الشعب الفلسطيني هو الارهاب والمجازر التي تقوم بها اسرائيل في الاراضي الفلسطينية دفاع عن النفس. وامثال ذلك كثيرة في ارجاء العالم والولايات المتحدة تدافع عن نفسها في افغانستان وفي العراق وفي اميركا اللاتينية وافريقيا وكوريا واليابان وفي ارجاء العالم.
نوع اخر من الارهاب في العرف الاميركي هو ايواء الارهاب او تشجيع الارهاب او مساعدة الارهاب. فثمة دول تؤوي الارهاب مثل سوريا ولبنان واليمن وغيرها. وعلى هذه الدول ان تقضي على الارهاب الذي تؤويه. فعلى سورية ولبنان مثلا ان يقضيا على حزب الله الارهابي. لذا فان الولايات المتحدة تفرض على مثل هذه الدول ان تقضي على الارهاب في داخلها, وفي حالة عدم امكان هذه الدول تحقيق ذلك فعليها ان تقبل مساعدة الولايات المتحدة في القضاء على هذا النوع من الارهاب. فالجيش الاميركي من حقه ان يدخل الفيليبين مثلا لمساعدة دولتها على القضاء على الارهاب. اما اذا رفضت مثل هذه الدول قبول مساعدة الجيش الاميركي اصبحت هذه الدول نفسها ارهابية ويجب معاقبتها او احتلالها للقضاء على الارهاب. ويشمل هذا الباب تشجيع الارهاب او مساعدته. فاذا قدمت اية منظمة خيرية بعض المساعدة لمنكوبي الشعب الفلسطيني مثلا فانها تقوم بذلك بتشجيع الارهاب ومساعدته ويصبح من حق الولايات المتحدة تجميد او مصادرة اموال هذه المنظمات لمنعها عن مساعدة الارهاب او تشجيعه. وقد رأينا كيف جمدت الولايات المتحدة اموال بعض المنظمات الخيرية العربية بهذه الحجة. وليس بعيدا عنا قرار مؤتمر شرم الشيخ الاخير بالامتناع عن تقديم المساعدات المالية للارهاب الفلسطيني.
هذه نماذج قليلة عن مفهوم الولايات المتحدة للارهاب ولابد ان استمرار الحرب العالمية على الارهاب سيكشف لنا العديد من صور الارهاب بالعرف الاميركي وصور القضاء على الارهاب بمساندة الامم المتحدة او بدونها.
اورد بيلغر في كتابه "حكام العالم الجدد" رأي ريتشارد رينر، مخطط الحرب الباردة في ادارة ريغن في توضيح نظرية مستشاري رامسفلد ونائبه بول وولفيتز بان الحرب ضد الارهاب هي في الاساس حرب عالمية. يقول برل "لا توجد مراحل؛ انها حرب شاملة. اننا نحارب اعداء ذوي طبائع شتى. يوجد الكثير منهم هناك في الخارج. كل هذا الحديث عن اننا نذهب اولا الى افغانستان ثم نتجه الى العراق وبعد ذلك نتطلع لنرى اين تتجه الامور هي الطريقة الخاطئة اطلاقا للنظر الى الامر ... فاذا وجهنا انظارنا للعالم ابعد من ذلك لنجعلها تشمل العالم كله ولا نحاول ان نجمع معا الدبلوماسية الذكية، بل مجرد ان نشن حربا شاملة ... فان اطفالنا سينشدون عنا اعظم الاناشيد في السنوات المقبلة." (مجلة غرين ليفت ويكلي الاسبوعية، ١٢ كانون الاول ٢٠٠١. بيلغر، حكام العالم الجدد، ص١٠)
ومنذ يوم ١١ سبتمبر، حين اعلن الرئيس بوش الحرب العالمية الثالثة رسميا، اعلن بشكل قاطع وباشكال متعددة ان العالم اصبح كله اما حليفا للولايات المتحدة في حربها او حليفا للارهاب. فاعلن صراحة ان العالم اما معنا او ضدنا مع الارهاب، وان من ليس معنا عدو لنا. وقد شمل هذا حتى بعضا من اهم حليفات الولايات المتحدة مثل فرنسا والمانيا لمعارضتهما الحرب على العراق وحتى مجلس الامن لعدم الموافقة على تخويل الولايات المتحدة بالحرب على العراق كما فعل في الحرب على افغانستان.
كل العالم يعرف هذه الحقائق. ولكن معظم دول العالم، رغم علمها بطبيعة الحرب العدوانية الاميركية على العالم، اعلنت حلفها مع الولايات المتحدة في هذه الحرب المدمرة خوفا من وصمها بالارهاب. فالحرب العالمية ضد الارهاب ليست في الواقع سوى حرب ارهاب تشنها الولايات المتحدة ضد العالم كله بدون استثناء.
ولكن ما علاقة حرب الارهاب هذه بانقاذ الولايات المتحدة من ازمتها الاقتصادية؟ وكيف تؤدي الحرب الى الانتعاش او حتى الى الازدهار الاقتصادي القريب الذي يبشر به الرئيس الفرنسي شيراك؟
الحرب كوسيلة للازدهار الاقتصادي
لكي نفهم كيف يمكن ان تكون الحرب وسيلة للازدهار الاقتصادي علينا اولا ان نتعرف على مفهوم الازدهار الاقتصادي بالنسبة للولايات المتحدة او للدول الصناعية الكبرى الاخرى. فقد يتصور المرء ان الازدهار الاقتصادي يعني تحسين اوضاع الشعوب الاقتصادية او القضاء على البطالة او رفع المستوى المعاشي للشعوب او القضاء على الفقر او انقاذ الشعوب الجائعة من الموت المحتم الذي ينتظرها. وهذا مفهوم لا يخطر ببال حكام الولايات المتحدة والدول الاستعمارية الاخرى.
ان الازمة او الركود بالنسبة للطبقات الراسمالية هو وجود صعوبات امامها في هدفها الاساسي الذي هو نيل اقصى الارباح. والازدهار الاقتصادي بالنسبة لها هو التغلب على هذه الصعوبات والتقرب نحو تحقيق اقصى الارباح الذي لا يمكن بلوغه في العرف الراسمال ابدا. وبهذا المعنى فقط يمكن ان نفهم كيف يمكن للحرب ان تؤدي الى الازدهار الاقتصادي.
الحرب وسيلة لزيادة الاستهلاك زيادة كبيرة لا يمكن تحقيقها في ايام السلم ولذلك تلجأ الدول الراسمالية الى الحرب بغية زيادة استهلاك سلعها بشتى انواعها كأحد اهم الاسباب لشن الحروب. ولكن السلع الاكثر استهلاكا خلال الحرب هي السلاح. ففي الحرب تستهلك كميات هائلة من الاسلحة بشتى انواعها وتوفر للشركات المنتجة للسلاح افضل فرصة لزيادة انتاجها وسرعة بيعها واستهلاكها. والسلاح سلعة مثل سائر السلع ينتجها الراسمالي لا لفائدتها للمجتمع وانما لكي تدر له المزيد والمزيد من الارباح. ولكن السلاح من ناحية اخرى سلعة تختلف بصفاتها كثيرا عن السلع المدنية. وكل صفاتها الخاصة هي لمصلحة الراسمالي المنتج للاسلحة. لذا فان الحرب تشكل مصدر ارباح يسيل له لعاب الراسماليين.
فالراسمالي ينتج السلع المدنية ولا يعرف مقدار الطلب عليها بصورة دقيقة الى ان ينزلها الى السوق. فاذا كان انتاجه يزيد عن الطلب على تلك السلعة كسدت وصعب تصريفها. ولكن الراسمالي حين ينتج الاسلحة يعرف مقدما مقدار الطلب عليها بل ان الطلب عليها يأتي قبل انتاجها حين تعقد الاتفاقيات مثلا على بيع كميات من الطائرات المقاتلة او غيرها على ان يجري انتاجها خلال عدة سنوات.
والسلاح سلعة تشتريها الحكومات مباشرة بكمياتها الكبيرة وليس الافراد. والحكومات قادرة على ايجاد الوسائل المالية اللازمة لتسديد اثمانها. ولا فرق في ذلك ان كانت الحكومة المشترية هي حكومة المنتج ذاتها او الكحومات الاخرى التي ترغب في شراء الاسلحة. ان ما يهم الراسمالي ليس مصدر الدفع بل الدفع نفسه.
وبينما تتراكم السلع المدنية في مخازن الراسماليين الى حين بيعها وتصريفها ما يؤدي الى الاضرار المادية الهائلة عند عدم بيعها يجري تراكم الاسلحة عند مشتريها وبذلك لا تعاني الشركات الراسمالية المنتجة للاسلحة من الكساد في استهلاك الاسلحة. فعلى الحكومات المشترية للاسلحة ان تجد طرق استهلاكها والتخلص منها.
والاسلحة في ايامنا، ايام الثورة التكنولوجية الهائلة، سريعة التطور بحيث ان الصواريخ والطائرات والدبابات والمدافع وغيرها تصبح قديمة بالية قبل استلامها وعليه ينبغي للحكومات ان تشتري الاسلحة الجديدة لكي تبقى في المستوى العسكري المطلوب لمجابهة الظروف الحربية الجديدة او لمنافسة جيرانها على التفوق العسكري.
قال متحر من الكونغرس الاميركي حول اسباب بيع الولايات المتحدة وبريطانيا للاسلحة البيولوجية الى عراق صدام "اتفق الجميع على ان النقود هي كل شيء. ان حكومة الولايات المتحدة كانت تعلم والكحومة البريطانية كانت تعلم فهل اثار ذلك اهتمامهما ؟ كلا . فقد كان الامر منافسة مع الالمان. هكذا تجري تجارة الاسلحة." (جون بيلغر، حكام العالم الجدد, اقتباس من جريدة الغارديان البريطانية بتاريخ ٨ ايار (مايو) ١٩٩٢)
كل هذا صحيح في ايام السلم ولكن الحرب تضاعف انتاج الاسلحة بكميات كبيرة لسد حاجات الاطراف المتحاربة. لذا فان الحرب مصدر هائل لزيادة ارباح منتجي الاسلحة الى مستويات لا يحلمون بها في ايام السلم وهذا هو الازدهار الاقتصادي الذي تنتجه الحروب.
واستخدام الاسلحة يؤدي بالضرورة لا الى الضحايا البشرية الهائلة فقط بل الى الدمار والخراب وتحويل المدن الى خرائب. وهذا يعني ان الحرب تجلب في اعقابها المزيد من الارباح للشركات الراسمالية في اعادة بناء ما خربته الحرب. فلو فرضنا ان العلم قد توصل الى اسلحة تستطيع ان تقتل البشر بدون ان تدمر المدن فان هذا يؤدي الى خفض ارباح الشركات الراسمالية ولذلك فانها لا تسمح باستخدامه. فالتدمير هدف لابد منه في الحروب لزيادة ارباح الراسماليين بحجة اعادة الاعمار.
حتى تفكيك الاسلحة المتراكمة التي لم تعد صالحة للاستخدام تشكل مصدر ارباح اضافية للشركات الراسمالية المنتجة لها. فلو فرضنا ان الحكومات وجدت من المناسب تفكيك جزء من القنابل الذرية المتراكمة فيها او كلها فان التفكيك ذاته عمل تقوم الشركات الراسمالية بانجازه وتحقيق المزيد من الارباح بذلك.
في تجارة السلع المدنية بين مختلف الشركات يجري الشراء عادة من اجل البيع ولذلك تكون الاسعار موضع تفاوض ولا يمكن بيع السلع باسعار احتكارية لمدد طويلة. اما تجارة الاسلحة فتختلف عن ذلك نوعا ما اذ ان مشتري الاسلحة هم الحكومات عادة والحكومات تشتريها لا لغرض بيعها كما هو الحال في التجارة المدنية بل تشتريها لزيادة ترساناتها العسكرية. اي ان البيع والشراء في هذه الحالة هو في اتجاه واحد من البائع الى المشتري. ان هذه الصفة لتجارة الاسلحة تجعل بامكان الشركات البائعة فرض اسعار احتكارية عالية على الدوام وبصورة مستمرة. حتى حين تقوم بعض الحكومات ببيع جزء من الاسلحة القديمة المتراكمة في ترساناتها لحكومات اخرى تحتاج الى استخدامها بسرعة فان بيعها يجري بنفس الطريقة ويمكن فرض اسعار احتكارية عليها.
يجري تصدير الاسلحة عادة بموجب اتفاقيات تعقد بين الحكومة المشترية والحكومة البائعة. ولتصدير الاسلحة صفة اخرى بالغة الاهمية. فالحكومة البائعة تفرض شروطا احتكارية متنوعة على الحكومة المشترية قبل الموافقة على تصدير الاسلحة اليها. واهم هذه الشروط فيما يتعلق بموضوعنا هو ان الحكومة المشترية لا يجوز لها استخدام هذه الاسلحة بدون موافقة او ترخيص الدولة البائعة. فالحكومة المشترية تدفع اثمان الاسلحة التي تشتريها كاملة وبهذا تصبح الاسلحة ملكا لها قانونيا. ولكن هذا الشرط يبقي ملكية الاسلحة وامكانية استعمالها في الواقع ملكا للحكومة البائعة. من المعروف ان حكومات الخليج كلها تشتري اسلحة بعشرات مليارات الدولارات كل سنة. ولكن هل تستطيع اي من هذه الحكومات تقديم بندقية واحدة للشعب الفلسطيني مثلا؟ ان هذا مستحيل لانه يعرض هذه الحكومات لغضب الولايات المتحدة او بريطانيا او حتى روسيا صاحبة الاسلحة الحقيقية. بل اكثر من ذلك نرى ان الولايات المتحدة تجمد اموال كل شركة خيرية تتبرع ببعض النقود لمساعدة الشعب الفلسطيني المنكوب فكيف اذا تبرع احدهم بالسلاح لهذا الشعب؟ وقد شاهدنا الضجة التي حصلت حول سفينة تحمل اسلحة ادعت اسرائيل انها كانت متجهة الى فلسطين كمثال على ذلك. وعلى العكس من ذلك من المعروف ان الولايات المتحدة كانت تزود صدام حسين بالاسلحة اثناء حربه ضد ايران عن طريق الدول العربية لكي توهم العالم بانها واقفة على الحياد في تلك الحرب.
من كل ما سبق نرى ان الحروب وتجارة الاسلحة صفة ملازمة للنظام الراسمالي وهي احدى اهم وسائل التخلص من الازمات الاقتصادية التي تعاني منها الدول الراسمالية بصورة مستمرة في ايامنا. ومن هذا نرى كيف ان حرب الارهاب العالمية التي تشنها الولايات المتحدة بامكانها ان تعالج الكساد الذي تعاني منه الشركات الاميركية ولو جزئيا ونرى المنطق في ترابط الهدفين اللذين حددهما بوش لحربه العالمية.
حتمية الحرب العالمية في عصرنا
كان لينين هو الذي بحث موضوع تحول الراسمالية الى المرحلة الامبريالية خصوصا في كتابه "الامبريالية اعلى مراحل الراسمالية". وبين في بحثه ان الدول الراسمالية الامبريالية قد اكملت اقتسام العالم فيما بينها وان هذه الدول تسعى الى اعادة اقتسام العالم كل وفقا لمصالحها مما يجعل الحرب العالمية حتمية. ورغم نشوء الاتحاد السوفييتي في سدس الكرة الارضية بقيت الحرب العالمية حتمية في فترة ما بين الحربين العالميتين. ووقعت الحرب العالمية الثانية وكان من نتائجها خروج الاتحاد السوفييتي منتصرا على النازية ونشوء المعسكر الاشتراكي.
وقد وقع على عاتق ستالين واجب دراسة اوضاع ما بعد الحرب العالمية الثانية. ومن النتائج التي توصل اليها ان وجود معسكر اشتراكي لا مصلحة له في الحرب وليست الحروب من طبيعته كما هي من طبيعة النظام الراسمالي جعل الحرب العالمية غير حتمية. وهذا يعني ان خطر الحرب العالمية مازال قائما ولكن احتمال عدم وقوعها ممكن. وعلى هذا الاساس وجه نداءه المشهور "ان السلم سيصان ويتعزز اذا أخذت الشعوب قضية السلام بايديها ودافعت عنها حتى النهاية" . فنشأت حركة السلام العالمية التي ضمت مئات الملايين من البشر من جميع الطبقات الاجتماعية ومن شتى الاتجاهات السياسية والتي كان شعارها الاساسي هو صيانة السلم العالمي ومنع وقوع حرب عالمية جديدة.
دام هذا الوضع حتى سنة ١٩٥٣ اي حتى وفاة ستالين. ولدى استيلاء زمرة خروشوف على قيادة الحزب والدولة وممارستهم سياسة تؤدي الى عودة الراسمالية في الاتحاد السوفييتي. حينذاك تحول الاتحاد السوفييتي من دولة محبة للسلام ومساندة لكل حركة ثورية وتحررية في العالم الى دولة معادية للاشتراكية، معادية للماركسية، معادية للحركة الشيوعية العالمية، ومعادية لكل حركة ثورية في العالم. وتحت قيادتهم تحولت حركة السلام العالمي من حركة مناضلة في سبيل السلام العالمي ومنع وقوع حرب عالممية ثالثة الى حركة مساندة لمفاوضات السلام بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة وسائر الدول الامبريالية وهي مفاوضات عقيمة لا هدف لها الا خدع الشعوب وتضليلها واسدال ستار على سباق التسلح. فتحت ستار مفاوضات نزع السلاح تضاعف انتاج الاسلحة عشرات المرات.
من ذلك الحين اضمحلت امكانية منع الحرب العالمية الثالثة واصبحت الحرب العالمية حتمية كما كانت قبل الحربين العالميتين السابقتين. وقد انتشرت الحروب في هذه الفترة في ارجاء العالم. فليس في العالم بقعة لا تنتشر فيها الحروب التي تمارسها الدول الاستعمارية وخصوصا الولايات المتحدة الاميركية مباشرة او الحروب التي تبدو حروبا اهلية ولو انها صراع امبريالي تحركه وتوجهه الدول الاستعمارية تحقيقا لمصالحها الامبريالية المتناقضة. فالحرب اتسعت واصبحت على نطاق عالمي ولم ينقصها لكي تتخذ صفة الحرب العالمية سوى دخول الدول العظمى علنيا في حرب مباشرة بينها. وفي ١١ ايلول (سبتمبر) انتهى هذا الوضع واعلنت الولايات المتحدة الحرب العالمية رسميا على لسان رئيسها بوش الابن. ولكن هذه الحرب تختلف عن الحربين العالميتين السابقتين اختلافا جوهريا.


طبيعة الحرب العالمية الثالثة
في الحربين العالميتين السابقتين كانت الدول الاستعمارية الكبرى منقسمة على نفسها الى معسكرين يتحاربان من اجل اعادة تقسيم العالم فيما بينهما. ففي كلا الحربين كانت المانيا تحاول ان تغتصب بعض مستعمرات بريطانيا وفرنسا في الحرب. اما الحرب العالمية الثالثة فهي حرب الولايات المتحدة من اجل اغتصاب العالم كله واستعماره وابعاد حليفاتها الدول الامبريالية او ما يدعى بالدول الصناعية السبع او الثماني الكبرى عن كل مصالحها الامبريالية.
في الحربين العالميتين السابقتين لم تدخل الولايات المتحدة الحرب الا مؤخرا ولكنها في كلا الحربين تحولت الى المجهز الرئيسي للسلاح والمواد الاخرى لكلا الطرفين المتحاربين مما ادى الى ازدهارها اقتصاديا ونمو اقتصادها بصورة هائلة. وعند انتهاء الحرب كان عليها ان تجد الاسواق ومصادر الخام اللازمة لمواصلة هذا التطور الاقتصادي الهائل. ولم يكن امام الولايات المتحدة سوى ان تحصل على هذه الاسواق من حليفاتها بريطانيا وفرنسا او من الدول المنهارة المانيا واليابان وايطاليا في نهاية الحرب العالمية الثانية. وقد حققت ذلك سلميا نوعا ما بواسطة مشروع مارشال وباحتلال هذه الدول عسكريا بانشاء القواعد العسكرية الاميركية فيها التي مازالت قائمة حتى يومنا هذا وبواسطة حلف شمال الاطلسي الذي كانت وما زالت هي المسيطرة عليه والموجهة له وفقا لمصالحها.
في الحربين العالميتين السابقتين لم تكن الولايات المتحدة طرفا بهما منذ البداية اما الحرب العالمية الثالثة فقد كانت الولايات المتحدة هي الدولة التي بدأتها وهي التي تنشر فيها جيوشها في ارجاء العالم وهي التي تستخدم فيها اسلحتها المتطورة تكنولوجيا وهي الدولة العظمى الوحيدة التي توجه الحرب وتوجه السياسة العالمية بمفردها وما على الدول الاخرى الا اطاعتها واعلان خضوعها للولايات المتحدة الاميركية.
في الحربين العالميتين السابقتين كانت هناك كتلتان من الدول تحاربان بعضهما بجيوشهما واسلحتهما. اما في الحرب العالمية الثالثة فان الولايات المتحدة تشن حربها على عدو غير منظور، عدو لا جيش له، عدو لا دولة له، عدو غير معروف الهوية، عدو ليس له موقع جغرافي محدد، عدو موجود في ارجاء العالم، عدو اسمه الارهاب. اين هو الارهاب؟ هو في العالم كله في الولايات المتحدة ذاتها وفي الدول الحليفة لها وفي دول العالم اجمع. فالارهاب يشمل اميركا اللاتينية وافريقيا واسيا واوروبا واستراليا. ولذلك فان الولايات المتحدة اعلنت الحرب على العالم كله، فمن ليس معنا هو عدونا ومن لا يحالفنا في محاربة الارهاب هو ارهابي او مؤو للارهاب. وقد حددت الولايات المتحدة محاور للارهاب ودعتها محاور الشر وحددت العديد من الدول التي اما انها تؤوي الارهاب او تؤيد الارهاب او ارهابية. واصبح على الدول ان تقبل احتلال الولايات المتحدة عسكريا بحجة مساعدتها على محاربة الارهاب والقضاء عليه في داخلها والا فان هذه الدول تتعرض الى غضب الولايات المتحدة الذي يؤدي عادة الى احتلالها.
في الحربين العالميتين السابقتين كانت شعوب الدول المتحاربة هي التي تتحمل تكاليف الحرب الباهظة بينما كانت الولايات المتحدة تجتني اقصى الارباح من مبيعاتها الى هذه الدول والى العالم اجمع مما مكنها ان تلقي بعض الفتات لعمالها وفلاحيها اما في الحرب العالمية الثالثة فان الولايات المتحدة هي التي تتكلف بنفقات حربها بالدرجة الرئيسية وهذا ما يؤدي الى تفاقم اوضاع الشعب الاميركي المادية والمعاشية.
تمتاز الحرب العالمية الثالثة بانها حرب ضد الصديق قبل العدو. فمن اجل الهجوم على دولة مثل افغانستان قامت الولايات المتحدة باحتلال باكستان وتاجكستان وقرغيزستان واوزبكستان عسكريا. ولم يكن هذا الاحتلال مؤقتا حتى نهاية الحرب ضد افغانستان بل هو احتلال مستمر الى امد غير مسمى. وكانت الولايات المتحدة قد استخدمت نفس الاسلوب في حربها ضد العراق فيما يسمى بحرب الخليج الثانية بحجة تحرير الكويت. فقد قامت اولا باحتلال كافة دول الخليج مثل السعودية والبحرين والكويت وقطر عسكريا واقامت فيها القواعد العسكرية لا بصفتها دولة احتلال بل بصفتها الصديق الصدوق الذي يقوم باحتلالها من اجل انقاذها من صدام والدفاع عنها ضد عدوانه. ولكن احتلال الخليج ما زال قائما بعد اكثر من عشر سنوات وهو مستمر الى ان تأتي القوة التي تستطيع اخراجها من هذه البلدان.
بدات الولايات المتحدة حرب الارهاب العالمية بالاعداد للهجوم على افغانستان لغرض القضاء على منظمة القاعدة وزعيمها اسامة بن لادن وحكم طالبان وتحرير الشعب الافغاني منها. وفي سبيل ذلك كان على جميع دول العالم ان تحالفها في تلك الحرب. فسرعان ما اعلنت جميع دول العالم تقريبا تحالفها مع الولايات المتحدة في الحرب ضد الارهاب ومساندتها لحربها العدوانية ضد افغانستان. وقد اعطى مجلس الامن الضوء الاخضر للولايات المتحدة لغزو افغانستان واحتلالها فجاءت الحرب تحت راية الامم المتحدة وباجماع المجتمع الدولي كالحروب التي سبقتها مثل كوريا وفيتنام والعراق. ومن المعروف ان الولايات المتحدة استهلكت في حربها لغزو افغانستان اضعاف ما استعمل من الاسلحة المدمرة خلال الحرب العالمية الثانية كلها. وكانت النتيجة احتلال افغانستان احتلالا عسكريا وتنصيب حكومة اشد تأمركا من اميركا فيها واستمرار استعمار افغانستان الى امد غير محدود مع استمرار نهب ثرواتها لزيادة ارباح الراسماليين الاميركان.
خارطة طريق الولايات المتحدة في النزاع الاسرائيلي الفلسطيني
كانت اسرائيل منذ نشوئها حليفة ثابتة للدول الامبريايالية وخصوصا للولايات المتحدة. وكانت سياسة الدول الامبريالية تسليح اسرائيل بحيث تكون دائما في حالة تفوق عسكري على كافة الدول العربية المجاورة لها وغير المجاورة لها. وقد استمرت هذه السياسة بصورة دائمة حتى يومنا هذا.
وجرى احتلال الضفة الغربية وغزة في ١٩٦٧ وبدا كأن الحلم الصهيوني باسرائيل الكبرى قد بدأ يتحقق. فقد تحقق استيلاء اسرائيل على الضفة الغربية وغزة خلال ستة ايام وبمنتهى السهولة واقل التضحيات البشرية. ولكن شيئا كان خفيا على حكام اسرائيل هو ان الحكومات يمكن قهرها والتغلب عليها بالحرب ولكن الشعوب شيء اخر لا يمكن القهر العسكري ان يتغلب عليه. وقد عبر زعيم اسرائيل الاكبر، بن غوريون، عن ذلك بقوله ان الضفة الغربية وغزة هي سرطان اسرائيل. ونشأ صراع الشعب الفلسليني ضد الاحتلال الاسرائيلي بمقاييس مختلفة حسب الظروف ولكن هذا الصراع لم يتوقف ولم تمنعه فرص العمل التي هيأها الاسرائيليون للعمال والفلاحين الفلسطينيين كايد عاملة رخيصة. وحدثت الانتفاضة الاولى وظهر اطفال الحجارة مما ازعج الحكومات الاسرائيلية لان الجيش الاسرائيلي اعد لمحاربة الجيوش ولم يجر اعداده لمحاربة اطفال الحجارة. فقامت اميركا، "راعية السلام"، باعداد خطة اوسلو لانهاء الانتفاضة والدخول في مفاوضات دامت عشر سنوات لم تشهد سوى تنازلات فلسطينية بدون اية تنازلات من قبل اسرائيل ونالت اسرائيل فرصة لتوسيع مستوطناتها وجعلها امرا واقعا، الى ان اقتحم شارون المسجد الاقصى فاشعل نار الانتفاضة الجديدة وانتهى عهد اوسلو عند هذا الحد بدون ان يعطي الفلسطينيين اية مكاسب حقيقية.
كانت الانتفاضة الجديدة اشد عنفا واكثر ازعاجا للحكومات الاسرائيلية وخصوصا عند اشتداد العمليات الاستشهادية او الانتحارية التي اودت بحياة العديد من الاسرائيليين. وقد وعد شارون باخضاع الفلسطينيين وجعلهم يركعون له بالقوة العسكرية فقام الجيش الاسرائيلي بهجماته المتنوعة وبجميع اشكال الاسلحة من قنابل وصواريخ واغتيالات واعتقالات وهدم البيوت وجرف المزارع لاكثر من سنتين فلم يخضع الفلسطينيون ولم تقمع الانتفاضة بحيث اضطر حتى شارون الى الاعتراف بانه لا يمكن ابقاء شعب من ثلاثة ملايين ونصف تحت الاحتلال بصورة دائمة.
وكانت السلطة الفلسطينية في طيلة هذه المدة تطالب الولايات المتحدة والمجتمع الدولي والامم المتحدة بالضغط على اسرائيل واجبارها على الانسحاب من الاراضي المحتلة وازالة المستوطنات ومنح الشعب الفلسطيني حق اقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس واعادة اللاجئين الخ...
وجاءت خارطة الطريق الجديدة التي وعد فيها بوش باقامة دولة فلسطينية في سنة ٢٠٠٥. وتذكرني خارطة الطريق هذه بالمثل الشعبي "عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة". فالدولة الفلسطينية هي عصفور على الشجرة وسيبقى على الشجرة حتى ٢٠٠٥. ولكن هناك عصافير في اليد لا تنتظر حتى ٢٠٠٥. علينا قبل كل شيء ان نلاحظ التوقيت في اعلان خارطة الطريق. فرغم التحدث عن خارطة الطريق وعن قرب اعلانها لم يجر اعلانها رسميا الا بعد غزو العراق واحتلاله عسكريا. وقد اعلن باول وزير خارجية الولايات المتحدة ان على دول الشرق الاوسط كلها ان تتعظ وان تفهم نتائج الحرب العراقية. فما الذي يجب على سورية ولبنان وايران مثلا ان تفهمه من نتائج الحرب العراقية؟ ان اهم نتيجة يمكن استخلاصها هي ان من يقف في وجه الولايات المتحدة الاميركية او يعارضها او يتحدى مصالحها في استعباد العالم كله مصيره مصير العراق. وهذا بالطبع الدرس الذي تريد الولايات المتحدة تلقينه للسلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني. وواضح ان خارطة الطريق لم يجر اعلانها قبل نيل العصفور الاول. فقد كان اول شروط الولايات المتحدة لاعلان خارطة الطريق خلق منصب رئيس وزراء في السلطة الفلسطينية وتعيين محمود عباس (أبو مازن) بهذا المنصب وقد نالت الولايات المتحدة عصفورها الاول وتحقق خلق منصب رئيس وزراء وعين محمود عباس في هذا المنصب وعين معه محمد دحلان وزيرا للامن رغم ارادة ياسر عرفات.
وطعم العصافير لذيذ وكلما تمتعت الولايات المتحدة بطعم عصفور زادت شهيتها للمزيد من العصافير وكما يقول المثل العراقي "اليضوغة يبلش". فتوالت الطلبات على العصافير. فاول عصفور كان اعلان محمود عباس معارضته للارهاب مهما كانت دوافعه واغراضه وحدد الارهاب بانه الاعتداء على المدنيين الاسرائيليين ولم يشمل بالارهاب المجازر التي تجري ضد الفلسطينيين. والعصفور الاخر هو تعهد محمود عباس بايقاف الانتفاضة او ايقاف الارهاب الفلسطيني. والحبل على الجرار.
ماهي حقيقة خارطة الطريق هذه؟ الحقيقة هي ان النزاع الفلسطيني الاسرائيلي ليس في الواقع سوى حرب اميركية هدفها ادامة احتلال فلسطين وارهاب الشرق الاوسط كله عن طريق تسليح اسرائيل ودفعها الى الحرب. فالحرب الجارية في الضفة الغربية ليست من مصلحة الشعب الاسرائيلي. فالشعب الاسرائيلي يقدم الضحايا البشرية كل يوم ويقدم التكاليف الباهظة للحرب ويجعل من شبابه جيشا محتلا يقضي جل حياته في ساحات الحرب وداخل الدبابات مما يشوه حياته كانسان وكرب عائلة. ولا يستفيد من الحرب سوى عدد ضئيل من اصحاب البلايين الاسرائيليين وغير الاسرائيليين.
وليست الحرب في صالح الفلسطينيين الذين يناضلون من اجل حريتهم وانهاء الاحتلال وتحقيق حريتهم في تقرير مصيرهم. فالحرب تؤدي الى الاف الضحايا البشرية والى تدمير البيوت والعمارات وجرف المزارع وتشريد الاطفال اليتامى والقاء الالاف في السجون.
ان خارطة الطريق في واقعها الحالي ليست سوى جزء من خارطة طريق الولايات المتحدة التي تهدف الى السيطرة التامة على العالم كله. فالولايات المتحدة هي الطرف الاساسي في هذه الحرب, والولايات المتحدة هي الامر الناهي في كل ما يتعلق بهذه الحرب. والولايات المتحدة هي التي توجه الاوامر للحكام الاسرائيلييين فيما يجب ان يتخذوه من وسائل لانهاء الحرب لصالحها, والولايات المتحدة هي التي تجهز اسرائيل باشد انواع الاسلحة فتكا لتجربتها على الشعب الفلسطيني. ان الولايات المتحدة في الواقع هي التي تحارب في فلسطين وتتخذ من الشعب الاسرائيلي جيش مرتزقة لها في هذه الحرب ولو ان الشعب الاسرائيلي هو الذي يموله. ولذلك باءت كل النداءات التي توجهها القيادة الفلسطينية وزعماء الدول العربية الموالية للولايات المتحدة بالفشل في دفع الولايات المتحدة الى اجبار اسرائيل على التخلي عن سياستها. فالولايات المتحدة هي العدو وليست هي الراعية للسلام في الشرق الاوسط. ان الحرب الفلسطينة الاسرائيلية هي جزء لا يتجزأ من الحرب العالمية الثالثة التي اعلنتها الولايات المتحدة في ١١ سبتمبر.
ان اخماد الانتفاضة أو انهاء الارهاب كما يسمي ذلك ابو مازن والعديد من زعماء الدول العربية لا يعني بالضرورة انهاء عمليات الاغتيال وتدمير البيوت وجرف المزارع والاعتقالات وغير ذلك. فبالنسبة للولايات المتحدة توجد عمليتان مختلفتان لا علاقة لاحداهما بالاخرى. الانتفاضة والعمليات الانتحارية هي ارهاب ويجب القضاء عليه بكل الوسائل. وثمة عملية اسرائيل في الدفاع عن النفس وهي عملية شرعية بالنسبة للولايات المتحدة وينبغي ان تستمر حتى يتم نزع اسلحة الدمار الشامل التي تهدد امن الولايات المتحدة وامن اسرائيل وامن العالم اجمع من ايدي اطفال الحجارة ولو ان الجيش الاسرائيلي ينتج تلالا من هذه الاسلحة بتدمير العمارات والبيوت وتحويلها الى حجار يستخدمه الاطفال لمهاجمة الدبابات. لذلك ليس غريبا ان يقول رئيس الاستخبارات الاسرائيلي ان اسرائيل تلقت الضوء الاخضر (اي الامر) في مواصلة اغتيال زعماء حماس في الوقت الذي يتشدق بوش وباول بالتأكيد على تحقيق خارطة الطريق. وليس من الغريب ان يظهر باول انزعاجه من اغتيال القواسمة لان ذلك قد يعرقل تنفيذ خارطة الطريق ولكنه في الوقت نفسه يستدرك بان من حق اسرائيل ان تغتاله اذا كانت واثقة من انه يحاول القيام بعمليات ارهابية. وليس غريبا ان تعلن اكثر الفضائيات العربية انزعاج باول بدون ذكر تحفظه واعطاء اسرائيل حق الاغتيال دفاعا عن النفس.
ونسمع كل يوم نداءات القيادات الفلسطينية والعديد من رؤساء الدول العربية للمجتمع الدولي للضغط على اسرائيل. فمن هو المجتمع الدولي؟ هل هناك فعلا مجتمع دولي؟ ان الواقع يثبت ان ليس في العالم مجتمع دولي حقيقي منفصل عن الولايات المتحدة ويشكل ضغطا عليها او رادعا لها. فاذا اعتبرنا الامم المتحدة مثلا مجتمعا دوليا كما هو من المفروض ان تكون فاننا نشاهد ان الولايات المتحدة كانت منذ تأسيسها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم مؤيدة ومساندة لحروب الولايات المتحدة في العالم اجمع. واذا حاولت الامم المتحدة الوقوف ولو مرة في وجه السيطرة الاميركية فان الولايات المتحدة لا تتورع عن اذلال الامم المتحدة وطمس سلطاتها وتأثيرها.ليس في العالم اليوم في الواقع مجتمع دولي حقيقي بل ما يسمى المجتمع الدولي لا وجود له الا حين يقف الى جانب الولايات المتحدة في حروبها.
كذلك نسمع كل يوم عن دور اللوبي اليهودي او اللوبي الصهيوني في التأثير على سياسة الولايات المتحدة ودعوة العرب او المسلمين الى خلق لوبي مشابه ذي تأثير معاكس لتأثير هذا اللوبي اليهودي او لمحاولة ما يسميه بعض الاعلاميين "تحييد الولايات المتحدة". هل يقوم اللوبي اليهودي فعلا بتخطيط سياسة الولايات المتحدة تجاه اسرائيل؟ وهل يشكل هذا التأثير اساسا لدعم الولايات المتحدة لاسرائيل في كل سياساتها؟ اعتقد ان تأثير اللوبي اليهودي على سياسة الولايات المتحدة في اسرائيل او غير اسرائيل ليس سوى ان اللوبي اليهودي هو جزء لا يتجزأ من الادارة الاميركية وبهذه الصفة وحدها يؤثر على سياسة الولايات المتحدة. وليست اسرائيل بالنسبة للوبي اليهودي او للادارة الاميركية سوى احدى الدول المستعمرة اقتصاديا وسياسيا شأنها في ذلك شأن كل دولة مستعمرة اخرى. واسرائيل كما نعلم هي من اكبر مستوردي الاسلحة الاميركية ان لم تكن اكبرها جميعا وهي البعبع الذي يحفز الدول العربية على شراء الاسلحة بعشرات مليارات الدولارات كل سنة من الولايات المتحدة. وليس حرص اللوبي اليهودي على اسرائيل سوى حرصه على الارباح الطائلة التي يجتنيها هذا اللوبي من الامتيازات الاقتصادية التي يحوز عليها في الاقتصاد الاسرائيلي المدني والعسكري. ولو سلك اللوبي اليهودي سياسة مناقضة للسياسة العامة للولايات المتحدة تجاه اسرائيل او غيرها لنبذته الادارة الاميركية ولما كان له اي تأثير على السياسة الاميركية. وهذا هو السبب في ان العرب والمسلمين رغم نفوذهم في الولايات المتحدة لا يستطيعون ان يشكلوا جهازا كاللوبي اليهودي. فاللوبي العربي او الاسلامي من المفروض ان يؤثر على الادارة الاميركية في اتجاه غير اتجاهها الحالي فيما يتعلق باسرائيل وما يسمى دفع الادارة الاميركية على الضغط على اسرائيل لتلبية المطالب العربية في انسحاب اسرائيل من الاراضي الفلسطينية والسماح بقيام دولة فلسطينية مستقلة فيها وعليه ليس لمثل هذا اللوبي امل في الحياة او النجاح. واذا كان لعربي تأثير على سياسة الولايات المتحدة فلا يكون هذا سوى كون هذا العربي جزء من الادارة الاميركية او عميلا لها. فمثلا سمعنا ان بوش عين جنرالا من اصل لبناني للعمل في الجيش الاميركي الذي يحتل العراق. فهل يستطيع هذا الجنرال اللبناني الاصل الذي يتكلم اللغة العربية ان يتصرف في العراق كعربي له سياسة مناقضة للسياسة الاميركية؟ بالطبع لا. فهو جنرال اميركي وموظف اميركي وخادم للسياسة الاميركية. واذا توفر لوبي عربي من مثل هذا الجنرال فلا يكون سوى لوبي عربي يمثل جزءا من الادارة الاميركية شأنه شأن اللوبي اليهودي.
ان خارطة الطريق ليست سوى خطة اميركية لانهاء الانتفاضة واجبار الفلسطينيين او قيادتهم على تقديم المزيد من التنازلات في انتظار تشكيل الدولة الفلسطينية في ٢٠٠٥. ولم تتطرق خارطة الطريق الى نوع هذه الدولة ولا حدودها ولا مدى استقلاليتها. فهي حتى لو نشأت تكون دولة منزوعة السلاح كما يسميها شارون ولا تتمتع بسياسة خارجية مستقلة الى اخر ذلك من الشروط التي تفرضها الولايات المتحدة باسم اسرائيل على الفلسطينيين. اي ان هذه الدولة اذا ما تحققت فانها تكون دولة مهمتها القيام بما يحاول ان يقوم به الجيش الاسرائيلي من قمع حركة التحرر الفلسطينية وتثبيت الاحتلال والاستعمار الحقيقي للضفة الغربية وغزة. ان اللجوء الى المفاوضات بين سلطة لا سلطة لها وبين الولايات المتحدة الخارقة القدرة وحليفتها اسرائيل لا تؤدي الى غير ما تؤديه المفاوضات بين الذئب والحمل، اذ هي في كل الحالات تؤدي الى افتراس الحمل. وان نداءات القادة الفلسطينيين وقادة الدول العربية الموالية للولايات المتحدة الموجهة الى الولايات المتحدة ليست سوى نداءات تافهة يوجهها حليف العدو الى العدو الاساسي في القضية من اجل حل هذه القضية. الولايات المتحدة هي الذئب والسلطة الفلسطينية هي الحمل.
تعهد محمود عباس للولايات المتحدة ولاسرائيل باخماد الانتفاضة وانهاء الارهاب الفلسطيني. وينعكس هذا في شعار الهدنة بين حماس والجهاد وبين اسرائيل لمدة معينة على ان تعلن اسرائيل هدنة مماثلة. والهدنة لا تعني سوى اخماد الانتفاضة. ولكن هل يكفي اعلان الهدنة من قبل حماس لارضاء الولايات المتحدة؟ بالطبع لا. فبعد الهدنة يأتي مطلب نزع سلاح هذه المنظمات وثم مطلب اعتقال زعمائها ومطلب تسليم الزعماء الى اسرائيل للمحاكمة وهلم جرا. وينتفي الاتفاق عند اول مطلب لا يستطيع محمود عباس تنفيذه للولايات المتحدة وقد يتحول حتى محمود عباس الى ارهابي يجب التخلص منه شأنه في ذلك شأن عرفات.
وما يدرينا ان لا يظهر قبل قيام الدولة الفلسطينية في ٢٠٠٥ صياد ماهر يصطاد عصفور الدولة من على الشجرة كما اصطاد عصفور اوسلو بعد عشر سنوات من المفاوضات العقيمة؟ واذ ذاك تمحى كل الاتفاقات المبرمة خلال المفاوضات ويبدأ البحث من جديد عن مفاوضات جديدة تقوم على اساس كل التنازلات التي قدمها الجانب الفلسطيني مع انكار الاتفاقات التي قدمها الجانب الاميركي الاسرائيلي. وتبدأ الانتفاضة الثالثة.