حصاد زراعة ديمقراطية جورش بوش شوز والقرد الاسود بر اك حسين اوباما في العراق هلهولة لحكومة مجرمي سلطة الاحتلال وبرلمان خرسان وطرشان وعميان الاحتلال ياخونة حرامية مصيركم سوف يكون مثل مصير اي عميل اميركي وانكليزي وايراني ومصير اي نظام دكتاتوري جاء بقطار اسيادهم الامبريالين الامريكان

IRAQI REVOLUTIONARY MAOIST ORGANIZATION - IRMO المنظمة الماوية الثورية العراقية - جبهة نجوم الحمراء




الكفاح المسلح الطريق الوحيد للتحرير

الكفاح المسلح الطريق الوحيد للتحرير







2013-02-22

قطرنة غزة وصهينة قطر ومصالحة “لعم”

بقلم عادل سمارة




من السذاجة بمكان حصر تبرير إغلاق الأنفاق بجريمة تغويطها بحجة منع الكيان دخول مواد البناء إلى غزة! وسذاجة أعمق أن يُقرأ الأمر في سياق الروائح وغازات الغائط السامة. ومأساة أن تتمكن الثورة المضادة من إيصال التحليل وقراءة الواقع على هذه الرائحة على اللهيب الأزرق لغاز قطر حيث حريق وليس إضائة الرؤية. لكن هذا ما حصل.



المسألة سياسة ومخطط لا بد أن يُرسى في مكان، مغطى بالقرقعة في مكان آخر. ومن هنا يصبح التحليل وجوباً بحيث لا يشغله طنين الطناجر ولهج الحناجر، وإنما أين تجلس البشر وتخطط كما خططت لاتفاق أوسلو قبل عقود. وهنا أُشير إلى كتابي (الرأسمالية الفلسطينية من النشوء التابع إلى مأزق الاستقلال 1991: 294 ) حيث أكدت ان قيادة م.ت.ف قررت أن تتحول إلى قيادة بديلة لنفسها ولما قامت من أجله أي تحرير فلسطين راضية بالحكم الذاتي وقد هوجمتُ عليه كثيراً. وهنا استعيد فترة التأسيس لدخول التسوية والتي كان تفاقمها: خلال الفترة التي شغلها الراحل إدوارد سعيد في المجلس الوطني بتعيين من الراحل ياسر عرفات (مفكر لبرالي عالي المستوى يقبل أن يُعيَّن عضو برلمان تعييناً) حيث استقال من المجلس الوطني ولكن بعد أن أخذ سعيد ياسر عبد ربه إلى البيت الأبيض فكان ذلك إعلان دخول منظمة التحرير مطهر التسوية التي تلاها: مؤتمر مدريد وجلساته العشرة واتفاق أوسلو وما وصلنا إليه. ولذا، لم يكن هناك من معنى لثرثرة سعيد ضد الراحل ابو عمار بأن الأخير فشل في إدارة العلاقة مع واشنطن ولو استغلها لأخذ أكثر!!!!، ومن ثم قام الإعلام البرجوازي الغربي بإشهار سعيد كأكبر معارض لأوسلو بينما هو جزء من العقل المؤسس! هذا كلام مثير لغيظ وحنق فقراء الوعي اللذين يسيرون على خطى سعيد السياسي تيمناً ببلوغ شأوه الفكري!



“التحرير” الإسلامية على نهج “التحرير” القُطْرية



كثيرا ما تكون الحروب، إن لم تكن دائما، تحريكاً للسياسة. وهذا الفارق بين حرب التحرر الوطني بما فيها المقاومة وبين حروب الدول وهنا، سوف افترض أن حركة حماس بدأت كمقاومة وليس كمشروع إخواني للمشاركة في المقاومة بهدف الوصول إلى السلطة والتصالح مع الكيان الصهيوني الإشكنازي. وهذا يستند إلى تاريخ علاقة الإخوان بأنظمة الحكم المعينة من سايكس-بيكو ومن علاقتها بدول المركز الإمبريالي. ولا أريد استخدام ما قاله أبو النور مؤخراً بان الإخوان مع الاعتراف ومع إقناع الفلسطينيين بالاعتراف بالكيان ومع هدنة لا حدود لها. وحتى لو كانت حماس صناعة الإخوان، فهذا لا ينطبق على مناضليها ومقاتليها واستشهادييها قطعاً وهذا ما ارتكز عليها كتابي بالإنجليزية Political Islam: Fundamentalism or National Struggle: A Materialist Critique, 1996، وذلك قبل أن اهتدي إلى نحت مصطلح “قوى الدين السياسي”.



يشترط الإيجاز القول بأن العدوان الصهيوني الأخير على غزة كان حرب دول هدف منه الكيان استغلال لحظة سيولة الوضع العربي الشعبي والرسمي ليصل بحركة حماس إلى ما وصل إليه مع منظمة التحرير ضمن تنسيق مع النظام المصري الجديد وبهذا يظل النظام المصري هو مرشد البرجوازية الفلسطينية بشرائحها العديدة طبقياً وبتفارقاتها الوهابية والتجارية والكمبرادورية والمعولمة (أي الرأسمالية المقاولاتية ومن ثم الممولنة في الخليج وأوربا).



فالافتراض المنطقي والقومي والديني يقوم على وجوب أن يقوم النظام المصري الحالي باتخاذ موقف مخالف لنظام حسني مبارك حين يقوم أعتى سلاح في المنطقة بتدمير بقعة صغيرة هي تاريخيا في حماية مصر وهي سياسيا بمعنى الدين السياسي إحدى تمفصلات النظام المصري. ولكن ما حصل كان بعكس الافتراضات الثلاثة، حيث واصل النظام المابعد مبارك خطى مبارك سواء خلال العدوان أو بعده وتوقف العدوان بهدنة برعاية النظام الجديد مما يُغري بالاستنتاج بأن هدف الحرب كان الوصول إلى تسوية سياسية ما.



وهذا يعيد إلى الأذهان بعض التحليلات بان عدوان 2008-2009 على غزة والذي تم في عهد مبارك الذي غض الطرف عنه، كان بهدف طرد الغزيين إلى سيناء وإقامة إمارة هناك، واستعادة الشاطىء المحتوي على الغاز، وحيث لم يهرب الناس من وطنهم وصمدت المقاومة توقف العدوان ليعود مرة اخرى عام 2012 في عهد مرسي، والذي غض الطرف عنه كذلك. ولكن العدوان الأخير بسيناريو تم تركيبه أو تطعيمه بالسيناريو الأول مع دخول قطر على الخط كما بقي الغاز في مركز الخطة.



نحن إذن أمام مشروع مركب، يقوم على:



· وقف كافة اشكال المقاومة وقفا عمليا دون إعلان ذلك



· عدم تهجير او دحر الغزيين إلى سيناء، بل توسيع غزة بضم جزء من سيناء على ضوء خطة الجنرال الصهيوني المتقاعد جيؤورا أولاند (ضم 720 كم مربع لغزة- أقل أو أكثر) (انسجاما مع تراكم مسلحين اسلاميين هناك)



· تحويل تدريجي لغزة إلى إمارة إخوانية عقيديا ومستوطنة تجارية غازية لإمارة قطر



· كل هذا تلا اكتشاف حقل الغاز الضخم في بحر فلسطين المحتلة لينقلب الأمر من محاولة لهف غاز غزة إلى تواصل غازي بين الدوحة والكيان.



في هذا السياق يمكن قراءة هذا الإغلاق القبيح للأنفاق، وعدم حصول ردة فعل قوية من حكومة حماس في غزة. وهذا يفتح على المسألة الطبقية في السياسة. فلم تكن المليونيرات (القطط الإسلامية السمان) بعيدة عن السلطة الحاكمة في غزة، بل المسألة علاقة متراكبة بين السياسي والتجاري. ولا شك أن السلطة في غزة ليست فقط مجرد شريك في تحصيل ريع ضريبي من التجار بل هي شريك في التجارة. وإلا كيف يمكن لتجارة الأنفاق ان تتم دون دور للسلطة؟



وهذا يعني أن من حاز على تجارة الأنفاق (النقل في باطن الأرض في عهد مبارك) في وقت الحصار، هو الذي سوف يحوز على التجارة فوق سطح الأرض في عهد مرسي. وهذا لا ينفي بقاء تجارة التهريب بين سيناء وغزة والتي تواصلت منذ فترة الإدارة المصرية في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وتواصلت حتى الآن. وهي تجارة لعبت دورا في ترطيب الموقف السياسي لكل من وجهاء غزة ومشايخ سيناء. وحيث كان التهريب في عهد ناصر تجاري، وفي عهد مبارك تجاري تسليحي، فإنه في عهد مرسي سيكون تجاري دون تسليح قطعياً إلى أن ينعم الله على غزة بسلام مفتوح قَطَري يضيئه الغاز مع جارتها الكيان الصهيوني وصولا إلى ” طيب الله الأنفاس”!



ولكن لم هذا التعجُّل؟



يمكننا القول بأن حرب السلاح تنقل “الراية” إلى حرب السياسة في مكان وخاصة على وقع حرب السلاح في مكان آخر ولما بينهما من ارتباط لا يمكن تجاهله. لعل الحصار بالغائط ضد أهلنا في غزة مرتبط بما تجري من تطورات في سوريا. فمشروع الشرق الأوسط الكبير/الجديد على ناقلة وهابية لم يتوقف بعد عدوان 2006 على حزب الله، أُعيق لا شك، لكن الثورة المضادة أخذت زخما بعد اختطاف واستثمار الإرهاصات التي حصلت في العامين الماضيين، حيث حسمت الموقف في تونس ومصر واليمن والبحرين وليبيا.



لكن العقبة السورية تهدد بقلب الموازين، وتطورات الوضع السوري على الأرض تدفع حكام مصر وقطر باتجاه حسم الأمر في غزة هذه المرة لتصبح قطر دولة متوسطية تستطيل من الدوحة إلى باماكو، وتفجر الوضع في الجزائر بعد تفجيره في سوريا لتحقق في مغرب الوطن العربي ما عجزت عنه في مشرقه.



وفي هذا السياق تشير التقديرات بأن المشروع الوهابي/الإمبريالي/الصهيوني يقوم بتدوير مقاتليه من سوريا إلى مالي وإلى سيناء لتكون سيناء حلقة الوصل بين مصر وغزة بالمفهوم الوهابي السلفي الذي يهدف إلى شرق أوسط جديد أمريكي وهابي يمتد من الرباط إلى غزة على الأقل. وبهذا تعوض قطر والسعودية ومجمل الثورة المضادة هزيمتها في سوريا. (لن ندخل هنا في تفارقات قطر والسعودية وهي تفارقات تحسمها الولايات المتحدة في النهاية).



قطر والكيان…لا فرق



من يقرأ أعمال هذه الدويلة لا يرى سوى كونها جزء مباشر من الاستراتيجية الغربية في الوطن العربي وبأنها وجودا وحضورا وتطلعات نسخة عن الكيان الصهيوني. فقطر على أرض عربية وكذلك الكيان، وقطر صناعة غربية وكذلك الكيان، وعرب قطر 12 بالمئة من السكان المستجلبين/المستوطنين وفي الكيان العرب نسبنتهم اعلى 18-20 بالمئة، وقطر تقوم على الدين السياسي وكذلك الكيان، وقطر بها اكبر قواعد الولايات المتحدة أي السيلية والعيديد والكيان دولة قاعدة محاملة طائرت ثابتة كما صفها الجنرال الأميركي ألكسندر هيج، وقطر تشن العدوان على البلدان العربية القومية الاتجاه ليبيا وسوريا وكذلك الكيان، وقطر تقف ضد القومية العربية وكذلك الكيان والكيان يحوي مثقفين تطبيعيين من الكنيست إلى التعايش في الكيبوتسات، وهم أنفسهم مندوبيه في قطر وأخيراً قطر مخزن غاز وكذلك الكيان. هذا ناهيك عن علاقات التطبيع بكل اشكاله بين الطرفينن.



قد يتسائل البعض، ولكن ماذا عن المعارضة المصرية؟ وهنا يجب الفصل بين المعارضة المصرية وبين الجماهير التي اسقطت مبارك. فالثلاثي المتنافس على السلطة في مصر مقود مباشرة وليس حتى بالروموت كونترول من الولايات المتحدة. فقيادة الجيش المصري مرتبطة عقيديا وتسليحا وتمويلا بالولايات المتحدة، وحين نقلت السلطة للإخوان لم يكن الأمر بانقلاب إخواني بل بقرار امريكي، والنظام الإخواني الحاكم يفتح علاقات علنية مع الولايات المتحدة والمؤسسات المالية الدولية والكيان الصهيوني، والمعارضة أي جبهة الإنقاذ تقيم علاقات مع الولايات المتحدة، وتحتوي لغمين على مشبوهية عالية هما عمرو موسى (آخر تطبيعاته كانت في الأرض المحتلة 1967 قبل بضعة أشهر مع راسماليين مطبعين فلسطينيين ومع راسماليين صهانية) والبرادعي المفتش/المخبر المخلص عن النووي العراقي. هذا ناهيك عن أنها مارست التصويت على دستوريشطب عشرة ملايين من النصارى العرب المصريين! ولا تعلن موقفا من الكيان مغايرا لموقف النظام الجديد، إضافة إلى أنها على وئام تام مع النظام بسياسييها وإعلامييها ضد سوريا. صحيح أن نظام الإخوان في مصر وبسبب من:



· تسرعه لاحتكار السلطة قبل ان تصحو جماهير إرهاصات الثورة من لطمة التجويف والتجريف الجديدين



· وجوعه للسلطة



قد أسرع في خلق نقيضه لكنه نقيض في حالة إجهاض ضخم مثل ديالكتيك هيجل (كما كتب ماركس) لا يعدو كونه منافسا على السلطة وليس نقيضا ثوريا وطنياً. لذا في مصر اليوم نظام ومعارضة لا يجمعهما سوى الاستقتال على السلطة والتآمر على الوطن السوري ونتيجة كل هذا اندراج، كليهما، غير المعلن في الحلف الوهابي الصهيوني الأمريكي، واحتجاز انتفاضة جديدة لقوى الحراك الشعبي المصري وكل هذه مؤشرات على أن نظام الإخوان باق في هذه الفترة، وبأن مجيىء المعارضة محله ليس سوى مرسي بدون لحية ومبارك بغلاف ناصري…إن حصل هذا.



تبقى هنا ملاحظتان:



الأولى، اين تقع المصالحة بين فتح وحماس في هذا السياق؟ وقد نكون على حق في القول بأن هذه المصالحة لن تتم وسوف تتم معاً. لن تتم بمعنى العودة إلى سلطة واحدة في الموقعين. وسوف تتم في سياق أنت هناك وأنا هنا، ولنعلن مصالحة شكلية. أنت هناك وهابي وأنا هنا تسووي وقُطري، أنت تتمول من قطر وأنا من السعودية والغرب، أنت على تنسيق غير مباشر مع الكيان وأنا على تنسيق مفتوح، والولايات المتحدة سيدة الجميع.



والثانية: وهو السؤال الممل الذي يكرره كاتب هذه السطور وهو ما هو موقف ومصير مثقفي قطر والسعودية الذين يرتدون لبوس العلمانية والديمقراطية بينما يأخذون ثمن دعمهم للمشروع الوهابي/الأميركي! يتحدثون عن فلسطين ويخدمون مشروع تفكيك سوريا، يثرثرون عن الثقافة والحداثة ويخدمون ثقافة وهابية تصر على اعتقال نساء العرب في خدورهن، كل بيت سجن. ومن يخالف كل هذا يُقطع راسه بفتوى ليرى رأسه منبقي حيا. ً
موقع كنعان


“الامبريالية الصهيونية”:




“الامبريالية الصهيونية”:



اسطورة ام حقيقة في العلاقات الدولية؟



الولايات المتحدة الامريكية ـ “اسرائيل” كحالة







نورالدين عواد







مقدمة







تشكل المعرفة البشرية عملية لانهائية حيث تتضافر جهود الاشخاص الفردية والجماعية في تعميم المعارف الصالحة والسائدة في كل سياق تاريخي ـ اجتماعي. كل اعمال البشر قابلة للتحسين، والحقيقة المنشودة والمرغوبة، جيلا بعد جيل، نسبية. السعي الى تحقيق الكمال امر غير عقلاني وغير جدلي على حد سواء.







التعميمات ذات المستوى النظري الرفيع تندرج في اطار الوسائط التي يتشكل منها علم “مابعد العلوم السياسية” وقد تكون موضوعا خاصا للبحث، اذ ان زيادة جسم مقولات العلوم السياسية، تتطلب عملا تتضافر فيه عناصر من مختلف التخصصات، وتقشير المفردات ، وفي بعض الاحيان، اعادة تعريف مفاهيمها من اجل تحديد هويتها لكي تصبح لاحقا مفاهيم او مصطلحات في العلوم السياسية، لانها في الاصل قد تكون ناجمة عن ذات الهوية او استلافا من علوم اخرى.







ان هذا المشوار المعرفي الذي اراه ضروريا، يقع على عاتق التآزر بين فلاسفة العلوم والمنطق وفلاسفة السياسة وعلمائها. حاليا، يقوم بعض الزملاء الكوبيين بالعمل في هذا المجال ردا على صياغات بعدحداثية في دراستهم للعلاقات الدولية.







الابحاث في حقل العلوم السياسية لا تفلت من هذه الحقيقة. العلاقة بين التجربة والنظرية، التي تثمر في علم معرفة العلوم السياسية، تنبثق من صيرورة جدلية ذات تغذية تراجعية قادرة على تمثّل السلوكيات السياسية الملموسة في افكار ومقولات علمية، تؤثر بدورها في قدرة الاشخاص على تفسير وتغيير العلاقات السلطوية داخل المجتمع الواحد وفي العلاقات الدولية سواء بسواء.







موجز حول الصهيونية







اعتقد انه لا بد من التمييز بين اليهودية، بصفتها ديانة توحيدية ذات طابع عالمي يمارسها افراد ومجموعات بشرية من مختلف العروق والاجناس والامم، والصهيونية بصفتها حركة سياسية عقلانية عنصرية ورجعية فازت بالادانة من فلاديمير ايليتش لينين الى الامم المتحدة[1].







هناك تعريفات كثيرة لمصطلح الصهيونية، تماشيا مع التطور التاريخي لتلك الظاهرة الاجتماعية السياسية الملازمة للقارة الاوروبية وتناقضاتها واسقاطاتها الداخلية والخارجية. “الصهيونية الدينية” و”الصهيونية السياسية” هما ابرز شكلين للصهيونية حتى يومنا هذا. بينما يتم التاسيس للاولى على مرتكزات اسطورية ولاهوتية، مع التركيز على البعد الروحي لدى مختلف الفئات اليهودية والمسيحية، فان الثانية تقوم على اسس اقتصادية ـ سياسية محضة، واشتقاقاتها الاستعمارية والامبريالية البحتة ومضاعفاتها العنصرية والفاشية في مختلف مسارح الصراعات الدولية.







الايديولوجيا الصهيونية وانعكاسها المتجسد في الحركة الصهيونية العالمية وكيانها الاستعماري العنصري “اسرائيل”، يمكن ان يتشاطرها كل الذين يعترفون بذلك الكيان، بغض النظر عن قوميتهم او دينهم اوعرقهم، ولذلك، كما يوجد صهاينة يهود هناك صهاينة عرب ومسلمون ومسيحيون…الخ. اي انه، فيما يخص الصراع العربي ـ الصهيوني، كل من ينكر حق الشعب العربي الفلسطيني ولاجئيه في الوجود على ارض وطنه حرا سياديا ومستقلا يكن صهيونيا.







في اوروبا، مقابل تيار منظري ومثقفي الصهيونية اليهودية، نشا بالتوازي معه وفي نفس السياق، كوكبة من المثقفين والمنظرين (سواء كانوا يهودا ام لا) المناوئين للصهيونية ودحضوا فكرة القومية اليهودية (فهي غيبية وخارقة للطبيعة ولاتاريخية) من أمثال: اسبينوزا، داروين، ماركس، مدرسة فرانكفورت، كوستلر ( هذا الاخير كان شيوعيا وارتد الا انه اشار الى دولة الخزر اليهودية 740 ـ 969 م)[2] ودفعوا بافكارهم حول حل القضية اليهودية، بصفتها مشكلة تاريخية واقتصادية اجتماعية ـ سياسية في القارة العجوز (اوروبا).







بغض النظر عن الجدل الخلافي المعهود بصدد كتاب “بروتوكولات حكماء صهيون” (نشر رسميا اول مرة عام 1905) الا انه يشكل منهلا لأسس ايديولوجية واجندات سياسية تتكشف عن تفكير الصهيونية المسيحية والصهيونية اليهودية، اللتين اصبحتا ثقافة سياسية تشترط وتحدد السلوك السياسي للولايات المتحدة الامريكية و “اسرائيل”[3].







انني لا اعتقد بتصنيف الافراد والمجموعات البشرية استنادا الى ايمانها الديني. فالواقع التاريخي والراهن يبرهن على ان العامل الاقتصادي، في نهاية المطاف، يشكل شرطا حاسما في ذلك التصنيف، فهو الذي يحدد الموقع والموقف الطبقي لمكوناته، اي، مصالحهم الطبقية، ويوجه سلوكهم السياسي، داخل المجموعة البشرية و خارجها، سواء كانت تلك المجموعة قبيلة ام امة. فقط فكر المحافظين الجدد، المشبع بالصهيونية المسيحية ـ اليهودية، كما هو الحال لدى صاموئيل هنتيغتون، يستسيغ التصنيف الديني لكي يدعو الى “صدام الحضارات”، من منطلق فاشي، واختلاق صراع متخيّل وافتراضي، للتمويه على الصراع الطبقي الموجود فعلا في كافة المجتمعات البشرية المعروفة حاليا.







على كل حال، هناك عامل مشترك بين الصهيونية المسيحية والصهيونية اليهودية اذ انهما في آن واحد معاديتين لليهود . الاولى مسؤولة عن المذابح بحق اليهود في اوروبا حتى الحرب العالمية الثانية، وتصرّ على تجميع اليهود في فلسطين، كشرط لا غنى عنه لـ ,عودة المسيح المخلّص وابادة اكثريتهم بسيفه في يوم قيامة الهرمجدون,. اما الثانية فانها تشارك في تشجيع الكراهية لليهود ـ الذين تزعم انها تدافع عنهم ـ وشاركت في المذابح النازية حيث أبيد كثير من الفقراء والليبراليين والديموقراطيين الاجتماعيين والشيوعيين اليهود، من اجل اجبار البقية، مع الافضلية للاثرياء، على الهجرة نحو فلسطين، في ظل اقفال ابواب الولايات المتحدة الامريكية، كملاذ آمن، امامهم. كتاب ثيودور هيرتزل “الدولة اليهودية”[4] معاد لليهود في جوهره على الرغم من انه يتظاهر بالرغبة في انقاذهم.







في الحقيقة، ظهرت الصهيونية اليهودية كحل استعماري عنصري وإبادي للمسالة اليهودية في اوروبا، واستطاعت تجسيد غايتها في دولة اصطناعية على ارض فلسطين عام 1948، وفي الوقت نفسه، لا زالت تحرص على الحفاظ على هذه الصفة، بدعم من الصهيونية المسيحية التي استحوذت على السلطة في دول المركز الامبريالي، وخاصة الولايات المتحدة الامريكية.







بصدد ثنائي الدين ـ السياسة وثنائي الصهيونية ـ الامبريالية







ان اشارة ماركس الى الدين قد تعرضت الى تاويلات عديدة خارج السياق الذي ورت فيه، اذ لا يمكننا ان ننسى انه بالنسبة اليه “الدين هو تنهيدة المخلوق المضطهد، والقلب في عالم لا قلب له، والروح في ظرف لا روح له”، وينتهي الى القول المعروف. “الدين افيون الشعوب”[5]، لانه يشوش الرؤية ازاء المشاكل الحقيقية وقدرة المرء على التصدي لها، بيد ان حذف العبارات الاولى، ينم عن نية مغرضة تغيّر الفقرة ، نتيجة للحذف، وتقدم لنا ماركس على انه عدو لدود للمعتقدات الدينية.







انجلز، نظرا لتجربته مع الكنيسة البروتستانتية في بريطانيا، وصل به الامر الى الاعلان عن ان الكنيسة عدوة للانسان، وذلك بسبب علاقتها الملتزمة بالراسمالية. “فقد أدرك الرجلان، أن رأس المال قد امتطى رجال الدين، في المسيحية واليهودية، وأصبحوا مثقفيه العضويين، وهذا مكسب له لا مكسب بعده (…) الراسمالية قد امتطت الدين المسيحي وحولته إلى إنجيل راس المال. وباسم الدين راكمت الراسمالية ثرواتها من استغلال الطبقات الشعبية في اوروبا ولاحقا العالم باسره”[6].







في حالة لينين، فانه لم يكن يعير اهتماما للمعتقدات الدينية للشعب، الا ان موقفه كان مغايرا داخل الحزب، نظرا للاهمية الفائقة التي كان يوليها للوحدة الفكرية في خدمة وحدة الفعل. وعندما طرح البوند (اليهودي) لدي تشكيل الحزب العمالي الاجتماعي الديموقراطي الروسي، انه يتمتع باستقلالية معينة داخله، حاربه لينين لان ذلك يضعف الحركة الثورية.







خلف الصراعات الدينية نجد دائما مصالح اقتصادية وسياسية تتدثر بالعباءة الدينية، على الرغم من انه يمكن ان تضطلع بها مجموعات دينية محددة على مستوى أول من الاهمية، لكن على مستوى مجتمعي، اعتقد انه في نهاية المطاف، تكون العوامل المادية ومن ضمنها اسلوب الانتاج، هي المحددة. بالاضافة الى ذلك يجب معالجة المسائل الدينية ومثلها المسائل الاخرى، انسجاما مع لينين، بطريقة تاريخية ـ ملموسة.







ان الصهيونية المسيحية كما الصهيونية اليهودية، تتغذى من مفاهيم ومعتقدات اسطورية ودينية نابعة من العهدين القديم والجديد بالاضافة الى التلمود. ان مقولات الشعب المختار والتفوق العرقي والاستثنائية والارادة الالهية وعودة المسيح والهرمجدون، تشكل الخلفية الثقافية لكلتا الظاهرتين. سياسيا، تمثلان مصالح راس المال والطبقات المسيطرة وحتى مصالح نخب الطغم المالية (الاوليغارشية) على نطاق عالمي، والتي تجد في المشروع الامبريالي الصهيوني في فلسطين، قاعدة مادية لا بد منها، من اجل تنفيذ مشروع سيطرتها على العالم. وإلا، على سبيل المثال،كيف يمكن تفسير علاقات الدعم المادي والمعنوي الذي تقدمه القوى الغربية لـ “دولة اسرائيل”؟ و حجيج قادة تلك الدول الى “اسرائيل” في اعقاب انهيارها العسكري في لبنان عام 2006؛ والغواصات النووية الالمانية (دولفين) التي وهبتها المانيا الى “اسرائيل”؟.







في العالم الاسلامي ايضا ، حصل تزاوج بين النخب الحاكمة و رجال الدين (الاكليروس) على الرغم من تحذيرات النبي محمد بن عبد الله من ان الامة تفسد اذا ما فسدت طائفتان: الحكام والفقهاء، ومن ان عالم الاجتماع السياسي ابن خلدون كان يحذر ايضا من مغبة تزاوج المال والسلطة تفاديا لظهور حكومة الاثرياء.







في التحليل الاخير، الصهيونية ليست الا ايديولوجية راس المال ولم تعد حكرا على ديانة او امة بعينها. الوقائع التاريخية والراهنة توضح هذا الراي، وهذه عينة من الحيثيات:







1. مخططات لترحيل يهود العالم (يهود اوروبا بشكل رئيسي) واقامة دولة يهودية لهم في فلسطين، على يد كل من: انجلترا في القرنين السابع عشر والعشرين؛ الولايات المتحدة الامريكية و فرنسا في القرن الثامن عشر؛ الحركة الصهيونية العالمية في القرن التاسع عشر؛ ومقترح الامبراطورية اليابانية الذي قدمته الى الحركة الصهيونية العالمية قبل الحرب العالمية الثانية والمعروف باسم مخطط فوغو Fugu Plan ( اقامة دولة يهودية في محافظة منشوريا الصينية الواسعة والغنية، الا ان اندلاع الحرب العالمية انهى المخطط)[7].







2. اندماج وتزاوج راسمال روبرت مردوخ (يهودي مسيحي امريكي) مع راسمال وليد بن طلال (مسلم عربي سعودي) في كونسورسيوم وسائل الاتصالات روتانا الشرق الاوسط.







3. الشراكة النفطية بين آل بوش (امريكا) وآل بن لادن (العربية السعودية).







4. الشراكة الاقتصادية المتوسطية؛ العلاقات الاقتصادية المالية بين “اسرائيل” وسلطة اوسلو الفلسطينية؛ والـ “كويز” (المناطق الصناعية المؤهلة) مع مصر والاردن، وحتى عقد قران للزواج بين عائلة بوش الامريكي وعائلة اردنية.







العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة الامريكية و”اسرائيل”







في الصراع الذي لا زالت تشنه الصهيونية على الامة العربية ووطنها الكبير، تلعب “اسرائيل” دورا مزدوجا: ازاء العلاقة الخاصة والوحيدة من نوعها في العلاقات الدولية المعاصرة، الولايات المتحدة الامريكية و”اسرائيل” تشكلان كيانا واحدا؛ وازاء الجغرافيا السياسية والمخططات السياسية الامريكية في المنطقة، يقدمان نفسيهما ككيانين مستقلين عن بعضهما البعض. وفي هذا الخصوص، هناك ادراك وتاويلات تنطلق عموما من منظورين، في رايي، يكمل احدهما الاخر:







1. المنظور الكلاسيكي الخاص بالعلاقات الدولية، التي كانت تعتبر تخصصا مستقلا قائما بذاته، وهذا ما تم تجاوزه انطلاقا من نظريات الواقعية الجديدة والتفكير بعدالحداثي. لدى تبني النظريات الواقعية في المجال الدولي (مركزية الدولة)، يتم الانطلاق من ان الولايات المتحدة و “اسرائيل” دولتان مستقلتان وتمتثل علاقاتهما للقانون الدولي العام والاعتبارات الجيوسياسية والجيواستراتيجية. وهنا نلاحظ ان “اسرائيل” في علاقتها بالولايات المتحدة الامريكية قد اتسمت تدريجيا بصفات : دولة مطية، دولة صديقة، دولة حليفة، دولة شريكة، دولة حليفة استراتيجيا وغيرها من التسميات؛ بيد ان العلاقات بينهما لم تفقد الالتزام الاستراتيجي قط.







2. المنظور المتكامل للعلوم السياسية، اذ انها بالاضافة الى ما سبق ذكره، تاخذ بالاعتبار وتبني موقفها استنادا الى ما تعنيه “اسرائيل” في الثقافة السياسية السائدة في النظام السياسي الامريكي؛ و”الاسس التكوينية ـ الايديولوجية للعلاقة الثنائية”؛ والسلوك السياسي لكلتا الدولتين على مسرح الصراع الاقليمي والدولي، والثقافة السياسية في “اسرائيل” المستندة الى التوراة التي تقدم على الاقل خيارين: كل ارض فلسطين لليهود او كل الكرة الارضية للشعب المختار.







منذ عام 1956، الولايات المتحدة الامريكية تقرر وتشارك في الحروب العسكرية “الاسرائيلية” ضد البلدان العربية؛ وتتولى مسؤولية السياسة الخارجية والدفاع الاستراتيجي عن “اسرائيل”؛ وتدعم اقتصادها؛ وتقرر في انتخاباتها وفي الاستيطان وتمويل المستوطنين والمستوطنات؛ وهي مستعدة ايضا للدخول في حرب نووية في سبيلها، وتعتبرها فعلا مصلحة قومية لها. بالاضافة الى ذلك نلاحظ وجود عملية متصاعدة للتماثل والتناظر في هيكليات دولتية في “كلا البلدين”، وخاصة في ميادين السياسة الخارجية والخدمات الامنية وعسكريا وفي قضايا متنوعة اخرى.







“الامبريالية الصهيونية”







في سياق تأملاتي بصدد مقولتي “الامبراطورية” و”الامبريالية”، اود مشاطرة الزملاء الافكار التالية:







ان التغيرات التي طرات على الراسمالية المعاصرة وخاصة على ضوء العولمة الليبريالية الجديدة والظواهر السياسية المشتقة منها على الاصعدة المحلية والاقليمية والعالمية، تتطلب “تغيير المنطق من اجل اعادة انتاج المرجعية الحقيقية” لها، بحيث نستطيع فهم الوقائع الجديدة، واعداد افكار واستراتيجيات، ترمي الى تغييرها ايجابيا. دينامكية العلاقات الدولية اعتبارا مما يسمى “نهاية الحرب الباردة”، ظهور او احتمال ظهور لاعبين جدد على المسرح الدولي والتشكيل اللاحق لنظام دولي متععد الاقطاب، ترافق مع المجادلات الاكاديمية والسياسية حول مخاض او امكانية تشكيل ما يسميه كثير من المؤلفين ب “امبراطورية” مجردة او امبراطورية امريكية عالمية.







لقد لاحظت وجود عنصر مستجد في هذه العملية الا وهو تماثل واندماج الدولتين في الولايات المتحدة الامريكية و”اسرائيل” (دون اغفال ارتداداتها بين بقية البلدان الامبريالية و”اسرائيل”)، مما افضى الى نشوء “كيان فوق قومي” اطلقت عليه مسمى “الامبريالية الصهيونية”[8]، التي تتوشح بخطط للهيمنة والسيطرة الاقليمية والعالمية.







من وجهة النظر القانونية لنظام الاممم المتحدة لا توجد دولة امبريالية صهيونية، كما لا تجد مصطلحات محددة واسعة الاستعمال مثل الامبريالية، مرجعية لها في اطار تلك الهيئة الدولية. ان اشارتي الى ذاك “الكيان فوق القومي الامبريالي الصهيوني”، تستند الى وقائع حقيقية والى السلوك السياسي للولايات المتحدة الامريكية و”اسرائيل”، داخليا وخارجيا، علما بان هذا المفهوم لا زال في طور الانتشار، تماما كما هو الامر في حالة مفهوم “امبراطورية” الذي تعاد صياغته، امام الاوضاع الجديدة الناشئة.







راس المال المالي الامبريالي الصهيوني حوّل كل العالم بما في ذلك الانسان والامم الى اشياء وبضاعة. وعندما يصل الامر الى هذا الحد من الفساد المادي ـ الاقتصادوي، تحت سيطرة تزاوج الايديولوجية الصهيونية مع التكنوقراط الامريكي، فان راس المال الكبير يكتسب طابعا فاشيا، وياخذ بتشغيل آليات عنفه اللاعقلاني وينعكس ذلك في حروب وجرائم بحق البشرية. في هذا السياق، يرى زبيغنيو بريجينسكي “ان الحيثيات المتعلقة بالارض لا زالت تشكل المحفزات الرئيسية الناظمة للسلوك العدواني للدول القومية والامبراطوريات”[9].







انطلاقا من المنظور المنهجي، من المباح لهذا الباحث (الكاتب) ان يقترح هذا المفهوم واخضاعه الى اعتبار الاسرة العلمية التي يمكنها اعتماده ام لا، على ان تنطلق من ابحاث تجريبية حول الظاهرة، دون اية احكام مسبقة، مهما كان نوعها.







الشيء الجديد في هذا المفهوم يكمن في انه يفيد في وسم ظاهرة سياسية حقيقية، تتمثل في المنحى الاضطرادي للتماثل والاندماج بين الولايات المتحدة الامريكية و”اسرائيل”، انطلاقا من ثقافتها السياسية ، المنبثقة عن موروثها التاريخي اليهودي ـ المسيحي، منذ نشوئها كأمة. الادراك الامريكي لـ “اسرائيل” على انها مشروع الهي غير قابل للنقاش وكمصلحة قومية وجيوسياسية امريكية، يشكل المحور المركزي لتلك الظاهرة.







طور الامبريالية، وخاصة خلال عهدي جورج بوش الابن، اللذين اتسما بسطوة فكر المحافظين الجدد، جاء ليبلور ويبين تماثل واندماج الصهيونية المسيحية والصهيونية اليهودية، كثقافة سياسية لما قد يكون “كيانا فوق قومي”، يمر بسيرورة تطورية شاملة. اعتقد ان الامر يتعلق بصيرورة مخاض متصاعد ومرئي بشكل متزايد في محتلف ميادين سلوكه السياسي المتكامل. الاحداث الراهنة المتعلقة بايران، على سبيل المثال، تشكل دليلا اضافيا على تقديري هذا.







عملية التماثل والاندماج المذكورة كان لها وقعا مباشرا على السياسة الخارجية الامريكية من خلال ما اطلق عليه العربي فؤاد المغربي مسمى “اسرلة السياسة الخارجية الامريكية” متوافقا في ذلك مع اليهودي الامريكي جوناثان غولدينبيرغ الذي يقول في كتابه “قوة اليهود في الولايات المتحدة الامريكية”، “لم يعد ممكنا فصل قوة اسرائيل عن قوة امريكا (…) ولا قوة اليهود عن قوة امريكا”[10]. بناء على ذلك، جاءت الصهيونية المسيحية ، على المستوى الايديولوجي ـ الديني، لتبلور وحدة المصالح والاهداف مع الصهيونية اليهودية، لكي تشكلا معا ايديولوجية المشروع الامبريالي الصهيوني على نطاق الكرة الارضية.







اعتقد ان “الصراع بين ابناء البشر تمحور دائما حول السلطة والنفوذ والمصالح الاقتصادية والسياسية وغيرها من المصالح المادية الدنيوية المتعارضة”[11] الخاصة بالمجموعات البشرية المحتلفة سواء كانت طبقات او شعوب او امم او دول. ” الحروب الدينية” او تلك التي تخاض تحت عباءة دينية، وفي نهاية المطاف، لا زالت كذلك بدافع تحرر وانعتاق الشعوب والامم او بدافع الفتوحات ونهب الثروات والتدمير الثقافي للاخرين. هكذا كان الحال منذ روما القديمة حتى حروب ادارة بوش الابن بمباركة من بابا الفاتيكان.







ديناميكية التطور الاجتماعي السياسي الداخلي في الولايات المتحدة الامريكية انجبت حركة المحافظين الجدد[12] الذين تشكل ايديولوجيتهم تعبيرا عن تركيز ومركزة كل الموروث الايديولوجي التاريخي للاصولية اليهودية المسيحية الصهيونية منذ بابا الذهب (ايربان الثاني) الى بابا النفط (جورج بوش الابن).







ان اهم نفوذ للصهيونية المسيحية في السياسة الخارجية الامريكية يكمن في الاعتراف بـ “اسرائيل” على انها “دولة يهودية”، وذلك نظرا للعواقب الكارثية على القضية الفلسطينية. في هذا الاعتراف وتداعياته تكمن احدى وجوه التماثل والاندماج بين الصهيونية المسيحية الامريكية والصهيونية اليهودية “الاسرائيلية”. كلاهما متطابقتان ثقافيا ـ دينيا، وتزمعان شرعنة استخدام القوة العسكرية والتوسع الجغرافي واحتلال الاراضي ونهب ثروات الاخرين والتدمير الثقافي والابادة الجماعية لامم اخرى، في خدمة دولة يهودية توراتية من الفرات الى النيل، في اطار المشروع الامبريالي الصهيوني “الشرق الاوسط الكبيرالجديد”، بصفته جزءاً من مخطط سيطرته العالمية.







ان احدى خصائص المحافظين الجدد الامريكيين تتمثل في ولائهم الايديولوجي والسياسي والعملياتي لـ “دولة اسرائيل”. ان صيرورة التماثل والاندماج بين “الدولتين”، لا تمنع ظهور تعارضات بينهما، بل انها تحلّ دائما بحيث تتم حماية وصيانة وحدة “الكيان الامبريالي الصهيوني” الناجم عنهما.







بهذا الخصوص، اشار جيمس بيتراس الى هذا الواقع عندما عالج فضيحة التجسس التي قام بها موظفون في ادارة بوش الابن وغيرهم لصالح “اسرائيل”. ان تبعات هذه الاعمال الجنائية، وفقا للتشريع الامريكي، تتمثل في عقوبات قاسية للجناة؛ ومع ذلك، لاحظنا العكس تماما، مما يشد من عضد تقديري القائل بان الامر يتعلق بنفس الدولة “الامبريالية الصهيونية”، “برأس في واشنطن وذيل في تل ابيب”، مع اعتذاري عن هذا التعبير قليل التداول في الاكاديميا.







في الخطاب الذي القاه يوم 20 يناير [13]2005 ركز جورج بوش اهتمامه على استراتيجية النضال في سبيل الحرية والديموقراطية والزعامة الاستفرادية الامريكية للعالم ومهمته المسيحانية والتديّن في سياسته الداخلية والخارجية، وتناقضات مستعصية الحل، من وجهة نظري، في السياسة الخارجية، وبالاخص تناقضين محددين:







التناقض الاول يتمثل في اشتراط وربط بقاء الحرية في الولايات المتحدة الامريكية على قيد الحياة، بالحرية في بلدان اخرى. لكن، في فلسطين التاريخية لا توجد حرية بفعل الامبريالية الصهيونية والاحتلال العسكري “الاسرائيلي” للقدس والضفة الغربية وغزة وابادة شعبها، فهل ستناضل الولايات المتحدة الامريكية في سبيل الحرية في فلسطين لكي تضمن حريتها؟ الاحداث التاريخية وسلوك الادارات الامريكية المتتالية، تشكك في هذه المهمة، ناهيك عن ان بوش بنفسه تكفل بتوضيح هذه التناقض الظاهري.







التناقض الثاني، انعكس في تكريس “وحدة المصالح الحيوية الامريكية واعمق قناعاتها”. معروف ان احدى اعمق قناعات النظام السياسي الامريكي تتمحور حول فكرة “اسرائيل الاسطورية”، كمخطط الهي يتربع فوق التاريخ والبشرية. ووفقا لما رايناه في هذا البحث[14] فان “اسرائيل” تشكل احدى المصالح الحيوية الامريكية في الشرق الاوسط. جورج بوش اعترف بـ واعلن عن ان “اسرائيل” تشكل هذه “الوحدة بين القناعات والمصالح” الامريكية، وبالتالي فان الادارة الامريكية لن تتصارع مع نفسها.







ديك شيني نائب الرئيس الامريكي، صرح امام جمعية آيباك في واشنطن يوم 7 مارس 2006،:”نحن ـ الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل ـ في تحالف طبيعي (…) ونقود حربا واحدة لكي نحول دون قيام امبراطورية شمولية تمتد من اسبانيا وتشمل شمال افريقيا وصولا الى الشرق الاوسط وجنوب آسيا”[15]. شيني يعترف صراحة وعلى الملأ بان امريكا واسرائيل تشكلان كيانا طبيعيا في تحالفهما واهدافهما ومصيرهما، بينما يحاول تبرير اقامة كيان امبريالي صهيوني على نطاق عالمي، بشن حرب وقائية ضد امبراطورية متخيّلة، واغفال الحقائق الجيوسياسية والجيوستراتيجية القائمة في ذاك الفضاء الجغرافي الطبيعي، حيث الاكثرية المطلقة من دوله على علاقة تحالف مع امريكا وان لم يكونوا حلفاء، فهم يتواطؤون او يسهلون المخططات الامريكية في المنطقة المذكورة.







نائب الرئيس الامريكي الحالي ، جوزيف بايدن، افصح بشكل موجز ومركز عن قناعته السياسية واعاد التاكيد على فرضية ان امريكا قد تحولت الى دولة امبريالية صهيونية عندما صرح قائلا: “لو كنت يهوديا لربما اصبحت صهيونيا. انا صهيوني. لا يحتاج المرء لأن يكون يهوديا لكي يغدو صهيونيا”[16]. بكلمة اخرى، ليس شرطا لا غنى عنه ان يكون المرء يهوديا ليكون صهيونيا، لان الصهيونية في نهاية المطاف تشكل فرعا من فروع فلسفة وايديولوجة راس المال الذي بدوره لا يعرف وطنا ولا عرقا ولا قومية بعينها.







من ناحية اخرى، جلعاد اردان، وهو وزير البيئة “الاسرائيلي” والمقرب من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، قال: ” اسرائيل لا تتلقى الاوامر من رئيس الولايات المتحدة الامريكية، اذ ان الاسرائيليين، بتصويتهم لصالح نتنياهو، قرروا ان دولتهم لم تعد الولاية 51 في امريكا”[17]. لقد اكد هذا الوزير الصهيوني الحقيقة التي اراد ان ينفيها. “اسرائيل” تحظى بنفوذ واسع في امريكا، والحزبين الجمهوري والديموقراطي، وكافة القطاعات السياسية والاقتصادية وخاصة هيئات القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني الامريكي.







في نهايات عام 2006، وافقت ادارة بوش ودعمت مطالب ايهود اولمرت اثناء زيارته الاخيرة الى واشنطن وهي للعلم: منع ايران من الحصول على السلاح النووي؛ الدفاع عن “اسرائيل” في حال التعرض لعدوان ما؛ ودعم خطة اولمرت لتخطيط وتحديد حدود “اسرائيل”. بيد ان بوش رفض قبول الطلب الرابع الذي عرضه اولمرت، الا وهو اعادة تجميع حوالي 80 الف مستوطن يقطنون في مستوطنات متفرقة في الضفة الغربية. بوش فعل ذلك لسببين: ان تمويل تلك العملية يصل الى 20 مليار دولار، وان بوش لا يضمن عواقب الانسحاب حيث ان اليمين المسيحي الصهيوني المتطرف يعتبر الضفة الغربية جزء لا يتجزأ من “ارض الميعاد”. وللتذكير، فان هنري كيسنجر قال للاسرائيليين عام 1974 ” نحن نعلم افضل منكم ما يناسبكم” تماشيا مع ادراكه بان “دولة اسرائيل” لا يوجد لديها سياسة خارجية، ومن الواضح جليا ان امريكا هي من تتولى تلك السياسة الحارجية تاريخيا.







في 15 مايو 2008، وفي “الكينيست الاسرائيلي”، شدد بوش على ان “اسرائيل” ستحتفل بذكر تاسيسها الـ 120 في ظل ظروف افضل وقوة اكبر. فهتف وزير الخارجية السابق، سوليفان شلومو بان بوش اكثر صهيونية من بعض وزراء “الحكومة الاسرائيلية”. لقد تكفل بوش نفسه بايجاز حقيقة العلاقة بين امريكا و “اسرائيل” عندما قال بالحرف الواحد: ” نعلم ان عدد سكان اسرائيل 7 ملايين، لكن في مواجهتهم للارهاب فان هذا العدد يصل الى 307 ملايين؛ لنعلن ان الصهيونية هي كلمة الله؛ هناك وعد قديم (…) بان تكون اسرائيل الشعب المختار”[18].







انني اتفق تماما مع تاكيدات بوش القائلة بان “اسرائيل” تشكل مكونا من دولة امريكا وبان الصهيونية، كايديولوجية عنصرية وفاشية، هي كلمة اله الدولة الامبريالية الصهيونية، اي، راس المال الكبير وهو الهها الواحد الوحيد.







قبل شهور قليلة نشرت صحيفة “لا خورنادا” المكسيكية مقالا بعنوان “طلسم اسرائيل”[19]، يوضح، من وجهة نظري، بواقعية موضوعية العلاقة القائمة بين الصهيونية اليهودية والصهيونية المسيحية وانعكاسها على العلاقة الخاصة بين “دولة اسرائيل” والقوى الغربية ولا سيما امريكا. (انظر ملحق رقم 1)







بناءاً على كل ما تقدم، نلاحظ ان تضافر تجليات منظور العلاقات الدولية ومنظور العلوم السياسية، يجعلنا ندرك ونفكر بوجود صيرورة سياسية متحركة وتطورية؛ اي، انطلاقا من وقائع ملموسة واخرى في طور المخاض، يمكن استشفاف منحى حركة كلا الكيانين باتجاه تشكيل كيان واحد ناتج عن تلك الصيرورة : “الامبريالية الصهيونية”.







انطلاقا من مزيد من الابحاث والملاحظة على ارض الواقع، تتوفر الان للعلوم السياسية واسرتها فرصة لتبنى هذا المفهوم (او رفضه) كجزء من جسم مقولاتها الاكاديمية. ان كونه لا يشكل جزء من المفاهيم القانونية للامم المتحدة، لا يسمن ولا يغني من جوع. الامم المتحدة تستجيب بشكل اساسي للاستفراد العسكري والسياسي وللفكر الوحيد فيما يخص الانظمة السياسية ، وهذه المفاهيم لا تجد لها مكانا في نصوص وقرارات الامم المتحدة.







ان عناصر المحاكمة العقلانية المتوفرة حول ظاهرة الصهيونية المسيحية والصهيونية اليهودية، ولتي تتيح لي اسناد مفهوم الامبريالية الصهيونية، يمكن لها ان تساهم في فهم تلك الظاهرة وارساء مفهومها النظري، انطلاقا من العلوم السياسة المنطلقة من الجنوب (السياسي). ان التماثل والاندماج لا يشكلان لحظة زمنية واحدة او امر واقع تام ونهائي؛ بل، وانطلاقا من الحكم على سلوك “كلا الدولتين”، يشكلان صيرورة في طور المخاض وتسير على مستوى بنيوي اقتصاديا وسياسيا وعسكريا. ان معالجتي لهذه العلاقة لم تستنفذ كافة جوانبها وكل جانب منها. ولهذا اوصي بمتابعة البحث العلمي في هذا الموضوع.







وفي نفس الوقت الذي لا اشاطر فيه النفاق الثقافي والسياسي الذي وقع فيه مارتن لوثر، وجسّده في كتابه “المسيح ولد يهوديا” فانني اؤكد على قناعتي بان “المسيح لم يولد يهوديا وان الامبريالية نعم ولدت صهيونية”.







ملحق رقم 1



مقتطفات من مقال “طلسم اسرائيل”



بقلم إيكتور ديّاس بولانكو Héctor Díaz Polanco، 25 يونيو 2010







“طلسم اسرائيل لا زال يجد له عدة تفسيرات. لا احد يتجاهل ان الدولة الصهيونية تتمتع بعصمة مطلقة من العقاب لانها تحظى بالدعم اللامحدود من قبل القوى الغربية. لكن، ماذا يفسر في الوقت نفسه ذاك الدعم اللامحدود؟ الجواب الاول يقول بان الصهيونية قد تحوصلت بقوة في هيكليات السلطة والراي العام الغربي لا سيما في الولايات المتحدة الامريكية، واستطاعت ان تقلب العلاقة التي يوحي بها الحس السوي: بدلا من ان تكون سياسة القوى الغربية هي التي تحدد تلك العلاقة، فان الصهيونية هي التي تفرض شروطها على تلك القوى. هناك كتب ومقالات جدّية تتبنى هذه الاطروحة.



الجواب الثاني يقدمه بشكل خاص مفكرون يهود واعتقد انه مناسب. بايجاز، يقولون ان ما يفسر سلوك “الدولة الاسرائيلية” موجود في نفس تشكلها التاريخي. اليهودي الارجنتيني ليون روزيتشنر (León Rozitchner ) في مقالة حادة نشرها عام 2009، يطرح ان “دولة اسرائيل” تم تشكيلها على يد قطاع معين من الجالية اليهودية: اي “اليهود الاوروبيون المندمجون” الذين اصبحوا، بواسطة الايديولوجيا الصهيونية، “يهود ـ مسيحيين”. الغرب هو من حفّز مشروع توطينهم خارج اوروبا، في فلسطين، وتاسيس دولة فيها “في خدمة السلطان المسيحي ـ الامبراطوري” البريطاني بداية والامريكي لاحقا. لقد ذكّرنا جاك هيرش (Jacques Hersh ) بان وينستون شيرشل (Winston Churchill ) قد افصح عام 1920 بتهوره البلاغي المعروف، عن ان اقامة دولة يهودية تتناغم مع “اكثر مصالح الامبراطورية البريطانية اصالة”.



التغير السياسي ـ الثقافي اي “الردّة اليهودية” الجديدة، تطلّب القيام بخطوة اخرى: “تبديل العدو”. واستطرد روزيتشنر قائلا ان “الدولة الاسرائيلية” قد تحولت الى “راس رمح الراسمالية المسيحية” التي دججتها بالسلاح من الراس حتى اخمص القدمين، لكي تواجه عدوها الجديد: العالم الاسلامي. “لكن، لا المسلمون ولا الفلسطينيون ـ كما يقول ـ كانوا مسؤولين عن الشواه (المحرقة) : الجناة الاباديون اصبحوا الان اصدقاء تلك الدولة، الذين يرسلون اليهود الى خط المواجهة”.



لم يعد الامر يتعلق بدولة ذات مشروع خاص بها، مستقلة بشراسة وقادرة على فرض نفسها على آخرين (امريكا واوروبا)، وذلك لكي تضمن الحماية والرّضا عنها في ظل اية ظروف. ان افعال “الدولة الاسرائيلية” في الشرق الاوسط ليست الا دسائس امريكا وشركائها من اجل فرض مشروعها في تلك المنطقة المضطربة… ان الانقلاب من “الخوف من اليهود او التحامل عليهم” الى “الخوف من المسلمين او التحامل عليهم) يشكل، على الصعيد الايديولوجي والسياسي، توسيع الحدود الامبراطورية، في منطقة استراتيجية بالنسبة للمبتغيات الحالية للمشروع الليبرالي الجديد”[20].