الرفيق فوأد النمري
الحديث طويل لا ينتهي عن الصهيونية ومع ذلك يمكن اختصاره بكلمتين كما في القول الدارج .. وداوِها بالتي كانت هي الداء؛ فالصهيونية هي مداواة الخيانة بالخيانة. ولتحقيق مثل هذا التفسير، الذي سيشجبه الصهاينة بمختلف أطيافهم الخيانية بالطبع، يتوجب عليّ ترسّم جذور نبتة الصهيونية الخيانية عميقاً في تربة التاريخ.
لأسباب كثيرة لا سبيل للبحث فيها في هذا السياق، ظل الحوض الشرقي للبحر التوسط مطمعاً للغزاة من شتى الأجناس والأمم عبر التاريخ، فكان سكانه المعروفون لدى المؤرخين بالآراميين، باسم الحضارة الغالبة في المنطقة، من مخلفاة الغزاة وتلاقح أجناسهم المختلفة، منهم اليونان ومنهم الفرس والرومان وكذلك المصريون والأشوريون والحثيون وأمم كثيرة أخرى.
في عمق جذر الصهيونية كان الأسر البابلي. فعندما تطورت مملكة بابل وغدت بحاجة إلى مزيد من الأيدي العاملة كان الحل أمام ملكها (نبوخذ نصّر) هو استحضار العبيد من البلدان المجاورة فغزا بلاد الشام 586 ق.م وجمع منها حوالي 7 آلاف شاب ساقهم إلى بابل للعمل كعبيد في حدائقها وأنظمة الري فيها. أولئك العبيد كانوا ما زالوا يحييون الحياة الرعوية المتخلفة جداً في فلسطين وأكثرهم من أصول مصرية، من قبائل الرعاة التي وفدت مع شيخها النبي موسى. في بابل تفتحت عيون هؤلاء العلوج حقاً على حياة مدنية مختلفة، انتقلوا من الحياة الرعوية المتخلفة إلى الحياة الزراعية المتقدمة. رأوا الحدائق الجميلة والحدائق المعلقة، رأوا أنظمة الري والأقنية، رأوا القصور الفخمة وأصخوا السمع للموسيقى وللشعر والقصص الكثيرة عن أساطير السومريين وآلهتهم وعن قصة الشيخ السومري أبرام وزوجته، أخته غير الشقيقة، ساراي وابن أخيه لوط وكيف فاض نهر الفرات على بلدتهم أور في قاع نهر الفرات مما حدا بالشيخ ابرام بأن يسوق قطعانه الكبيرة من الماشية صعوداً إلى أعالي الفرات حتى وصوله حرّان جنوب شرقي شبه جزيرة الأناضول مصطحباً معه زوجته وابن أخيه وأفراد عائلته الكبيرة،
كورش الكبير، مؤسس امبراطورية الفرس وصاحب أول وثيقة لحقوق الإنسان تدعو لتحرير المستعبدين من كل جنس ولون وحقهم في الحياة الحرة الكريمة، قام هذا الامبراطور وحيد عصره باحتلال بابل وسائر بلاد شرق المتوسط عام 537 ق.م وحرر عبيد السبي البابلي الذين أبرزهم أنبياء التوراة جميعهم، حزقيل ودانيال وأشعيا وغيرهم الذين غدوا رسل الفرس في تفريس مملكة يهودا الممتدة في جنوب فلسطين والأردن. تعهد هؤلاء الرسل بتبديل حامل الثقافة الوحيد في تلك العصور وهو الدين. بشّر هؤلاء الرسل اليهود، سكان يهودا بدين جديد وإله جديد هو " إيل " أحد آلهة البابليين ولم يكن الدين الجديد غير مجموعة من الأساطير السومرية والبابلية وأهمها قصة الشيخ السومري أبرام. مع بداية الربع الأخير من القرن السادس قبل الميلاد أخذ الرواة يروون هذه الأساطير السومرية والبابلية التي جاء بها رسل الفرس أنبياء التوراة وقد استبد بهم الاستلاب حتى باتوا يجزعون من النطق باسم الجلالة " إيل " فأخذوا يقولون بالآرامية (هو من هو) ( אהיה אשר אהיה ) وهو ما يجمل بلفظ (يهوه). كان قد سبق هؤلاء الأنبياء التوراتيين من رسل الفرس نبي توراتي آخر هو النبي جيرميا الذي كان من رسل البابليين والذي أنكر على شعب يهودا عبادة إله الكنعانيين " بعل " فزجّ به في السجن لأنه بشّر باحتلال الأشوريين ليهودا فكان أن حرره الأشوريون من السجن حال احتلالهم للبلاد في العام 586 ق.م. كما لحق أنبياء التوراة من رسل الفرس رسول فارسي آخر هو النبي التوراتي عزرا الذي أوفده داريوس الأول كيما يؤكد تفريس يهودا عن طريق الحامل الثقافي الجديد وهو الدين الجديد في يهودا والذي أخذ اسمها فسمى " اليهودية ". لقد منح داريوس النبي عزرا سلطات مطلقة تمثلت بفسخ زواج الزوج اليهودي الذي يدين بالديانة الجديدة، اليهودية، من الزوجة اليهودية التي لا تدين باليهودية. وهكذا اكتمل تفريس مملكة يهودا وشعبها من الآدوميين عن طريق الحامل الثقافي الجديد وهو الدين المنقول عن الأساطير السومرية والبابلية الذي أخذ إسم المملكة فأخذ يعرف باليهودية.
ظل الرواة يروون اساطير الديانة الجديدة " اليهودية " واستطالوا بقصة ابرام فزادوا على اسمه وجعلوه أبراهام وغيروا اسم زوجته ساراي فجعلوه ساره وأطالوا من عمره فجعلوه نحو مائتي عام وساره تحمل باسحق بعد أن تجاوزت الثمانين عاما وزوجها ابراهام المائة وعشرين عاما وهو ما يتعارض مع أوليّات قواعد البيولوجيا. كل ذلك من أجل أن يستقدموه إلى فلسطين عبر سوريا يعبرها بكل قطعان مواشيه العديدة وعائلته الكبيرة فيقيم في الخليل وهناك يقطع الله وعداً بأن تكون فلسطين لإبراهيم ولذريته العديدة عدد رمال البحر وهو ما لم يتحقق لا بالحرث ولا بالنسل. وكان الهدف من الوعد هو تحريم أرض يهودا على الغزاة المحتملين مثل الأشوريين الذين أذاقوهم مرّ العذاب. لم يكتفِ الرواة بهذا بل جعلوا ابراهيم يهاجر إلى مصر مخالفاً وعد الله المزعوم وفي مصر يترك زوجته الجميلة ساره لتكون خديناً لفرعون وقد أدهشه جمالها. لقاء ذلك يجزل فرعون بعطاياه لإبراهيم الذي بعدئذٍ يعود لفلسطين وزوجته سارة ولم يمتلك شبراً من أرضها خلافاً لوعد الله المزعوم فيضطر لشراء بقعة صغيرة كي يدفن زوجته. استطال الرواة باسطورة ابراهيم كي يتمكنوا من الإدعاء أن موسى والقبائل الاثنتي عشر أتباعه هم من اليهود نسل ابراهيم. لكنهم مع ذلك عادوا يقصون اسطورة أخرى عن يعقوب حفيد ابراهيم وأبنائه الإثني عشرة وهجرتهم إلى مصر.
ما يبطل تلك المزاعم الأسطورية هو أن سفر الخروج كما ظل يروى حتى تم تدوينه في التوراة المسيحية لم يشِ إطلاقاً أن موسى وأتباعه كانوا حتى على علم بأساطير الديانة اليهودية، وكيف لهم أن يعلموا وخروجهم تم قبل ثمانية قرون تقريباً كما يقدر المحققون من عودة الأنبياء الأسرى إلى يهودا ليبشروا بتلك الأساطير !؟ وبغياب كل أثر يسند مزاعم أسفار ابراهيم في سوريا وفلسطين ومصر ـ وزاد عليها المسلمون الحجازـ فكما لو أن ابراهيم وقطعان ماشيته الكبيرة كان يسافر بالطائرة (!!) يرجح المحققون على أن أبناء أبرام كانوا قد استقروا في حوض نهر (الباليخ) دون أن يتجاوزوه خلافاً لما زعم أنبياء اليهودية بعد ألفي عام، إذ تشير الدلائل إلى أن أحفاد السومري أبرام من أور هم من أقاموا مملكة كبيرة في (إيبلا /Ebla) قرب حلب وفيها وجد الآثاريون ألواحاً فخارية منقوشاً عليها بالخط المسماري أسماء اسحق ويعقوب ويهوذا وأورشليم وصادوم وعاموره تعود للعام 2300 ق.م
في العام 63 ق.م احتل الرومان بقيادة بومبي مصر وشرق المتوسط. لم ينسَ الرومان أن اليهود كانوا الحلفاء الأمناء للفرس طيلة حروبهم ضد اليونان والرومان. لذلك منح الرومان الاستقلال الذاتي للشعوب المحيطة بيهودا مثل الأنباط في البتراء والغساسنة في بصرى الشام والكنعانيين في تدمر لكنهم رفضوا رفضاً قاطعا أن يمنحوا الاستقلال الذاتي ليهودا وعينوا ملكاً عليها هو الآدومي هيرودس المتجنس رومانياً. أثقل الرومان على اليهود بالضرائب فقام اليهود بمائة ثورة ضد الاحتلال خلال قرن طويل انتهى بثورة عام 73 ميلادية عندما تغلب اليهود على عسكر الرومان فكان أن استقدمت روما جيوشاً من بريطانيا تمكنت من سحق الثورة وهدم الهيكل. النصرانية كانت أطول وأعمق تلك الثورات التي بدأت بيوحنا العمدان يدعو اليهود لهجرة المدن والعيش في الصحراء كيلا يدفعوا ضرائب لروما وسميت حركته اليسين (Essenes) وتعني بالآرامي اليائسين. عندما أعتقل يوحنا وأعدم فيما بعد هرب تلميذه يسوع (Jesus) إلى الجليل الذي كان يدعى آنذاك بجبل النار نظراً لاستعار الثورة فيه وضعضعة سلطة روما هناك. في الجليل لجأ يسوع في كفرناحوم إلى بيت بطرس (سيمون) وأخيه إندراوس، وبطرس هذا كان رئيس منظمة الناصريين (Nazzerine) وهي كلمة آرامية تعني المنذورين، منذورين لمحاربة روما بالسيف وبالخنجر. وعليه كان يسوع الناصري المنظم لمنظمة الناصريين وليس من مدينة الناصرة، كما يؤمن المسيحيون أتباع بولص، والتي لم تكن قد بنيت بعد كما يؤكد الأركيولوجيون البريطانيون.
في مواجهة الاحتلال الروماني انقسم اليهود إلى قسمين كما هو الحال في مواجهة كل احتلال، قسم يتعامل مع الاحتلال ويقبل به وهم الأقلية، وقد حصل هؤلاء مقابل خيانتهم لبلادهم والتخلي عن السيادة على امتياز يتمثل بسلطات نافذة في الحفاظ على ديانتهم اليهودية من خلال مجلس "السانهدرين" (Rabbis Council) برئاسة الحاخام الأكبر في القدس، وهو المجلس الذي حاكم الناصري يسوع كمرتد عن اليهودية وحكم عليه بالموت. هذا المجلس الذي إدّعى تمثيل اليهودية بأصولها إنما مثّل حقاً خونة البلاد المناصرين لروما الذين طلبوا من بيلاطس البنطي حاكم القدس الروماني إعدام يسوع لأن ملكهم هو القيصر وليس يسوع بما يدعي. في الحقيقة لم يكن حكمهم على يسوع بالموت بسبب ارتداده عن اليهودية أو التحريف بها بل لأنه ناصري معادٍ لروما ويناضل من أجل استقلال يهودا. كل اليهود في شرق المتوسط تنصّروا اقتداءً بيسوع ورفضاً للإحتلال الروماني باستثناء السانهدرين وبطانته الذين وقفوا متعاونين مع الإحتلال تحت راية كاذبة هي الدفاع عن نقاء الديانة اليهودية. وهكذا انقسم سكان شرق المتوسط، حين كان قلب العالم، إلى يهود نصارى وطنيين معادين للإحتلال الروماني وهم الأغلبية وإلى يهود، أعداء النصارى، متحالفين مع الاحتلال وهم الأقلية. من هناك تحديداً وُصم اليهود بالخيانة وتم تكريس خيانة اليهود تاريخياً من خلال أحداث رواية صلب يسوع المسيح. بعد أن عمّت النصرانية بين اليهود وظف الاحتلال الروماني أحد ضباط عساكره شاؤول (بولص الرسول) من أجل حرف النصرانية إلى المسيحية كدين صرف متصالح مع روما ولا علاقة له بأمور الدنيا فنجح في ذلك أيما نجاح وكتبت أناجيل المسيحية بهذه الروح ونفث ذلك الضابط الروماني حقد الرومان على اليهود وجعل صلب يسوع بحكم من مجلس الحاخامات اليهود، السانهدرين، وحده دون موافقة الرومان. تحول أغلب النصارى إلى المسيحية البولصية بحكم ملاحقة الرومان للنصارى وقتلهم بمثل ما كان قيصرهم نيرون يلقي بالنصارى إلى الأسود الجائعة، لكن سخطهم زاد على اليهود الخونة وقد ألقى بولص بذنب صلب يسوع على اليهود وحدهم دون الرومان بحجة أن حاكم القدس الروماني بيلاطس البنطي " غسل يديه من دم ذلك الصدّيق ".
لم يتحول النساطرة من النصرانية إلى المسيحية البولصيه منتصرين لمبدأ بطريرك القسطنطينية نسطوريوس (Nestorius) وقد كفّرته الكنيسة لإنكاره ألوهية يسوع، فطاردتهم روما وشتتتهم في أمصار عديدة منها العراق وإيران والحجاز. وجاء الإسلام امتداداً للدعوى النسطورية فكان الكاهن النصراني النسطوري ورقة بن نوفل هو أول من رسم محمداً نبيّاً نسطورياً قبل أن يكون نبيّاً للإسلام.
في العالم المسيحي الأرثوذوكسي بلغت كراهية اليهود حداً سمح بإبادتهم دون عقاب وهو ما عرف ب (البوغروم/ Pogrom) وقد تم إبادة عشرات الآلاف منهم في أوديسا وفي وارسو وفي خاركوف وكيشينيف ورومانيا وغيرها. أما في العالم البروتستانتي فلم تكن كراهية اليهود بمثل هذا حيث التسامح الديني يطبع البروتستانية والأنجليكانية بصورة عامة باستثناء ألمانيا وقد اشتد فيما بعد بسبب موقف يهود الولايات ىالمتحدة في الحرب العالمية الأولى حيث أمدوا انجلترا بالأموال وهو ما ساعدها على الإنتصار على ألمانيا بعد أن وصل البلدان حد الإفلاس لعجز أي من الطرفين إنهاء الحرب لصالحة بسبب العجز المالي. أما في العالم الكاثوليكي مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا فكانت كراهية اليهود بين بين، أقل منها في العالم الأرثوذوكسي وأكثر منها في العالم البروتستاني. لكن المسيحيين بالإجمال ظلوا يتعلمون في مدارسهم باستمرار أن اليهود هم الذين قتلوا مسيحهم بعد أن أكدوا استعدادهم أنهم وأبناءهم من بعدهم سيتحملون وزر دمه. لذلك ظل المسيحيون يكرهون اليهود ويصمونهم بالخيانة.
في العام 1894 حدثت فضيحة سياسية شهيرة بدأت بتقديم ضابط فرنسي يهودي من الألزاس هو ألفريد درايفوس (Alfred Dryfus) من سلاح المدفعية الفرنسي إلى المحاكمة بتهمة الخيانة العظمى والتجسس لصالح ألمانيا. صدر حكم ملفق على الضابط وهو السجن المؤبد في جزيرة " الشيطان " في أقاصي الإطلنطي. المحامي وكيل درايفوس أكد للرأي العام أن موكله بريء من التهمة المسندة إليه وأن الحكم لم يكن إلا بدافع الكراهية لليهود. هذا الأمر دفع الكاتب الفرنسي الكبير إميل زولا إلى تبني القضية مما دفع بالرأي العام في فرنسا إلى الضغط على السلطات لأجل إعاد التحقيق في القضية من قبل جهة محايدة وهو ما أدى إلى بطلان التهمة وفسخ الحكم وإعادة درايفوس إلى وظيفته ضابطاً في سلاح المدفعية.
كان الكاتب اليهودي النمساوي والصحفي اللامع ثيودور هيرتسل (Theodore Herzl) مؤسس الحركة الصهيونية من الذين حضروا جميع جلسات محاكمة درايفوس. وكان يصاب بالإحباط والخيبة كلما خرج من المحكمة ورأى الجماهير محتشدة تهتف بغضب " الموت لليهود الخونة !! " . كان ثيودور هيرتس مهموماً بالمسألة اليهودية، وكان يرى أن لا حلّ للمسألة اليهودية إلا بتحوّل اليهود من اليهودية إلى المسيحية مخالفاً بذلك الفيلسوف والمؤرخ الألماني برونو باور (Bruno Bauer) الذي أكد أن الدولة المسيحية لم تُحرّر مواطنيها فكيف بها تحرر اليهود !؟ ومخالفاً أيضاً ماركس الذي رأى أن المسألة اليهودية مرتبطة ارتباطاً موارباً بالصراع الطبقي وأضاف إلى تأكيد باور بأن تحرير اليهود لا يتم إلا بإلغاء الدين.
بعد تلك المحاكمة التي كانت تعبيراً حيّاً عن كراهية اليهود وما يوصف ب " اللاسامية "، وصيحات الجماهير المحتشدة خارج المحكمة تطالب بالموت لليهود، ظهر لهيرتسل أن " اللاسامية " هي مسألة ملحة ولازبة لا تنتظر التأخير، وأن الحل الذي يقترحه باور وهو إلغاء الدولة المسيحية أو الحل الذي يقترحه ماركس وهو إلغاء الدين هما حلاّن بعيدان في مجرى التاريخ كما أن الحل الذي كان يقترحه هو نفسه وهو تحول اليهود إلى المسيحية إنما هو خارج باور وماركس فلا هو يلغي الدولة المسيحية، كما لا يلغي الدين، بل بالعكس تماماً فهو يؤكدهما.
إذّاك رأى هيرتسل أن يداوي الداء بالتي كانت هي الداء، أن يداوي الخيانة التاريخية ليهود السانهدرين الذين خانوا بلادهم وانتصروا للاحتلال الروماني وأخذوا على عاتقهم صلب يسوع الناصري المقاوم للإحتلال، أن يداوي تلك الخيانة بخيانة تاريخية أخرى وهي الصهيونية. ففي العام 1896 نشر هيرتسل كتابه الشهير " الدولة اليهودية " وفيه يقترح أن لا يواجه اليهود قضيتهم في بلادهم وينخرطوا في النضال مع شعوبهم من أجل إلغاء الدولة المسيحية كما يقترح باور أو إلغاء الدين كما يرى ماركس، بل ليخونوا شعوبهم ويهربوا إلى دولة تقام خصيصاً كملجأ لهم. ولا ينسى هيرتسل أن يذكر فلسطين في كتابه حيث أقترف اليهود الخيانة الأصلية فيقول .. " لن ينسى اليهود فلسطين ". الصهيونية التي دعا إليها هيرتسل في كتابه "الدولة اليهودية" لم تكن خيانة لشعوب أوروبا المناضلة من أجل التحرر من دولة القمع والإرهاب، ولم تكن خيانة للشعب الفلسطين بتجريده من أرضه وبلاده، بل خيانة أيضاً لليهود أنفسهم حيث يترتب عليهم أن يضحوا بأموالهم وبرجالهم باستمرار ودون توقف من أجل تحقيق الدولة الصهيونية والحفاظ عليها في محيط معاد لا يقبلها ولا يتصالح معها وهو واقع الحال كما هو اليوم بعد قرن طويل.
الحقائق التي يقفز عنها هيرتسل ليقترح "الصهيونية" حلاً للمسألة اليهودية هي أن اليهود في روسيا وأوكرانيا وبولندا كما في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا ليسوا ساميين أصلاً ليُدعى باللاسامية ضدهم، إنهم من شعوب بلادهم دماً ولغةً وثقافة وما التمييز ضدهم بغير الدين الذي اعتنقه أجدادهم عندما كانت اليهودية ديناً عالمياً زمن الإغريق. ومن جهة أخرى فإن أحداً لم يطرد اليهود من فلسطين فالعرب والأتراك المسلمون الذين حكموا الشرق الأوسط منذ القرن السابع الميلادي كانوا يعتبرون اليهود من الذميين أي سلامتهم وممارستهم لشعائرهم الدينية هي في ذمة المسلمين ولا يجوز التفريط بها. فمثلاً عندما استسلم بطريرك القدس المسيحي صفرونيوس إلى الخليفة عمر بن الخطاب اشترط ألا يسمح عمر بأن يسكن اليهود في القدس وهو ما يعني أن خليفة المسلمين كان سيسمح بسكن اليهود في القدس. ومن جهة أخرى فإن يهود فلسطين كانوا قد تنصّروا مثلما تنصر بطرس ويسوع ضد روما بالرغم من الأحكام الجائرة والإعدامات التي كان يحكم بها الحاخامات في مجلس السانهدرين. من لم يتنصر من اليهود هم من ظلوا محافظين على ولائهم لروما فتم وصمهم تاريخياً بالخيانة وظلوا حيث هم قبل توالي موجات الهجرة الصهيونية إلى فلسطين.
أُستقبل كتاب هيرتسل "الدولة اليهودية" في أوروبا استقبالاً استثنائياً. فاليهود وقد " سئموا العيش في ظل الآخرين "، كما يلخص البروفيسور لايبوفتش الصهيونية، بات لهم توق كبير ليحيوا حياة حرة تكرس سيادتهم وخاصة أولئك اليهود الذين عانوا من عنت الاضطهاد الإجرامي في شرق أوروبا الأرثوذوكسي؛ كما الأوروبيون غير اليهود وقد كرهوا اليهود ومسلكياتهم الخاصة بهم فبات لديهم الرغبة العارمة بألا يساكنوا اليهود في بلادهم. في ظل مثل ذلك الحماس الذي استقبل به كتابه المؤسس لدعوى الصهيونية بدأ هيرتسل نشاطه السياسي لتحقيق صهيونيته المنشودة وهي إقامة وطن " قومي !! " لليهود في فلسطين فدعا إلى عقد أول مؤتمر لليهود في بازل/سويسرا 1897 وهو المؤتمر الذي أسس فعلياً المنظمة الصهيونية العالمية (World Zionist Organization) وقرر تشجيع الهجرة إلى إسرائيل وخاصة المزارعين والحرفيين وانتخب المؤتمرون هيرتسل نفسه رئيساً للمؤتمر.
الدعوى القومية هي من إرهاصات تطور المجتمع الرأسمالي تحديداً وإغلاق الحدود الجمركية حول الحدود الوطنية. دعوى الصهيونية لا تمتلك شرطاً من شروط القومية. فاليهود المدعوون للهجرة إلى فلسطين لا يربط بينهم دم أو لغة أو السعي لإقامة مجتمع رأسمالي، بل العكس كان، فكان التوق العام للمهاجرين هو الحياة الاشتراكية كما في الكيبوتسات. لم يكن من رابط مشترك يجمع المهاجرين إلى فلسطين سوى معاناة الذل وبعض الأفكار الدينية لبعض القليل منهم إذ أن جميع زعماء الحركة الصهيونية كانوا من الملحدين وأول من استعد لأن يتخلى عن يهوديته هو مؤسس الحركة الصهيونية نفسه ثيودور هيرتسل. وهنا يقوم السؤال الكبير وهو.. كيف للإذلاء أن يبنوا دولة؟ دولة لا تقوم على أي قاعدة مادية سوى رفض الذل ومبدأ .." سئمنا الحياة في ظل الآخرين " !؟ ـ هذا لا يبني دولة بالطبع.
كرئيس للمؤتمر الصهيوني باشر هيرتسل اتصالاته برؤساء الدول المؤثرة وجهد كثيراً للاتصال بالسلطان عبد الحميد وقد وسط لذلك الامبراطور الألماني لكن السلطان رفض مقابلته ورفض الرشاوى المعروضة ومنها خمسة ملايين ليرة ذهب مقابل صحراء سيناء فقط. وفي العام 1902 قابل هيرتسل وزير المستعمرات البريطاني تشيمبرلن الذي أقنعه باستحالة إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين خصوصاً طالما أن السلطنة العثمانية المسلمة تبسط سلطانها على كل الشرق الأوسط. إذّاك توقف هيرتسل عن المناداة بإقامة وطن قومي في فلسطين ودعى ليكون الوطن في أوغندا كما اقترح عليه تشيمبرلن أو بعيداً في الأرجنتين. تحولُ هيرتسل عن فلسطين لقي معارضة شديدة من قبل اليهود من شرق أوروبا وكان لهم أثر نافذ في المؤتمر الأمر الذي انعكس على هيرتسل بالإحباط الشديد والاستقالة من رئاسة المؤتمر وقيل أن ذلك تسبب في مرضه ثم في وفاته في العام 1904.
كان هيرتسل قد عرض على تشيمبرلن وزير المستعمرات البريطاني عندما التقاه في العام 1902 بأن اليهود في فلسطين سيقومون بوظائف الجيوش البريطانية في شرق المتوسط ويؤمنون لبريطانيا الطريق إلى الهند وقناة السويس، أي أن اليهود في فلسطين سيخدمون الاستعمار كما الاستعمار نفسه. أعاد رئيس المؤتمر الصهيوني حاييم فايتسمان نفس التعهد الخياني في مذكرته إلى وزير خارجية بريطانيا آرثر بلفور في العام 1917 وبناء عليه صدر تعهد الحكومة البريطانية بالتعاطف مع إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. وبعيداً عن تعهدات هيرتسل وفايتسمان فإن حروب إسرائيل في المنطقة إنما كانت لحراسة مصالح الامبريالية ضد شعوب المنطقة وتطورها السياسي والاقتصادي؛ وقد شهد بذلك أرييل شارون فأثناء عودته من لبنان للتحقيق معه في جريمة صبرا وشاتيلا سأله أحد الصحفيين عن تهديد الرئيس الأميركي بحجب القرض المطلوب لإسرائيل وقيمته 10 مليارات دولار فرد مستنكرا .. إذا كانت أميركا تقدم لنا الأموال فنحن نقدم لها ما هو أغلى، لقد قدمنا دماءنا دفاعاً عن المصالح الأميركية. وزير الدفاع في إسرائيل ورئيس الوزراء فيما بعد أرييل شارون يعترف بأن إسرائيل تقوم بدور خياني لشعوب المنطقة. العدوان الثلاثي على مصر في نوفمبر 1956 بدأته اسرائيل بأمر من بريطانيا وفرنسا كما افتضحت أموره فيما بعد. وعدوان إسرائيل على لبنان في حزيران يونيو 1982 كان بأمر من الولايات المتحدة حيث صرح وزير خارجية أميركا ألكسندر هيغ قبل أيام قليلة من العدوان بالقول .. لقد قرع جرس الشرق الأوسط !!
بدأ اليهود بخيانة مواطنيهم في فلسطين عندما ناصروا الرومان في احتلالهم لفلسطين واقترفوا جرائم تقتيل النصارى المطالبين بالاستقلال وأولهم يسوع النصارى. وقبل بداية القرن العشرين اتفقوا على خيانة شعوبهم الأوروبية والهروب إلى بلاد أخرى تاركين شعوبهم تتعرض للقمع والطغيان من قبل دول رجعية وبورجوازية. وانتهوا إلى خيانة شعوب المنطقة العربية بالقيام بوظيفة كلب الحراسة للإمبريالية. ولا يجوز الإنتهاء من الحديث في خيانة الصهيونية دون التوقف عند حديث لينين عن حزب الاشتراكيين اليهود (البوند) إذ قال في نقده للمسألة القومية في العام 1913 ..
" كل من يرفع شعار الثقافة القومية لليهود فهو بغض النظر عن نواياه الطيبة، كما قد يعتقد، إنما هو عدو للبروليتاريا ومناصر لحياة الغيتوات اليهودية، وهو بالتالي متآمر مع الحاخامات ومع البورجوازية " ـ هم خونة لمجرد تأسيس ثقافة خاصة فما بالك بدولة خاصة !؟
وأخيراً لن يتحرر اليهود تاريخياً إلا مع تحرر الفلسطينيين وانضمامهم إلى البروليتاريا العالمية في النضال من أجل إلغاء الدولة المسيحية وغير المسيحية وإلغاء الدين فلا يعود يسوع وحده هو نصير الفقراء ومخلصهم.
الحديث طويل لا ينتهي عن الصهيونية ومع ذلك يمكن اختصاره بكلمتين كما في القول الدارج .. وداوِها بالتي كانت هي الداء؛ فالصهيونية هي مداواة الخيانة بالخيانة. ولتحقيق مثل هذا التفسير، الذي سيشجبه الصهاينة بمختلف أطيافهم الخيانية بالطبع، يتوجب عليّ ترسّم جذور نبتة الصهيونية الخيانية عميقاً في تربة التاريخ.
لأسباب كثيرة لا سبيل للبحث فيها في هذا السياق، ظل الحوض الشرقي للبحر التوسط مطمعاً للغزاة من شتى الأجناس والأمم عبر التاريخ، فكان سكانه المعروفون لدى المؤرخين بالآراميين، باسم الحضارة الغالبة في المنطقة، من مخلفاة الغزاة وتلاقح أجناسهم المختلفة، منهم اليونان ومنهم الفرس والرومان وكذلك المصريون والأشوريون والحثيون وأمم كثيرة أخرى.
في عمق جذر الصهيونية كان الأسر البابلي. فعندما تطورت مملكة بابل وغدت بحاجة إلى مزيد من الأيدي العاملة كان الحل أمام ملكها (نبوخذ نصّر) هو استحضار العبيد من البلدان المجاورة فغزا بلاد الشام 586 ق.م وجمع منها حوالي 7 آلاف شاب ساقهم إلى بابل للعمل كعبيد في حدائقها وأنظمة الري فيها. أولئك العبيد كانوا ما زالوا يحييون الحياة الرعوية المتخلفة جداً في فلسطين وأكثرهم من أصول مصرية، من قبائل الرعاة التي وفدت مع شيخها النبي موسى. في بابل تفتحت عيون هؤلاء العلوج حقاً على حياة مدنية مختلفة، انتقلوا من الحياة الرعوية المتخلفة إلى الحياة الزراعية المتقدمة. رأوا الحدائق الجميلة والحدائق المعلقة، رأوا أنظمة الري والأقنية، رأوا القصور الفخمة وأصخوا السمع للموسيقى وللشعر والقصص الكثيرة عن أساطير السومريين وآلهتهم وعن قصة الشيخ السومري أبرام وزوجته، أخته غير الشقيقة، ساراي وابن أخيه لوط وكيف فاض نهر الفرات على بلدتهم أور في قاع نهر الفرات مما حدا بالشيخ ابرام بأن يسوق قطعانه الكبيرة من الماشية صعوداً إلى أعالي الفرات حتى وصوله حرّان جنوب شرقي شبه جزيرة الأناضول مصطحباً معه زوجته وابن أخيه وأفراد عائلته الكبيرة،
كورش الكبير، مؤسس امبراطورية الفرس وصاحب أول وثيقة لحقوق الإنسان تدعو لتحرير المستعبدين من كل جنس ولون وحقهم في الحياة الحرة الكريمة، قام هذا الامبراطور وحيد عصره باحتلال بابل وسائر بلاد شرق المتوسط عام 537 ق.م وحرر عبيد السبي البابلي الذين أبرزهم أنبياء التوراة جميعهم، حزقيل ودانيال وأشعيا وغيرهم الذين غدوا رسل الفرس في تفريس مملكة يهودا الممتدة في جنوب فلسطين والأردن. تعهد هؤلاء الرسل بتبديل حامل الثقافة الوحيد في تلك العصور وهو الدين. بشّر هؤلاء الرسل اليهود، سكان يهودا بدين جديد وإله جديد هو " إيل " أحد آلهة البابليين ولم يكن الدين الجديد غير مجموعة من الأساطير السومرية والبابلية وأهمها قصة الشيخ السومري أبرام. مع بداية الربع الأخير من القرن السادس قبل الميلاد أخذ الرواة يروون هذه الأساطير السومرية والبابلية التي جاء بها رسل الفرس أنبياء التوراة وقد استبد بهم الاستلاب حتى باتوا يجزعون من النطق باسم الجلالة " إيل " فأخذوا يقولون بالآرامية (هو من هو) ( אהיה אשר אהיה ) وهو ما يجمل بلفظ (يهوه). كان قد سبق هؤلاء الأنبياء التوراتيين من رسل الفرس نبي توراتي آخر هو النبي جيرميا الذي كان من رسل البابليين والذي أنكر على شعب يهودا عبادة إله الكنعانيين " بعل " فزجّ به في السجن لأنه بشّر باحتلال الأشوريين ليهودا فكان أن حرره الأشوريون من السجن حال احتلالهم للبلاد في العام 586 ق.م. كما لحق أنبياء التوراة من رسل الفرس رسول فارسي آخر هو النبي التوراتي عزرا الذي أوفده داريوس الأول كيما يؤكد تفريس يهودا عن طريق الحامل الثقافي الجديد وهو الدين الجديد في يهودا والذي أخذ اسمها فسمى " اليهودية ". لقد منح داريوس النبي عزرا سلطات مطلقة تمثلت بفسخ زواج الزوج اليهودي الذي يدين بالديانة الجديدة، اليهودية، من الزوجة اليهودية التي لا تدين باليهودية. وهكذا اكتمل تفريس مملكة يهودا وشعبها من الآدوميين عن طريق الحامل الثقافي الجديد وهو الدين المنقول عن الأساطير السومرية والبابلية الذي أخذ إسم المملكة فأخذ يعرف باليهودية.
ظل الرواة يروون اساطير الديانة الجديدة " اليهودية " واستطالوا بقصة ابرام فزادوا على اسمه وجعلوه أبراهام وغيروا اسم زوجته ساراي فجعلوه ساره وأطالوا من عمره فجعلوه نحو مائتي عام وساره تحمل باسحق بعد أن تجاوزت الثمانين عاما وزوجها ابراهام المائة وعشرين عاما وهو ما يتعارض مع أوليّات قواعد البيولوجيا. كل ذلك من أجل أن يستقدموه إلى فلسطين عبر سوريا يعبرها بكل قطعان مواشيه العديدة وعائلته الكبيرة فيقيم في الخليل وهناك يقطع الله وعداً بأن تكون فلسطين لإبراهيم ولذريته العديدة عدد رمال البحر وهو ما لم يتحقق لا بالحرث ولا بالنسل. وكان الهدف من الوعد هو تحريم أرض يهودا على الغزاة المحتملين مثل الأشوريين الذين أذاقوهم مرّ العذاب. لم يكتفِ الرواة بهذا بل جعلوا ابراهيم يهاجر إلى مصر مخالفاً وعد الله المزعوم وفي مصر يترك زوجته الجميلة ساره لتكون خديناً لفرعون وقد أدهشه جمالها. لقاء ذلك يجزل فرعون بعطاياه لإبراهيم الذي بعدئذٍ يعود لفلسطين وزوجته سارة ولم يمتلك شبراً من أرضها خلافاً لوعد الله المزعوم فيضطر لشراء بقعة صغيرة كي يدفن زوجته. استطال الرواة باسطورة ابراهيم كي يتمكنوا من الإدعاء أن موسى والقبائل الاثنتي عشر أتباعه هم من اليهود نسل ابراهيم. لكنهم مع ذلك عادوا يقصون اسطورة أخرى عن يعقوب حفيد ابراهيم وأبنائه الإثني عشرة وهجرتهم إلى مصر.
ما يبطل تلك المزاعم الأسطورية هو أن سفر الخروج كما ظل يروى حتى تم تدوينه في التوراة المسيحية لم يشِ إطلاقاً أن موسى وأتباعه كانوا حتى على علم بأساطير الديانة اليهودية، وكيف لهم أن يعلموا وخروجهم تم قبل ثمانية قرون تقريباً كما يقدر المحققون من عودة الأنبياء الأسرى إلى يهودا ليبشروا بتلك الأساطير !؟ وبغياب كل أثر يسند مزاعم أسفار ابراهيم في سوريا وفلسطين ومصر ـ وزاد عليها المسلمون الحجازـ فكما لو أن ابراهيم وقطعان ماشيته الكبيرة كان يسافر بالطائرة (!!) يرجح المحققون على أن أبناء أبرام كانوا قد استقروا في حوض نهر (الباليخ) دون أن يتجاوزوه خلافاً لما زعم أنبياء اليهودية بعد ألفي عام، إذ تشير الدلائل إلى أن أحفاد السومري أبرام من أور هم من أقاموا مملكة كبيرة في (إيبلا /Ebla) قرب حلب وفيها وجد الآثاريون ألواحاً فخارية منقوشاً عليها بالخط المسماري أسماء اسحق ويعقوب ويهوذا وأورشليم وصادوم وعاموره تعود للعام 2300 ق.م
في العام 63 ق.م احتل الرومان بقيادة بومبي مصر وشرق المتوسط. لم ينسَ الرومان أن اليهود كانوا الحلفاء الأمناء للفرس طيلة حروبهم ضد اليونان والرومان. لذلك منح الرومان الاستقلال الذاتي للشعوب المحيطة بيهودا مثل الأنباط في البتراء والغساسنة في بصرى الشام والكنعانيين في تدمر لكنهم رفضوا رفضاً قاطعا أن يمنحوا الاستقلال الذاتي ليهودا وعينوا ملكاً عليها هو الآدومي هيرودس المتجنس رومانياً. أثقل الرومان على اليهود بالضرائب فقام اليهود بمائة ثورة ضد الاحتلال خلال قرن طويل انتهى بثورة عام 73 ميلادية عندما تغلب اليهود على عسكر الرومان فكان أن استقدمت روما جيوشاً من بريطانيا تمكنت من سحق الثورة وهدم الهيكل. النصرانية كانت أطول وأعمق تلك الثورات التي بدأت بيوحنا العمدان يدعو اليهود لهجرة المدن والعيش في الصحراء كيلا يدفعوا ضرائب لروما وسميت حركته اليسين (Essenes) وتعني بالآرامي اليائسين. عندما أعتقل يوحنا وأعدم فيما بعد هرب تلميذه يسوع (Jesus) إلى الجليل الذي كان يدعى آنذاك بجبل النار نظراً لاستعار الثورة فيه وضعضعة سلطة روما هناك. في الجليل لجأ يسوع في كفرناحوم إلى بيت بطرس (سيمون) وأخيه إندراوس، وبطرس هذا كان رئيس منظمة الناصريين (Nazzerine) وهي كلمة آرامية تعني المنذورين، منذورين لمحاربة روما بالسيف وبالخنجر. وعليه كان يسوع الناصري المنظم لمنظمة الناصريين وليس من مدينة الناصرة، كما يؤمن المسيحيون أتباع بولص، والتي لم تكن قد بنيت بعد كما يؤكد الأركيولوجيون البريطانيون.
في مواجهة الاحتلال الروماني انقسم اليهود إلى قسمين كما هو الحال في مواجهة كل احتلال، قسم يتعامل مع الاحتلال ويقبل به وهم الأقلية، وقد حصل هؤلاء مقابل خيانتهم لبلادهم والتخلي عن السيادة على امتياز يتمثل بسلطات نافذة في الحفاظ على ديانتهم اليهودية من خلال مجلس "السانهدرين" (Rabbis Council) برئاسة الحاخام الأكبر في القدس، وهو المجلس الذي حاكم الناصري يسوع كمرتد عن اليهودية وحكم عليه بالموت. هذا المجلس الذي إدّعى تمثيل اليهودية بأصولها إنما مثّل حقاً خونة البلاد المناصرين لروما الذين طلبوا من بيلاطس البنطي حاكم القدس الروماني إعدام يسوع لأن ملكهم هو القيصر وليس يسوع بما يدعي. في الحقيقة لم يكن حكمهم على يسوع بالموت بسبب ارتداده عن اليهودية أو التحريف بها بل لأنه ناصري معادٍ لروما ويناضل من أجل استقلال يهودا. كل اليهود في شرق المتوسط تنصّروا اقتداءً بيسوع ورفضاً للإحتلال الروماني باستثناء السانهدرين وبطانته الذين وقفوا متعاونين مع الإحتلال تحت راية كاذبة هي الدفاع عن نقاء الديانة اليهودية. وهكذا انقسم سكان شرق المتوسط، حين كان قلب العالم، إلى يهود نصارى وطنيين معادين للإحتلال الروماني وهم الأغلبية وإلى يهود، أعداء النصارى، متحالفين مع الاحتلال وهم الأقلية. من هناك تحديداً وُصم اليهود بالخيانة وتم تكريس خيانة اليهود تاريخياً من خلال أحداث رواية صلب يسوع المسيح. بعد أن عمّت النصرانية بين اليهود وظف الاحتلال الروماني أحد ضباط عساكره شاؤول (بولص الرسول) من أجل حرف النصرانية إلى المسيحية كدين صرف متصالح مع روما ولا علاقة له بأمور الدنيا فنجح في ذلك أيما نجاح وكتبت أناجيل المسيحية بهذه الروح ونفث ذلك الضابط الروماني حقد الرومان على اليهود وجعل صلب يسوع بحكم من مجلس الحاخامات اليهود، السانهدرين، وحده دون موافقة الرومان. تحول أغلب النصارى إلى المسيحية البولصية بحكم ملاحقة الرومان للنصارى وقتلهم بمثل ما كان قيصرهم نيرون يلقي بالنصارى إلى الأسود الجائعة، لكن سخطهم زاد على اليهود الخونة وقد ألقى بولص بذنب صلب يسوع على اليهود وحدهم دون الرومان بحجة أن حاكم القدس الروماني بيلاطس البنطي " غسل يديه من دم ذلك الصدّيق ".
لم يتحول النساطرة من النصرانية إلى المسيحية البولصيه منتصرين لمبدأ بطريرك القسطنطينية نسطوريوس (Nestorius) وقد كفّرته الكنيسة لإنكاره ألوهية يسوع، فطاردتهم روما وشتتتهم في أمصار عديدة منها العراق وإيران والحجاز. وجاء الإسلام امتداداً للدعوى النسطورية فكان الكاهن النصراني النسطوري ورقة بن نوفل هو أول من رسم محمداً نبيّاً نسطورياً قبل أن يكون نبيّاً للإسلام.
في العالم المسيحي الأرثوذوكسي بلغت كراهية اليهود حداً سمح بإبادتهم دون عقاب وهو ما عرف ب (البوغروم/ Pogrom) وقد تم إبادة عشرات الآلاف منهم في أوديسا وفي وارسو وفي خاركوف وكيشينيف ورومانيا وغيرها. أما في العالم البروتستانتي فلم تكن كراهية اليهود بمثل هذا حيث التسامح الديني يطبع البروتستانية والأنجليكانية بصورة عامة باستثناء ألمانيا وقد اشتد فيما بعد بسبب موقف يهود الولايات ىالمتحدة في الحرب العالمية الأولى حيث أمدوا انجلترا بالأموال وهو ما ساعدها على الإنتصار على ألمانيا بعد أن وصل البلدان حد الإفلاس لعجز أي من الطرفين إنهاء الحرب لصالحة بسبب العجز المالي. أما في العالم الكاثوليكي مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا فكانت كراهية اليهود بين بين، أقل منها في العالم الأرثوذوكسي وأكثر منها في العالم البروتستاني. لكن المسيحيين بالإجمال ظلوا يتعلمون في مدارسهم باستمرار أن اليهود هم الذين قتلوا مسيحهم بعد أن أكدوا استعدادهم أنهم وأبناءهم من بعدهم سيتحملون وزر دمه. لذلك ظل المسيحيون يكرهون اليهود ويصمونهم بالخيانة.
في العام 1894 حدثت فضيحة سياسية شهيرة بدأت بتقديم ضابط فرنسي يهودي من الألزاس هو ألفريد درايفوس (Alfred Dryfus) من سلاح المدفعية الفرنسي إلى المحاكمة بتهمة الخيانة العظمى والتجسس لصالح ألمانيا. صدر حكم ملفق على الضابط وهو السجن المؤبد في جزيرة " الشيطان " في أقاصي الإطلنطي. المحامي وكيل درايفوس أكد للرأي العام أن موكله بريء من التهمة المسندة إليه وأن الحكم لم يكن إلا بدافع الكراهية لليهود. هذا الأمر دفع الكاتب الفرنسي الكبير إميل زولا إلى تبني القضية مما دفع بالرأي العام في فرنسا إلى الضغط على السلطات لأجل إعاد التحقيق في القضية من قبل جهة محايدة وهو ما أدى إلى بطلان التهمة وفسخ الحكم وإعادة درايفوس إلى وظيفته ضابطاً في سلاح المدفعية.
كان الكاتب اليهودي النمساوي والصحفي اللامع ثيودور هيرتسل (Theodore Herzl) مؤسس الحركة الصهيونية من الذين حضروا جميع جلسات محاكمة درايفوس. وكان يصاب بالإحباط والخيبة كلما خرج من المحكمة ورأى الجماهير محتشدة تهتف بغضب " الموت لليهود الخونة !! " . كان ثيودور هيرتس مهموماً بالمسألة اليهودية، وكان يرى أن لا حلّ للمسألة اليهودية إلا بتحوّل اليهود من اليهودية إلى المسيحية مخالفاً بذلك الفيلسوف والمؤرخ الألماني برونو باور (Bruno Bauer) الذي أكد أن الدولة المسيحية لم تُحرّر مواطنيها فكيف بها تحرر اليهود !؟ ومخالفاً أيضاً ماركس الذي رأى أن المسألة اليهودية مرتبطة ارتباطاً موارباً بالصراع الطبقي وأضاف إلى تأكيد باور بأن تحرير اليهود لا يتم إلا بإلغاء الدين.
بعد تلك المحاكمة التي كانت تعبيراً حيّاً عن كراهية اليهود وما يوصف ب " اللاسامية "، وصيحات الجماهير المحتشدة خارج المحكمة تطالب بالموت لليهود، ظهر لهيرتسل أن " اللاسامية " هي مسألة ملحة ولازبة لا تنتظر التأخير، وأن الحل الذي يقترحه باور وهو إلغاء الدولة المسيحية أو الحل الذي يقترحه ماركس وهو إلغاء الدين هما حلاّن بعيدان في مجرى التاريخ كما أن الحل الذي كان يقترحه هو نفسه وهو تحول اليهود إلى المسيحية إنما هو خارج باور وماركس فلا هو يلغي الدولة المسيحية، كما لا يلغي الدين، بل بالعكس تماماً فهو يؤكدهما.
إذّاك رأى هيرتسل أن يداوي الداء بالتي كانت هي الداء، أن يداوي الخيانة التاريخية ليهود السانهدرين الذين خانوا بلادهم وانتصروا للاحتلال الروماني وأخذوا على عاتقهم صلب يسوع الناصري المقاوم للإحتلال، أن يداوي تلك الخيانة بخيانة تاريخية أخرى وهي الصهيونية. ففي العام 1896 نشر هيرتسل كتابه الشهير " الدولة اليهودية " وفيه يقترح أن لا يواجه اليهود قضيتهم في بلادهم وينخرطوا في النضال مع شعوبهم من أجل إلغاء الدولة المسيحية كما يقترح باور أو إلغاء الدين كما يرى ماركس، بل ليخونوا شعوبهم ويهربوا إلى دولة تقام خصيصاً كملجأ لهم. ولا ينسى هيرتسل أن يذكر فلسطين في كتابه حيث أقترف اليهود الخيانة الأصلية فيقول .. " لن ينسى اليهود فلسطين ". الصهيونية التي دعا إليها هيرتسل في كتابه "الدولة اليهودية" لم تكن خيانة لشعوب أوروبا المناضلة من أجل التحرر من دولة القمع والإرهاب، ولم تكن خيانة للشعب الفلسطين بتجريده من أرضه وبلاده، بل خيانة أيضاً لليهود أنفسهم حيث يترتب عليهم أن يضحوا بأموالهم وبرجالهم باستمرار ودون توقف من أجل تحقيق الدولة الصهيونية والحفاظ عليها في محيط معاد لا يقبلها ولا يتصالح معها وهو واقع الحال كما هو اليوم بعد قرن طويل.
الحقائق التي يقفز عنها هيرتسل ليقترح "الصهيونية" حلاً للمسألة اليهودية هي أن اليهود في روسيا وأوكرانيا وبولندا كما في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا ليسوا ساميين أصلاً ليُدعى باللاسامية ضدهم، إنهم من شعوب بلادهم دماً ولغةً وثقافة وما التمييز ضدهم بغير الدين الذي اعتنقه أجدادهم عندما كانت اليهودية ديناً عالمياً زمن الإغريق. ومن جهة أخرى فإن أحداً لم يطرد اليهود من فلسطين فالعرب والأتراك المسلمون الذين حكموا الشرق الأوسط منذ القرن السابع الميلادي كانوا يعتبرون اليهود من الذميين أي سلامتهم وممارستهم لشعائرهم الدينية هي في ذمة المسلمين ولا يجوز التفريط بها. فمثلاً عندما استسلم بطريرك القدس المسيحي صفرونيوس إلى الخليفة عمر بن الخطاب اشترط ألا يسمح عمر بأن يسكن اليهود في القدس وهو ما يعني أن خليفة المسلمين كان سيسمح بسكن اليهود في القدس. ومن جهة أخرى فإن يهود فلسطين كانوا قد تنصّروا مثلما تنصر بطرس ويسوع ضد روما بالرغم من الأحكام الجائرة والإعدامات التي كان يحكم بها الحاخامات في مجلس السانهدرين. من لم يتنصر من اليهود هم من ظلوا محافظين على ولائهم لروما فتم وصمهم تاريخياً بالخيانة وظلوا حيث هم قبل توالي موجات الهجرة الصهيونية إلى فلسطين.
أُستقبل كتاب هيرتسل "الدولة اليهودية" في أوروبا استقبالاً استثنائياً. فاليهود وقد " سئموا العيش في ظل الآخرين "، كما يلخص البروفيسور لايبوفتش الصهيونية، بات لهم توق كبير ليحيوا حياة حرة تكرس سيادتهم وخاصة أولئك اليهود الذين عانوا من عنت الاضطهاد الإجرامي في شرق أوروبا الأرثوذوكسي؛ كما الأوروبيون غير اليهود وقد كرهوا اليهود ومسلكياتهم الخاصة بهم فبات لديهم الرغبة العارمة بألا يساكنوا اليهود في بلادهم. في ظل مثل ذلك الحماس الذي استقبل به كتابه المؤسس لدعوى الصهيونية بدأ هيرتسل نشاطه السياسي لتحقيق صهيونيته المنشودة وهي إقامة وطن " قومي !! " لليهود في فلسطين فدعا إلى عقد أول مؤتمر لليهود في بازل/سويسرا 1897 وهو المؤتمر الذي أسس فعلياً المنظمة الصهيونية العالمية (World Zionist Organization) وقرر تشجيع الهجرة إلى إسرائيل وخاصة المزارعين والحرفيين وانتخب المؤتمرون هيرتسل نفسه رئيساً للمؤتمر.
الدعوى القومية هي من إرهاصات تطور المجتمع الرأسمالي تحديداً وإغلاق الحدود الجمركية حول الحدود الوطنية. دعوى الصهيونية لا تمتلك شرطاً من شروط القومية. فاليهود المدعوون للهجرة إلى فلسطين لا يربط بينهم دم أو لغة أو السعي لإقامة مجتمع رأسمالي، بل العكس كان، فكان التوق العام للمهاجرين هو الحياة الاشتراكية كما في الكيبوتسات. لم يكن من رابط مشترك يجمع المهاجرين إلى فلسطين سوى معاناة الذل وبعض الأفكار الدينية لبعض القليل منهم إذ أن جميع زعماء الحركة الصهيونية كانوا من الملحدين وأول من استعد لأن يتخلى عن يهوديته هو مؤسس الحركة الصهيونية نفسه ثيودور هيرتسل. وهنا يقوم السؤال الكبير وهو.. كيف للإذلاء أن يبنوا دولة؟ دولة لا تقوم على أي قاعدة مادية سوى رفض الذل ومبدأ .." سئمنا الحياة في ظل الآخرين " !؟ ـ هذا لا يبني دولة بالطبع.
كرئيس للمؤتمر الصهيوني باشر هيرتسل اتصالاته برؤساء الدول المؤثرة وجهد كثيراً للاتصال بالسلطان عبد الحميد وقد وسط لذلك الامبراطور الألماني لكن السلطان رفض مقابلته ورفض الرشاوى المعروضة ومنها خمسة ملايين ليرة ذهب مقابل صحراء سيناء فقط. وفي العام 1902 قابل هيرتسل وزير المستعمرات البريطاني تشيمبرلن الذي أقنعه باستحالة إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين خصوصاً طالما أن السلطنة العثمانية المسلمة تبسط سلطانها على كل الشرق الأوسط. إذّاك توقف هيرتسل عن المناداة بإقامة وطن قومي في فلسطين ودعى ليكون الوطن في أوغندا كما اقترح عليه تشيمبرلن أو بعيداً في الأرجنتين. تحولُ هيرتسل عن فلسطين لقي معارضة شديدة من قبل اليهود من شرق أوروبا وكان لهم أثر نافذ في المؤتمر الأمر الذي انعكس على هيرتسل بالإحباط الشديد والاستقالة من رئاسة المؤتمر وقيل أن ذلك تسبب في مرضه ثم في وفاته في العام 1904.
كان هيرتسل قد عرض على تشيمبرلن وزير المستعمرات البريطاني عندما التقاه في العام 1902 بأن اليهود في فلسطين سيقومون بوظائف الجيوش البريطانية في شرق المتوسط ويؤمنون لبريطانيا الطريق إلى الهند وقناة السويس، أي أن اليهود في فلسطين سيخدمون الاستعمار كما الاستعمار نفسه. أعاد رئيس المؤتمر الصهيوني حاييم فايتسمان نفس التعهد الخياني في مذكرته إلى وزير خارجية بريطانيا آرثر بلفور في العام 1917 وبناء عليه صدر تعهد الحكومة البريطانية بالتعاطف مع إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. وبعيداً عن تعهدات هيرتسل وفايتسمان فإن حروب إسرائيل في المنطقة إنما كانت لحراسة مصالح الامبريالية ضد شعوب المنطقة وتطورها السياسي والاقتصادي؛ وقد شهد بذلك أرييل شارون فأثناء عودته من لبنان للتحقيق معه في جريمة صبرا وشاتيلا سأله أحد الصحفيين عن تهديد الرئيس الأميركي بحجب القرض المطلوب لإسرائيل وقيمته 10 مليارات دولار فرد مستنكرا .. إذا كانت أميركا تقدم لنا الأموال فنحن نقدم لها ما هو أغلى، لقد قدمنا دماءنا دفاعاً عن المصالح الأميركية. وزير الدفاع في إسرائيل ورئيس الوزراء فيما بعد أرييل شارون يعترف بأن إسرائيل تقوم بدور خياني لشعوب المنطقة. العدوان الثلاثي على مصر في نوفمبر 1956 بدأته اسرائيل بأمر من بريطانيا وفرنسا كما افتضحت أموره فيما بعد. وعدوان إسرائيل على لبنان في حزيران يونيو 1982 كان بأمر من الولايات المتحدة حيث صرح وزير خارجية أميركا ألكسندر هيغ قبل أيام قليلة من العدوان بالقول .. لقد قرع جرس الشرق الأوسط !!
بدأ اليهود بخيانة مواطنيهم في فلسطين عندما ناصروا الرومان في احتلالهم لفلسطين واقترفوا جرائم تقتيل النصارى المطالبين بالاستقلال وأولهم يسوع النصارى. وقبل بداية القرن العشرين اتفقوا على خيانة شعوبهم الأوروبية والهروب إلى بلاد أخرى تاركين شعوبهم تتعرض للقمع والطغيان من قبل دول رجعية وبورجوازية. وانتهوا إلى خيانة شعوب المنطقة العربية بالقيام بوظيفة كلب الحراسة للإمبريالية. ولا يجوز الإنتهاء من الحديث في خيانة الصهيونية دون التوقف عند حديث لينين عن حزب الاشتراكيين اليهود (البوند) إذ قال في نقده للمسألة القومية في العام 1913 ..
" كل من يرفع شعار الثقافة القومية لليهود فهو بغض النظر عن نواياه الطيبة، كما قد يعتقد، إنما هو عدو للبروليتاريا ومناصر لحياة الغيتوات اليهودية، وهو بالتالي متآمر مع الحاخامات ومع البورجوازية " ـ هم خونة لمجرد تأسيس ثقافة خاصة فما بالك بدولة خاصة !؟
وأخيراً لن يتحرر اليهود تاريخياً إلا مع تحرر الفلسطينيين وانضمامهم إلى البروليتاريا العالمية في النضال من أجل إلغاء الدولة المسيحية وغير المسيحية وإلغاء الدين فلا يعود يسوع وحده هو نصير الفقراء ومخلصهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق