بقلم الرفيق سفيان الخزرجي
اعيد نشر هذا المقال لكي يعرف البعض بان رؤساء دول ديموقراطية يكذبون ويزورون الحقائق، فلا يستغربوا ان رئيس دولة منخورة بالفساد والسرقات لا يكذب.
وكا ترون في المقال ان كل شيء موثق وليست ادعاءات مختلقة.
****
قبل أعوام وفي عهد صدام حسين كنت في أحد البنوك السويدية حين أستنجدت بي امرأة عراقية مُسنـّة، كانت تحاول عبثا تحويل مبلغ يسير من المال الى زوجها المُقعد في الاردن. لم تكن لغتها الانجليزية المتواضعة تسعفها في فهم موظفة البنك وهي تبلغها بأن قانون البنك لا يسمح لها بتحويل مبالغ نقدية الى خارج البلاد بسبب جنسيتها العراقية وذلك لوجود حصار دولي على العراق. حاولنا إفهام الموظفة بأن المبلغ سيذهب الى بنك أردني ولن يدخل منه دولار واحد الى العراق، ولكن الموظفة أشارت إلى أن جنسية الذي يقوم بتحويل المبلغ هي التي تمنع التحويل بغض النظر عن الجهة المحوّل لها.
إصطحبت العجوز الثائرة خارج البنك محاولا تهدئتها رغم أني نفسي كنت بحاجة الى تهدئة..
قفزت الى ذهني مقولة وزيرة الخارجية الاميركية السابقة مادلين اولبرايت عندما سألتها ليسلي ستال في برنامج 60 دقيقة بتاريخ 12 مايو 1996 عن رأيها في تسبب الحصار في موت أكثر من نصف مليون طفل عراقي، أجابت اولبرايت بكل برودة أعصاب "إننا نعتقد أن الحصار يستحق ذلك الثمن".
موت اكثر من نصف مليون طفل وتجويع الملايين لم يكن في نظر الادارة الاميركية ثمنا باهظا من اجل اسقاط صدام حسين..
والطامة الكبرى ان الزوج المُقعد في الاردن لم يحصل على مساعدة زوجته المُسنـّة ومات اكثر من نصف مليون طفل ولكن صدام حسين ظل يطلق النار في الهواء من شرفته المطلة على آلاف المتظاهرين.
أخيرا وبعد تجربة قاسية دفع ثمنها الشعب العراقي تبين للادارة الاميركية أن السبيل الوحيد لإسقاط صدام حسين هو الغزو العسكري.
كان عليهم أن يجدوا سببا مقنعا لهذا الغزو فكان امتلاك اسلحة الدمار الشامل وعلاقة النظام بالقاعدة هما السببان الوجيهان اللذان يقنعان الرأي العام العالمي بشرعية اسقاط صدام حسين عسكريا.
ذهب كولن باول الى الامم المتحدة في 6 فبراير 2003 ونشر خرائطه وصوره على طاولته امام الملآ وعلى شاشات التلفزة ليبيـّن وبالدليل القاطع مناطق تواجد اسلحة الدمار الشامل المحمول منها على الشاحنات والمطمور منها تحت الارض:
http://www.cnn.com/2003/US/02/05/sprj.irq.powell.un/
" • Recorded conversations, satellite images and information from spies inside Iraq"
(مكالمات مسجلة، صور اقمار اصطناعية ومعلومات اجهزة المخابرات داخل العراق)
جلس اعضاء مجلس الامن فاغري الافواه مشرئبي الاعناق مبهورين بقدرة الولايات المتحدة الاميركية على تقصي كل تلك الحقائق وكشفها بالصورة والصوت.
أما توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الاسبق فذهب الى ابعد من ذلك بقوله بأن العراق يمكنه انتاج القنبلة النووية في غضون 45 دقيقة:
http://www.guardian.co.uk/politics/2003/aug/16/davidkelly.iraq
وفي خضم هذا التحشيد الاعلامي تجمع حلفاء 30 دولة وجهـّزوا عدتهم وعتادهم لينقضّوا على مراكز أسلحة الدمار الشامل قبل ان يمحو صدام حسين سكان الكرة الارضية من الوجود.
فرّ صدام حسين من المعركة وترك لهم بغداد مشرعة ابوابها والعراق عاريا الا من جثث ابنائه.
لم تعثر القوات الاميركية والبريطانية على اسلحة الدمار الشامل ولم تجد اثرا لعلاقة صدام حسين بتنظيم القاعدة!!
فماذا عن المكالمات المسجلة و صور الاقمار الاصطناعية وعن تقارير اجهزة المخابرات؟
وماذا عن قدرة صدام حسين على انتاج القنبلة النووية في غضون 45 دقيقية؟
كانت تلك الحجج (الدامغة) مبررا لاجتياح العراق، اما وقد اصبح الاحتلال حقيقة واقعة فعلى قوات الاحتلال ايجاد مبررات جديدة لبقائها في العراق.
أعلن الحلفاء وعلى رؤوس الاشهاد بأن وجودهم في العراق هو لتحرير الشعب العراقي من الدكتاتورية وتحويل العراق الى واحة للديمقراطية وقِبلة للحرية.
من المعروف أن العراق من اكثر البلدان العربية ـ ان لم اقل العالميةـ خبرة بالانقلابات العسكرية، وكانت قيادة اي انقلاب لا تتجاوز العشرات من الضباط المتواضعي المعرفة في الاستراتيجيات العسكرية والسياسية ولكن امرا واحدا لم يغب عن ذهنهم وهو ضرورة وجود طاقم من الوزراء جاهزا لاستلام زمام السلطة صبيحة يوم الانقلاب.
أما ضرورة وجود مثل هذا الطاقم الوزاري لاستلام السلطة بعد سقوط صدام حسين مباشرة فلم يكن في حسبان دهاقنة السياسة الاميركية رغم تخطيطهم الدقيق والمسبق لاسقاط النظام، ورغم أن لجنة من االعراقيين (حوالي 300 شخص من الخبراء) قد اجتمعت في واشنطن قبل اشهر من سقوط صدام حسين وقدمت رؤيتها حول ادارة البلاد بعد السقوط.
لكن توصيات تلك اللجنة ذهبت ادراج الرياح ولم تلتزم الادارة الاميركية بحرف واحد منها، وهذا ما يؤكده الكثيرون من اعضاء تلك اللجنة بما فيهم احمد الجلبي رئيس حزب المؤتمر الوطني العراقي.
لم تكن الولايات المتحدة الاميركية على عجل من امرها في تنصيب حكومة للبلاد قبل ان يأخذ الشعب العراقي قسطه من الحرية والفوضى (الخلاقة) وقبل ان تستكمل الميليشيات تنظيم صفوفها وقبل أن يستدل الارهابيون على المعابر السليمة لدخول العراق.
وانطلاقا من مبدأ الحرية للجميع بدون استثناء فقد قامت قوات الاحتلال بفتح ابواب السجون لكي يتنفس السجناء (بما فيهم اللصوص والقتلة) نسائم الحرية الاميركية.
وقرر الحاكم المدني بريمر حل الجيش والشرطة لكي لا تنغص هذه القوات على الجماهير المتحررة نشوة حريتها، ولم يستثنٍ حرس الحدود من هذا القرار لكي يشارك الوافدون عبر الحدود نظراءهم العراقيين في عرس الدم.
فماذا آل اليه الوضع في العراق؟
ارهابيون، ميليشيات، لصوص، قتل على الهوية، خطف، فساد اداري ومالي، مفخخات، جثث مجهولة الهوية وذبح بشري امام كاميرات الفيديو.
بررت وزيرة الخارجية الاميركية السابقة كوندوليزا رايس هذا الوضع المأساوي بقولها:
"لقد ارتكبنا آلاف الاخطاء التكتيكية في العراق لكننا حققنا الهدف الاستراتيجي وهو اسقاط صدام حسين".
ولو وضعنا هذا التصريح الى جانب تصريح وزيرة الخارجية الاسبق اولبرايت: "موت اكثر من نصف مليون طفل عراقي ليس بالثمن الباهض من اجل اسقاط صدام حسين" لعرفنا ان الادارة الاميركية تنطلق من فكرٍ ميكافيليّ بحت في كون الغاية تبرر الوسيلة.
لقد سخرنا من صدام حسين بعد هزيمته في الكويت وبعد تدمير الجيش العراقي حين قال بأن العراق خرج منتصرا من الحرب لأن أميركا فشلت في اسقاط صدام حسين، ولكن، بغض النظر عن نرجسية هذا الادعاء، فأن له ما يبرره في تصريحي الوزيرتين.
فهل ستظل الشعوب تدفع الاثمان باهظة من اجل سلامة جلاديها او من اجل الاطاحة بهم من قِبل جلادين آخرين؟
سفيان الخزرجي
اعيد نشر هذا المقال لكي يعرف البعض بان رؤساء دول ديموقراطية يكذبون ويزورون الحقائق، فلا يستغربوا ان رئيس دولة منخورة بالفساد والسرقات لا يكذب.
وكا ترون في المقال ان كل شيء موثق وليست ادعاءات مختلقة.
****
قبل أعوام وفي عهد صدام حسين كنت في أحد البنوك السويدية حين أستنجدت بي امرأة عراقية مُسنـّة، كانت تحاول عبثا تحويل مبلغ يسير من المال الى زوجها المُقعد في الاردن. لم تكن لغتها الانجليزية المتواضعة تسعفها في فهم موظفة البنك وهي تبلغها بأن قانون البنك لا يسمح لها بتحويل مبالغ نقدية الى خارج البلاد بسبب جنسيتها العراقية وذلك لوجود حصار دولي على العراق. حاولنا إفهام الموظفة بأن المبلغ سيذهب الى بنك أردني ولن يدخل منه دولار واحد الى العراق، ولكن الموظفة أشارت إلى أن جنسية الذي يقوم بتحويل المبلغ هي التي تمنع التحويل بغض النظر عن الجهة المحوّل لها.
إصطحبت العجوز الثائرة خارج البنك محاولا تهدئتها رغم أني نفسي كنت بحاجة الى تهدئة..
قفزت الى ذهني مقولة وزيرة الخارجية الاميركية السابقة مادلين اولبرايت عندما سألتها ليسلي ستال في برنامج 60 دقيقة بتاريخ 12 مايو 1996 عن رأيها في تسبب الحصار في موت أكثر من نصف مليون طفل عراقي، أجابت اولبرايت بكل برودة أعصاب "إننا نعتقد أن الحصار يستحق ذلك الثمن".
موت اكثر من نصف مليون طفل وتجويع الملايين لم يكن في نظر الادارة الاميركية ثمنا باهظا من اجل اسقاط صدام حسين..
والطامة الكبرى ان الزوج المُقعد في الاردن لم يحصل على مساعدة زوجته المُسنـّة ومات اكثر من نصف مليون طفل ولكن صدام حسين ظل يطلق النار في الهواء من شرفته المطلة على آلاف المتظاهرين.
أخيرا وبعد تجربة قاسية دفع ثمنها الشعب العراقي تبين للادارة الاميركية أن السبيل الوحيد لإسقاط صدام حسين هو الغزو العسكري.
كان عليهم أن يجدوا سببا مقنعا لهذا الغزو فكان امتلاك اسلحة الدمار الشامل وعلاقة النظام بالقاعدة هما السببان الوجيهان اللذان يقنعان الرأي العام العالمي بشرعية اسقاط صدام حسين عسكريا.
ذهب كولن باول الى الامم المتحدة في 6 فبراير 2003 ونشر خرائطه وصوره على طاولته امام الملآ وعلى شاشات التلفزة ليبيـّن وبالدليل القاطع مناطق تواجد اسلحة الدمار الشامل المحمول منها على الشاحنات والمطمور منها تحت الارض:
http://www.cnn.com/2003/US/02/05/sprj.irq.powell.un/
" • Recorded conversations, satellite images and information from spies inside Iraq"
(مكالمات مسجلة، صور اقمار اصطناعية ومعلومات اجهزة المخابرات داخل العراق)
جلس اعضاء مجلس الامن فاغري الافواه مشرئبي الاعناق مبهورين بقدرة الولايات المتحدة الاميركية على تقصي كل تلك الحقائق وكشفها بالصورة والصوت.
أما توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الاسبق فذهب الى ابعد من ذلك بقوله بأن العراق يمكنه انتاج القنبلة النووية في غضون 45 دقيقة:
http://www.guardian.co.uk/politics/2003/aug/16/davidkelly.iraq
وفي خضم هذا التحشيد الاعلامي تجمع حلفاء 30 دولة وجهـّزوا عدتهم وعتادهم لينقضّوا على مراكز أسلحة الدمار الشامل قبل ان يمحو صدام حسين سكان الكرة الارضية من الوجود.
فرّ صدام حسين من المعركة وترك لهم بغداد مشرعة ابوابها والعراق عاريا الا من جثث ابنائه.
لم تعثر القوات الاميركية والبريطانية على اسلحة الدمار الشامل ولم تجد اثرا لعلاقة صدام حسين بتنظيم القاعدة!!
فماذا عن المكالمات المسجلة و صور الاقمار الاصطناعية وعن تقارير اجهزة المخابرات؟
وماذا عن قدرة صدام حسين على انتاج القنبلة النووية في غضون 45 دقيقية؟
كانت تلك الحجج (الدامغة) مبررا لاجتياح العراق، اما وقد اصبح الاحتلال حقيقة واقعة فعلى قوات الاحتلال ايجاد مبررات جديدة لبقائها في العراق.
أعلن الحلفاء وعلى رؤوس الاشهاد بأن وجودهم في العراق هو لتحرير الشعب العراقي من الدكتاتورية وتحويل العراق الى واحة للديمقراطية وقِبلة للحرية.
من المعروف أن العراق من اكثر البلدان العربية ـ ان لم اقل العالميةـ خبرة بالانقلابات العسكرية، وكانت قيادة اي انقلاب لا تتجاوز العشرات من الضباط المتواضعي المعرفة في الاستراتيجيات العسكرية والسياسية ولكن امرا واحدا لم يغب عن ذهنهم وهو ضرورة وجود طاقم من الوزراء جاهزا لاستلام زمام السلطة صبيحة يوم الانقلاب.
أما ضرورة وجود مثل هذا الطاقم الوزاري لاستلام السلطة بعد سقوط صدام حسين مباشرة فلم يكن في حسبان دهاقنة السياسة الاميركية رغم تخطيطهم الدقيق والمسبق لاسقاط النظام، ورغم أن لجنة من االعراقيين (حوالي 300 شخص من الخبراء) قد اجتمعت في واشنطن قبل اشهر من سقوط صدام حسين وقدمت رؤيتها حول ادارة البلاد بعد السقوط.
لكن توصيات تلك اللجنة ذهبت ادراج الرياح ولم تلتزم الادارة الاميركية بحرف واحد منها، وهذا ما يؤكده الكثيرون من اعضاء تلك اللجنة بما فيهم احمد الجلبي رئيس حزب المؤتمر الوطني العراقي.
لم تكن الولايات المتحدة الاميركية على عجل من امرها في تنصيب حكومة للبلاد قبل ان يأخذ الشعب العراقي قسطه من الحرية والفوضى (الخلاقة) وقبل ان تستكمل الميليشيات تنظيم صفوفها وقبل أن يستدل الارهابيون على المعابر السليمة لدخول العراق.
وانطلاقا من مبدأ الحرية للجميع بدون استثناء فقد قامت قوات الاحتلال بفتح ابواب السجون لكي يتنفس السجناء (بما فيهم اللصوص والقتلة) نسائم الحرية الاميركية.
وقرر الحاكم المدني بريمر حل الجيش والشرطة لكي لا تنغص هذه القوات على الجماهير المتحررة نشوة حريتها، ولم يستثنٍ حرس الحدود من هذا القرار لكي يشارك الوافدون عبر الحدود نظراءهم العراقيين في عرس الدم.
فماذا آل اليه الوضع في العراق؟
ارهابيون، ميليشيات، لصوص، قتل على الهوية، خطف، فساد اداري ومالي، مفخخات، جثث مجهولة الهوية وذبح بشري امام كاميرات الفيديو.
بررت وزيرة الخارجية الاميركية السابقة كوندوليزا رايس هذا الوضع المأساوي بقولها:
"لقد ارتكبنا آلاف الاخطاء التكتيكية في العراق لكننا حققنا الهدف الاستراتيجي وهو اسقاط صدام حسين".
ولو وضعنا هذا التصريح الى جانب تصريح وزيرة الخارجية الاسبق اولبرايت: "موت اكثر من نصف مليون طفل عراقي ليس بالثمن الباهض من اجل اسقاط صدام حسين" لعرفنا ان الادارة الاميركية تنطلق من فكرٍ ميكافيليّ بحت في كون الغاية تبرر الوسيلة.
لقد سخرنا من صدام حسين بعد هزيمته في الكويت وبعد تدمير الجيش العراقي حين قال بأن العراق خرج منتصرا من الحرب لأن أميركا فشلت في اسقاط صدام حسين، ولكن، بغض النظر عن نرجسية هذا الادعاء، فأن له ما يبرره في تصريحي الوزيرتين.
فهل ستظل الشعوب تدفع الاثمان باهظة من اجل سلامة جلاديها او من اجل الاطاحة بهم من قِبل جلادين آخرين؟
سفيان الخزرجي