حصاد زراعة ديمقراطية جورش بوش شوز والقرد الاسود بر اك حسين اوباما في العراق هلهولة لحكومة مجرمي سلطة الاحتلال وبرلمان خرسان وطرشان وعميان الاحتلال ياخونة حرامية مصيركم سوف يكون مثل مصير اي عميل اميركي وانكليزي وايراني ومصير اي نظام دكتاتوري جاء بقطار اسيادهم الامبريالين الامريكان

IRAQI REVOLUTIONARY MAOIST ORGANIZATION - IRMO المنظمة الماوية الثورية العراقية - جبهة نجوم الحمراء




الكفاح المسلح الطريق الوحيد للتحرير

الكفاح المسلح الطريق الوحيد للتحرير







2012-12-13

الشيوعيون المرتدون

الرفيق فوأد النمري

ما يستوجب التفسير والعمل عليه هو الحالة العامة السائدة اليوم في الحركة الشيوعية العالمية وهي حالة الإرتداد عن الشيوعية. وما يدهش المرء حقاً هو بدل أن يخجل المرتدون عن الشيوعية من ارتدادهم كونهم قد ضيعوا في الغالب معظم العمر طوعاً في " أسر" الشيوعية، تراهم يفاخرون بكل وقاحة بارتدادهم فيكثرون من تدبيج المقالات التي تدين الشيوعية بوجه عام بزعم أنها طوباوية لدى بعضهم من أمثال غورباتشوف ويلتسن أو لأنها لاإنسانية لدى غالبيتهم. ولو عَدِم جميعهم هذه الحجة أو تلك لتحججوا باللون الأحمر الذي تفضله الشيوعية، وهو لون الدم، بينما هم يفضلون اللون الأزرق، لون السماء والبحر !! بل إن جميع الأحزاب الشيوعية التي ما زالت قائمة بهياكل هشّة لم تنهرْ بعد تستنكر الشيوعية التي قال بها ماركس ولينين وطبقها ستالين بادعاءات متباينة جلّها يقع في إطار الدكتاتورية والشمولية اللاتعددية. وهكذا غدت الشيوعية مستباحة ومستوجبة الاستنكار طالما أنها انهارت متجسدة بمشروع لينين في الثورة الاشتراكية العالمية. هؤلاء المرتدون أشبه بمن راهن على جواد خاسر فلا يعود ينظر إليه كرهاً له بعد أن خسر السباق. هذه ظاهرة تستحق الوقوف عندها بمحاكمة موضوعية طالما كان لها أثر عميق في الفكر السياسي العام وانعكاساته على حركة المجتمع الثقافية والعملاتية بنحوٍ أو بآخر وعلى الحركة الشيوعية بشكل خاص. يبشر البعض من هؤلاء المرتدين بأن الحركة الشيوعية صائرة إلى زوال، وتستبشر الطبقة البورجوازية الوضيعة بهؤلاء خيراً تدعيماً لادعائها الوقح بأن العمل البشري (man-labour) لم يعد العامل الحدي في القيمة الرأسمالية بل هو المعرفة (know-how)، ويرتفع صوتها عالياً يتحدث عما تسميه " إقتصاد المعرفة " . الرأسماليون لم يتحدثوا بمثل هذا الحديث التضليلي الفج حيث أن تجارتهم الوحيدة تتركز في العمل البشري (man-labour) وليس في المعرفة (know-how) . تجارة الرأسماليين تقضي بتوسيع وتعميق طبقة البروليتاريا على العكس من نمط إنتاج البورجوازية الوضيعة المقتصر على الخدمات. تطور إنتاج البورجوازية الوضيعة من الخدمات سعةً وعمقاً ينعكس مباشرة في ضمور طبقة البروليتاريا ومع ذلك يتنادى سقط البورجوازية الوضيعة بين الحين والآخر إلى تنظيم المظاهرات العالمية الكبرى ضد العولمة، وهو ما يشكل إعترافاً منها على أن كلفة إنتاجها من الخدمات لا يتكلف به غير البروليتاريا التي عليها ألا ترحل بعيداً كيما تستمر تدفع من دمها كلفة إنتاج الخدمات.

المتابعة الكثيبة لما يكتبه الشيوعيون المرتدون تبين بكل وضوح أنهم جميعاً تقريباً كانوا من المراهنين على جواد الشيوعية الذي خسر السباق في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات؛ ولذلك تجدهم يتبرؤون منه اليوم ويستنكرونه. لكن بجانب هذه الحقيقة التي تقول فيما تقول بأن جميع هؤلاء الشيوعيين المرتدين والمتبرئين من الشيوعية هم أصلاً من طبقة البورجوازية الوضيعة، ثمة حقيقة أخرى تدل عليها كتاباتهم وهي أنهم جميعاً ودون اشتثناء، في القمة كما في القاعدة، لم يكن لديهم وعي كافٍ في الماركسية. لقد فهم جميعهم خطأً أن انهيار الاتحاد السوفياتي مثّل مباشرة انهيار الماركسية في حين أنه كان البرهان القاطع على صحة الماركسية وكمالها. لقد رأوا بأم العين جواد الشيوعية يخسر السباق لكنهم لم يتحققوا من هوية (الجوكي) راكب الحصان فيما إذا كان شيوعياً أم معادياً للشيوعية. كان قادة الجيش الأحمر بالتواطئ مع نيكيتا خروشتشوف قد أنهوا حياة ستالين واستبدلوه بجوكي آخر هو خروشتشوف الذي لا يعرف ماهية الثورة ولا فنون قيادتها وهو ليس أكثر من أُميّ في علوم الماركسية. الجواد الخاسر هو الجواد الشبيه وعلى ظهره جوكي معادٍ للشيوعية وليس الجواد الشيوعي الأصيل الذي يركبه فارسه الأصيل والذي برهن مراراً وتكراراً أنه الرابح في جميع السباقات. لكن ثمة رذيلة بورجوازية في الانسان لا تدعه يتراجع عن استنكاره، كما الشيوعي المستنكر الذي يتصرف كما العذراء التي فقدت عذريتها. ومثلهم تروتسكي الذي ادّعى أمام الفيلسوف الأميركي جون ديوي في محاكمته الصورية في المكسيك 1937 ـ المحاكمة التي رفض حضورها آنشتاين استنكاراً لها ـ إدعى أن كل الخطط التي طبقها ستالين في الاصلاح الزراعي وفي التصنيع الكثيف تعود إليه كان قد سرق ستالين مخطوطاتها من أرشيفه !! لئن كان الأمر كذلك فلما الغضب والهجوم على ستالين وسياساته؟ لما لا يعود تروتسكي الشيوعي فعلاً إلى موسكو ليشكر ستالين على تطبيق سياساته ويعمل معه يداً بيد !!؟ ـ رذالة البورجوازية الوضيعة تمنعه دون الرجوع إلا زعيماً أعلى وإلى جهنم بالبروليتاريا وبالشيوعية وبئس المصير.

في أطروحته " ما العمل " 1902 أكد لينين أن الوعي الديموقراطي الاجتماعي (الطبقي) لا ينمو ويتطور ذاتياً بين العمال، ولذلك كان أن تمّ استيراده من خارج الطبقة العاملة. وعليه صنّف لينين كارل ماركس وفردريك إنجلز على أنهما من شريحة المثقفين البورجوازيين. كارل ماركس وفردريك إنجلز صاغا نظرية الطبقة العاملة غير أن المثقفين الروس، بليخانوف، لينين، مارتوف وإكسلرود، هم الذين أقاموا منظمات عمالية روسية تستتند إلى النظرية الماركسية الثورية والتي تقدمت حتى تأسيس دولة اشتراكية كبرى للعمال هي الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي، والمثقفون هم دائماً وأبداً من طبقة البورجوازية الوضيعة.
أهم أداة من أدوات المراجعة النقدية لتاريخ المشروع اللينيني هي عدم التغافل عن الأصول الطبقية لقادة البلاشفة، ناهيك عن المناشفة، منذ تأسيس الحزب باسم حزب العمال الاشتراكي الديموقراطي في روسيا عام 1898 وحتى انهيار الاتحاد السوفياتي وكذلك الحزب الشيوعي في العام 1991. أصولهم جميعاً دون استثناء كانت من البورجوازية الوضيعة. لم يتطهر منهم جميعاً من الروح البورجوازية بكل مواريثها البائسة سوى القائدين التاريخيين لينين وستالين. جميع القادة الذين مضوا كتروتسكي وبوخارين وروكوف وكامينيف وزينوفييف، والذين لحقوا كمولوتوف ومالنكوف وفورشيلوف وخروشتشوف وبيريا وبولغانين، ناهيك عن بريجينيف وأندروبوف وغورباتشوف، جميع هؤلاء لم يتطهروا من الروح البورجوازية الوضيعة. فالبولشفي العريق مولوتوف وكان أكثرهم إخلاصاً ومستعداً لأن يفتدي الحزب بروحه لكنه كان مع ذلك يحب زوجته أكثر مما يحب الحزب كما أشار ستالين، وهذا من دلالات الروح البورجوازية الوضيعة. ليس سهلاً حتى على المناضلين الذين قارعو البورجوازية في الصفوف الأولى للطبقة العاملة ودخلوا السجون والمعتقلات بل وضحوا بأغلى ما يملكون، ليس سهلاً عليهم أن يتطهروا من الروح البورجوازية الوضيعة التي سكنت الجنس البشري آلاف السنين ـ لنأخذ مثالاً على ذلك نيكيتا خروشتشوف، وكانت قضية الشيوعية لديه قضية مصير حارب من أجلها في الحرب الأهلية وحروب التدخل 1917 ـ 1921 ثم خاض الحرب الوطنية في كبرى معاركها ضد النازية 1941 ـ 1945، وقام بكل الوظائف الموكولة إليه على الوجه الأفضل، هذا القائد الشيوعي المقدام رضي لنفسه أخيراً أن يتآمر مع جنرالات الجيش من أجل أن يكون الرجل الأول على رأس الهرم السلطوي في الاتحاد السوفياتي، وكان ثمن ذلك إلغاء مقررات المؤتمر العام التاسع عشر للحزب بقرار من اللجنة المركزية في سبتمبر ايلول 1953 ظنا منه أن قراراً مثل ذلك القرار لن يأتي على مستقبل الشيوعية وهو ما تحقق من ذلك فقط في العام 1964 حين أطاح به نفس الجنرالات الذين كانوا قد حملوه إلى القمة في العام 53.
من هنا عندما خاطب ستالين هيئة المندوبين لمؤتمر الحزب التاسع عشر للحزب الشيوعي في نوفمبر 1952 قائلاً.." ليس هؤلاء من سيوصلونكم إلى الشيوعية "، مشيراً إلى رفاقه في البريزيديوم على المنصة، كان يعني بالضبط أن أعضاء البريزيديوم الأحد عشر الباقين ليسوا أمناء على مصائر المشروع اللينيني. لذلك طالب بانتخاب 12 عضوا إضافياً من الشباب المتحمسين لقضية الشيوعية كي يكون عدد أعضاء البريزيديوم 24 وليس 12 فقط توفيراً لضمانةً أقوى لمصائر الثورة. وهكذا كان انهيار الثورة الاشتراكية احتمالاً وارداً لدى ستالين في حين أن مثل ذلك الاحتمال لم يكن وارداً عند أي شخص آخر في العالم بمن في ذلك الأعداء.. انتخب المؤتمر 12 عضواً إضافياً لكن البريزيديوم الاثني عشر ـ بل الأحد عشر بعد وفاة ستالين ـ في اجتماعه الخياني قبل أن يوارى ستالين الثرى ألغى ذلك القرار توطئة لإلغاء مجموع قرارات المؤتمر العام التاسع عشر للحزب. ما كانت اللجنة المركزية لتلغي تلك القرارات في اجتماعها في سبتمبر ايلول 53 لو انضم الأعضاء الاثناعشر الإضافيون للبريزيديوم. قرار سبتمبر ايلول 53 هو ما انتهى إلى تدمير المشروع اللينيني وانهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1991. وهذه هي الحقيقة التي أوّلَها العامة فيما بعد على أن الاتحاد السوفياتي استنفذ نفسه في سباق التسلح حيث أن مقررات مؤتمر الحزب الملغاة كانت ضد التسلح وقد خصصت معظم موارد الدولة للصناعات الاستهلاكية ولرفاه الشعب وهو ما لا يرضاه العسكر بالطبع الذين تفاهموا مع خروشتشوف لاستبدال الصناعات الخفيفة بالصناعات الثقيلة والهدف كان الصناعات العسكرية.
الرِدّة، وقد غدت اليوم الحالة العامة في الحركة الشيوعية، إنما تتأتّى أولاً وأخيراً من الجين الوراثي للأصول البورجوازية الوضيعة، ذلك الجين الذي يظل يعمل في الشيوعي ذي الأصول البورجوازية الوضيعة بغض النظر عن كل الشروط الصعبة لمعارك الصراع الطبقي التي يخوضها. الشيوعي ذو الأصول البروليتارية يخوض مختلف معارك الصراع الطبقي دفاعاً عن الذات البروليتارية خلافاً للشيوعي ذي الأصول البورجوازية الوضيعة الذي يخوض معارك الشيوعيين انتصاراً للآخر، للطبقة المعادية لطبقته في الأصل، وهو الذي تبنته البروليتاريا رغم أن جيناته الوراثية ليست من جينات البروليتاريا.
الجين الوراثي للأصول البورجوازية الوضيعة لا يعطل فعله سوى الوعي الاجتماعي، الاقتصادي السياسي، وهو في إحياءٍ يومي دون توقف. الشيوعيون الذين ارتدّوا جهاراً والشيوعيون الذين ارتدوا فعلياً دون الجهر بالردة من مثل " الشيوعيين " في الهياكل الهشة التي ما زالت قائمة لأحزاب الأممية الثالثة بالرغم من أن أسباب قيام الأممية الثالثة لم تعد قائمة، هؤلاء وأولئك لم يمتلكوا من الوعي الماركسي ما يكفي لاتقاء بؤس الإرتداد. ارتدوا وباتوا يرطنون رطانات لا دلالات لها في مجتمعاتهم. وكيلا تعاب عليهم مثل تلك الرطانات المعيبة في كل اللغات لجأوا إلى تبني خطاب المخابرات الانجليزية القديم الذي يطعن بشرف البلاشفة وعلى رأسهم ستالين. لم يعد في أفواههم سوى تفوهات المخابرات الانجليزية التي كانت تستغل جهل شعوب الشرق بالثورة البلشفية وبقادتها فتقص عليها قصصاً من نسج الحقد والكذب الوقح. لإفلاس هؤلاء المرتدين في تبرير ارتدادهم يلجؤون إلى استعارة خطاب المخابرات الانجليزية القديم في شتم البلاشفة وتجريم ستالين بدون أدنى مسوغات، باطلها يختزي به البطلان. من هنا فقط تتعالى اليوم الحملة على ستالين بالرغم من مرور 60 عاماً على رحيله، الأمر الذي ليس له من تفسير سوى جوف هؤلاء المرتدين وإفلاسهم بالإضافة إلى عظمة ستالين القاهرة. شعوب اليوم لم تعد تعيش في ظلمات الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي فهي تقرأ التاريخ الحديث بكل تفاصيله وتعرف جيداً أن البلاشفة بقيادة ستالين بنوا للعمال أقوى دولة عبر التاريخ، دولة أقامت أسس الحرية والديموقراطية في العالم، حيث لولاها لقبض النازيون على مقاليد الأمور في العالم كله لألف عام واستعبدوا مختلف الشعوب كما عبيد روما. ولولاها لما تفجرت ثورة التحرر الوطني في العالم وحصلت مختلف الدول المحيطية على استقلالها الأمر الذي تسبب بانهيار النظام الرأسمالي الإمبريالي من أساسه إلى غير رجعة. ليرجعْ مثل هؤلاء المرتدين الخونة إلى الصحافة الأميركية والبريطانية خلال سنوات الحرب الصعبة وكيف كانت تعتبر الاتحاد السوفياتي بقيادة ستالين منقذها ومخلصها من أنياب الغول النازي الفاشي في ألمانيا وإيطاليا واليايان. فحين كان ملك بريطانيا العظمى ورئيس وزرائها يؤكدان امتنان شعوب بريطانيا مدى الحياة لشعوب الاتحاد السوفياتي وقائدها ستالين، كان الشعب الأميركي وعلى رأسه ترومان يعلم تماماً أنه بدون المساعدة السوفياتية الحربية لن تستطيع الولايات المتحدة قهر العسكرية اليابانية. هذه هي الحقيقة التي أراد ترومان أن يمحوها من ذاكرة الشعب الأميركي بإلقاء القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناغازاكي اللتين لم يكن لهما أثر حاسم في الحرب.

توقف قلب ستالين عن الخفقان في الساعة التاسعة والنصف من مساء اليوم الخامس من مارس آذار 1953 وبعد أقل من إثنتي عشرة ساعة، عقد البريزيديوم، الأحد عشري بعد غياب ستالين، جلسة في صباح اليوم التالي قرر فيها إلغاء قرار المؤتمر العام للحزب الذي اتخذه قبل أربعة أشهر فقط بتوصية من ستالين والقاضي بتوسيع البريزيديوم ليكون من 24 عضواً. بعيداً عن الشكوك في أمر وفاة ستالين المفاجئة، فإن الاستعجال في اتخاذ البريزيديوم قراراً بإلغاء توسيع البريزيديوم ليضم 24 عضواً الصادر عن المؤتمر العام للحزب تفوح منه رائحة الخيانة، خليك عن أن قرارات المؤتمر العام للحزب واجبة التطبيق ولا يلغيها سوى مؤتمر عام آخر. كان المؤتمر العام التاسع عشر للحزب في نوفمبر 52 قد سمّى 12 عضواً إضافياً بناء على طلب ستالين لخشيته على مصير الثورة بين أيدي الأحد عشر عجوزاً الأقدمين. بقاء البريزيديوم على ما كان عليه يعني وكما أشار ستالين المخاطرة بمصير الثورة، كما يعني أيضاً دون شك أن بريزيديوم العواجيز ينوي اتخاذ قرارات لا يقبل بها ستالين ولا الأعضاء الإثناعشر المستجدون. بالفعل اقترف بريزيديوم العواجيز الخيانة العظمى التي ستظل مثال الخيانة العظمى مدى التاريخ. لقد دعا البريزيديوم الأحد عشري اللجنة المركزية للانعقاد في سبتمبر ايلول 53 حيث اتخذت قرارا بإلغاء مقررات المؤتمر العام التاسع عشر بالإضافة إلى تنحية مالنكوف ليحل محله خروشتشوف المتعاون مع جنرالات الجيش. ما من خيانة مفضوحة أخرى مثل هذه الخيانة!! فليس للجنة المركزية أية سلطة تخولها إلغاء أو تجاوز مقررات الهيئة العامة للحزب، بل إن اللجنة المركزية منتخبة أساساً لتنفيذ مقررات المؤتمر العام لا أكثر ولا أقل. وثمة شكوك في شرعية دعوة اللجنة المركزية للإنعقاد حيث تُدعى اللجنة المركزية للإنعقاد للبحث في موضوع واحد محدد في الدعوة نفسها ويستبعد أن تكون تلك الدعوة قد حددت موضوع البحث الذي تركّز في إلغاء مقررات المؤتمر العام التاسع عشر للحزب الشيوعي.
ألغى ذلك الاجتماع الخياني الخطة الخمسية التي أقرها المؤتمر التاسع عشر والتي قضت بتوجيه الانتاج العام نحو الصناعات الاستهلاكية الخفيفة مستهدفة رفع مستوى حياة البروليتاريا السوفياتية إلى ما لا يوازية أرقى مستوى في أغنى الدول. لقد عرف ستالين ما عكسته القوى العسكرية السوفياتية في مواجهتها للعسكرية النازية الضخمة على مختلف الشعوب وخاصة في أوروبا الغربية وهو ما أثر في انزياحها إلى اليسار باعتراف شيرتشل في مؤتمر يالطا 45، وعليه كان هدف ستالين أن يحقق قفزة عريضة في عبور الاشتراكية كي ترى شعوب العالم وفي أوروبا الغربية تحديداً أن النظام الاشتراكي مؤهل أيضاً ليحقق تفوقاً في القدرات المدنية لما يفوق قدراته العسكرية. كان الحزب الشيوعي بقيادة ستالين يتأهب في العام 1952 لتحقيق أعظم ثورة اشتراكية في السنوات الخمس التالية، ثورة تصل إلى عتبة الشيوعية حيث تنعم البروليتاريا برغد لم يسبق للبشرية أن عرفت مثله. كان سيتم عبور الاشتراكية بصورة قاطعة غير قابلة للرجوع. لذلك تحديداً وجهت البورجوازية الوضيعة ضربتها القاضية لرأس الثورة الاشتراكية في الوقت الحرج فنجحت في ترحيل ستالين عن طريق تسميمه في الأول من مارس آذار 1953 وإلغاء كامل مقررات الهيئة العامة للحزب في سبتمبر ايلول من نفس العام. الانحراف الذي انحرفته قيادة الحزب في العام 1953 كان لا بد أن ينتهي بانهيار الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي كما بانهيار استقلال دول العالم الثالث بالتبعية.

يتجاوز المرتدون عن الشيوعية وقائع التاريخ حتى أكبرها وهي الحرب العالمية الثانية ليزعموا أن انهيار الاتحاد السوفياتي إنما جاء بسبب الستالينية رغم أن هؤلاء المرتدين أنفسهم لم يكن الانهيار في حسبانهم. لا يجوز أن تصل الوقاحة بهؤلاء لأن يزعموا بأن الانهيار جاء بسبب الستالينية بينما ستالين نفسه كان قد حذر من الانهيار قبل وقوعه بنصف قرن. بل إن لينين كان قد حذر من الانهيار في ديسمبر 1922 في حالة انفكاك التحالف بين العمال والفلاحين (الخطة الخمسية 52 – 56 كانت ترمي لمحو طبقة الفلاحين). في العام 1963 ولدى قراءتي في السجن تقرير خروشتشوف للمؤتمر العام الثاني والعشرين للحزب 1961 وفيه يؤكد بزوغ فجر الشيوعية في العام 1990، أكدت للرفاق معي في السجن أن الاتحاد السوفياتي سينهار في العام 1990. استشرافي الانهيار الذي تحقق بعد ثلاثة عقود لم يكن إلا بقراءة ستالينية لتقرير خروششوف للمؤتمر الثاني والعشرين للحزب الشيوعي. نحن اللينيين وعلى رأسنا معلمنا البولشفي يوسف ستالين كنا ندرك خطورة الصراع الطبقي على المشروع اللينيني ونتوجس خيفة من الانهيار، فكيف يُعزى الانهيار والحالة هذه إلى الستالينية!؟

مثقفو البورجوازية الوضيعة الذين كانوا قد ورّدوا الماركسية، نظرية الطبقة العاملة، إلى داخل الطبقة العاملة عادوا يسحبونها اليوم إلى خارج صفوف البروليتاريا. صحيح أن ارتداد المثقفين وتشويههم للماركسية عن قصد وغير قصد لأجل سحبها إلى خارج البروليتاريا إنما سببه الأساسي هو الجين البورجوازي الموروث في المثقفين المتمركسين، لكنه صحيح أيضاً أن هؤلاء المثقفين لم يمتلكوا الوعي الكافي لتعطيل أثر الجينات البورجوازية في طموحاتهم الذاتية. ما كان قد حدا بهؤلاء المثقفين إلى الإنضمام إلى معسكر البروليتاريا وحتى إطلاق النار على جبهة آبائهم البورجوازية إنما هو قوى التعقل في أبنية الماركسية الفلسفية والإقتصادية والسياسية. علوم الماركسية هي وحدها التي تمكنت من نقل الفلسفة والتاريخ من دائرة الآداب إلى دائرة العلوم. راهنت جيوش المثقفين الجرارة من البورجوازية الوضيعة على جواد الماركسية ليس لسبب آخر غير قوة بنية الجواد التي تؤهله لأن يسبق كل الجياد الأخرى. راهنت كي تكسب هي نفسها قبل أن تكسب البروليتاريا.

نحن هنا في سياق تعليل ردّة مثقفي البورجوازية الوضيعة على الشيوعية بصورة عامة وفك رهانهم على جواد الماركسية منسحبين كليّاً من جبهة البروليتاريا عائدين أدراجهم إلى حيث هم كانوا قد تخلّقوا أصلاً في مستنبت البورجوازية الوضيعة، نحن هنا لنقول أن ذلك لم يكن بسبب الجين البورجوازي الموروث فقط والذي استعاد حيويته إثر انهيار المعسكر الاشتراكي، بل أيضاً بسبب جهل هؤلاء المثقفين بأسباب قوة جواد الماركسية. إنجذب هؤلاء إلى الماركسية وتبنوها مرشداً لهم لكن من دون أن يتعمقوا في دراسة علومها. جهلهم هذا تفضحه كتاباتهم الارتدادية التي تثير الاستغراب من ماركسية هؤلاء البورجوازيين. كيف لمن يشط مثل هذا الشطط أن يدعي بأنه كان يوماً ماركسياً !؟ الماركسية ليس خياراً، إمّا أن يكون المرء ماركسياً أو لا يكون ! الماركسية علم تواجد قسمه الاجتماعي منذ ظهور المجتمعات البشرية على الأرض، وقسمه الفلسفي (الديالكتيك) منذ الأزل. أولئك الذين يرفضون الماركسية بسبب ضيق الأفق أو الموقف الرجعي عليهم أن يعلموا أنهم هم أنفسهم خاضعون لقوانين الطبيعة ولقوانين المجتمع كذلك، وهذه وتلك تشكل سقوف البنيان الماركسي حيث يستظل هؤلاء الرافضون مرغمين. الماركسية إنما هي قوانين الطبيعة وقوانين الحياة وما إنكار قوانين الطبيعة والحياة غير الكفر المطلق بقيمة الحياة البشرية.
بقي أن أقول أن ما يعضد هؤلاء المرتدين على الماركسية هو قيام بعض الأدعياء بعرض "ماركسياتهم" الفائقة الرثاثة فيما يوفره الحوار المتمدن من مساحات للكتابة لمثل هؤلاء الأدعياء الذين توفر أميتهم السياسية والمعرفية سلاحاً ماضياً تجيد البورجوازية الوضيعة استخدامه ضد العمل الشيوعي. من واجبي أن أسمي هؤلاء الأدعياء بالاسم خدمة للعمل الشيوعي إلا أن قواعد النشر في الحوار تحول دون ذلك كما أن ألسنة السوء لدى هؤلاء الأدعياء طويلة ولن توفر محرّماً لا تقترفه. الماركسية ليست مثل طوابع البريد يجمعها الهواة في انطباعات منفصلة كي يدعوا بالتالي العلم في الماركسية وهم خواة جوف كالطبل يعلو صوته أكثر كلما كبر جوفه وازداد خواءً.

سياسة الانهاك لتحطيم الثورة

الرفيق حسقيل قوجمان

 
سياسة الانهاك لتحطيم الثورة
بعد اسابيع يحتفل الشعب المصري بمرور سنة على اعظم ثوراته. ولكن الثورة لم تحقق بعد ايا من اهدافها في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية بل لم تحقق حتى ابسط اهدافها الاقتصادية.
كانت الثورة بالملايين من شبابها مفاجـأة لكافة عناصر نظام الحكم الذي رزح تحت نيره الشعب المصري ثلاثين عاما. وكان طبيعيا ان تلجأ السلطات الى وسائلها المألوفة في قمع الثورات عن طريق الشرطة والجيش والاعتقالات والتعذيب وغيرها. ولكن الثورة هذه المرة اثبتت صمودها البطولي ضد كافة هذه الاجراءات مما اقنع السلطات بان الاساليب القديمة لم تعد كافية لاخماد الثورة والقضاء على قادتها والناشطين فيها. فقرروا اتخاذ وسائل اخرى لتحطيمها والقضاء عليها.
في الظاهر او ما يدور في الاوساط السياسية هو ان المجلس العسكري اجبر حسني مبارك على التخلي عن رئاسة الجمهورية. ولكن المنطق يوحي الى خلاف ذلك. يبدو ان قناعة السلطة بعدم جدوى الهجوم العسكري والبوليسي على الثورة لاخمادها اضطرتها الى وضع خطة جديدة بالاتفاق مع حسني مبارك او باقناعه على التخلي عن مهام رئاسة الجمهورية واعدين اياه بعدم تغير اي شيء جراء ذلك. ربما وعدوه بان المجلس العسكري بخطته الجديدة سيفلح في احباط الثورة ويعيد الامور الى نصابها وربما حتى اعادة حسني مبارك او جمال مبارك الى رئاسة الجمهورية. وعلى كل حال فان الاعلان عن تخلي حسني مبارك عن مهام رئاسة الجمهورية يمكن منطقيا انكاره لان مبارك لم يعلن عن ذلك شخصيا. اضف الى ذلك ان تخليه عن مهام رئاسة الجمهورية لا يعني بالضرورة تخليه عن مهامه الاخرى ومنها مثلا رئاسة المجلس العسكري.
وعلى اي حال تخلى مبارك عن مهام رئاسة الجمهورية واستلم المجلس العسكري برئاسة المشير طنطاوي خادم مبارك لاكثر من عشرين عاما ادارة شؤون البلاد سياسيا وقانونيا وقضائيا وتنفيذيا وعسكريا وبوليسيا واعلاميا بامر من الرئيس المتخلي عن مهامه. ويرى الكثير ان هذا التكليف غير قانوني وغير دستوري.
بصرف النظر عن شرعية سيطرة المجلس العسكري على الحكم او عدم شرعيتها فانها اصبحت واقعا وحتى اضفي عليها طابع الشرعية الثورية، اي ان الثورة هي التي منحت المجلس العسكري حق الاستيلاء على السلطة وان شرعية سلطة المجلس العسكري هي من الثورة. ويذكر ان الطنطاوي نزل الى ميدان التحرير فقوبل بالترحيب والهتافات. سلطة المجلس العسكري اصبحت امرا واقعا. فما هي خطته الجديدة لاحباط الثورة واعادة نظام مبارك الى اسوأ مما كان؟ يبدو لي انها سياسة الانهاك ثم الهجوم العام.
ما معنى سياسة الانهاك؟ معناه ترك الثوار بملايينهم يتظاهرون ويعتصمون كما يشاؤون. يهتفون بما شاء لهم من هتافات ويطالبون بما يريدون من مطاليب. ولكن المجلس العسكري لا يلبي ايا من هذه المطاليب ولا يعير لملايين المتظاهرين اي اهتمام. ولابد للثوار ان يتعبوا ويملوا من هذه المظاهرات والاعتصامات ويعودوا الى ديارهم واذذاك تسنح الفرصة للمجلس العسكري ان يشن هجومه العام على قيادات وناشطي الثورة بموجب قانون الطوارئ وينهي هذه الثورة او الفورة حسب تعبيرهم.
قدر حسني مبارك هذه الفترة التي سماها الفترة الانتقالية بستة اشهر وحددها المجلس العسكري بعد تخليه بستة اشهر حسب تقدير قائدهم. ولكننا اليوم نرى قرب انتهاء السنة الاولى من الثورة ولم يتحقق هدف المجلس العسكري في اخمادها او انهاكها. فبقيت جماهير الثورة تنادي بمطالبها وتهتف بشعاراتها وبقيت السلطة العسكرية تتجاهل هذه الاهداف والمطالب بدون ان تغير من نظام مبارك اي شيء.
لنأخذ على سبيل المثال احكام الطوارئ. احكام الطوارئ ظروف شاذة تلجأ اليها الدول عادة عند الشدائد. ونظام الطوارئ يعني الغاء جميع القوانين والدستور والحكم وفقا لهذا النظام الذي لا يلتزم بقانون او دستور. تعلن الدول قانون الطوارئ عند الشدائد كاعلان الحرب او السونامي او الفيضانات المدمرة او الهزات الارضية الشديدة الخطورة لكي تسنح لها الفرصة في التصرف بالطريقة التي تحتمها هذه الشدائد بدون اللجوء على الدستور والقانون. ولكن في كل الاحوال تكون فترة احكام الطوارئ مقصورة على مدة ضرورة ممارستها لمعالجة الظروف القاهرة التي فرضتها. ولكن الشعب المصري عاش ثلاثين عاما تحت قوانين الطوارئ ولم يهنأ بيوم واحد يعيشه بدون قوانين الطوارئ. واعلن حسني مبارك في خطابه الاخير انه سيفكر بالغاء قانون الطوارئ بعد انتهاء الفترة الانتقالية. ولكن لحد اليوم لا الفترة الانتقالية انتهت ولا احكام الطوارئ الغيت.
ولكن الثورة لم تبلغ لحد الان وضع الانهاك الذي يريده المجلس العسكري لبدء هجومه العام على الثورة. ولم يقتصر المجلس العسكري على تجاهل الثورة وعدم الاستجابة لها وانما اتخذ اجراءات اخرى للتعجيل في انهاكها. لنأخذ على سبيل المثال فحص بكارة الفتيات الثائرات. ان هذا الفحص اعتداء صارخ على شرف وعفة الفتيات اللواتي اجري الفحص عليهن. بل ان هذا الفحص اعتداء على شرف وعرض عوائل هؤلاء الفتيات. انه اعتداء على شرف الشعب المصري كله بكل فتياته وابائهن وامهاتهن واخوتهن واخواتهن. انه اعتداء لا اعتقد انه اجري في اي بلد اخر حتى في البلدان النازية. ولكن ما علاقة الثورة والثائرات بغشاء بكارتهن؟ هل يدل وجود الغشاء على ان الفتاة ثائرة وعدم وجود الغشاء على ان الفتاة بلطجية وارهابية؟ ليس هناك حتى لدى المجلس العسكري اية حجة تبرر هذا الفحص. ولكن المجلس العسكري ابتكر مثل هذا الفحص من اجل تسريع هدفه الاساسي، هدف انهاك الثورة. فقد توخى ان الفتيات سينسحبن من ميدان الثورة تحاشيا لاجراء مثل هذا الفحص عليهن وان عوائل الفتيات تجبر فتياتهن على التخلي عن الاشتراك في الثورة لتحاشي تعرضهن لمثل هذا الاجراء اللا انساني المهين. ان اتخاذ مثل هذه الخطوة اللا انسانية الوحشية كان مدروسا ومقررا بغية سحب الجنس النسائي من الثورة وتحقيق جزء كبير من هدف انهاكها.
اضافة الى هذه الاجراءات اشترى المجلس العسكري جميع وسائل الاعلام للدعاية ضد الثورة. اننا نرى بام اعيننا اليوم وسائل الاعلام التي تكيل كل اصناف الاتهامات للثورة وللثوار. راينا اعتبار الثورة فورة وليست ثورة. راينا اتهام الثوار بالبلطجية والمخربين ومدمري مؤسسات الدولة والقائمين باعمال السلب والنهب. نرى اتهام الثورة بانها ممولة من الخارج. نرى اتهام الثورة بانها سبب التدهور الاقتصادي وانخفاض السياحة وخسائر البورصة وغيرها. نرى التهديد الحكومي بتعرض مصر الى الانهيار الاقتصادي بسبب الثورة والى اخر ذلك من دعايات وسائل الاعلام لابعاد الناس عن الثورة وتحقيق هدفها في انهاك الثورة.
طيلة هذه السنة من عمر الثورة لم يتفضل المجلس العسكري بالاجتماع الى ممثلين من الشباب الثائر وكل مشاوراته اقتصرت على الاتصال ببعض الاحزاب التي كانت ممالئة لنظام مبارك من اجل عقد التفاقات مع المجلس ضد الثورة.
الثورة المصرية ثورة شعبية سلمية. ولكنها ثورة سلمية من جانب واحد. فالجانب الثاني، نظام مبارك الذي مازال حاكما برمته ولم يتغير منه اي شيء، لا يعترف بسلمية الثورة بل يهدف الى تحطيم الثورة بكل ما لديه من قوى. والثورة السلمية بطبيعتها لا تستطيع تحقيق اهدافها بقواها الخاصة ولذلك فهي تطالب اعداء الثورة بمنحها المطالب التي تهدف الى تحقيقها. مثال واحد هو مطلب تشكيل حكومة انقاذ وطني. تريد الثورة انشاء حكومة انقاذ تنقذ الثورة من اعدائها. ولكنها لم تستطع بقواها الخاصة ان تفرض مثل هذه الحكومة وبقيت تطالب عدو الثورة، المجلس العسكري، بمنحها حكومة انقاذ وطني. وشكل المجلس العسكري حكومة الجنزوري مطلقا عليها اسم حكومة الانقاذ. تطالب الثورة بحكومة انقاذ تنقذها من اعداء الثورة فعين المجلس العسكري حكومة انقاذ لانقاذ نظام مبارك من الثورة. وقد راينا ان اقدام وزارة الجنزوري تلوثت عند دخولها مقر الوزارة بدماء الشعب المصري المنهار في ساحتها.
ينتظر المجلس العسكري انهاك الثورة وتباطأها لشن هجومه العام لتحطيم الثورة وشن حرب ابادة على الثوار وقادتهم. ولكنه من حين الى اخر يشن هجمات جس النبض مثل ما حدث في الايام الاخيرة حين هجم العديد من الجنود والضباط هجوما وحشيا شاهدناه على شاشات التلفزة ولم يشاهده الجنزوري او الطنطاوي. هجوم وحشي لا يمكن اعتبار القائمين به بشرا كالهجوم بالعشرات على جسم ملقى على الارض والقفز على صدورهم وتعرية الفتاة وسحبها من شعرها. وعند فشل الهجوم يعلن المجلس العسكري عن معالجة المصابين في مستشفياته وتعويض عوائل الضحايا بدفع مبلغ من المال بدلا من ابنتهم او ابنهم المقتول. لا نهاية لسرد مثل هذه المآسي الاجرامية.
انا لست من شباب الثورة وليتني كنت منهم وانا لست مصريا ويشرفني لو كنت مصريا. ولكني احب الشعب الصري كما احب شعبي وكما احب شعوب العالم اجمع بلا استثناء. وكمراقب من بعيد اشعر واتلمس الخطر المحدق بهذه الثورة السلمية من اعداء لا يتورعون عن اقتراف ابشع الجرائم ضد الانسانية من اجل تحطيم الثورة والحفاظ على نظامهم. افكر في هذه الثورة السلمية وفي كيفية انقاذها من الهجوم القادم الذي يبيته ويعد له النظام القائم او الحد من شراسته على الاقل.
يبدو لي ان هذه الثورة السلمية حتى النهاية ينبغي ان ترفق بثورة سليمة اخرى لا تجري في ساحة التحرير او ساحات التحرير في ارجاء القطر المصري. ثورة سلمية اخرى تجري في كل بيت ووسط كل عائلة مصرية.
ان النظام المعادي للثورة لا يستطيع تنفيذ هجومه بدون الاستعانة بالجيش المصري والشرطة المصرية. وافراد الجيش وافراد الشرطة والمراتب الدنيا من الجيش والشرطة هم ابناء العوائل المصرية. لكل فرد او ضابط مصري اباء وامهات واخوة واخوات وابناء وبنات. اعتقد ان الثورة السلمية داخل العوائل المصرية هي العمل على كسب ابنائها من افراد وضباط الجيش والشرطة الى جانب الثورة السلمية في ميادين التحرير بحيث انهم يعصون اوامر الهجوم على الشعب المصري وشن حرب ابادة على الثورة السلمية في الميادين. ان كسب افراد الجيش ومراتبه الدنيا قد يحبط او يضيق من قدرة اعداء الثورة على شن الهجوم على الثورة من اجل تحطيمها. بل قد يشكل عصيان هؤلاء على الهجوم سد دفاع عن الثوار اثناء الهجوم. ان صيانة الثورة في ميادين التحرير بحاجة الى ان تساندها ثورة سلمية اخرى في كل بيت مصري وفي كل عائلة مصرية.

نحتاج الى شطف ادمغتنا ٧

الرفيق حسقيل قوجمان

 
نحتاج الى شطف ادمغتنا ٧
ملاحظة: في الحقيقة كتبت هذا المقال مباشرة بعد كتابة الحلقة السادسة تحت نفس العنوان. وادى نشوء النقاش الطويل حول قانون فائض القيمة الى اهماله او نسيانه. ارسله اليوم للنشر كما كتبته في حينه.


احدى الاتهامات التي توجهها بعض الاحزاب او المنظمات او الجماعات التي تسمي نفسها يسارية او شيوعية هي ان الثورة الاشتراكية لم تلغ الدولة. وتضع بعض الاحزاب في برامجها شعار الغاء الدولة بعد الثورة الاشتراكية. ويبرر هؤلاء اتهامهم على اساس ان الماركسية تؤمن بزوال الدولة من المجتمع. والماركسية فعلا تعتبر ان الدولة شيء زائل نتيجة لتقدم البشرية. ولكن متى وما هي الظروف التي تحقق زوال الدولة وفقا للنظرية الماركسية؟ هذا ما احاول بحثه في هذا المقال.
الدولة لم تنشأ بارادة انسانية او بقرار حكومي وانما نشأت بايجابياتها وسلبياتها بضرورات حتمية جابهت المجتمع. فمنذ اقدم الاوقات وجد الانسان نفسه مضطرا الى القتال من اجل الحفاظ على ارضه او ممتلكاته فنشأت بالضرورة فئات محاربة تطورت سلطتها بتطور المجتمع وزيادة الضرورة لانشاء قوات مسلحة اما للدفاع او للهجوم. وتحول المجتمع من حياة الصيد الى حياة الزراعة اوجد ضرورة تنظيم الري وبناء السدود وغير ذلك من التطورات التاريخية التي طرأت لدى نشوء المجتمع الطبقي الى الدولة بكل مؤسساتها. فالدول نشأت تدريجيا وعن طريق الحاجات الضرورية التي جابهت الانسان. وزوال الدولة هو الاخر لا يجري بارادة شعبية او بقرار اداري او حكومي او حزبي وانما يتحقق بصورة تدريجية ووفقا للظروف التي تحتم زوالها.
ماهي الدولة؟ يمكن الجواب على هذا السؤال باجابات مختلفة وفقا للغرض الذي يراد التوصل اليه من السؤال. واحد هذه الاجوبة هو ان الدولة اداة طبقية يحتمها وجود طبقة تستغل المجتمع وطبقات تستغلها هذه الطبقة. وهذا يعني ان الدولة ضرورة طالما تألف المجتمع من طبقات مستغلة وطبقات مستغلة. ولا يمكن ازالة الدولة بقرار او وفقا لارادة المجتمع او قيادة المجتمع.
الدولة مجموعة مؤسسات تتألف منها وزوال الدولة يتطلب زوال جميع هذه المؤسسات وليس مجرد ازالة الحكومة او انتقال المجتمع من مرحلة الى مرحلة اخرى. فهل يستطيع المجتمع بعد الثورة الاشتراكية مثلا ان يزيل الجيش وهو احد مؤسسات الدولة؟ الجيش ضرورة حتمية لحماية المجتمع الاشتراكي من الدول المعادية المتربصة به ولا يمكن ازالته ما دام خطر الهجوم على هذا المجتمع قائم. التقسيم المألوف لمؤسسات الدولة هو وجود ثلاث سلطات السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة السلطة القضائية ويضاف اليها الان السلطة الرابعة، السلطة الاعلامية. فهل تستطيع هذه الاحزاب التي تضع ضمن مناهجها ازالة الدولة ازالة او الغاء جميع هذه السلطات؟ لا اعتقد ان هذه الاحزاب تستطيع حتى ان تفكر بازالة جميع هذه المؤسسات. ولكنها تفسر زوال الدولة بصور اخرى ضيقة بالقول مثلا ان الشعب يحكم نفسه بنفسه او ما يماثل ذلك. ليس موضوع هذا المقال مناقشة هذه الاحزاب حول شعار ازالة الدولة بعد الثورة الاشتراكية وانما يهدف المقال الى شرح معنى زوال الدولة وكيفية تحققه لا بارادة الانسان وبقرارات وانما بنشوء الضرورات المؤدية الى زوالها.
فما معنى زوال الدولة اذن؟ يعني زوال الحاجة الى المؤسسات التي تشكل الدولة. يعني عدم الحاجة الى وجود الشرطة والمحاكم والسجون والسلطة القضائية كلها. يعني زوال الحاجة الى الجيش وانتاج الاسلحة والمعدات المستخدمة لقتل البشر وتدمير منجزاته. فهل يمكن تحقيق ذلك بعد الثورة الاشتراكية او حتى لدى اكتمال تحول المجتمع الى مجتمع اشتراكي؟ ان تصور امكانية تحقيق ذلك مجرد خيال لا اساس واقعي له. فتعريف الدولة بانها اداة طبقية تحقق اخضاع طبقة لمصلحة الطبقة الحاكمة. فالدولة الاشتراكية هي اداة طبقية تصون مصالح الطبقة العاملة وسائر الكادحين ضد مصالح بقايا الطبقة الراسمالية والمراتب المتوسطة التي تولد البرجوازية كل يوم. ولكن النظام الاشتراكي يختلف عن سائر الانظمة السابقة بانه يعمل على ازالة الحاجة الى مؤسسات الدولة تدريجيا. هذا العمل على ازالة الحاجة الى مؤسسات الدولة هو ما نسميه التقدم التدريجي نحو المجتمع الشيوعي. ولكن هذا التحول لا يتم بارادة الحكومة او بقرار حكومي او حزبي وانما يتم فقط عن طريق تحويل المجتمع بحيث لا تعود ثمة حاجة اليه.
يعتقد البعض ان الثورة التكنولوجية التي يعيشها العالم اليوم اصبح بامكانها انتاج ما يكفي لحاجة العالم كله ويستطيع الاستغناء عن الراسمالية بل حتى تحقيق الشيوعية . ولكن هؤلاء ينسون ان الثورة التكنولوجية تدار حاليا ادارة راسمالية. تستطيع الشركات الامبريالية ان تنتج مليارات الموبايلات وانتاج الاشكال المتطورة كل يوم بحيث ان الموبايل الذي كان بالغ التطور امس يصبح اليوم تافها ينبغي استبداله بموبايل جديد له ميزات جديدة. ولكن ملايين الشعوب التي تموت جوعا في افريقيا لا تستطيع ان تتغذى بالموبايل او بالصواريخ الذكية او القنابل الذرية او قنابل اليورانيوم المنضب. هذه الشعوب بحاجة الى ايصال الماء الى اراضيها لكي تستطيع زراعتها وانقاذ اجيالها من الموت جوعا. وهذا ما لا تستطيعه الشركات الامبريالية السائدة على كامل الانتاج الصناعي القائم في العالم والذي لا يؤدي الى زوال الموت جوعا بل يضاعفه.
الثورة التكنولوجية تستطيع فعلا ان تحول العالم بسرعة متناهية لم يحلم بها الانسان من قبل اذا تحققت ادارتها لصالح المجتمع البشري وليس لصالح الشركات الامبريالية وزيادة ارباحها. تتطلب تحقيق ادارة الانتاج الاجتماعي ادارة منظمة لا يمكن تحقيقها الا بوجود مجتمعات اشتراكية كما حصل في الاتحاد السوفييتي في فترة وجود المجتمع الاشتراكي على قصرها.
نعود الان الى موضوع زوال الدولة فكيف يجري تحقيق زوال الدولة؟ احد الشروط التي تؤدي الى زوال الدولة هو تطور انتاج المواد الاستهلاكية بحيث تكفي لسد حاجة المجتمع كله اليها. يجب ان يتحقق وضع يستطيع كل عضو في المجتمع ان يحصل على ما يحتاجه من المواد الاستهلاكية بكل حرية وبدون مقابل. اذا تحقق ذلك تزول الحاجة الى السرقة مثلا. فالسارق يحتاج الى سرقة ما لا يستطيع الحصول عليه بدونها فاذا توفر لكل عضو في المجتمع الحصول على ما يحتاجه بحرية لا يحتاج الى السرقة. في حلقة في سجن الكوت كنا نتحدث عن الشيوعية سالني احد الحاضرين كيف يمكن توزيع المواد بحرية بدون رقابة ولا يقوم الناس بسرقتها؟ كان هذا السائل من عائلة فلاحية فسألته هل كان لديكم خبز في البيت؟ قال طبعا كل يوم والدتي تخبز الخبز في التنور. فسألته هل فكرت يوما باختلاس قرص خبز لاكله في اليوم التالي؟ فاجاب لا طبعا. وسألته هل كان لديكم كثير من الشوكولاتة؟ فقال لا. فسـألته اذا رأيت قليلا من الشوكولاتة على المائدة هل تفكر باختلاس بعضها لكي تاكله في اليوم التالي؟ فضحك وقال طبعا. قلت له هذه هي نتيجة وجود ما يكفي من المواد لسد حاجة كل عضو من المجتمع. اذا علم كل انسان ان بامكانه ان يحصل على ما يحتاجه بحرية متى احتاج لن يفكر باختلاس منها ما يستعمله في اليوم التالي. ان تحقق ذلك في المجتمع يقضي على الحاجة الى توزيع الانتاج بطريقة بيعها وشرائها بشكل السلعة كما كان قائما في المجتمع الاشتراكي ويلغي الحاجة الى النقود لتحقيق ذلك.
ان توفر ما يكفي من المواد الاستهلاكية لسد حاجة كل عضو من اعضاء المجتمع شرط واحد ولكنه ليس الشرط الوحيد الذي يحقق المجتمع الشيوعي. هناك شروط اخرى يجب ان تتحقق للتحول من المجتمع الاشتراكي الى المجتمع الشيوعي. احد اهم هذه الشروط هو تحول كامل الانتاج الاجتماعي الى مشروع واحد موحد تديره هيئة منتخبة ادارة موحدة منظمة. رأينا ان تنظيم الانتاج لا يمكن تحقيقه في مجتمع تملكه شركات مختلفة تعمل كل منها من اجل زيادة ارباحها ومنافسة الشركات الاخرى. لذا كان الانتاج المنظم على نطاق عام الوحيد في التاريخ المجتمع الاشتراكي في فترة قيادة ستالين ولا تعرف اية حالة مشابهة في العالم اليوم. ولكن الانتاج في الاتحاد السوفييتي الاشتراكي لم يصبح انتاجا واحدا موحدا بل كان الانتاج الزراعي على شكل مزارع تعاونية اشتراكية ولكنها ليست ادارة كاملة للدولة. وان احد شروط تحول المجتمع الاشتراكي الى مجتمع شيوعي هو ان تتحول الزراعة التعاونية الى زراعة دولة. ولم يكن بامكان الدولة ان تحقق هذا الشرط قسريا بل كان عليها ان تحققه بصورة تدريجية. وقد بدأت الحكومة السوفييتية فعلا بتحقيق هذا التحول عن طريق تغيير التبادل عن طريق البيع والشراء بين المزارع التعاونية والدولة الى المقايضة عن طريق اقناع المزارع التعاونية بانها تحصل من الدولة عن طريق المقايضة اكثر مما تحصل عليه من التبادل السلعي. وقد تحقق هذا النوع من التبادل مع بعض المزارع التعاونية المنتجة للمواد الاولية للصناعة. ان اكمال هذا التحول يؤدي الى القضاء نهائيا على اي شكل من اشكال الانتاج السلعي. اذ لا يمكن تحقيق المجتمع الشيوعي مع وجود بقية انتاج سلعي مما يتطلب وجود النقود ايضا. فعند تحقيق القضاء على الانتاج السلعي تنتهي الحاجة الى وجود النقود في المجتمع الشيوعي.
احد ضرورات التحول من المجتمع الاشتراكي الى المجتمع الشيوعي هي القضاء على التناقض بين العمل الفكري والعمل الجسمي. يجري هذا عن طريق رفع المستوى الفكري لكل عضو في المجتمع الى مستوى العمل الفكري. في المجتمع الشيوعي ينتهي انقسام المجتمع الى عمال ومثقفين وفلاحين. في هذا المجتمع يصبح كل انسان عضوا في المجتمع الشيوعي. ان القضاء على التناقض بين العمل الفكري والعمل الجسمي لا يعني انهاء الفرق بينهما. فالعمل الفكري يبقى عملا فكريا والعمل الجسمي يبقى عملا جسميا. ولكن الفرق هو ان كل عضو في المجتمع يصبح عاملا فكريا وفي نفس الوقت عاملا جسميا. كل عضو في المجتمع يمارس في حياته عملا فكريا ويمارس عملا جسميا في الانتاج الاجتماعي. ما يجري هو القضاء على التناقض بين العمل الفكري والعمل الجسمي وليس القضاء على الفرق بين العمل الفكري والعمل الجسمي. في المجتمع الشيوعي تصبح المساهمة في العمل الجسمي، في الانتاج الاجتماعي، ظاهرة طبيعية لدى كل عضو في المجتمع ويصبح العمل امرا طبيعيا لدى الانسان لا يجري عن طريق الاجبار او المراقبة.
نرى من كل ما تقدم ان زوال الدولة لا يجري بقرار حكومي او حزبي او ارادي وانما يجري عن طريق انتهاء الحاجة الى مؤسسات الدولة. فاذا اختفت جرائم السرقة لا تبقى ثمة حاجة الى المؤسسات التي تكافح السرقة وكذلك في كل الجرائم حيث تزول الحاجة الى مؤسسات الشرطة والمحاكم والسجون والقضاء وكافة مؤسسات الدولة. وقد شرح ستالين كل ذلك في كراسه الاخير بصورة رائعة. ولكن ستالين توقع وضعا اخر ايضا يبقي الحاجة الى مؤسسة من مؤسسات الدولة رغم تحول المجتمع الاشتراكي الى مجتمع شيوعي. فبما ان الاشتراكية تحققت في قطر واحد ويمكن ان يتحول هذا المجتمع الاشتراكي الى مجتمع شيوعي مع بقاء وجود دول امبريالية تسعى الى القضاء على هذا المجتمع قد يحتاج المجتمع الشيوعي الى الحفاظ على مهمة الدفاع عن الوطن الشيوعي. في هذه الحال تبقى الضرورة الى وجود جيش جاهز ومجهز بكل ما يحتاج اليه للدفاع عن المجتمع الشيوعي.
ان زوال الدولة ومؤسساتها لا يعني زوال تنظيم الانتاج الاجتماعي. فقد جرى تنظيم الانتاج الاجتماعي في المجتمع الاشتراكي عن طريق الدولة وقد اثبت هذا التنظيم جدارته في تطوير المجتمع تطويرا جامعا يشمل كل جوانب الحياة الاجتماعية في برامج السنوات الخمس. وفي المجتمع الشيوعي تبقى الحاجة الى تنظيم الانتاج الاجتماعي تنظيما يضمن تطور المجتمع تطورا متناسبا مستمرا. الفرق هو ان المؤسسة التي تقوم بتنظيم الانتاج ليست دولة بل مؤسسة اجتماعية.