الرفيق حسقيل قوجمان
بمناسبة ذكرى ثورة اكتوبر
بمناسبة اقتراب موعد ذكرى ثورة اكتوبر قررت ادارة الحوار المتمدن مع جزيل الشكر اعادة نشر مقال لي حول كون ثورة اكتوبر ثورة اشتراكية نشرت سابقا فكانت اعادة نشره مفاجأة سارة بالنسبة لي.
وقد ارسل لي قارئ عزيز هو الاخ سامر علي تعليقا هاما بالنص التالي:
"تقول ان اكتوبر استلمت مجتمعاً رأسمالياً ببقايا إقطاعية !
سؤالي .. هل أنت متأكد ان علاقات الانتاج في روسيا كانت قد وصلت الرأسمالية فعلاً ؟
عندما تقول رأسمالياً يعني أنك تفترض أن روسيا كانت من حيث التطور تضاهي المانيا وبريطانيا واليابان والولايات المتحدة ! هل هذا كان واقعاً في روسيا القيصرية ؟ أم ان روسيا كانت مغرقة بعلاقات إقطاعية متخلفة لا تساوي الطبقة العاملة الحقيقية فيها 4% من مجموع السكان ؟ هل إنسجمت الطروحات البراغماتية لقادة الثورة مع نهج ماركس ؟ أين ومتى وكيف ؟
حول سؤالك الاول: هل أنت متأكد ان علاقات الانتاج في روسيا كانت قد وصلت الرأسمالية فعلاً ؟
علاقات الانتاج الراسمالية تنشأ في احضان النظام الاقطاعي ولا تنشأ عند انتهاء النظام الاقطاعي. ففي ظل النظام الاقطاعي تنشأ المشاريع الراسمالية المحلية منها والاجنبية وتنشأ معها الطبقة العاملة وتنمو الى ان يحين موعد الثورة البرجوازية. وهذا معروف تاريخيا ليس في روسيا القيصرية وحسب بل في كافة البلدان الراسمالية قبل حدوث ثورتها البرجوازية. وينشأ الصراع بين هذه المؤسسات البرجوازية وبين السلطة الاقطاعية التي تمارس اضطهادها ضدها لمنع تطورها ومنع وصولها الى لحظة الثورة التي تطيح بسلطتها الاقطاعية. هذا يصح على كل الدول الراسمالية الكبيرة والصغيرة القائمة في العالم.
ولست انا او غيري نحتاج الى التأكد من نشوء علاقات الانتاج الراسمالية في روسيا القيصرية لان علينا ان نراجع التاريخ وهذا التاريخ هو الحقيقة الوحيدة. هذا التاريخ ينبغي ان يكون راينا وكل من يغير او يحاول تغيير التاريخ يجب ان يزيف التاريخ. فقد نشأت في روسيا القيصرية مشاريع راسمالية كثيرة اغلبها مشاريع امبريالية غربية بريطانية او فرنسية. والتاريخ يسجل لنا ان الطبقة العاملة الروسية اصبحت طبقة هامة نتيجة لهذه المشاريع الراسمالية منذ سبعينات القرن التاسع عشر بحيث تالفت منظمات للطبقة العاملة منذ السبعينات بقيادة بليخانوف الذي ادخل الماركسية الى روسيا القيصرية عن طريق مؤلفاته الماركسية والمؤلفات التي ترجمها. لذلك فان الجواب على السؤال الاول هو ان علاقات الانتاج الراسمالية لم تنشأ قبيل ثورة اكتوبر وانما منذ سبعينات القرن التاسع عشر واكبر برهان على ذلك ان لينين كتب كتابا كبيرا حول تطور الراسمالية في روسيا القيصرية قبل ثورة اكتوبر الاشتراكية وقبل ثورة شباط الراسمالية.
ننتقل الان الى الفرضية التي افرضتها في العبارة التالية: عندما تقول رأسمالياً يعني أنك تفترض أن روسيا كانت من حيث التطور تضاهي المانيا وبريطانيا واليابان والولايات المتحدة ! هل هذا كان واقعاً في روسيا القيصرية ؟
هذا غير صحيح فانا لا افترض شيئا من هذا القبيل. مثل هذه الفرضية غير صحيحة ليس فقط في روسيا القيصرية بل في العالم كله. ان تطور الدولة الراسمالية يجري بسرع مختلفة بحيث ان الدولة العظمى اليوم قد تصبح دولة اصغر من دول راسمالية اخرى كما حدث مثلا في بريطانيا التي كانت لا تغيب عن علمها الشمس ولكن المانيا التي نشأت في اربعينيات القرن التاسع عشر تفوقت من الناحية الصناعية على بريطانيا قبل الحرب العالمية الاولى وان بريطانيا اصبحت دولة تخضع لسلطة الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. واضافة الى هذه الدول المتطورة راسماليا التي ذكرتها توجد في العالم اقطار راسمالية لا تقاس في تطورها الراسمالي بهذه الدول في اوروبا واسيا وافريقيا واميركا الجنوبية.
ان الذي يقرر ما اذا كانت الدولة راسمالية ام لا هو الطبقة الحاكمة في ذلك البلد. ان ما يحدد كون الدولة راسمالية هو وجود الطبقة الراسمالية في الحكم وليست الطبقة الاقطاعية بصرف النظر عن درجة تطور البلد في الانتاج الراسمالي.
اما قولك "ان روسيا كانت مغرقة بعلاقات إقطاعية متخلفة لا تساوي الطبقة العاملة الحقيقية فيها 4% من مجموع السكان"
انا لا اعرف نسبة الطبقة العاملة الدقيقة في زمن ثورة اكتوبر ولكن القول بان روسيا كانت مغرقة بعلاقات اقطاعية متخلفة فهذا حقيقة تاريخية لا يختلف فيها اثنان. ومع ذلك حدثت في شباط الثورة البرجوازية الروسية وجاءت لفترة قصيرة سلطة مزدوجة، سلطة البرجوازية وسلطة السوفييتات، الى ان تحولت السلطة الى سلطة برجوازية نظرا لتخاذل قيادة السوفييتات امام البرجوازية. ولم ينكر لينين هذه الحقيقة بل اكد عليها بحيث تحدث عن اضعف حلقة في السلسلة الراسمالية وامكانية حدوث الثورة الاشتراكية في كسر اضعف حلقة في هذه السلسلة. وبين ان الثورة الاشتراكية استطاعت في مدة وجيزة ان تنهي هذا التخلف بالقضاء على بقايا الانتاج الاقطاعي ونمط الحياة الاقطاعية انهاء فاق ما استطاعت ان تحققه الثورات البرجوازية في مئات السنين واورد مثلين على ذلك هما ثورة كرومويل البرجوازية في بريطانيا التي لم تحقق التخلص التام من العلاقات الاقطاعية حتى الان والثورة الفرنسية الكبرى.
والان نصل الى سؤالك الختامي: هل إنسجمت الطروحات البراغماتية لقادة الثورة مع نهج ماركس؟ أين ومتى وكيف ؟
قد يكون هذا السؤال اهم اسئلتك لانه موضوع اتخذه نقاد لينين والحزب البلشفي والثورة الاشتراكية بشتى انواعهم واشكالهم وحتى الذين يتخذون الماركسية والثورة حجة في انتقاداتهم.
للاجابة على هذا السؤال نحتاج قبل كل شيء الى ان نتعرف على نهج كارل ماركس في هذا الموضوع. ويؤسفني القول بانني لا استطيع اقتباس نص راي ماركس في هذا الموضوع لاني احتاج الى البحث عنه وهو ما لا استطيعه ولكن انجلز عبر عن ذلك باروع واوضح وابسط صورة في السؤال الخامس والعشرين من كراسه "مبادئ الشيوعية".
"بما ان الشيوعيين لا يستطيعون ان يحسبوا انه سيتاتى لهم خوض المعركة الفاصلة ضد البرجوازية قبل ان تبلغ البرجوازية السيادة، فمن مصلحة الشيوعيين مساعدة البرجوازية على بلوغ السيادة في اسرع وقت ممكن لكي يطيحوا بها بدورهم فيما بعد في اسرع وقت ممكن. "(ماركس اتجلس منخبات، المجلد ١ صفحة ١٠٨ – ١۰٩ )
ليس لدي ما اقتبسه من ماركس في هذا الموضوع ولكني استطيع الافتراض بلا شك ان رايه مماثل لراي انجلز كما هو الحال في كل ارائهما. ومع ذلك من المعروف ان الجريدة التي كان كارل ماركس رئيس تحريرها كانت مؤيدة للثورة البرجوازية الالمانية.
وكان موقف لينين والحزب البلشفي واضحا ومطبقا للمبدأ الذي حدده انجلز في العبارة المقتبسة اعلاه في ثورة ١٩٠٥ الروسية اذ ساهمت الطبقة العاملة في الثورة مع الفلاحين في سوفييتات العمال والفلاحين التي نشأت في هذه الثورة فساندت البرجوازية في ثورتها كما اراد انجلز. ولكن الثورة كانت ثورة فاشلة كما هو معروف تاريخيا.
وفي المؤتمر الثاني للحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي قرر برنامج الحزب ان المرحلة الاولى في روسيا هي الثورة البرجوازية للاطاحة بالنظام القيصري الاقطاعي والمرحلة الثانية هي الثورة الاشتراكية للاطاحة بالنظام الراسمالي وتحقيق الاشتراكية. وهذا البرنامج ينسجم مع نهج ماركس انسجاما تاما.
بعد المؤتمر الثاني كتب لينين كراسه تكتيكان لكي يوضح موقف البلاشفة بالمقارنة مع موقف المنشفيك في موضوع الثورة البرجوازية القادمة. وقد اوضح لينين في هذا الكراس ان الطبقة العاملة في روسيا قد تطورت في وعيها وتنظيمها وسياستها وقوتها بحيث انها لا تكتفي باسناد البرجوازية في ثورتها وانما بالاتحاد مع الفلاحين بامكانها ان تنافس البرجوازية في قيادة الثورة وقيادة الثورة بدلا من الطبقة البرجوازية. وحدد نوع الحكومة التي تتشكل عند نجاح الطبقة العاملة والفلاحين في قيادة الثورة البرجوازية. ولاول مرة سمع العالم عما سماه لينين دكتاتورية العمال والفلاحين الثورية. وبين انه في حالة تحقق مثل هذه الدكتاتورية بامكانها ان تطور الثورة البرجوازية الى الاشتراكية دونما حاجة الى ثورة مسلحة.
وحين اندلعت الثورة البرجوازية الثانية في شباط ١٩١۷ ناضلت الطبقة العاملة بالاتحاد مع الفلاحين في السوفييتات لا لمساندة البرجوازية في الثورة وحسب بل لتطويرها الى سلطة السوفييتات بدلا من السلطة البرجوازية. ونشأت نتيجة الثورة سلطتان متنافستان سلطة البرجوازية وسلطة السوفييتات فيما دعي السلطة المزدوجة لفترة قصيرة بعد الثورة ولكن تخاذل قيادة السوفييتات المنشفية امام البرجوازية ادى الى تحول السلطة نهائيا الى سلطة برجوازية. وطبقا لنهج انجلز اعلن لينين تحول الثورة الى مرحلة الثورة الاشتراكية كما كان مبدأ انجلز بالعمل على الاطاحة بالبرجوازية. وعمل الحزب البلشفي بقيادة لينين على اعداد وقيادة سوفييتات العمال والفلاحين (الجنود) من اجل تحقيق الثورة الاشتراكية طبقا لنهج انجلز. ونجحت الطبقة العاملة بالاتحاد مع الفلاحين وفي ظروف الحرب التي دمرت روسيا بلا مصلحة لها في الحرب وتخاذل الطبقة الحاكمة البرجوازية في تحقيق اهداف ثورتها البرجوازية كالقضاء على علاقات الانتاج الاقطاعية وانهاء الحرب التي كان الشعب الروسي يعاني منها فاعلنت ثورتها الاشتراكية في اكتوبر واطاحت بالحكم البرجوازي وحققت دكتاتورية الطبقة العاملة. وهذا ينطبق تمام الانطباق مع نهج ماركس انجلز.
ان الذين ينتقدون لينين والحزب البلشفي على اعلان الثورة قبل نضوج النظام الراسمالي في روسيا هم جهلة بمعنى الثورة اطلاقا. ان البرجوازية الحاكمة ليست الطبقة التي تقوم بالثورة وانما العمال والفلاحون بقيادة الطبقة العاملة هم الذين يقومون بالثورة والاطاحة بالسلطة البرجوازية. لذلك ان من يعتقد ان على الطبقة العاملة ان تنتظر نضوج الراسمالية لكي تقوم بالثورة على خطأ مبين.
ان ما يحدد نضوج الثورة او عدم نضوجها هو قوة الطبقة العاملة وقوة تحالفها مع الفلاحين واستعدادها للقيام بالثورة وكفاءة قيادتها للقيام بالثورة. وهذا ما تحقق في روسيا الراسمالية بعد ثورة شباط. وكان ضعف البرجوازية الروسية في الحكم وقلة خبرتها في ادارة الحكم ومقاومة الثورية البروليتارية عاملا مساعدا للطبقة العاملة في ثورتها. فهل كان على لينين ان يتريث حين اصبحت الطبقة العاملة مستعدة للقيام بالثورة لكي يمنح البرجوازية الحاكمة فرصة للحصول على النضوج والتقدم وحيازة الخبرة في مقاومة الحركات الثورية. لو فعل لينين ذلك لكانت خيانة كبرى للطبقة العاملة. وامامنا ما هو حاصل في العالم من تطور الراسمالية الى مديات هائلة ولم تحدث بها الثورة لعجز الطبقة العاملة وقيادتها على تحقيق الثورة.
ان تخلف التطور الراسمالي وضعف الطبقة البرجوازية ليس مانعا لقيام الثورة. فالطبقة العاملة الحاصلة على السيادة بامكانها ان تقضي على التخلف الاقتصادي اسرع من البرجوازية. ومعروف تاريخيا ان دكتاتورية البروليتاريا في روسيا استطاعت ان تتقدم وتقضي على التخلف الاقتصادي بسرعة لا تقاس بالسرعة التي تتقدم بها البرجوازية. فقد شاهدت البشرية تاريخيا ان الاتحاد السوفييتي انجز من التقدم في عقدين ما لم تستطع اية دولة راسمالية انجازه في قرنين.
ان سلوك لينين والحزب البلشفي سلوك منسجم تمام الانسجام مع نهج ماركس وانجلز.
بمناسبة اقتراب موعد ذكرى ثورة اكتوبر قررت ادارة الحوار المتمدن مع جزيل الشكر اعادة نشر مقال لي حول كون ثورة اكتوبر ثورة اشتراكية نشرت سابقا فكانت اعادة نشره مفاجأة سارة بالنسبة لي.
وقد ارسل لي قارئ عزيز هو الاخ سامر علي تعليقا هاما بالنص التالي:
"تقول ان اكتوبر استلمت مجتمعاً رأسمالياً ببقايا إقطاعية !
سؤالي .. هل أنت متأكد ان علاقات الانتاج في روسيا كانت قد وصلت الرأسمالية فعلاً ؟
عندما تقول رأسمالياً يعني أنك تفترض أن روسيا كانت من حيث التطور تضاهي المانيا وبريطانيا واليابان والولايات المتحدة ! هل هذا كان واقعاً في روسيا القيصرية ؟ أم ان روسيا كانت مغرقة بعلاقات إقطاعية متخلفة لا تساوي الطبقة العاملة الحقيقية فيها 4% من مجموع السكان ؟ هل إنسجمت الطروحات البراغماتية لقادة الثورة مع نهج ماركس ؟ أين ومتى وكيف ؟
حول سؤالك الاول: هل أنت متأكد ان علاقات الانتاج في روسيا كانت قد وصلت الرأسمالية فعلاً ؟
علاقات الانتاج الراسمالية تنشأ في احضان النظام الاقطاعي ولا تنشأ عند انتهاء النظام الاقطاعي. ففي ظل النظام الاقطاعي تنشأ المشاريع الراسمالية المحلية منها والاجنبية وتنشأ معها الطبقة العاملة وتنمو الى ان يحين موعد الثورة البرجوازية. وهذا معروف تاريخيا ليس في روسيا القيصرية وحسب بل في كافة البلدان الراسمالية قبل حدوث ثورتها البرجوازية. وينشأ الصراع بين هذه المؤسسات البرجوازية وبين السلطة الاقطاعية التي تمارس اضطهادها ضدها لمنع تطورها ومنع وصولها الى لحظة الثورة التي تطيح بسلطتها الاقطاعية. هذا يصح على كل الدول الراسمالية الكبيرة والصغيرة القائمة في العالم.
ولست انا او غيري نحتاج الى التأكد من نشوء علاقات الانتاج الراسمالية في روسيا القيصرية لان علينا ان نراجع التاريخ وهذا التاريخ هو الحقيقة الوحيدة. هذا التاريخ ينبغي ان يكون راينا وكل من يغير او يحاول تغيير التاريخ يجب ان يزيف التاريخ. فقد نشأت في روسيا القيصرية مشاريع راسمالية كثيرة اغلبها مشاريع امبريالية غربية بريطانية او فرنسية. والتاريخ يسجل لنا ان الطبقة العاملة الروسية اصبحت طبقة هامة نتيجة لهذه المشاريع الراسمالية منذ سبعينات القرن التاسع عشر بحيث تالفت منظمات للطبقة العاملة منذ السبعينات بقيادة بليخانوف الذي ادخل الماركسية الى روسيا القيصرية عن طريق مؤلفاته الماركسية والمؤلفات التي ترجمها. لذلك فان الجواب على السؤال الاول هو ان علاقات الانتاج الراسمالية لم تنشأ قبيل ثورة اكتوبر وانما منذ سبعينات القرن التاسع عشر واكبر برهان على ذلك ان لينين كتب كتابا كبيرا حول تطور الراسمالية في روسيا القيصرية قبل ثورة اكتوبر الاشتراكية وقبل ثورة شباط الراسمالية.
ننتقل الان الى الفرضية التي افرضتها في العبارة التالية: عندما تقول رأسمالياً يعني أنك تفترض أن روسيا كانت من حيث التطور تضاهي المانيا وبريطانيا واليابان والولايات المتحدة ! هل هذا كان واقعاً في روسيا القيصرية ؟
هذا غير صحيح فانا لا افترض شيئا من هذا القبيل. مثل هذه الفرضية غير صحيحة ليس فقط في روسيا القيصرية بل في العالم كله. ان تطور الدولة الراسمالية يجري بسرع مختلفة بحيث ان الدولة العظمى اليوم قد تصبح دولة اصغر من دول راسمالية اخرى كما حدث مثلا في بريطانيا التي كانت لا تغيب عن علمها الشمس ولكن المانيا التي نشأت في اربعينيات القرن التاسع عشر تفوقت من الناحية الصناعية على بريطانيا قبل الحرب العالمية الاولى وان بريطانيا اصبحت دولة تخضع لسلطة الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. واضافة الى هذه الدول المتطورة راسماليا التي ذكرتها توجد في العالم اقطار راسمالية لا تقاس في تطورها الراسمالي بهذه الدول في اوروبا واسيا وافريقيا واميركا الجنوبية.
ان الذي يقرر ما اذا كانت الدولة راسمالية ام لا هو الطبقة الحاكمة في ذلك البلد. ان ما يحدد كون الدولة راسمالية هو وجود الطبقة الراسمالية في الحكم وليست الطبقة الاقطاعية بصرف النظر عن درجة تطور البلد في الانتاج الراسمالي.
اما قولك "ان روسيا كانت مغرقة بعلاقات إقطاعية متخلفة لا تساوي الطبقة العاملة الحقيقية فيها 4% من مجموع السكان"
انا لا اعرف نسبة الطبقة العاملة الدقيقة في زمن ثورة اكتوبر ولكن القول بان روسيا كانت مغرقة بعلاقات اقطاعية متخلفة فهذا حقيقة تاريخية لا يختلف فيها اثنان. ومع ذلك حدثت في شباط الثورة البرجوازية الروسية وجاءت لفترة قصيرة سلطة مزدوجة، سلطة البرجوازية وسلطة السوفييتات، الى ان تحولت السلطة الى سلطة برجوازية نظرا لتخاذل قيادة السوفييتات امام البرجوازية. ولم ينكر لينين هذه الحقيقة بل اكد عليها بحيث تحدث عن اضعف حلقة في السلسلة الراسمالية وامكانية حدوث الثورة الاشتراكية في كسر اضعف حلقة في هذه السلسلة. وبين ان الثورة الاشتراكية استطاعت في مدة وجيزة ان تنهي هذا التخلف بالقضاء على بقايا الانتاج الاقطاعي ونمط الحياة الاقطاعية انهاء فاق ما استطاعت ان تحققه الثورات البرجوازية في مئات السنين واورد مثلين على ذلك هما ثورة كرومويل البرجوازية في بريطانيا التي لم تحقق التخلص التام من العلاقات الاقطاعية حتى الان والثورة الفرنسية الكبرى.
والان نصل الى سؤالك الختامي: هل إنسجمت الطروحات البراغماتية لقادة الثورة مع نهج ماركس؟ أين ومتى وكيف ؟
قد يكون هذا السؤال اهم اسئلتك لانه موضوع اتخذه نقاد لينين والحزب البلشفي والثورة الاشتراكية بشتى انواعهم واشكالهم وحتى الذين يتخذون الماركسية والثورة حجة في انتقاداتهم.
للاجابة على هذا السؤال نحتاج قبل كل شيء الى ان نتعرف على نهج كارل ماركس في هذا الموضوع. ويؤسفني القول بانني لا استطيع اقتباس نص راي ماركس في هذا الموضوع لاني احتاج الى البحث عنه وهو ما لا استطيعه ولكن انجلز عبر عن ذلك باروع واوضح وابسط صورة في السؤال الخامس والعشرين من كراسه "مبادئ الشيوعية".
"بما ان الشيوعيين لا يستطيعون ان يحسبوا انه سيتاتى لهم خوض المعركة الفاصلة ضد البرجوازية قبل ان تبلغ البرجوازية السيادة، فمن مصلحة الشيوعيين مساعدة البرجوازية على بلوغ السيادة في اسرع وقت ممكن لكي يطيحوا بها بدورهم فيما بعد في اسرع وقت ممكن. "(ماركس اتجلس منخبات، المجلد ١ صفحة ١٠٨ – ١۰٩ )
ليس لدي ما اقتبسه من ماركس في هذا الموضوع ولكني استطيع الافتراض بلا شك ان رايه مماثل لراي انجلز كما هو الحال في كل ارائهما. ومع ذلك من المعروف ان الجريدة التي كان كارل ماركس رئيس تحريرها كانت مؤيدة للثورة البرجوازية الالمانية.
وكان موقف لينين والحزب البلشفي واضحا ومطبقا للمبدأ الذي حدده انجلز في العبارة المقتبسة اعلاه في ثورة ١٩٠٥ الروسية اذ ساهمت الطبقة العاملة في الثورة مع الفلاحين في سوفييتات العمال والفلاحين التي نشأت في هذه الثورة فساندت البرجوازية في ثورتها كما اراد انجلز. ولكن الثورة كانت ثورة فاشلة كما هو معروف تاريخيا.
وفي المؤتمر الثاني للحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي قرر برنامج الحزب ان المرحلة الاولى في روسيا هي الثورة البرجوازية للاطاحة بالنظام القيصري الاقطاعي والمرحلة الثانية هي الثورة الاشتراكية للاطاحة بالنظام الراسمالي وتحقيق الاشتراكية. وهذا البرنامج ينسجم مع نهج ماركس انسجاما تاما.
بعد المؤتمر الثاني كتب لينين كراسه تكتيكان لكي يوضح موقف البلاشفة بالمقارنة مع موقف المنشفيك في موضوع الثورة البرجوازية القادمة. وقد اوضح لينين في هذا الكراس ان الطبقة العاملة في روسيا قد تطورت في وعيها وتنظيمها وسياستها وقوتها بحيث انها لا تكتفي باسناد البرجوازية في ثورتها وانما بالاتحاد مع الفلاحين بامكانها ان تنافس البرجوازية في قيادة الثورة وقيادة الثورة بدلا من الطبقة البرجوازية. وحدد نوع الحكومة التي تتشكل عند نجاح الطبقة العاملة والفلاحين في قيادة الثورة البرجوازية. ولاول مرة سمع العالم عما سماه لينين دكتاتورية العمال والفلاحين الثورية. وبين انه في حالة تحقق مثل هذه الدكتاتورية بامكانها ان تطور الثورة البرجوازية الى الاشتراكية دونما حاجة الى ثورة مسلحة.
وحين اندلعت الثورة البرجوازية الثانية في شباط ١٩١۷ ناضلت الطبقة العاملة بالاتحاد مع الفلاحين في السوفييتات لا لمساندة البرجوازية في الثورة وحسب بل لتطويرها الى سلطة السوفييتات بدلا من السلطة البرجوازية. ونشأت نتيجة الثورة سلطتان متنافستان سلطة البرجوازية وسلطة السوفييتات فيما دعي السلطة المزدوجة لفترة قصيرة بعد الثورة ولكن تخاذل قيادة السوفييتات المنشفية امام البرجوازية ادى الى تحول السلطة نهائيا الى سلطة برجوازية. وطبقا لنهج انجلز اعلن لينين تحول الثورة الى مرحلة الثورة الاشتراكية كما كان مبدأ انجلز بالعمل على الاطاحة بالبرجوازية. وعمل الحزب البلشفي بقيادة لينين على اعداد وقيادة سوفييتات العمال والفلاحين (الجنود) من اجل تحقيق الثورة الاشتراكية طبقا لنهج انجلز. ونجحت الطبقة العاملة بالاتحاد مع الفلاحين وفي ظروف الحرب التي دمرت روسيا بلا مصلحة لها في الحرب وتخاذل الطبقة الحاكمة البرجوازية في تحقيق اهداف ثورتها البرجوازية كالقضاء على علاقات الانتاج الاقطاعية وانهاء الحرب التي كان الشعب الروسي يعاني منها فاعلنت ثورتها الاشتراكية في اكتوبر واطاحت بالحكم البرجوازي وحققت دكتاتورية الطبقة العاملة. وهذا ينطبق تمام الانطباق مع نهج ماركس انجلز.
ان الذين ينتقدون لينين والحزب البلشفي على اعلان الثورة قبل نضوج النظام الراسمالي في روسيا هم جهلة بمعنى الثورة اطلاقا. ان البرجوازية الحاكمة ليست الطبقة التي تقوم بالثورة وانما العمال والفلاحون بقيادة الطبقة العاملة هم الذين يقومون بالثورة والاطاحة بالسلطة البرجوازية. لذلك ان من يعتقد ان على الطبقة العاملة ان تنتظر نضوج الراسمالية لكي تقوم بالثورة على خطأ مبين.
ان ما يحدد نضوج الثورة او عدم نضوجها هو قوة الطبقة العاملة وقوة تحالفها مع الفلاحين واستعدادها للقيام بالثورة وكفاءة قيادتها للقيام بالثورة. وهذا ما تحقق في روسيا الراسمالية بعد ثورة شباط. وكان ضعف البرجوازية الروسية في الحكم وقلة خبرتها في ادارة الحكم ومقاومة الثورية البروليتارية عاملا مساعدا للطبقة العاملة في ثورتها. فهل كان على لينين ان يتريث حين اصبحت الطبقة العاملة مستعدة للقيام بالثورة لكي يمنح البرجوازية الحاكمة فرصة للحصول على النضوج والتقدم وحيازة الخبرة في مقاومة الحركات الثورية. لو فعل لينين ذلك لكانت خيانة كبرى للطبقة العاملة. وامامنا ما هو حاصل في العالم من تطور الراسمالية الى مديات هائلة ولم تحدث بها الثورة لعجز الطبقة العاملة وقيادتها على تحقيق الثورة.
ان تخلف التطور الراسمالي وضعف الطبقة البرجوازية ليس مانعا لقيام الثورة. فالطبقة العاملة الحاصلة على السيادة بامكانها ان تقضي على التخلف الاقتصادي اسرع من البرجوازية. ومعروف تاريخيا ان دكتاتورية البروليتاريا في روسيا استطاعت ان تتقدم وتقضي على التخلف الاقتصادي بسرعة لا تقاس بالسرعة التي تتقدم بها البرجوازية. فقد شاهدت البشرية تاريخيا ان الاتحاد السوفييتي انجز من التقدم في عقدين ما لم تستطع اية دولة راسمالية انجازه في قرنين.
ان سلوك لينين والحزب البلشفي سلوك منسجم تمام الانسجام مع نهج ماركس وانجلز.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق