حصاد زراعة ديمقراطية جورش بوش شوز والقرد الاسود بر اك حسين اوباما في العراق هلهولة لحكومة مجرمي سلطة الاحتلال وبرلمان خرسان وطرشان وعميان الاحتلال ياخونة حرامية مصيركم سوف يكون مثل مصير اي عميل اميركي وانكليزي وايراني ومصير اي نظام دكتاتوري جاء بقطار اسيادهم الامبريالين الامريكان

IRAQI REVOLUTIONARY MAOIST ORGANIZATION - IRMO المنظمة الماوية الثورية العراقية - جبهة نجوم الحمراء




الكفاح المسلح الطريق الوحيد للتحرير

الكفاح المسلح الطريق الوحيد للتحرير







2012-12-08

الصهيونية نبتة جذورها الخيانة

الرفيق فوأد النمري

الحديث طويل لا ينتهي عن الصهيونية ومع ذلك يمكن اختصاره بكلمتين كما في القول الدارج .. وداوِها بالتي كانت هي الداء؛ فالصهيونية هي مداواة الخيانة بالخيانة. ولتحقيق مثل هذا التفسير، الذي سيشجبه الصهاينة بمختلف أطيافهم الخيانية بالطبع، يتوجب عليّ ترسّم جذور نبتة الصهيونية الخيانية عميقاً في تربة التاريخ.

لأسباب كثيرة لا سبيل للبحث فيها في هذا السياق، ظل الحوض الشرقي للبحر التوسط مطمعاً للغزاة من شتى الأجناس والأمم عبر التاريخ، فكان سكانه المعروفون لدى المؤرخين بالآراميين، باسم الحضارة الغالبة في المنطقة، من مخلفاة الغزاة وتلاقح أجناسهم المختلفة، منهم اليونان ومنهم الفرس والرومان وكذلك المصريون والأشوريون والحثيون وأمم كثيرة أخرى.
في عمق جذر الصهيونية كان الأسر البابلي. فعندما تطورت مملكة بابل وغدت بحاجة إلى مزيد من الأيدي العاملة كان الحل أمام ملكها (نبوخذ نصّر) هو استحضار العبيد من البلدان المجاورة فغزا بلاد الشام 586 ق.م وجمع منها حوالي 7 آلاف شاب ساقهم إلى بابل للعمل كعبيد في حدائقها وأنظمة الري فيها. أولئك العبيد كانوا ما زالوا يحييون الحياة الرعوية المتخلفة جداً في فلسطين وأكثرهم من أصول مصرية، من قبائل الرعاة التي وفدت مع شيخها النبي موسى. في بابل تفتحت عيون هؤلاء العلوج حقاً على حياة مدنية مختلفة، انتقلوا من الحياة الرعوية المتخلفة إلى الحياة الزراعية المتقدمة. رأوا الحدائق الجميلة والحدائق المعلقة، رأوا أنظمة الري والأقنية، رأوا القصور الفخمة وأصخوا السمع للموسيقى وللشعر والقصص الكثيرة عن أساطير السومريين وآلهتهم وعن قصة الشيخ السومري أبرام وزوجته، أخته غير الشقيقة، ساراي وابن أخيه لوط وكيف فاض نهر الفرات على بلدتهم أور في قاع نهر الفرات مما حدا بالشيخ ابرام بأن يسوق قطعانه الكبيرة من الماشية صعوداً إلى أعالي الفرات حتى وصوله حرّان جنوب شرقي شبه جزيرة الأناضول مصطحباً معه زوجته وابن أخيه وأفراد عائلته الكبيرة،

كورش الكبير، مؤسس امبراطورية الفرس وصاحب أول وثيقة لحقوق الإنسان تدعو لتحرير المستعبدين من كل جنس ولون وحقهم في الحياة الحرة الكريمة، قام هذا الامبراطور وحيد عصره باحتلال بابل وسائر بلاد شرق المتوسط عام 537 ق.م وحرر عبيد السبي البابلي الذين أبرزهم أنبياء التوراة جميعهم، حزقيل ودانيال وأشعيا وغيرهم الذين غدوا رسل الفرس في تفريس مملكة يهودا الممتدة في جنوب فلسطين والأردن. تعهد هؤلاء الرسل بتبديل حامل الثقافة الوحيد في تلك العصور وهو الدين. بشّر هؤلاء الرسل اليهود، سكان يهودا بدين جديد وإله جديد هو " إيل " أحد آلهة البابليين ولم يكن الدين الجديد غير مجموعة من الأساطير السومرية والبابلية وأهمها قصة الشيخ السومري أبرام. مع بداية الربع الأخير من القرن السادس قبل الميلاد أخذ الرواة يروون هذه الأساطير السومرية والبابلية التي جاء بها رسل الفرس أنبياء التوراة وقد استبد بهم الاستلاب حتى باتوا يجزعون من النطق باسم الجلالة " إيل " فأخذوا يقولون بالآرامية (هو من هو) ( אהיה אשר אהיה ) وهو ما يجمل بلفظ (يهوه). كان قد سبق هؤلاء الأنبياء التوراتيين من رسل الفرس نبي توراتي آخر هو النبي جيرميا الذي كان من رسل البابليين والذي أنكر على شعب يهودا عبادة إله الكنعانيين " بعل " فزجّ به في السجن لأنه بشّر باحتلال الأشوريين ليهودا فكان أن حرره الأشوريون من السجن حال احتلالهم للبلاد في العام 586 ق.م. كما لحق أنبياء التوراة من رسل الفرس رسول فارسي آخر هو النبي التوراتي عزرا الذي أوفده داريوس الأول كيما يؤكد تفريس يهودا عن طريق الحامل الثقافي الجديد وهو الدين الجديد في يهودا والذي أخذ اسمها فسمى " اليهودية ". لقد منح داريوس النبي عزرا سلطات مطلقة تمثلت بفسخ زواج الزوج اليهودي الذي يدين بالديانة الجديدة، اليهودية، من الزوجة اليهودية التي لا تدين باليهودية. وهكذا اكتمل تفريس مملكة يهودا وشعبها من الآدوميين عن طريق الحامل الثقافي الجديد وهو الدين المنقول عن الأساطير السومرية والبابلية الذي أخذ إسم المملكة فأخذ يعرف باليهودية.

ظل الرواة يروون اساطير الديانة الجديدة " اليهودية " واستطالوا بقصة ابرام فزادوا على اسمه وجعلوه أبراهام وغيروا اسم زوجته ساراي فجعلوه ساره وأطالوا من عمره فجعلوه نحو مائتي عام وساره تحمل باسحق بعد أن تجاوزت الثمانين عاما وزوجها ابراهام المائة وعشرين عاما وهو ما يتعارض مع أوليّات قواعد البيولوجيا. كل ذلك من أجل أن يستقدموه إلى فلسطين عبر سوريا يعبرها بكل قطعان مواشيه العديدة وعائلته الكبيرة فيقيم في الخليل وهناك يقطع الله وعداً بأن تكون فلسطين لإبراهيم ولذريته العديدة عدد رمال البحر وهو ما لم يتحقق لا بالحرث ولا بالنسل. وكان الهدف من الوعد هو تحريم أرض يهودا على الغزاة المحتملين مثل الأشوريين الذين أذاقوهم مرّ العذاب. لم يكتفِ الرواة بهذا بل جعلوا ابراهيم يهاجر إلى مصر مخالفاً وعد الله المزعوم وفي مصر يترك زوجته الجميلة ساره لتكون خديناً لفرعون وقد أدهشه جمالها. لقاء ذلك يجزل فرعون بعطاياه لإبراهيم الذي بعدئذٍ يعود لفلسطين وزوجته سارة ولم يمتلك شبراً من أرضها خلافاً لوعد الله المزعوم فيضطر لشراء بقعة صغيرة كي يدفن زوجته. استطال الرواة باسطورة ابراهيم كي يتمكنوا من الإدعاء أن موسى والقبائل الاثنتي عشر أتباعه هم من اليهود نسل ابراهيم. لكنهم مع ذلك عادوا يقصون اسطورة أخرى عن يعقوب حفيد ابراهيم وأبنائه الإثني عشرة وهجرتهم إلى مصر.
ما يبطل تلك المزاعم الأسطورية هو أن سفر الخروج كما ظل يروى حتى تم تدوينه في التوراة المسيحية لم يشِ إطلاقاً أن موسى وأتباعه كانوا حتى على علم بأساطير الديانة اليهودية، وكيف لهم أن يعلموا وخروجهم تم قبل ثمانية قرون تقريباً كما يقدر المحققون من عودة الأنبياء الأسرى إلى يهودا ليبشروا بتلك الأساطير !؟ وبغياب كل أثر يسند مزاعم أسفار ابراهيم في سوريا وفلسطين ومصر ـ وزاد عليها المسلمون الحجازـ فكما لو أن ابراهيم وقطعان ماشيته الكبيرة كان يسافر بالطائرة (!!) يرجح المحققون على أن أبناء أبرام كانوا قد استقروا في حوض نهر (الباليخ) دون أن يتجاوزوه خلافاً لما زعم أنبياء اليهودية بعد ألفي عام، إذ تشير الدلائل إلى أن أحفاد السومري أبرام من أور هم من أقاموا مملكة كبيرة في (إيبلا /Ebla) قرب حلب وفيها وجد الآثاريون ألواحاً فخارية منقوشاً عليها بالخط المسماري أسماء اسحق ويعقوب ويهوذا وأورشليم وصادوم وعاموره تعود للعام 2300 ق.م

في العام 63 ق.م احتل الرومان بقيادة بومبي مصر وشرق المتوسط. لم ينسَ الرومان أن اليهود كانوا الحلفاء الأمناء للفرس طيلة حروبهم ضد اليونان والرومان. لذلك منح الرومان الاستقلال الذاتي للشعوب المحيطة بيهودا مثل الأنباط في البتراء والغساسنة في بصرى الشام والكنعانيين في تدمر لكنهم رفضوا رفضاً قاطعا أن يمنحوا الاستقلال الذاتي ليهودا وعينوا ملكاً عليها هو الآدومي هيرودس المتجنس رومانياً. أثقل الرومان على اليهود بالضرائب فقام اليهود بمائة ثورة ضد الاحتلال خلال قرن طويل انتهى بثورة عام 73 ميلادية عندما تغلب اليهود على عسكر الرومان فكان أن استقدمت روما جيوشاً من بريطانيا تمكنت من سحق الثورة وهدم الهيكل. النصرانية كانت أطول وأعمق تلك الثورات التي بدأت بيوحنا العمدان يدعو اليهود لهجرة المدن والعيش في الصحراء كيلا يدفعوا ضرائب لروما وسميت حركته اليسين (Essenes) وتعني بالآرامي اليائسين. عندما أعتقل يوحنا وأعدم فيما بعد هرب تلميذه يسوع (Jesus) إلى الجليل الذي كان يدعى آنذاك بجبل النار نظراً لاستعار الثورة فيه وضعضعة سلطة روما هناك. في الجليل لجأ يسوع في كفرناحوم إلى بيت بطرس (سيمون) وأخيه إندراوس، وبطرس هذا كان رئيس منظمة الناصريين (Nazzerine) وهي كلمة آرامية تعني المنذورين، منذورين لمحاربة روما بالسيف وبالخنجر. وعليه كان يسوع الناصري المنظم لمنظمة الناصريين وليس من مدينة الناصرة، كما يؤمن المسيحيون أتباع بولص، والتي لم تكن قد بنيت بعد كما يؤكد الأركيولوجيون البريطانيون.

في مواجهة الاحتلال الروماني انقسم اليهود إلى قسمين كما هو الحال في مواجهة كل احتلال، قسم يتعامل مع الاحتلال ويقبل به وهم الأقلية، وقد حصل هؤلاء مقابل خيانتهم لبلادهم والتخلي عن السيادة على امتياز يتمثل بسلطات نافذة في الحفاظ على ديانتهم اليهودية من خلال مجلس "السانهدرين" (Rabbis Council) برئاسة الحاخام الأكبر في القدس، وهو المجلس الذي حاكم الناصري يسوع كمرتد عن اليهودية وحكم عليه بالموت. هذا المجلس الذي إدّعى تمثيل اليهودية بأصولها إنما مثّل حقاً خونة البلاد المناصرين لروما الذين طلبوا من بيلاطس البنطي حاكم القدس الروماني إعدام يسوع لأن ملكهم هو القيصر وليس يسوع بما يدعي. في الحقيقة لم يكن حكمهم على يسوع بالموت بسبب ارتداده عن اليهودية أو التحريف بها بل لأنه ناصري معادٍ لروما ويناضل من أجل استقلال يهودا. كل اليهود في شرق المتوسط تنصّروا اقتداءً بيسوع ورفضاً للإحتلال الروماني باستثناء السانهدرين وبطانته الذين وقفوا متعاونين مع الإحتلال تحت راية كاذبة هي الدفاع عن نقاء الديانة اليهودية. وهكذا انقسم سكان شرق المتوسط، حين كان قلب العالم، إلى يهود نصارى وطنيين معادين للإحتلال الروماني وهم الأغلبية وإلى يهود، أعداء النصارى، متحالفين مع الاحتلال وهم الأقلية. من هناك تحديداً وُصم اليهود بالخيانة وتم تكريس خيانة اليهود تاريخياً من خلال أحداث رواية صلب يسوع المسيح. بعد أن عمّت النصرانية بين اليهود وظف الاحتلال الروماني أحد ضباط عساكره شاؤول (بولص الرسول) من أجل حرف النصرانية إلى المسيحية كدين صرف متصالح مع روما ولا علاقة له بأمور الدنيا فنجح في ذلك أيما نجاح وكتبت أناجيل المسيحية بهذه الروح ونفث ذلك الضابط الروماني حقد الرومان على اليهود وجعل صلب يسوع بحكم من مجلس الحاخامات اليهود، السانهدرين، وحده دون موافقة الرومان. تحول أغلب النصارى إلى المسيحية البولصية بحكم ملاحقة الرومان للنصارى وقتلهم بمثل ما كان قيصرهم نيرون يلقي بالنصارى إلى الأسود الجائعة، لكن سخطهم زاد على اليهود الخونة وقد ألقى بولص بذنب صلب يسوع على اليهود وحدهم دون الرومان بحجة أن حاكم القدس الروماني بيلاطس البنطي " غسل يديه من دم ذلك الصدّيق ".
لم يتحول النساطرة من النصرانية إلى المسيحية البولصيه منتصرين لمبدأ بطريرك القسطنطينية نسطوريوس (Nestorius) وقد كفّرته الكنيسة لإنكاره ألوهية يسوع، فطاردتهم روما وشتتتهم في أمصار عديدة منها العراق وإيران والحجاز. وجاء الإسلام امتداداً للدعوى النسطورية فكان الكاهن النصراني النسطوري ورقة بن نوفل هو أول من رسم محمداً نبيّاً نسطورياً قبل أن يكون نبيّاً للإسلام.

في العالم المسيحي الأرثوذوكسي بلغت كراهية اليهود حداً سمح بإبادتهم دون عقاب وهو ما عرف ب (البوغروم/ Pogrom) وقد تم إبادة عشرات الآلاف منهم في أوديسا وفي وارسو وفي خاركوف وكيشينيف ورومانيا وغيرها. أما في العالم البروتستانتي فلم تكن كراهية اليهود بمثل هذا حيث التسامح الديني يطبع البروتستانية والأنجليكانية بصورة عامة باستثناء ألمانيا وقد اشتد فيما بعد بسبب موقف يهود الولايات ىالمتحدة في الحرب العالمية الأولى حيث أمدوا انجلترا بالأموال وهو ما ساعدها على الإنتصار على ألمانيا بعد أن وصل البلدان حد الإفلاس لعجز أي من الطرفين إنهاء الحرب لصالحة بسبب العجز المالي. أما في العالم الكاثوليكي مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا فكانت كراهية اليهود بين بين، أقل منها في العالم الأرثوذوكسي وأكثر منها في العالم البروتستاني. لكن المسيحيين بالإجمال ظلوا يتعلمون في مدارسهم باستمرار أن اليهود هم الذين قتلوا مسيحهم بعد أن أكدوا استعدادهم أنهم وأبناءهم من بعدهم سيتحملون وزر دمه. لذلك ظل المسيحيون يكرهون اليهود ويصمونهم بالخيانة.

في العام 1894 حدثت فضيحة سياسية شهيرة بدأت بتقديم ضابط فرنسي يهودي من الألزاس هو ألفريد درايفوس (Alfred Dryfus) من سلاح المدفعية الفرنسي إلى المحاكمة بتهمة الخيانة العظمى والتجسس لصالح ألمانيا. صدر حكم ملفق على الضابط وهو السجن المؤبد في جزيرة " الشيطان " في أقاصي الإطلنطي. المحامي وكيل درايفوس أكد للرأي العام أن موكله بريء من التهمة المسندة إليه وأن الحكم لم يكن إلا بدافع الكراهية لليهود. هذا الأمر دفع الكاتب الفرنسي الكبير إميل زولا إلى تبني القضية مما دفع بالرأي العام في فرنسا إلى الضغط على السلطات لأجل إعاد التحقيق في القضية من قبل جهة محايدة وهو ما أدى إلى بطلان التهمة وفسخ الحكم وإعادة درايفوس إلى وظيفته ضابطاً في سلاح المدفعية.

كان الكاتب اليهودي النمساوي والصحفي اللامع ثيودور هيرتسل (Theodore Herzl) مؤسس الحركة الصهيونية من الذين حضروا جميع جلسات محاكمة درايفوس. وكان يصاب بالإحباط والخيبة كلما خرج من المحكمة ورأى الجماهير محتشدة تهتف بغضب " الموت لليهود الخونة !! " . كان ثيودور هيرتس مهموماً بالمسألة اليهودية، وكان يرى أن لا حلّ للمسألة اليهودية إلا بتحوّل اليهود من اليهودية إلى المسيحية مخالفاً بذلك الفيلسوف والمؤرخ الألماني برونو باور (Bruno Bauer) الذي أكد أن الدولة المسيحية لم تُحرّر مواطنيها فكيف بها تحرر اليهود !؟ ومخالفاً أيضاً ماركس الذي رأى أن المسألة اليهودية مرتبطة ارتباطاً موارباً بالصراع الطبقي وأضاف إلى تأكيد باور بأن تحرير اليهود لا يتم إلا بإلغاء الدين.
بعد تلك المحاكمة التي كانت تعبيراً حيّاً عن كراهية اليهود وما يوصف ب " اللاسامية "، وصيحات الجماهير المحتشدة خارج المحكمة تطالب بالموت لليهود، ظهر لهيرتسل أن " اللاسامية " هي مسألة ملحة ولازبة لا تنتظر التأخير، وأن الحل الذي يقترحه باور وهو إلغاء الدولة المسيحية أو الحل الذي يقترحه ماركس وهو إلغاء الدين هما حلاّن بعيدان في مجرى التاريخ كما أن الحل الذي كان يقترحه هو نفسه وهو تحول اليهود إلى المسيحية إنما هو خارج باور وماركس فلا هو يلغي الدولة المسيحية، كما لا يلغي الدين، بل بالعكس تماماً فهو يؤكدهما.
إذّاك رأى هيرتسل أن يداوي الداء بالتي كانت هي الداء، أن يداوي الخيانة التاريخية ليهود السانهدرين الذين خانوا بلادهم وانتصروا للاحتلال الروماني وأخذوا على عاتقهم صلب يسوع الناصري المقاوم للإحتلال، أن يداوي تلك الخيانة بخيانة تاريخية أخرى وهي الصهيونية. ففي العام 1896 نشر هيرتسل كتابه الشهير " الدولة اليهودية " وفيه يقترح أن لا يواجه اليهود قضيتهم في بلادهم وينخرطوا في النضال مع شعوبهم من أجل إلغاء الدولة المسيحية كما يقترح باور أو إلغاء الدين كما يرى ماركس، بل ليخونوا شعوبهم ويهربوا إلى دولة تقام خصيصاً كملجأ لهم. ولا ينسى هيرتسل أن يذكر فلسطين في كتابه حيث أقترف اليهود الخيانة الأصلية فيقول .. " لن ينسى اليهود فلسطين ". الصهيونية التي دعا إليها هيرتسل في كتابه "الدولة اليهودية" لم تكن خيانة لشعوب أوروبا المناضلة من أجل التحرر من دولة القمع والإرهاب، ولم تكن خيانة للشعب الفلسطين بتجريده من أرضه وبلاده، بل خيانة أيضاً لليهود أنفسهم حيث يترتب عليهم أن يضحوا بأموالهم وبرجالهم باستمرار ودون توقف من أجل تحقيق الدولة الصهيونية والحفاظ عليها في محيط معاد لا يقبلها ولا يتصالح معها وهو واقع الحال كما هو اليوم بعد قرن طويل.

الحقائق التي يقفز عنها هيرتسل ليقترح "الصهيونية" حلاً للمسألة اليهودية هي أن اليهود في روسيا وأوكرانيا وبولندا كما في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا ليسوا ساميين أصلاً ليُدعى باللاسامية ضدهم، إنهم من شعوب بلادهم دماً ولغةً وثقافة وما التمييز ضدهم بغير الدين الذي اعتنقه أجدادهم عندما كانت اليهودية ديناً عالمياً زمن الإغريق. ومن جهة أخرى فإن أحداً لم يطرد اليهود من فلسطين فالعرب والأتراك المسلمون الذين حكموا الشرق الأوسط منذ القرن السابع الميلادي كانوا يعتبرون اليهود من الذميين أي سلامتهم وممارستهم لشعائرهم الدينية هي في ذمة المسلمين ولا يجوز التفريط بها. فمثلاً عندما استسلم بطريرك القدس المسيحي صفرونيوس إلى الخليفة عمر بن الخطاب اشترط ألا يسمح عمر بأن يسكن اليهود في القدس وهو ما يعني أن خليفة المسلمين كان سيسمح بسكن اليهود في القدس. ومن جهة أخرى فإن يهود فلسطين كانوا قد تنصّروا مثلما تنصر بطرس ويسوع ضد روما بالرغم من الأحكام الجائرة والإعدامات التي كان يحكم بها الحاخامات في مجلس السانهدرين. من لم يتنصر من اليهود هم من ظلوا محافظين على ولائهم لروما فتم وصمهم تاريخياً بالخيانة وظلوا حيث هم قبل توالي موجات الهجرة الصهيونية إلى فلسطين.

أُستقبل كتاب هيرتسل "الدولة اليهودية" في أوروبا استقبالاً استثنائياً. فاليهود وقد " سئموا العيش في ظل الآخرين "، كما يلخص البروفيسور لايبوفتش الصهيونية، بات لهم توق كبير ليحيوا حياة حرة تكرس سيادتهم وخاصة أولئك اليهود الذين عانوا من عنت الاضطهاد الإجرامي في شرق أوروبا الأرثوذوكسي؛ كما الأوروبيون غير اليهود وقد كرهوا اليهود ومسلكياتهم الخاصة بهم فبات لديهم الرغبة العارمة بألا يساكنوا اليهود في بلادهم. في ظل مثل ذلك الحماس الذي استقبل به كتابه المؤسس لدعوى الصهيونية بدأ هيرتسل نشاطه السياسي لتحقيق صهيونيته المنشودة وهي إقامة وطن " قومي !! " لليهود في فلسطين فدعا إلى عقد أول مؤتمر لليهود في بازل/سويسرا 1897 وهو المؤتمر الذي أسس فعلياً المنظمة الصهيونية العالمية (World Zionist Organization) وقرر تشجيع الهجرة إلى إسرائيل وخاصة المزارعين والحرفيين وانتخب المؤتمرون هيرتسل نفسه رئيساً للمؤتمر.
الدعوى القومية هي من إرهاصات تطور المجتمع الرأسمالي تحديداً وإغلاق الحدود الجمركية حول الحدود الوطنية. دعوى الصهيونية لا تمتلك شرطاً من شروط القومية. فاليهود المدعوون للهجرة إلى فلسطين لا يربط بينهم دم أو لغة أو السعي لإقامة مجتمع رأسمالي، بل العكس كان، فكان التوق العام للمهاجرين هو الحياة الاشتراكية كما في الكيبوتسات. لم يكن من رابط مشترك يجمع المهاجرين إلى فلسطين سوى معاناة الذل وبعض الأفكار الدينية لبعض القليل منهم إذ أن جميع زعماء الحركة الصهيونية كانوا من الملحدين وأول من استعد لأن يتخلى عن يهوديته هو مؤسس الحركة الصهيونية نفسه ثيودور هيرتسل. وهنا يقوم السؤال الكبير وهو.. كيف للإذلاء أن يبنوا دولة؟ دولة لا تقوم على أي قاعدة مادية سوى رفض الذل ومبدأ .." سئمنا الحياة في ظل الآخرين " !؟ ـ هذا لا يبني دولة بالطبع.
كرئيس للمؤتمر الصهيوني باشر هيرتسل اتصالاته برؤساء الدول المؤثرة وجهد كثيراً للاتصال بالسلطان عبد الحميد وقد وسط لذلك الامبراطور الألماني لكن السلطان رفض مقابلته ورفض الرشاوى المعروضة ومنها خمسة ملايين ليرة ذهب مقابل صحراء سيناء فقط. وفي العام 1902 قابل هيرتسل وزير المستعمرات البريطاني تشيمبرلن الذي أقنعه باستحالة إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين خصوصاً طالما أن السلطنة العثمانية المسلمة تبسط سلطانها على كل الشرق الأوسط. إذّاك توقف هيرتسل عن المناداة بإقامة وطن قومي في فلسطين ودعى ليكون الوطن في أوغندا كما اقترح عليه تشيمبرلن أو بعيداً في الأرجنتين. تحولُ هيرتسل عن فلسطين لقي معارضة شديدة من قبل اليهود من شرق أوروبا وكان لهم أثر نافذ في المؤتمر الأمر الذي انعكس على هيرتسل بالإحباط الشديد والاستقالة من رئاسة المؤتمر وقيل أن ذلك تسبب في مرضه ثم في وفاته في العام 1904.

كان هيرتسل قد عرض على تشيمبرلن وزير المستعمرات البريطاني عندما التقاه في العام 1902 بأن اليهود في فلسطين سيقومون بوظائف الجيوش البريطانية في شرق المتوسط ويؤمنون لبريطانيا الطريق إلى الهند وقناة السويس، أي أن اليهود في فلسطين سيخدمون الاستعمار كما الاستعمار نفسه. أعاد رئيس المؤتمر الصهيوني حاييم فايتسمان نفس التعهد الخياني في مذكرته إلى وزير خارجية بريطانيا آرثر بلفور في العام 1917 وبناء عليه صدر تعهد الحكومة البريطانية بالتعاطف مع إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. وبعيداً عن تعهدات هيرتسل وفايتسمان فإن حروب إسرائيل في المنطقة إنما كانت لحراسة مصالح الامبريالية ضد شعوب المنطقة وتطورها السياسي والاقتصادي؛ وقد شهد بذلك أرييل شارون فأثناء عودته من لبنان للتحقيق معه في جريمة صبرا وشاتيلا سأله أحد الصحفيين عن تهديد الرئيس الأميركي بحجب القرض المطلوب لإسرائيل وقيمته 10 مليارات دولار فرد مستنكرا .. إذا كانت أميركا تقدم لنا الأموال فنحن نقدم لها ما هو أغلى، لقد قدمنا دماءنا دفاعاً عن المصالح الأميركية. وزير الدفاع في إسرائيل ورئيس الوزراء فيما بعد أرييل شارون يعترف بأن إسرائيل تقوم بدور خياني لشعوب المنطقة. العدوان الثلاثي على مصر في نوفمبر 1956 بدأته اسرائيل بأمر من بريطانيا وفرنسا كما افتضحت أموره فيما بعد. وعدوان إسرائيل على لبنان في حزيران يونيو 1982 كان بأمر من الولايات المتحدة حيث صرح وزير خارجية أميركا ألكسندر هيغ قبل أيام قليلة من العدوان بالقول .. لقد قرع جرس الشرق الأوسط !!

بدأ اليهود بخيانة مواطنيهم في فلسطين عندما ناصروا الرومان في احتلالهم لفلسطين واقترفوا جرائم تقتيل النصارى المطالبين بالاستقلال وأولهم يسوع النصارى. وقبل بداية القرن العشرين اتفقوا على خيانة شعوبهم الأوروبية والهروب إلى بلاد أخرى تاركين شعوبهم تتعرض للقمع والطغيان من قبل دول رجعية وبورجوازية. وانتهوا إلى خيانة شعوب المنطقة العربية بالقيام بوظيفة كلب الحراسة للإمبريالية. ولا يجوز الإنتهاء من الحديث في خيانة الصهيونية دون التوقف عند حديث لينين عن حزب الاشتراكيين اليهود (البوند) إذ قال في نقده للمسألة القومية في العام 1913 ..
" كل من يرفع شعار الثقافة القومية لليهود فهو بغض النظر عن نواياه الطيبة، كما قد يعتقد، إنما هو عدو للبروليتاريا ومناصر لحياة الغيتوات اليهودية، وهو بالتالي متآمر مع الحاخامات ومع البورجوازية " ـ هم خونة لمجرد تأسيس ثقافة خاصة فما بالك بدولة خاصة !؟
وأخيراً لن يتحرر اليهود تاريخياً إلا مع تحرر الفلسطينيين وانضمامهم إلى البروليتاريا العالمية في النضال من أجل إلغاء الدولة المسيحية وغير المسيحية وإلغاء الدين فلا يعود يسوع وحده هو نصير الفقراء ومخلصهم.

الاشتراكية العلمية والاشتراكية

الرفيق حسقيل قوجمان

قرات في الحوار المتمدن بعض المقالات التي تناقش مقال يعقوب ابراهامي المعنون "خرافة الاشتراكية العلمية". ولا اعرف كيف خرف يعقوب ابراهامي واعتبر الاشتراكية العلمية خرافة. فهو يعرف ان الاشتراكية العلمية اسم مرادف للماركسية وهو يعتبر نفسه ماركسيا وهذا يعني انه يعتنق خرافة. لا اناقش في هذا المقال خرافة او عدم خرافة الاشتراكية العلمية اي الماركسية لانه نقاش سخيف وانما اناقش بعض الابهام الذي ورد في الردود على مقاله.
اشعر ان هناك بعض الابهام في فهم الفرق بين مصطلحين، مصطلح الاشتراكية العلمية ومصطلح الاشتراكية. فمصطلح الاشتراكية العلمية يختلف عن مصطلح الاشتراكية اختلافا جوهريا. وهناك في الكتابة عنهما في هذه الردود خلط بين المصطلحين مما يؤدي الى بعض الغموض والابهام.
من المعروف ان الكتاب عن الماركسية، الاشتراكية العلمية، يعتبرون انها تتألف من ثلاثة اركان، المادية الديالكتيكية والاقتصاد السياسي والاشتراكية. وهذا يعني ان الاشتراكية ركن من اركان الاشتراكية العلمية. الاشتراكية العلمية نظرية، النظرية الماركسية، الاسم الذي اطلقه انجلز على الاشتراكية العلمية. والنظريات هي افكار انسانية يمكن ان تكون علمية وغير علمية. يمكن ان تكون مثالية، طوباوية، وحتى نازية بل حتى خرافية وما اكثر الخرافات في تاريخ الفكر الانساني. ولكن ماركس وانجلز اعتبرا الماركسية، الاشتراكية العلمية، نظرية علمية وعلى هذا الاساس اطلقا عليها اسم الاشتراكية العلمية قبل ان يطلق عليها انجلز اسم الماركسية تخليدا لاسم العالم الذي اكتشفها. وتركت ليعقوب ابراهامي العنان لضرب اخماس باسداس بهذا الصدد. فتارة يعلن انه لم يسمع بمصطلح الاشتراكية العلمية وتارة يعلن ان ماركس لم يطلق على نظريته اي اسم وتارة ان ماركس لم يذكر الاشتراكية العلمية في كل مؤلفاته والان يعتبر الاشتراكية العلمية خرافة ولا ادري الى اين سيصل في تفسيراته وتقديراته للاشتراكية العلمية بدون ان يفكر ولو مرة في البحث عن اصل الاشتراكية العلمية ومتى اطلق عليها ماركس اسم الاشتراكية العلمية ولماذا.
انا لم اجب يعقوب ابراهامي على تساؤلاته حول هذا الموضوع حيث يطلب من غيره ان يبحث عن المصدر والكتاب والصفحة وكل التفاصيل بدون ان يفكر هو بان يتوصل الى قراراته بعد البحث بنفسه عن ذلك. فهو يتخذ قراراته كانه قرأ كل حرف من حروف كتابات ماركس ولو انه بتواضعه المألوف يعترف بانه لم يقرأ جميع مؤلفات كارل ماركس وكأن هناك الكثير ممن قرأوا كل مؤلفات كارل ماركس. لم اجب يعقوب ابراهامي على ذلك لاني قرات عن ذلك سنة ١٩٥١ في سجن نقرة السلمان وليس لدي المصدر اليوم لكي اشير الى موضعه وتفاصيله والصفحة والسطر. والحقيقة على ما اتذكر هي ان ماركس وانجلز وضعا اسم الاشتراكية العلمية على نظريتهما او ناقشاها في احد اوائل الاعمال المشتركة بينهما، في كتاب الايديولوجيا الالمانية الذي كتباه قبل البيان الشيوعي والذي لم يشأ يعقوب قراءته في ذلك الحين. هناك يشرحان لماذا اطلقا على نظريتهما اسم الاشتراكية العلمية تمييزا لها عن النظريات الاشتراكية الكثيرة التي انتشرت في ايامهما خصوصا في المانيا مع مناقشة العديد من تلك الاشتراكيات.
الاشتراكية العلمية هي الماركسية كما نعرفها الان والتي تتألف من اركانها المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية والاقتصاد السياسي والاشتراكية. وليس موضوع هذا المقال شرح الماركسية، الاشتراكية العلمية، وانما موضوع هذا المقال هو شرح الفرق بين مصطلح الاشتراكية العلمية ومصطلح الاشتراكية. لا اجد حاجة الى مناقشة الاشتراكية العلمية باعتبارها النظرية الماركسية. فالاشتراكية العلمية اي الماركسية نظرية لها اركانها ويحق لكل انسان ان يحدد موقفه منها فيعتبرها علما او يعتبر انها ليست علما بل حتى ان يعتبرها خرافة. ولا يمكن تعداد الاراء التي نشأت حول النظرية الماركسية، الاشتراكية العلمية، منذ ظهورها حتى اليوم والتي ما زالت تنشا نظرا للحاجة الى دحضها وتفنيدها وحتى الى اعتبارها خرافة طالما بقيت في الوجود طبقات اجتماعية تتناقض مصالحها وهذه النظرية.
اقصد في هذا المقال ان اناقش مصطلح الاشتراكية الذي يشكل احد اركان الماركسية، الاشتراكية العلمية، الثلاثة. فمصطلح الاشتراكية يختلف عن مصطلح الاشتراكية العلمية. الاشتراكية العلمية هي نظرية كما راينا ولكن الاشتراكية ليست نظرية. الاشتراكية نظام اجتماعي سياسي اقتصادي فكري اخلاقي وكل خصائص المجتمعات البشرية المختلفة.
الاشتراكية نظام اجتماعي اهم خصائصه هو ان تصبح فيه الطبقة العاملة طبقة حاكمة بعد الاطاحة بالطبقة الراسمالية بثورتها الاشتراكية. نظام اجتماعي يحول الملكية الخاصة لوسائل الانتاج والانتاج الى ملكية عامة للمجتمع. ويمكننا ان نطلع على خصائص الاشتراكية، النظام الاشتراكي، بتتبع خصائص المجتمع الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي حتى وفاة ستالين.
النظام الاشتراكي هو المرحلة الاولى من المجتمع الشيوعي، هدف الانسانية. والنظام الاشتراكي يختلف عن النظام الشيوعي، المرحلة الثانية من مراحل المجتمع الشيوعي. وقد شرح كارل ماركس معالم النظام الاشتراكي نظريا في نقد برنامج غوتا شرحا رائعا وطبقه الحزب البولشفي تطبيقا يمكن اعتباره تحقيقا للمجتمع الاشتراكي الذي جاء وصفه في هذا النقد.
لماذا انقسم المجتمع الشيوعي الى مرحلتين، المرحلة الاشتراكية والمرحلة الشيوعية؟ الانقسام الى هاتين المرحلتين جاء بسبب الاختلاف بينهما. ثمة اختلافات جوهرية بين المرحلة الاولى من الشيوعية والمرحلة الثانية من الشيوعية. وبينما يمكن تسمية النظريات الاشتراكية اشتراكية علمية او اشتراكية لا علمية، لا يمكن تسمية النظام الاشتراكي اشتراكية علمية او لا علمية. النظام الاشتراكي نظام اجتماعي وليس في الوجود نظام علمي او نظام لا علمي. الحال كما هو الحال في كافة الانظمة الطبقية، فلا يمكننا ان نميز الراسمالية مثلا الى راسمالية علمية وراسمالية لا علمية ويصدق ذلك على النظام الاجتماعي الاشتراكي.
ما هو الفرق بين المرحلة الاولى من الشيوعية، المرحلة الاشتراكية، والمرحلة الثانية، المرحلة الشيوعية؟ يمكن تلخيص ذلك بعبارة بسيطة واحدة هي ان في المرحلة الاولى، المرحلة الاشتراكية، توجد بالضرورة بقايا من المجتمع الراسمالي الذي نشأت منه. اما في المرحلة الثانية، المرحلة الشيوعية، فلا تبقى اية بقايا باي شكل من الاشكال من النظام الراسمالي الذي نشأت الاشتراكية منه.
ان النظام الاجتماعي الاشتراكي، المجتمع الاشتراكي، لم ينزل جاهزا من السماء بل نشأ من نظام راسمالي متطور. لذلك يكون الحكم الاشتراكي في بدايته مجتمعا راسماليا بكل صفاته وعلى الحكومة الاشتراكية، حكومة الطبقة العاملة، ان تحوله تدريجيا الى مجتمع اشتراكي لانها لا تستطيع بقدرة ساحر ان تحوله الى مجتمع اشتراكي على الفور.
اهم صفة من صفات المجتمع الاشتراكي التي يرثها من المجتمع الراسمالي هي الدولة. فالمجتمع الاشتراكي سواء في بدايته فور تحرره من النظام الراسمالي ام بعد تطوره تطورا كاملا هو مجتمع طبقي. هو مجتمع تحولت فيه الطبقة العاملة المحكومة من قبل الطبقة الراسمالية الى طبقة حاكمة اطاحت بالحكومة الراسمالية. المجتمع الاشتراكي مجتمع طبقي لانه يضم طبقات ومراتب اشتراكية مختلفة، العمال والفلاحين والمثقفين والعلماء وغيرهم. ولكنه كذلك مجتمع طبقي نظرا لوجود بقايا من الطبقة الراسمالية. فالطبقة الراسمالية زالت باعتبارها سلطة ولكن بقيت باشخاصها وصراعاتها تهدد النظام الاشتراكي طيلة المرحلة الاشتراكية وبقيت عناصر حتى في قيادة الحزب الشيوعي تريد اعادتها كطبقة حاكمة. فالصراع الطبقي ما زال محتدما بين الطبقتين، الطبقة العاملة الحاكمة تعمل على تحطيم كل محاولات الطبقة الراسمالية لاستعادة سيطرتها وتناضل الطبقة الراسمالية ببقاياها وعملائها الى استعادة نظامها الراسمالي الذي فقدته. ان الاشتراكية نقض للنظام الراسمالي ولا تنتهي الا عند تحقيق نقض النقض، نقض الاشتراكية، وتحقيق الشيوعية. فالشيوعية بخلاف الاشتراكية نظام لا طبقي.
ان وجود هذا الصراع الطبقي يحتم على الاشتراكية اقتباس الدولة من النظم السابقة. الدولة في المرحلة الاشتراكية ضرورة حتمية لا يمكن للنظام الاشتراكي ان يحتفظ بنظامه الاجتماعي الجديد بدونها، وشكلها هو دكتاتورية البروليتاريا التي تشكل اشد انواع الدكتاتورية ضد بقايا المجتمع الراسمالي بكل اشكالها وتحقيق اوسع اشكال الديمقراطية للطبقة العاملة والكادحين. ولدى انتهاء هذا الصراع يجري نقض الاشتراكية الى الشيوعية حيث لا يبقى المجتمع مجتمعا طبقيا ولذلك لا تبقى حاجة الى الدولة. وقد بين ستالين انه حتى في حالة بلوغ المجتمع الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي الى التحول الى مرحلة المجتمع الشيوعي مع بقاء احاطة راسمالية فحينئد تبقى الدولة لمهمة الدفاع عن المجتمع الشيوعي وليس كاداة للصراع الطبقي.
احد الاختلافات بين المجتمع الاشتراكي والمجتمع الشيوعي هو وجود نقص في المواد الاستهلاكية. فليس في المجتمع الاشتراكي الناضج التطور من المواد الاستهلاكية ما يؤهله بان يقدم منها لكل انسان حسب حاجته. ومن صفات المجتمع الشيوعي وجود هذه المواد بما يكفي لحصول كل انسان في المجتمع على ما يحتاجه منها اضافة الى كل الحاجات الاخرى. ووجود هذا النقص يحتم على المجتمع الاشتراكي ان يجد طريقة اخرى لتوزيع المواد الاستهلاكية فلم يجد خيرا من شكل الاجور يرثها من المجتمع الراسمالي. ولكن الاجور في النظام الاشتراكي تتشابه مع نظام الاجور في النظام الراسمالي شكليا فقط اذ في المجتمع الاشتراكي لا تعني الاجور سوى طريقة لتوزيع المواد الاستهلاكية التي لا توجد بكميات كافية لاعطاء كل فرد ما يحتاجه منها. ووجد قادة بناء المجتمع الاشتراكي ان خير وسيلة لتنظيم توزيع المواد الاستهلاكية هي اتخاذ العمل مقياسا للتوزيع اي "من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله". وهذا كما نعلم شعار الاشتراكية.
وتحقيق التحول من مرحلة الاشتراكية الى المرحلة الشيوعية يتضمن اشياء اخرى كثيرة لا يمكن في مقال كهذا تفصيلها مثل انهاء بقايا الانتاج السلعي وما يرافقه من استخدام النقود الذي يرثه النظام الاشتراكي من النظام الراسمالي. وتحقيق انهاء التناقض بين العمل الزراعي والعمل الصناعي وبين الفرق بين العمل الفكري والعمل الجسمي واهم من كلها القضاء على النفسيات البتي برجوازية التي يعاني منها كل افراد المجتمع بصرف النظر عن تكوينهم الطبقي. كل ذلك يجب ان يتحقق من اجل تحقيق نقض النقض، نقض النظام الاشتراكي الذي كان بدوره نقضا للمجتمع الراسمالي.
بحث ستالين في اخر مؤلفاته المعروفة جميع هذه الامور وغيرها الكثير وانا اعتبر هذا الكراس العظيم، كراس المشاكل الاقتصادية للنظام الاشتراكي، اعظم وثيقة ماركسية صدرت بعد الحرب العالمية الثانية. قرأت هذا الكراس مرات عديدة وترجمته الى العربية قبل ان يعلمني يعقوب ابراهامي الترجمة. ولكي استوعبه كنت اكتب ملاحظات لكي اشرح لنفسي فيها هذه القوانين الكثيرة والمواضيع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية وشروط تحول المجتمع الاشتراكي السوفييتي القائم الى مجتمع شيوعي وجمعت هذه الشروح في كراس بعنوان Stalin as I understood him لدي نسخ منه ارسل نسخة لكل قارئ يرغب في قراءته على ان يتحمل اجور البريد.
بما ان الاشتراكية العلمية، الماركسية، نظرية فان النقاش حولها بدوره يجب ان يتخذ طابعا نظريا. هل هناك قوانين طبيعية؟ هل تسري القوانين الديالكتيكية على الطبيعة كما تسري على المجتمع؟ هل هناك قوانين ديالكتيكية الخ... الى لا نهاية.
وتجري مناقشة الاشتراكية، النظام الاجتماعي الاشتراكي، مناقشة واقعية غير نظرية. هل ثورة اكتوبر ثورة اشتراكية ام ليست ثورة اشتراكية؟ هل تحقق في الاتحاد السوفييتي مجتع اشتراكي ام لم يتحقق؟ هل الدولة ضرورية في الاشتراكية ام يجب الغاؤها منذ البداية؟ هل يجب ابقاء نظام الاجور ام هو استغلال قوة عمل العمال كما هو الحال في النظام الراسمالي؟ هل ينبغي التركيز على الصناعة الثقيلة كما جرى في الاتحاد السوفييتي ام كان ذلك من اخطاء ستالين؟ هل كان من الضروري ابقاء المصانع غير المربحة ام لا؟ هل تحقق النظام الاشتراكي في غير الاتحاد السوفييتي كالصين وكوريا وفيتنام ودول اوروبا الشرقية وحاليا في كوبا وفينزويلا الخ الخ...
نرى من كل ما تقدم اعلاه ان مصطلح الاشتراكية العلمية كنظرية ومصطلح الاشتراكية كنظام اجتماعي يختلفان اختلافا جوهريا تاما وان الخلط بينهما يؤدي الى اخطاء في التحليل ظهرت واضحة في التعليقات على مقال يعقوب حول خرافة الاشتراكية العلمية.                                   

معاداة الستالينية هي ثورة ردة

الرفيق حسقيل قوحمان

بقلم لودميلا بوغوريولوفا
ترجمة حسقيل قوجمان
(ملاحظة المترجم: فيما يلي مقتبس من مقابلة صحفية مع غروفر فر (Grover Furr) بروفيسور في جامعة مونتكلير في الولايات المتحدة نشرت في مجلة نورث ستار كومباس الكندية اجرتها معه جريدة "الاوقات الجورجية" اترجمها لقراء العربية اصدقاء الماركسية اللينينية منهم او معاديها لا لاقناعهم بما جاء فيها وانما لكي يعلموا بوجود وانتشار الراي الاخر ويطلعوا عليه. وهذا الاستاذ يبني بحوثه كلها على الارشيف السوفييتي الذي اصبح مفتوحا امام الباحثين والقراء وقد بحث العديد من القضايا التي يتهم بها الاتحاد السوفييتي وستالين خصوصا يستطيع القارئ المهتم الرجوع اليها في الموقع الالكتروني تحت اسمه. وقد صدر له اخيرا باللغة الانجليزية كتابه عن التحقيق في خطاب خروشوف السري العلني الذي القاه في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي الذي نشر باللغة الروسية منذ ٢٠٠٧ ولم ينشر الاصل الانجليزي الا في الاسابيع الماضية.)
كان ستالين تابعا امينا جدا للينين. كان انسانا مبدئي التوجه بصورة قاطعة. الا ان ستالين واولئك الذين ناضلوا وحاربوا معه لم يستطيعوا ان يبنوا مجتمعا شيوعيا نظرا لوجود اعداء خارجيين وداخليين استطاعوا ان يدمروا مؤقتا هذا المستقبل للبشرية.
هذا مقتبس من مقابلة مع البروفيسور في جامعة مونتكلير في الولايات المتحدة الاميركية، د. غروفر فر مع جريدة "الاوقات الجورجية".
س: اخبرنا رجاء عن كيف قررت القيام بدراسة تاريخ الاتحاد السوفييتي؟
ج: ان البحث الموضوعي هو هدفي الاوحد. احاول ان ارى الحقيقة بان استند على الوقائع الحقيقية وتفسيراتها. فبالنسبة لي كاختصاصي في الوقائع التاريخية، تعلمت دائما ان اكون موضوعيا في تحليلاتي وان اتعمق في الوقائع التي تتعلق بالحقيقة التي اتوصل اليها.
لقد فهمت في وقت مبكر جدا كيف لا اجعل مشاعري الشخصية ومفاهيمي تلون الوقائع والحقائق الموضوعية بل ان تفصلها عن صورها الزائفة.
حين كانت الحرب الفيتنامية قائمة، كنت ادرس في الجامعة، وادركت بعد انتهاء الحرب الفيتنامية، ان ما علموني اياه عن الشيوعية والاشتراكية لم يكن موضوعيا بتاتا، وفي اغلب الحالات كان كذبا مطلقا او انصاف حقائق. فلم يكن ذلك سوى مجرد دعاية معادية للشيوعية اطلاقا. اذ لم تكن ثمة براهين او وقائع وانما مجرد دعاية.
خلال ازدهار الحرب الباردة، لم تكن للوقائع عن الحرب العالمية الثانية وعن الشيوعية وعن الاتحاد السوفييتي وستالن اية موضوعية اطلاقا. ورغم انتهاء الحرب الباردة بقيت هذه المشكلة قائمة بصورة دائمة عندنا ويجري تشديدها على الدوام في جميع وسائل الاعلام.
في كتابي الاول "الاكاذيب المعادية لستالين" الصادر سنة ٢٠٠٧ نجحت في البرهنة على ان الاكاذيب ضد ستالين وبريا – الجورجيين – هي مجرد اكاذيب. الان اقوم بالبرهنة بالوثائق المتوفرة حاليا من الارشيفات على ان اللا حقائق المنظمة زيفا هي اعمال اعداء التقدم للبشرية جمعاء.
س: ما هي "معادة الستالينية" وما هي جذورها البدائية؟
ج: لكي نتحدث عن معاداة الستالينية علينا اولا ان نفهم "الستالينية". ولدت هذه التسمية حين ولد اسم اللينينية. كان تروتسكي الذي ادت كراهيته لستالين وما كان يعتقد به هو الذي بدأ يسخر من ستالين وينعته بالستالينية منذ ١٩٢٤. لقد استخدم هذا التعبير لكي يحاول دحر السياسات الواقعية التي اقترحها ستالين واللجنة المركزية للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي، كما لو كان ستالين مناقضا لسياسات لينين. كانت دعاية تروتسكي ان "ستالين كان دكتاتورا"، معاديا للينين، ويروج عبادة ستالين وغير ذلك من المساوئ. اما الحقيقة فهي ما يلي:
اولا: ستالين لم يكن دكتاتورا بالمرة.
ثانيا: كانت لقادة الحزب في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي مناقشات حرة وموافقات واختلافات.
ثالثا: لم تكن في الاتحاد السوفييتي سيطرة تامة على تعبير الناس عن ارائهم اطلاقا.
رابعا: لم يكن العديد من القادة في ارجاء الاتحاد السوفييتي متفقين دائما مع ستالين، ولكنهم بصفتهم ماركسيين لينينيين خضعوا لحكم الاغلبية.
خامسا: حارب ستالين دائما ضد اية "عبادة" واعتبرها معاداة للينينية، انما اعضاء اللجنة المركزية والناس اعربوا عن حبهم وتأييدهم كما رأوه مناسبا.

نحتاج الى شطف ادمغتنا ٣

الرفيق حسقيل قوجمان

احد المواضيع التي بحثها ستالين في كراسه الاخير كان موضوع حتمية او عدم حتمية الحروب العالمية. من المعروف ان اللينينية اعتبرت ان الحرب العالمية حتمية في عهد النظام الامبريالي. وقد بين لينين ذلك بوضوح في كتابه "الاستعمار اعلى مراحل الراسمالية". فالحرب العالمية ضرورة قصوى في السياسة الامبريالية تحتمها حقيقة انهاء اقتسام العالم بين الدول الامبريالية وتطور الدول الراسمالية تطورا غير متساو وحاجة الدول المتطورة الى اعادة تقسيم العالم لصالحها. وتحتمها محاولة الخروج من الازمات الاقتصادية والمالية المتكررة في النام الراسمالي. ولا يمكن تحقيق اعادة تقسيم العالم الا عن طريق الحروب العالمية. الحرب العالمية ظاهرة حتمية تحققت في الحربين العالميتين الاولى والثانية.
في الحقيقة توصل ستالين الى عدم حتمية الحرب العالمية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وكان احد النصوص الواضحة الصريحة عن ذلك سنة ١٩٥١ حين سأله مراسل برافدا:
هل تعتبر حربا عالمية جديدة حتمية؟
فاجاب: "لا. على الاقل في الحال الحاضرلا يمكن اعتبارها حتمية. " وبعد شرح ضرورة وفائدة الحرب العالمية بالنسبة للدول الامبريالية اضاف: "السلم سيصان ويتعززاذا اخذت الشعوب قضية صيانة السلام بايديها ودافعت عنها حتى النهاية" (من كراس بعنوان يوسف ستالين يجيب على اسئلة مراسل برافدا صادر باللغة الانجليزية في لندن سنة ١٩٥١)
بعد الحرب العالمية الثانية حصلت تغييرات على الاوضاع السياسية والاجتماعية في العالم. ظهر الاتحاد السوفييتي اقوى واشد مما كان عليه قبل الحرب العالمية الثانية التي كان اهم اهدافها القضاء عليه. الى جانب الاتحاد السوفييتي الاشتراكي ظهرت دول عديدة سائرة في طريق بناء المجتمعات الاشتراكية في اوروبا واسيا. ففي البلدان التي حررها الاتحاد السوفييتي من الاحتلال النازي بالاشتراك مع شعوب هذه البلدان في مقاومتها للاحتلال نشأت دول اوروبا الشرقية السائرة بقيادة الطبقة العاملة نحو بناء مجتمعاتها الاشتراكية بمساعدة الاتحاد السوفييتي. ونشأت دول في اسيا تسير في طريق بناء النظام الاشتراكي بعد نضالها المستميت ضد الاحتلال الياباني وضد الدول الامبريالية التي عادت الى احتلالها بعد انسحاب الجيوش اليابانية مثل الفيتنام والصين وكوريا الشمالية ونشأت ثورات متعددة في دول اسيوية اخرى مثل بورما والملايو وسيام وغيرها. وتعاظمت الثورات الوطنية في افريقيا واميركا الجنوبية. ونشأ نتيجة لكل هذه التحولات المعسكر الاشتراكي بجانب معسكر الدول الامبريالية.
ادت هذه التحولات في الانظمة السياسية في العالم الى تغير اوضاع ما قبل الحرب العالمية الثانية من حيث حتمية الحرب العالمية. توصل ستالين الى ان هذه الظروف ادت الى تغير موضوع حتمية الحرب العالمية. توصل الى ان الظروف الجديدة جعلت الحرب العالمية غير حتمية. كان توصله الى ذلك نقضا لنظرية لينين في حتمية الحرب العالمية في العصر الامبريالي ومخالفا لكل كتاباته هو حول هذا الموضوع قبل الحرب العالمية الثانية.
ان قول ستالين في الجواب المشار اليه اعلاه مشروط. فالسلم سيصان اذا اخذت الشعوب قضية السلام بايديها ودافعت عنها حتى النهاية وهذا يعني ان السلم سيتزعزع والحرب العالمية تصبح حتمية اذا لم تأخذ الشعوب قضية السلام بايديها. وهذا الشرط يعني ان صيانة السلام العالمي امكانية توجد الى جانبها امكانية اخرى هي نشوء حتمية الحرب العالمية مجددا.
لم تكن نظرية عدم حتمية الحرب العالمية تعني ان النظام الامبريالي غير طبيعته ولم تعد الحرب العالمية ضرورة حتمية بالنسبة له من اجل اعادة تقسيم العالم ومن اجل التخلص من الازمات الاقتصادية. بل ان الامبريالية اصبحت اشد حاجة الى حرب عالمية تحقق لها اعادة الاستيلاء على الجزء الذي خرج عن سيطرتها واصبح معسكرا اشتراكيا. ولكن عدم حتمية الحرب العالمية تعني ان هناك معسكرا لا يريد الحرب وليست الحرب من طبيعته ولا يتطلب تقدمه وتطوره شن الحروب وليست له ازمات اقتصادية يبتغي حلها عن طريق الحرب. ان عدم حتمية الحرب العالمية تعني ان هذا المعسكر الاشتراكي يصبح من القوة بحيث ان المعسكر الامبريالي يعجز عن شن حرب عليه. هذا هو المعنى الحقيقي لعدم حتمية الحرب العالمية.
على اساس هذه الظروف الجديدة نشأت حركة السلام العالمية. فشعوب الدول الاشتراكية والسائرة في طريق بناء الاشتراكية تتمسك بالسلام حكومات وشعوبا. وشعوب العالم الامبريالي هي الاخرى تريد السلام ولا تريد الحرب ولذلك اندفعت بملايينها الى حركة السلام العالمي.
كانت حركة السلام حركة ضد الحرب ومن اجل السلام ولم تكن مرتبطة بطبقة او مرتبة اجتماعية معينة بل كانت حركة تخص كل انسان يكره الحرب ويحب السلام. ولذلك اصبحت اعظم حركة راي عام منظمة في تاريخ البشرية. حركة منظمة ذات منهاج وقيادة وحركة تجتذب اليها كل انسان يحب السلام مهما كانت اراؤه السياسية والثقافية والاجتماعية والدينية والقومية وايا كان انتماؤه الطبقي. وقد قدمت هذه الحركة ضد انتاج القنابل الذرية الى الامم المتحدة مذكرة من ٦٠٠ مليون توقيع.
هل كان لهذه الحركة اساس نظري؟ ان اساسها النظري هو نظرية ستالين في امكانية التعايش السلمي بين النظام الاشتراكي والنظام الامبريالي. ولكن هل يكفي هذا الاساس وتجمع الشعوب في حركة سلمية كهذه لمنع الدول الامبريالية من شن الحرب التي هي من طبيعتها وهي حتمية من اجل تحقيق مصالحها؟ الحرب العالمية تجري باشد الاسلحة تدميرا فهل تستطيع حركة سلمية ان تصد مثل هذه القوى؟
كانت لحركة السلام قوة عسكرية تسندها وليست مجرد حركة سلمية لا سند لها. كان السند العسكري الذي يساند حركة السلام المعسكر الاشتراكي بكل قواه وفي مقدمته الاتحاد السوفييتي. الاساس السياسي والعسكري هو قرار المعسكر الاشتراكي باعتبار اي عدوان على اية دولة من دول المعسكر الاشتراكي حربا على المعسكر كله. كان على كل دولة او مجموعة دول تريد شن حرب عالمية ان تأخذ هذا القرار بنظر الاعتبار لان اية حرب لا تصبح عالمية ما لم تهاجم المعسكر الاشتراكي. كان عليها ان تحسب الحساب لكونها لدى شن حرب على دولة اشتراكية كان عليها ان تجابه المعسكر كله قبل اقدامها على شن الحرب. وكانت هذه القوة الهائلة في ازدياد دائم نتيجة الثورات الوطنية المتعددة ونجاح المستعمرات واشباه المستعمرات في التغلب على المستعمرين وتحول هذه الدول الوطنية سندا لهذا المعسكر الهائل. يضاف الى ذلك محبو السلام في كافة اقطار الدول الامبريالية التي تريد الحرب ذاتها.
الاساس النظري لكل هذا هو نظرية ستالين في التعايش السلمي. نظرية التعايش السلمي تعني ان الظروف العالمية بعد الحرب العالمية الثانية خلقت امكانية ان يعيش النظام الاشتراكي رغم وجود النظام الامبريالي في تعايش سلمي، اي بدون ان يكون هناك خطر نشوء حرب عالمية جديدة تشنها الدول الامبريالية ضده. والتعايش السلمي هو امكانية تهدف حركة السلام العالمي الى تحقيقها وليست حقيقة قائمة. كلما توسعت حركة السلام العالمي اقترب العالم من تحقيق هذه الامكانية.
لم تكن حركة السلام العالمي حركة اشتراكية او حركة تهدف الى تغيير الانظمة السياسية القائمة. ان الحركات السياسية التي تهدف الى تغيير الانظمة السياسية في الدول الامبريالية او في المستعمرات واشباه المستعمرات تختلف عن حركة السلام العالمي وتختلف قواها وسياساتها وتحالفاتها واساليب نضالها عن حركة السلام العالمي. ولكن كل حركة ثورية كهذه تنتصر تصبح سندا سياسيا وعسكريا واعلاميا لحركة السلام العالمي.
ان هدف حركة السلام العالمي الاستراتيجي هو خلق ظروف عالمية لا تستطيع فيها اية دولة امبريالة او مجموعة دول امبريالية شن حرب عالمية اخرى. ان تحقيق هذا الهدف العظيم لا يعني تخلي الدول الامبريالية عن طبيعتها التي تشكل الحروب جزءا طبيعيا منها. ان تحقيق هذا الهدف لا يعني نزع سلاح هذه الدول الامبريالية. فالحرب هي من طبيعة الدول الامبريالية وتبقى من طبيعتها حتى اخر دولة امبريالية في العالم. قد تستطيع حركة السلام العالمي تحاشي او ابطال حرب محلية معينة بين الدول الامبريالية باسقاط حكومة حربية واستبدالها بحكومة تسلك طريقا اخر لفترة معينة. ولكن حركة السلام العالمي لا تهدف الى الغاء الحروب بل تهدف فقط الى جعل رغبة الدول الامبريالية في اشعال حرب عالمية جديدة غير قابلة للتحقيق.
في صيف ١٩٥٢ في سجن الكوت كانت لنا دورة ثقافية عنوانها التعايش السلمي. حين بينت ان الطبيعة الحربية للدول الامبريالية لا تتغير لدى تحقيق التعايش السلمي سألني احد الحضور قائلا ما معنى ان تقول ان الحرب العالمية تصبح غير ممكنة وتقول ايضا ان الطبيعة الحربية للدول الامبريالية لا تتغير، اليس في هذا تناقض؟ كان بين الحاضرين في الدورة جعفر ابو العيس، بطل العراق لوزنه في رفع الاثقال. وكان في الدورة روبين الذي حاول اثناء الحصار القاء حجر صغير ففصخ كتفه. فسألت هذا السائل ماذا يحدث لو ان روبين قرر معاركة جعفر؟ فاجاب تنكسر يده. فقلت له هذا هو التعايش السلمي. هو ان الدول الامبريالية تتمنى لو انها تستطيع ان تحارب المعسكر الاشتراكي وتحطمه في حرب عالمية جديدة، ولكنها عاجزة عن تحقيق ذلك بدون ان تعرض وجودها ذاته الى الزوال.
التعايش السلمي حسب نظرية ستالين هو امكانية توفرت للبشرية بعد الحرب العالمية الثانية بفضل وجود معسكر اشتراكي محب للسلام ولا تشكل الحروب احدى ضرورات سياسته وتطوره. انه امكانية كان على البشرية ان تناضل من اجل تحقيقها بمساندة هذا المعسكر الجبار والحركات التحررية في المستعمرات واشباه المستعمرات والحركات الثورية التي تحاول اسقاط النظام الامبريالي. انه امكانية ناضلت من اجلها حركة السلام العالمي نضالا فعالا منظما وسارت في طريقه خطوات واسعة عظيمة. ولكن البشرية لم تتوصل الى حالة التعايش السلمي وفقا لمفهومه في هذه النظرية.
لدى استيلاء الطغمة الخروشوفية التحريفية على الحزب والدولة في الاتحاد السوفييتي غيرت كل المفاهيم الثورية الى مفاهيم تحريفية ومن جملتها التعايش السلمي. اعتبر خروشوف نفسه الماركسي المبدع الذي اكتشف نظرية التعايش السلمي وحول مفهوم التعايش السلمي الى وجود السلام وعدم وجود الحرب. فبموجب هذا التعايش السلمي كان العالم بين الحربين العالميتين يعيش تعايشا سلميا اذ لم تكن هنالك حرب عالمية ساخنة بين الدول الامبريالية. وكان العالم يعيش تعايشا سلميا طوال الحرب الباردة التي نشأت قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية يوم القاء القنابل الذرية على هيروشيما وناكازاكي. وحول الخروشوفيون حركة السلام العالمي من حركة تأخذ فيها الشعوب قضية السلام بايديها الى ملحق للمفاوضات حول نزع السلاح التي كان هدفها الحقيقي وما زال ستر حمى سباق التسلح في العالم حتى يومنا هذا. واعتبروا نهاية الحرب الفيتنامية مثلا برهانا على التعايش السلمي. رفعوا شعار عالم بدون سلاح حين كان العالم الامبريالي بمن فيه الاتحاد السوفييتي الخروشوفي غارقا في سباق هائل للتسلح تخلصا من تفاقم الازمات الاقتصادية والازمة العامة للنظام الراسمالي. ولا اريد ان اطيل على القارئ في بحث هذه الفترة بحثا مفصلا. وقد بحثتها في مقال طويل بعنوان "التعايش السلمي من ستالين الى خروشوف" قبل عقود وهو موجود في موقعي في الحوار المتمدن يستطيع القارئ الراغب قراءته.
ان تحويل الاتحاد السوفييتي من مجتمع اشتراكي سائر سيرا وطيدا نحو تحقيق المجتمع الشيوعي الى دولة راسمالية متسترة وراء هراء ماركسي ولينيني وماركسية خلاقة وبيريسترويكا وغلاسنوست هدفها الاستراتيجي اعادة الراسمالية الى الاتحاد السوفييتي ادى الى الظروف العالمية التي يعيشها العالم اليوم في ظروف الحرب العالمية التي اعلنتها الامبريالية الاميركية منذ ٢٠٠١ وما زالت قائمة، حرب عالمية تختلف عن سابقاتها بكونها حربا بين اقوى دولة مسلحة عرفها التاريخ حتى الان وبين عدو لا دولة له، لا جيش له، لا هوية له، لاتعريف له، اسمه الارهاب.
ان هذا التحول الذي جرى في الاتحاد السوفييتي تحت قيادة الخروشوفيين يرينا عظم الكارثة التي قادوا شعوب العالم اليها وهول الجريمة التي اقترفوها بحق الانسانية جمعاء.

تفسخ القيادة الثورية في جنوب افريقيا ما بعد الابارتهايد

الرفيق حسقيل قوجمان

تفسخ القيادة الثورية في جنوب افريقيا ما بعد الابارتهايد
اجرى خويزي كادالي مدير مدرسة العمال الماركسية في افريقيا الجنوبية بدعوة من الحزب الشيوعي الماركسي اللينيني في بريطانيا جولة خطابات في عدة مدن بريطانية في شباط نشرت مجلة نورثستار كومباس في عددها الاخير تلخيصا طويلا من هذه الخطابات اترجم جزءا منه تحت العنوان التالي:
من ثوريين الى اصلاحيين
خلال سنوات الابارتهايد حكمت الطبقة الراسمالية التي امتلكت وسائل الانتاج في جنوب افريقيا بواسطة دولة الابارتهايد الفاشية، حكمت بالقوة الوحشية. كان الاستغلال المباشر الصريح والتعذيب والقتل والاعتقالات العشوائية والارهاب الجماعي لمجموع السكان السود الحالة السائدة في استغلال العمل الاسود الرخيص، ليس من اجل اغناء الطبقة الراسمالية البيضاء وحسب بل من اجل الفوائد المالية لكافة السكان البيض.
بعد سنة ۱۹٩٤، حين دحر النضال الوطني التحرري الابارتهايد، اصبح التناقض الرئيس في افريقيا الجنوبية التناقض بين الطبقة الراسمالية الحاكمة والطبقة العاملة، بدأت الطبقة الراسمالية تحكم عن طريق الديمقراطية البرجوازية، نفس شكل الحكم الذي وصفه ماركس وانجلز في البيان الشيوعي بانه الدكتاتورية البرجوازية.
بالتزامن مع هذا التحول، تحول حزب المؤتمر الوطني الافريقي، حركتنا التحررية السابقة على مر السنين ايديولوجيا الى حزب اشتراكي ديمقراطي.
لقد اصبحت الانتهازية القوة المادية لدى القيادة. في الواقع قد تفسخت كامل قيادة المؤتمر الوطني الافريقي وقيادة الحزب الشيوعي الجنوب افريقي التحريفي تفسخا اجتماعيا، انها اندمجت في الطبقة الوسطى الى حد ان هؤلاء القادة اصبحوا عاجزين عن رؤية مستقبلهم الشخصي ومصالحهم الخاصة منفصلة عن مصالح البرجوازية البيضاء وكذلك مصالح الطبقة الوسطى السوداء الناشئة.
الى هذا المدى لم تعد قيادة المؤتمر الوطني وقيادة الحزب الشيوعي قادرة على تمثيل المصالح الموضوعية لاعضاء القاعدة في منظمتيهما. كما انهم لم يعودوا بعد هذا قادرين على تمثيل مطامح اعضائهم.
تتألف القاعدة الاجتماعية لكلا المنظمتين من اناس عاديين من الطبقة العاملة وعوائلها ممن تتفاقم ثورتهم ضد قياداتهم. يتضح هذا من الصراع الداخلي المتفاقم في المؤتمرات والاجتماعات، وفي نشوء التكتلات داخل هاتين المنظمتين.
جميع الاحزاب السياسية في افريقيا الجنوبية تنكر واقع ان التناقض في قطرنا اليوم هو التناقض بين العمل والراسمال. ولهذا السبب تزدهر الاشتراكية الديمقراطية.
يخبر هؤلاء القادة الطبقة العاملة باننا جميعا في نفس الخندق سوية مع الراسمالية، وان علينا ان نتصرف وطنيا من اجل تقوية افريقيا الجنوبية معا. وفي هذه الاثناء يقوم الراسماليون بالتخندق باطراد وابعاد ملايين العمال. لقد بلغت البطالة ٤٦ % وانتشر الفقر والجوع كالحريق في الغابات ومع ذلك يخبرون الطبقة العاملة ان الحل الوحيد هو الصبر في انتظار زمان افضل وان عليها ان تكون اكثر وطنية.
حين تشتد التناقضات بين العمل والراسمال وتقوم الملايين من العمال بالتعبير عن غضبها واحباطها عن طريق اضرابات بطولية واحتجاجات على الاعداد المتزايدة من العمال الذين يسجلون للتصويت في الانتخابات ، والاعداد المتدنية من العمال الذين يسجلون للتصويت والاعداد المتدنية من اولئك المسجلين الذين يميلون الى الانسحاب. اكثر من اربعين بالمائة من السكان في نطاق العمل يقومون الان بالتعبير عن زوال اوهامهم عن طريق البقاء بعيدين عن التصويت.
جميع الاحزاب السياسة بمن فيها حزب المؤتمر الوطني والحزب الشيوعي في شتى الطرق وبمستويات متفاوتة في الشدة منهمكة فيما وصفه كارل ماركس "بانه يكمل الدولة الراسمالية القائمة".
يخبرون الطبقة العاملة ان المرحلة الحالية للثورة هي مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية . وفي الحقيقة ليس هذا الخط سوى الدعوة الى التعاون الصريح المباشر مع الطبقة الراسمالية الحاكمة، ولذلك فان جميع السياسات والبرامج التي نشأت وتطورت في افريقيا الجنوبية خلال سبعة عشر عاما ليست سوى محاولات لاكمال نضال ماكنة الدولة الراسمالية ولزيادة كفاءات النظام الراسمالي للاستغلال.


بهذا انتهى المقطع الذي قررت اقتباسه من خطاب القائد الشيوعي في جنوب افريقيا. حين قرات هذا المقطع شعرت ان ما حدث في الثورات البرجوازية في البلاد العربية حدث في افريقيا الجنوبية ايضا وفي اواخر القرن العشرين واوائل القرن الحادي والعشرين وهذا اوحى لي بكتابة هذا المقال حول الموضوع.
ان ما حدث بعد ثورة يوليو المصرية شبيه بما جاء في خطاب القائد الجنوب افريقي. ولكني لم اكتب كثيرا عن هذا حول الثورة البرجوازية المصرية وما تلاها من تقاعس الاحزاب الثورية وخصوصا الحزب الشيوعي المصري الذي حل نفسه تلقائيا بعد الثورة. ولا اعرف الحجج التي اتخذها الحزب الشيوعي في حينه للاسباب التي دعته الى حل نفسه مع العلم انني كنت انذاك سجينا. ولكني كتبت كثيرا عما حدث في ثورة تموز البرجوازية العراقية لاني عشتها قبل الثورة وبعد الثورة.
قبل الثورة كانت حياتنا في السجون السياسية العراقية وكانت وسائل ثقافتنا السياسية في السجون هي ما نحصل عليه من ادبيات ماركسية قليلة رغم الحصار الشديد المفروض علينا من قبل ادارة السجون. وحول موضوع الثورة البرجوازية وتحولها الى ثورة اشتراكية كانت الوثائق التي وصلتنا نادرة جدا. لم نحصل مثلا على كراس انجلز "مبادئ الشيوعية" الذي بحث هذا الموضوع باوضح واروع صورة في السؤال الخامس والعشرين من الكراس اقتبسه ادناه:
"بما ان الشيوعيين لا يستطيعون ان يحسبوا انه سيتاتى لهم خوض المعركة الفاصلة ضد البرجوازية قبل ان تبلغ البرجوازية السيادة، فمن مصلحة الشيوعيين مساعدة البرجوازية على بلوغ السيادة في اسرع وقت ممكن لكي يطيحوا بها بدورهم فيما بعد في اسرع وقت ممكن. "(ماركس اتجلس منخبات، المجلد ١ صفحة ١٠٨ – ١۰٩ )
ففي الثورة البرجوازية الالمانية في منتصف القرن التاسع عشر كان راي انجلز ان على البروليتاريا ان تساند الطبقة الراسمالية في ثورتها لكي تنال السلطة لا حبا باعين البرجوازية وانما من اجل التحول بعد الثورة البرجوازية الى الثورة الاشتراكية للاطاحة بالراسمالية.
الا ان اهم وثيقة في هذا الموضوع التي وصلتنا الى السجن لفترة قصيرة كان كراس لينين "تكتيكان". وفي هذا الكراس كان بحث لينين ينطبق مع راي انجلز بان على الشيوعيين ان يشاركوا في الثورة البرجوازية لكي يتحولوا الى الثورة الاشتراكية فور وصول البرجوازية الى السلطة. ولكن راي لينين والبلاشفة كان اكثر جذرية بحيث كان على الطبقة العاملة ان تنافس البرجوازية في قيادة الثورة البرجوازية والنضال من اجل نيل السلطة بالتحالف مع الفلاحين في الثورة البرجوازية وليس ترك القيادة للبرجوازية ومجرد مساندتها في الحصول على السلطة. جاء هذا الخلاف بين انجلز ولينين بسبب تطور الطبقة العاملة في روسيا بحيث اصبح في مقدورها ان تنال السلطة في الثورة البرجوازية بالتحالف مع الفلاحين وهو ما لم يكن ممكنا في الثورة الالمانية.
كان هذا الكراس الوثيقة التي اتخذناها اساسا للتثقيف حول الثورة البرجوازية ودور الطبقة العاملة فيها ونوع الحكم الذي ينجم عن نجاح الطبقة العاملة في قيادة الثورة البرجوازية بدلا من الطبقة الراسمالية.
وكانت لنا وثيقة اخرى محلية حول دور الطبقة العاملة والفلاحين في العراق في الثورة البرجوازية وتحولها الى ثورة اشتراكية في الميثاق الذي اتخذه مؤتمر الحزب الشيوعي العراقي برنامجا له. ففي هذا الميثاق كان الجزء الاستراتيجي يؤكد على المرحلتين في الثورة العراقية، مرحلة الثورة البرجوازية ومرحلة الثورة الاشتراكية. ولكن هذا الحزء من الميثاق حذف في مؤلفات الرفيق فهد الذي طبع فيما بعد.
وبما ان العديد من قادة الحزب كانوا في السجون لمدد طويلة كان من المفروض انهم كانوا على علم بموضوع الثورة البرجوازية وتحولها الى الثورة الاشتراكية فور نجاح الثورة البرجوازية وبلوغ الطبقة البرجوازية السلطة.
اضافة الى ذلك كتبت كراسا من مائة وعشرين صفحة مكتوبة باليد عن الديمقراطيات الشعبية بحثت فيه تطبيق ما جاء في كراس لينين في الديمقراطيات الشعبية في اوروبا المحررة من النازية بمساعدة الجيش الاحمر والديمقراطيات الشعبية التي تحققت في اسيا في النضال ضد المستعمرين اليابانيين ثم المستعمرين الغربيين في الحرب العالمية الثانية وبعدها. وكانت قيادة المنظمة السجنية قد قررت تدريس هذا الكراس لللجنة القيادية فقط قبل تدريسه للمنظمة ولكن هذا الكراس اختفى في مجزرة سجن الكوت. وكان الكراس مبنيا على اساس نظرية لينين في الثورة البرجوزية وتحولها الى ثورة اشتراكية وموضوع دكتاتورية العمال والفلاحين الثورية في حالة نجاح الطبقة العاملة والفلاحين في قيادة الثورة والحصول على السلطة في الثورة البرجوازية. وكانت الثورة البرجوازية الصينية اهم موضوع في هذا الكراس كمثال على دكتاتورية العمال والفلاحين الثورية ولو ان الديمقراطيات الشعبية في اوروبا ايضا تصلح لان تكون امثلة على ذلك.
اردت مما تقدم ان ابين ان قادة الحزب الشيوعي الذين كانوا في السجون كانوا على علم تام بنظرية لينين البلشفية وبمحتوى ميثاق الحزب الشيوعي.
ولكن الغريب هو ان ما حدث بعد نجاح الثورة البرجوازية العراقية بشكل انقلاب عسكري انسى القادة الشيوعيين ما تعلموه في السجن عن الموضوع. فكانت سياسة الحزب الشيوعي بعد الثورة تاليه الثورة البرجوازية وقائدها عبد الكريم قاسم والتخلي عن قيادة البروليتاريا في اتجاه التعبئة من اجل الثورة الاشتراكية كما حدث في الثورة البرجوازية في روسيا وتحول الحزب البلشفي للتعبئة في سبيل تحقيق الثورة الاشتراكية فور نجاح الثورة البرجواية.
ورغم ان الحزب تخلى عني بسبب يهوديتي بحثت هذا الموضوع في رسالة وجهتها الى اللجنة المركزية للحزب بعد اطلاق سراحي بيومين اقترحت فيها استغلال الجو الثوري القائم بعد الثورة لعقد مؤتمر يبحث امرين هامين هما تحديد الشعار الاستراتيجي لما بعد الثورة ومناقشة الاخطاء التي جرت في فترة ما قبل الثورة. ولكن القيادة لم تستجب لهذه الرسالة. فيما بعد ادركت ان القيادة كانت متأثرة بقرارات المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي وبقيادة خروشوف الهادفة الى اعادة الراسمالية الى الاتحاد السوفييتي.
وكما جاء في مقال القائد الشيوعي الافريقي اصبحت قيادة الحزب ذيلا للبرجواية الى حد انها بلغت عقد جبهة مع حكومة صدام الفاشية المعادية للطبقة العاملة والشيوعية.
وحين سنحت لي فرصة الكتابة عند وجودي في لندن كتبت كتابي عن ثورة تموز وسياسة الحزب الشيوعي ناقشت فيه سياسة الحزب الشيوعي قبل وبعد ثورة تموز صدر في لندن سنة ١٩٨٤ واعيد تصويره ونشره في العراق بعد الاحتلال الاميركي البريطاني.
وما دفعني الى ان اكتب كل هذا المقال هو اني حين قرات مقال هذا القائد الشيوعي شعرت ان هذا السلوك اللاماركسي كان ظاهرة عامة جرت ليس فقط في افريقيا الجنوبية بل حدثت قبل هذا في الهند وباكستان وسنغافورة وبورما واندونيسيا وسيام وغيرها. وكان اخطر هذه الحالات ما حصل في الصين التي تحققت فيها الثورة البرجوازية بقيادة الطبقة العاملة ونشأت فيها دكتاتورية العمال والفلاحين الثورية في دولة الديمقراطية الشعبية. كان على هذه الدولة ان تسلك السلوك الصحيح في تحويل الثورة من اعلى من قبل السلطة ومن اسفل في العمل الشعبي البروليتاري الى ثورة اشتراكية بدون الحاجة الى ثورة مسلحة ولكنها عجزت عن السلوك الصحيح فتحولت الصين مرة ثانية الى دولة راسمالية امبريالية كغيرها من الدول الامبريالية.
لقد اثبتت جميع الشعارات الرنانة التي نشات بتاثير الانتهازية الخروشوفية في ارجاء العالم خطلها ابتداء من قرار الانتقال السلمي للاشتراكية المتخذ في المؤتمر العشرين وشعار التنافس السلمي بين النظام الراسمالي والنظام الاشتراكي وقدرة النظام الاشتراكي على الانتصار وتحقق التعايش السلمي الخروشوفي بين الراسمالية والاشتراكية وحتى تحديد موعد تحول الاتحاد السوفييتي الى الشيوعية بقرار حزبي. وشعارات نشأت في دول ما يسمى بالعالم الثالث مثل التطور اللاراسمالي صوب الاشتراكية وسياسة التوجه الاشتراكي وسياسة الجبهات بين الاحزاب الشيوعية والحكومات البرجوازية صوب تحقيق الاشتراكية وشعار استكمال الثورة وشعار الثورة الديمقراطية وغيرها من تلك الشعارات.
ان العالم اليوم بحاجة الى احزاب ماركسية حقيقية تدرك فور نجاح الثورة البرجوازية بقيادة البرجوازية بان التناقض اصبح بين الطبقة العاملة والطبقة البرجوازية الحاكمة وضرورة التحول الى مرحلة الثورة الاشتراكية للاطاحة بالنظام الراسمالي وتحقيق الاشتراكية. بحاجة الى احزاب تناضل في سبيل قيادة الطبقة العاملة والفلاحين للثورة البرجوازية وتحقيق دكتاتورية العمال والفلاحين الثورية. بحاجة الى احزاب تدرك ان الاحزاب الشيوعية ليست هي القوة الاساسية بل هي مجرد احزاب عديمة القوى بدون الطبقة العاملة وحلفائها. احزاب تدرك ان الطبقة العاملة هي القوة الثورية الحقيقية القادرة على تحقيق الثورة وان دور الحزب الشيوعي الحقيقي يقاس بمقدار نجاحه في توحيد الطبقة التي هو جزء منها وتحقيق التحالف بين الطبقة العاملة وفقراء الفلاحين وبغير ذلك لا يكون الحزب حزبا ماركسيا حقيقيا. وباختصار يعلم الحزب انه لا حول ولا قوة له الا بالطبقة العاملة وحلفائها وان واجبه كجزء واع منها هو ان ينظمها ويوعيها ويقودها في شعارها الاستراتيجي الوحيد، شعار الاطاحة بالنظام الراسمالي وتحقيق المجتمع الشيوعي حيث يصبح الانسان انسانا.
ولابد من الاشارة الى الثورات الحادثة في بعض البلدان العربية، ثورات الربيع العربي، وهي ثورات شعبية عظيمة ولكنها ليست ثورات ضد النظام الراسمالي وانما هي ثورات من اجل تحقيق نظام راسمالي اقل فسادا ولذلك فهي لم تنجح في تحقيق الاهداف الشعبية التي هدفت الى تحقيقها. فالبطالة والفقر والجوع والشقاء هي من مستلزمات النظام الراسمالي لان الراسمالية لا يمكن ان تعيش بالقضاء على البطالة والجوع والفقر . وتعني العدالة الاجتماعية في النظام الراسمالي بانها عدالة تصون وتحمي استغلال الطبقة الراسمالية وليست عدالة اجتماعية بالنسبة لاكثرية الشعوب الكادحة.
كذلك الثورات التي تحدث في اميركا الجنوبية ضد السيطرة الامبريالية الاميركية. فهي حققت تقدما في هذا المجال ولكن مصيرها الحقيقي غير واضح لانها ليست ثورات ضد النظام الراسمالي ككل وانما ضد السيطرة الامبريالية الاميركية.