الرفيق حسقيل قوجمان
قرات في الحوار المتمدن بعض المقالات التي تناقش مقال يعقوب ابراهامي المعنون "خرافة الاشتراكية العلمية". ولا اعرف كيف خرف يعقوب ابراهامي واعتبر الاشتراكية العلمية خرافة. فهو يعرف ان الاشتراكية العلمية اسم مرادف للماركسية وهو يعتبر نفسه ماركسيا وهذا يعني انه يعتنق خرافة. لا اناقش في هذا المقال خرافة او عدم خرافة الاشتراكية العلمية اي الماركسية لانه نقاش سخيف وانما اناقش بعض الابهام الذي ورد في الردود على مقاله.
اشعر ان هناك بعض الابهام في فهم الفرق بين مصطلحين، مصطلح الاشتراكية العلمية ومصطلح الاشتراكية. فمصطلح الاشتراكية العلمية يختلف عن مصطلح الاشتراكية اختلافا جوهريا. وهناك في الكتابة عنهما في هذه الردود خلط بين المصطلحين مما يؤدي الى بعض الغموض والابهام.
من المعروف ان الكتاب عن الماركسية، الاشتراكية العلمية، يعتبرون انها تتألف من ثلاثة اركان، المادية الديالكتيكية والاقتصاد السياسي والاشتراكية. وهذا يعني ان الاشتراكية ركن من اركان الاشتراكية العلمية. الاشتراكية العلمية نظرية، النظرية الماركسية، الاسم الذي اطلقه انجلز على الاشتراكية العلمية. والنظريات هي افكار انسانية يمكن ان تكون علمية وغير علمية. يمكن ان تكون مثالية، طوباوية، وحتى نازية بل حتى خرافية وما اكثر الخرافات في تاريخ الفكر الانساني. ولكن ماركس وانجلز اعتبرا الماركسية، الاشتراكية العلمية، نظرية علمية وعلى هذا الاساس اطلقا عليها اسم الاشتراكية العلمية قبل ان يطلق عليها انجلز اسم الماركسية تخليدا لاسم العالم الذي اكتشفها. وتركت ليعقوب ابراهامي العنان لضرب اخماس باسداس بهذا الصدد. فتارة يعلن انه لم يسمع بمصطلح الاشتراكية العلمية وتارة يعلن ان ماركس لم يطلق على نظريته اي اسم وتارة ان ماركس لم يذكر الاشتراكية العلمية في كل مؤلفاته والان يعتبر الاشتراكية العلمية خرافة ولا ادري الى اين سيصل في تفسيراته وتقديراته للاشتراكية العلمية بدون ان يفكر ولو مرة في البحث عن اصل الاشتراكية العلمية ومتى اطلق عليها ماركس اسم الاشتراكية العلمية ولماذا.
انا لم اجب يعقوب ابراهامي على تساؤلاته حول هذا الموضوع حيث يطلب من غيره ان يبحث عن المصدر والكتاب والصفحة وكل التفاصيل بدون ان يفكر هو بان يتوصل الى قراراته بعد البحث بنفسه عن ذلك. فهو يتخذ قراراته كانه قرأ كل حرف من حروف كتابات ماركس ولو انه بتواضعه المألوف يعترف بانه لم يقرأ جميع مؤلفات كارل ماركس وكأن هناك الكثير ممن قرأوا كل مؤلفات كارل ماركس. لم اجب يعقوب ابراهامي على ذلك لاني قرات عن ذلك سنة ١٩٥١ في سجن نقرة السلمان وليس لدي المصدر اليوم لكي اشير الى موضعه وتفاصيله والصفحة والسطر. والحقيقة على ما اتذكر هي ان ماركس وانجلز وضعا اسم الاشتراكية العلمية على نظريتهما او ناقشاها في احد اوائل الاعمال المشتركة بينهما، في كتاب الايديولوجيا الالمانية الذي كتباه قبل البيان الشيوعي والذي لم يشأ يعقوب قراءته في ذلك الحين. هناك يشرحان لماذا اطلقا على نظريتهما اسم الاشتراكية العلمية تمييزا لها عن النظريات الاشتراكية الكثيرة التي انتشرت في ايامهما خصوصا في المانيا مع مناقشة العديد من تلك الاشتراكيات.
الاشتراكية العلمية هي الماركسية كما نعرفها الان والتي تتألف من اركانها المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية والاقتصاد السياسي والاشتراكية. وليس موضوع هذا المقال شرح الماركسية، الاشتراكية العلمية، وانما موضوع هذا المقال هو شرح الفرق بين مصطلح الاشتراكية العلمية ومصطلح الاشتراكية. لا اجد حاجة الى مناقشة الاشتراكية العلمية باعتبارها النظرية الماركسية. فالاشتراكية العلمية اي الماركسية نظرية لها اركانها ويحق لكل انسان ان يحدد موقفه منها فيعتبرها علما او يعتبر انها ليست علما بل حتى ان يعتبرها خرافة. ولا يمكن تعداد الاراء التي نشأت حول النظرية الماركسية، الاشتراكية العلمية، منذ ظهورها حتى اليوم والتي ما زالت تنشا نظرا للحاجة الى دحضها وتفنيدها وحتى الى اعتبارها خرافة طالما بقيت في الوجود طبقات اجتماعية تتناقض مصالحها وهذه النظرية.
اقصد في هذا المقال ان اناقش مصطلح الاشتراكية الذي يشكل احد اركان الماركسية، الاشتراكية العلمية، الثلاثة. فمصطلح الاشتراكية يختلف عن مصطلح الاشتراكية العلمية. الاشتراكية العلمية هي نظرية كما راينا ولكن الاشتراكية ليست نظرية. الاشتراكية نظام اجتماعي سياسي اقتصادي فكري اخلاقي وكل خصائص المجتمعات البشرية المختلفة.
الاشتراكية نظام اجتماعي اهم خصائصه هو ان تصبح فيه الطبقة العاملة طبقة حاكمة بعد الاطاحة بالطبقة الراسمالية بثورتها الاشتراكية. نظام اجتماعي يحول الملكية الخاصة لوسائل الانتاج والانتاج الى ملكية عامة للمجتمع. ويمكننا ان نطلع على خصائص الاشتراكية، النظام الاشتراكي، بتتبع خصائص المجتمع الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي حتى وفاة ستالين.
النظام الاشتراكي هو المرحلة الاولى من المجتمع الشيوعي، هدف الانسانية. والنظام الاشتراكي يختلف عن النظام الشيوعي، المرحلة الثانية من مراحل المجتمع الشيوعي. وقد شرح كارل ماركس معالم النظام الاشتراكي نظريا في نقد برنامج غوتا شرحا رائعا وطبقه الحزب البولشفي تطبيقا يمكن اعتباره تحقيقا للمجتمع الاشتراكي الذي جاء وصفه في هذا النقد.
لماذا انقسم المجتمع الشيوعي الى مرحلتين، المرحلة الاشتراكية والمرحلة الشيوعية؟ الانقسام الى هاتين المرحلتين جاء بسبب الاختلاف بينهما. ثمة اختلافات جوهرية بين المرحلة الاولى من الشيوعية والمرحلة الثانية من الشيوعية. وبينما يمكن تسمية النظريات الاشتراكية اشتراكية علمية او اشتراكية لا علمية، لا يمكن تسمية النظام الاشتراكي اشتراكية علمية او لا علمية. النظام الاشتراكي نظام اجتماعي وليس في الوجود نظام علمي او نظام لا علمي. الحال كما هو الحال في كافة الانظمة الطبقية، فلا يمكننا ان نميز الراسمالية مثلا الى راسمالية علمية وراسمالية لا علمية ويصدق ذلك على النظام الاجتماعي الاشتراكي.
ما هو الفرق بين المرحلة الاولى من الشيوعية، المرحلة الاشتراكية، والمرحلة الثانية، المرحلة الشيوعية؟ يمكن تلخيص ذلك بعبارة بسيطة واحدة هي ان في المرحلة الاولى، المرحلة الاشتراكية، توجد بالضرورة بقايا من المجتمع الراسمالي الذي نشأت منه. اما في المرحلة الثانية، المرحلة الشيوعية، فلا تبقى اية بقايا باي شكل من الاشكال من النظام الراسمالي الذي نشأت الاشتراكية منه.
ان النظام الاجتماعي الاشتراكي، المجتمع الاشتراكي، لم ينزل جاهزا من السماء بل نشأ من نظام راسمالي متطور. لذلك يكون الحكم الاشتراكي في بدايته مجتمعا راسماليا بكل صفاته وعلى الحكومة الاشتراكية، حكومة الطبقة العاملة، ان تحوله تدريجيا الى مجتمع اشتراكي لانها لا تستطيع بقدرة ساحر ان تحوله الى مجتمع اشتراكي على الفور.
اهم صفة من صفات المجتمع الاشتراكي التي يرثها من المجتمع الراسمالي هي الدولة. فالمجتمع الاشتراكي سواء في بدايته فور تحرره من النظام الراسمالي ام بعد تطوره تطورا كاملا هو مجتمع طبقي. هو مجتمع تحولت فيه الطبقة العاملة المحكومة من قبل الطبقة الراسمالية الى طبقة حاكمة اطاحت بالحكومة الراسمالية. المجتمع الاشتراكي مجتمع طبقي لانه يضم طبقات ومراتب اشتراكية مختلفة، العمال والفلاحين والمثقفين والعلماء وغيرهم. ولكنه كذلك مجتمع طبقي نظرا لوجود بقايا من الطبقة الراسمالية. فالطبقة الراسمالية زالت باعتبارها سلطة ولكن بقيت باشخاصها وصراعاتها تهدد النظام الاشتراكي طيلة المرحلة الاشتراكية وبقيت عناصر حتى في قيادة الحزب الشيوعي تريد اعادتها كطبقة حاكمة. فالصراع الطبقي ما زال محتدما بين الطبقتين، الطبقة العاملة الحاكمة تعمل على تحطيم كل محاولات الطبقة الراسمالية لاستعادة سيطرتها وتناضل الطبقة الراسمالية ببقاياها وعملائها الى استعادة نظامها الراسمالي الذي فقدته. ان الاشتراكية نقض للنظام الراسمالي ولا تنتهي الا عند تحقيق نقض النقض، نقض الاشتراكية، وتحقيق الشيوعية. فالشيوعية بخلاف الاشتراكية نظام لا طبقي.
ان وجود هذا الصراع الطبقي يحتم على الاشتراكية اقتباس الدولة من النظم السابقة. الدولة في المرحلة الاشتراكية ضرورة حتمية لا يمكن للنظام الاشتراكي ان يحتفظ بنظامه الاجتماعي الجديد بدونها، وشكلها هو دكتاتورية البروليتاريا التي تشكل اشد انواع الدكتاتورية ضد بقايا المجتمع الراسمالي بكل اشكالها وتحقيق اوسع اشكال الديمقراطية للطبقة العاملة والكادحين. ولدى انتهاء هذا الصراع يجري نقض الاشتراكية الى الشيوعية حيث لا يبقى المجتمع مجتمعا طبقيا ولذلك لا تبقى حاجة الى الدولة. وقد بين ستالين انه حتى في حالة بلوغ المجتمع الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي الى التحول الى مرحلة المجتمع الشيوعي مع بقاء احاطة راسمالية فحينئد تبقى الدولة لمهمة الدفاع عن المجتمع الشيوعي وليس كاداة للصراع الطبقي.
احد الاختلافات بين المجتمع الاشتراكي والمجتمع الشيوعي هو وجود نقص في المواد الاستهلاكية. فليس في المجتمع الاشتراكي الناضج التطور من المواد الاستهلاكية ما يؤهله بان يقدم منها لكل انسان حسب حاجته. ومن صفات المجتمع الشيوعي وجود هذه المواد بما يكفي لحصول كل انسان في المجتمع على ما يحتاجه منها اضافة الى كل الحاجات الاخرى. ووجود هذا النقص يحتم على المجتمع الاشتراكي ان يجد طريقة اخرى لتوزيع المواد الاستهلاكية فلم يجد خيرا من شكل الاجور يرثها من المجتمع الراسمالي. ولكن الاجور في النظام الاشتراكي تتشابه مع نظام الاجور في النظام الراسمالي شكليا فقط اذ في المجتمع الاشتراكي لا تعني الاجور سوى طريقة لتوزيع المواد الاستهلاكية التي لا توجد بكميات كافية لاعطاء كل فرد ما يحتاجه منها. ووجد قادة بناء المجتمع الاشتراكي ان خير وسيلة لتنظيم توزيع المواد الاستهلاكية هي اتخاذ العمل مقياسا للتوزيع اي "من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله". وهذا كما نعلم شعار الاشتراكية.
وتحقيق التحول من مرحلة الاشتراكية الى المرحلة الشيوعية يتضمن اشياء اخرى كثيرة لا يمكن في مقال كهذا تفصيلها مثل انهاء بقايا الانتاج السلعي وما يرافقه من استخدام النقود الذي يرثه النظام الاشتراكي من النظام الراسمالي. وتحقيق انهاء التناقض بين العمل الزراعي والعمل الصناعي وبين الفرق بين العمل الفكري والعمل الجسمي واهم من كلها القضاء على النفسيات البتي برجوازية التي يعاني منها كل افراد المجتمع بصرف النظر عن تكوينهم الطبقي. كل ذلك يجب ان يتحقق من اجل تحقيق نقض النقض، نقض النظام الاشتراكي الذي كان بدوره نقضا للمجتمع الراسمالي.
بحث ستالين في اخر مؤلفاته المعروفة جميع هذه الامور وغيرها الكثير وانا اعتبر هذا الكراس العظيم، كراس المشاكل الاقتصادية للنظام الاشتراكي، اعظم وثيقة ماركسية صدرت بعد الحرب العالمية الثانية. قرأت هذا الكراس مرات عديدة وترجمته الى العربية قبل ان يعلمني يعقوب ابراهامي الترجمة. ولكي استوعبه كنت اكتب ملاحظات لكي اشرح لنفسي فيها هذه القوانين الكثيرة والمواضيع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية وشروط تحول المجتمع الاشتراكي السوفييتي القائم الى مجتمع شيوعي وجمعت هذه الشروح في كراس بعنوان Stalin as I understood him لدي نسخ منه ارسل نسخة لكل قارئ يرغب في قراءته على ان يتحمل اجور البريد.
بما ان الاشتراكية العلمية، الماركسية، نظرية فان النقاش حولها بدوره يجب ان يتخذ طابعا نظريا. هل هناك قوانين طبيعية؟ هل تسري القوانين الديالكتيكية على الطبيعة كما تسري على المجتمع؟ هل هناك قوانين ديالكتيكية الخ... الى لا نهاية.
وتجري مناقشة الاشتراكية، النظام الاجتماعي الاشتراكي، مناقشة واقعية غير نظرية. هل ثورة اكتوبر ثورة اشتراكية ام ليست ثورة اشتراكية؟ هل تحقق في الاتحاد السوفييتي مجتع اشتراكي ام لم يتحقق؟ هل الدولة ضرورية في الاشتراكية ام يجب الغاؤها منذ البداية؟ هل يجب ابقاء نظام الاجور ام هو استغلال قوة عمل العمال كما هو الحال في النظام الراسمالي؟ هل ينبغي التركيز على الصناعة الثقيلة كما جرى في الاتحاد السوفييتي ام كان ذلك من اخطاء ستالين؟ هل كان من الضروري ابقاء المصانع غير المربحة ام لا؟ هل تحقق النظام الاشتراكي في غير الاتحاد السوفييتي كالصين وكوريا وفيتنام ودول اوروبا الشرقية وحاليا في كوبا وفينزويلا الخ الخ...
نرى من كل ما تقدم اعلاه ان مصطلح الاشتراكية العلمية كنظرية ومصطلح الاشتراكية كنظام اجتماعي يختلفان اختلافا جوهريا تاما وان الخلط بينهما يؤدي الى اخطاء في التحليل ظهرت واضحة في التعليقات على مقال يعقوب حول خرافة الاشتراكية العلمية.
قرات في الحوار المتمدن بعض المقالات التي تناقش مقال يعقوب ابراهامي المعنون "خرافة الاشتراكية العلمية". ولا اعرف كيف خرف يعقوب ابراهامي واعتبر الاشتراكية العلمية خرافة. فهو يعرف ان الاشتراكية العلمية اسم مرادف للماركسية وهو يعتبر نفسه ماركسيا وهذا يعني انه يعتنق خرافة. لا اناقش في هذا المقال خرافة او عدم خرافة الاشتراكية العلمية اي الماركسية لانه نقاش سخيف وانما اناقش بعض الابهام الذي ورد في الردود على مقاله.
اشعر ان هناك بعض الابهام في فهم الفرق بين مصطلحين، مصطلح الاشتراكية العلمية ومصطلح الاشتراكية. فمصطلح الاشتراكية العلمية يختلف عن مصطلح الاشتراكية اختلافا جوهريا. وهناك في الكتابة عنهما في هذه الردود خلط بين المصطلحين مما يؤدي الى بعض الغموض والابهام.
من المعروف ان الكتاب عن الماركسية، الاشتراكية العلمية، يعتبرون انها تتألف من ثلاثة اركان، المادية الديالكتيكية والاقتصاد السياسي والاشتراكية. وهذا يعني ان الاشتراكية ركن من اركان الاشتراكية العلمية. الاشتراكية العلمية نظرية، النظرية الماركسية، الاسم الذي اطلقه انجلز على الاشتراكية العلمية. والنظريات هي افكار انسانية يمكن ان تكون علمية وغير علمية. يمكن ان تكون مثالية، طوباوية، وحتى نازية بل حتى خرافية وما اكثر الخرافات في تاريخ الفكر الانساني. ولكن ماركس وانجلز اعتبرا الماركسية، الاشتراكية العلمية، نظرية علمية وعلى هذا الاساس اطلقا عليها اسم الاشتراكية العلمية قبل ان يطلق عليها انجلز اسم الماركسية تخليدا لاسم العالم الذي اكتشفها. وتركت ليعقوب ابراهامي العنان لضرب اخماس باسداس بهذا الصدد. فتارة يعلن انه لم يسمع بمصطلح الاشتراكية العلمية وتارة يعلن ان ماركس لم يطلق على نظريته اي اسم وتارة ان ماركس لم يذكر الاشتراكية العلمية في كل مؤلفاته والان يعتبر الاشتراكية العلمية خرافة ولا ادري الى اين سيصل في تفسيراته وتقديراته للاشتراكية العلمية بدون ان يفكر ولو مرة في البحث عن اصل الاشتراكية العلمية ومتى اطلق عليها ماركس اسم الاشتراكية العلمية ولماذا.
انا لم اجب يعقوب ابراهامي على تساؤلاته حول هذا الموضوع حيث يطلب من غيره ان يبحث عن المصدر والكتاب والصفحة وكل التفاصيل بدون ان يفكر هو بان يتوصل الى قراراته بعد البحث بنفسه عن ذلك. فهو يتخذ قراراته كانه قرأ كل حرف من حروف كتابات ماركس ولو انه بتواضعه المألوف يعترف بانه لم يقرأ جميع مؤلفات كارل ماركس وكأن هناك الكثير ممن قرأوا كل مؤلفات كارل ماركس. لم اجب يعقوب ابراهامي على ذلك لاني قرات عن ذلك سنة ١٩٥١ في سجن نقرة السلمان وليس لدي المصدر اليوم لكي اشير الى موضعه وتفاصيله والصفحة والسطر. والحقيقة على ما اتذكر هي ان ماركس وانجلز وضعا اسم الاشتراكية العلمية على نظريتهما او ناقشاها في احد اوائل الاعمال المشتركة بينهما، في كتاب الايديولوجيا الالمانية الذي كتباه قبل البيان الشيوعي والذي لم يشأ يعقوب قراءته في ذلك الحين. هناك يشرحان لماذا اطلقا على نظريتهما اسم الاشتراكية العلمية تمييزا لها عن النظريات الاشتراكية الكثيرة التي انتشرت في ايامهما خصوصا في المانيا مع مناقشة العديد من تلك الاشتراكيات.
الاشتراكية العلمية هي الماركسية كما نعرفها الان والتي تتألف من اركانها المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية والاقتصاد السياسي والاشتراكية. وليس موضوع هذا المقال شرح الماركسية، الاشتراكية العلمية، وانما موضوع هذا المقال هو شرح الفرق بين مصطلح الاشتراكية العلمية ومصطلح الاشتراكية. لا اجد حاجة الى مناقشة الاشتراكية العلمية باعتبارها النظرية الماركسية. فالاشتراكية العلمية اي الماركسية نظرية لها اركانها ويحق لكل انسان ان يحدد موقفه منها فيعتبرها علما او يعتبر انها ليست علما بل حتى ان يعتبرها خرافة. ولا يمكن تعداد الاراء التي نشأت حول النظرية الماركسية، الاشتراكية العلمية، منذ ظهورها حتى اليوم والتي ما زالت تنشا نظرا للحاجة الى دحضها وتفنيدها وحتى الى اعتبارها خرافة طالما بقيت في الوجود طبقات اجتماعية تتناقض مصالحها وهذه النظرية.
اقصد في هذا المقال ان اناقش مصطلح الاشتراكية الذي يشكل احد اركان الماركسية، الاشتراكية العلمية، الثلاثة. فمصطلح الاشتراكية يختلف عن مصطلح الاشتراكية العلمية. الاشتراكية العلمية هي نظرية كما راينا ولكن الاشتراكية ليست نظرية. الاشتراكية نظام اجتماعي سياسي اقتصادي فكري اخلاقي وكل خصائص المجتمعات البشرية المختلفة.
الاشتراكية نظام اجتماعي اهم خصائصه هو ان تصبح فيه الطبقة العاملة طبقة حاكمة بعد الاطاحة بالطبقة الراسمالية بثورتها الاشتراكية. نظام اجتماعي يحول الملكية الخاصة لوسائل الانتاج والانتاج الى ملكية عامة للمجتمع. ويمكننا ان نطلع على خصائص الاشتراكية، النظام الاشتراكي، بتتبع خصائص المجتمع الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي حتى وفاة ستالين.
النظام الاشتراكي هو المرحلة الاولى من المجتمع الشيوعي، هدف الانسانية. والنظام الاشتراكي يختلف عن النظام الشيوعي، المرحلة الثانية من مراحل المجتمع الشيوعي. وقد شرح كارل ماركس معالم النظام الاشتراكي نظريا في نقد برنامج غوتا شرحا رائعا وطبقه الحزب البولشفي تطبيقا يمكن اعتباره تحقيقا للمجتمع الاشتراكي الذي جاء وصفه في هذا النقد.
لماذا انقسم المجتمع الشيوعي الى مرحلتين، المرحلة الاشتراكية والمرحلة الشيوعية؟ الانقسام الى هاتين المرحلتين جاء بسبب الاختلاف بينهما. ثمة اختلافات جوهرية بين المرحلة الاولى من الشيوعية والمرحلة الثانية من الشيوعية. وبينما يمكن تسمية النظريات الاشتراكية اشتراكية علمية او اشتراكية لا علمية، لا يمكن تسمية النظام الاشتراكي اشتراكية علمية او لا علمية. النظام الاشتراكي نظام اجتماعي وليس في الوجود نظام علمي او نظام لا علمي. الحال كما هو الحال في كافة الانظمة الطبقية، فلا يمكننا ان نميز الراسمالية مثلا الى راسمالية علمية وراسمالية لا علمية ويصدق ذلك على النظام الاجتماعي الاشتراكي.
ما هو الفرق بين المرحلة الاولى من الشيوعية، المرحلة الاشتراكية، والمرحلة الثانية، المرحلة الشيوعية؟ يمكن تلخيص ذلك بعبارة بسيطة واحدة هي ان في المرحلة الاولى، المرحلة الاشتراكية، توجد بالضرورة بقايا من المجتمع الراسمالي الذي نشأت منه. اما في المرحلة الثانية، المرحلة الشيوعية، فلا تبقى اية بقايا باي شكل من الاشكال من النظام الراسمالي الذي نشأت الاشتراكية منه.
ان النظام الاجتماعي الاشتراكي، المجتمع الاشتراكي، لم ينزل جاهزا من السماء بل نشأ من نظام راسمالي متطور. لذلك يكون الحكم الاشتراكي في بدايته مجتمعا راسماليا بكل صفاته وعلى الحكومة الاشتراكية، حكومة الطبقة العاملة، ان تحوله تدريجيا الى مجتمع اشتراكي لانها لا تستطيع بقدرة ساحر ان تحوله الى مجتمع اشتراكي على الفور.
اهم صفة من صفات المجتمع الاشتراكي التي يرثها من المجتمع الراسمالي هي الدولة. فالمجتمع الاشتراكي سواء في بدايته فور تحرره من النظام الراسمالي ام بعد تطوره تطورا كاملا هو مجتمع طبقي. هو مجتمع تحولت فيه الطبقة العاملة المحكومة من قبل الطبقة الراسمالية الى طبقة حاكمة اطاحت بالحكومة الراسمالية. المجتمع الاشتراكي مجتمع طبقي لانه يضم طبقات ومراتب اشتراكية مختلفة، العمال والفلاحين والمثقفين والعلماء وغيرهم. ولكنه كذلك مجتمع طبقي نظرا لوجود بقايا من الطبقة الراسمالية. فالطبقة الراسمالية زالت باعتبارها سلطة ولكن بقيت باشخاصها وصراعاتها تهدد النظام الاشتراكي طيلة المرحلة الاشتراكية وبقيت عناصر حتى في قيادة الحزب الشيوعي تريد اعادتها كطبقة حاكمة. فالصراع الطبقي ما زال محتدما بين الطبقتين، الطبقة العاملة الحاكمة تعمل على تحطيم كل محاولات الطبقة الراسمالية لاستعادة سيطرتها وتناضل الطبقة الراسمالية ببقاياها وعملائها الى استعادة نظامها الراسمالي الذي فقدته. ان الاشتراكية نقض للنظام الراسمالي ولا تنتهي الا عند تحقيق نقض النقض، نقض الاشتراكية، وتحقيق الشيوعية. فالشيوعية بخلاف الاشتراكية نظام لا طبقي.
ان وجود هذا الصراع الطبقي يحتم على الاشتراكية اقتباس الدولة من النظم السابقة. الدولة في المرحلة الاشتراكية ضرورة حتمية لا يمكن للنظام الاشتراكي ان يحتفظ بنظامه الاجتماعي الجديد بدونها، وشكلها هو دكتاتورية البروليتاريا التي تشكل اشد انواع الدكتاتورية ضد بقايا المجتمع الراسمالي بكل اشكالها وتحقيق اوسع اشكال الديمقراطية للطبقة العاملة والكادحين. ولدى انتهاء هذا الصراع يجري نقض الاشتراكية الى الشيوعية حيث لا يبقى المجتمع مجتمعا طبقيا ولذلك لا تبقى حاجة الى الدولة. وقد بين ستالين انه حتى في حالة بلوغ المجتمع الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي الى التحول الى مرحلة المجتمع الشيوعي مع بقاء احاطة راسمالية فحينئد تبقى الدولة لمهمة الدفاع عن المجتمع الشيوعي وليس كاداة للصراع الطبقي.
احد الاختلافات بين المجتمع الاشتراكي والمجتمع الشيوعي هو وجود نقص في المواد الاستهلاكية. فليس في المجتمع الاشتراكي الناضج التطور من المواد الاستهلاكية ما يؤهله بان يقدم منها لكل انسان حسب حاجته. ومن صفات المجتمع الشيوعي وجود هذه المواد بما يكفي لحصول كل انسان في المجتمع على ما يحتاجه منها اضافة الى كل الحاجات الاخرى. ووجود هذا النقص يحتم على المجتمع الاشتراكي ان يجد طريقة اخرى لتوزيع المواد الاستهلاكية فلم يجد خيرا من شكل الاجور يرثها من المجتمع الراسمالي. ولكن الاجور في النظام الاشتراكي تتشابه مع نظام الاجور في النظام الراسمالي شكليا فقط اذ في المجتمع الاشتراكي لا تعني الاجور سوى طريقة لتوزيع المواد الاستهلاكية التي لا توجد بكميات كافية لاعطاء كل فرد ما يحتاجه منها. ووجد قادة بناء المجتمع الاشتراكي ان خير وسيلة لتنظيم توزيع المواد الاستهلاكية هي اتخاذ العمل مقياسا للتوزيع اي "من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله". وهذا كما نعلم شعار الاشتراكية.
وتحقيق التحول من مرحلة الاشتراكية الى المرحلة الشيوعية يتضمن اشياء اخرى كثيرة لا يمكن في مقال كهذا تفصيلها مثل انهاء بقايا الانتاج السلعي وما يرافقه من استخدام النقود الذي يرثه النظام الاشتراكي من النظام الراسمالي. وتحقيق انهاء التناقض بين العمل الزراعي والعمل الصناعي وبين الفرق بين العمل الفكري والعمل الجسمي واهم من كلها القضاء على النفسيات البتي برجوازية التي يعاني منها كل افراد المجتمع بصرف النظر عن تكوينهم الطبقي. كل ذلك يجب ان يتحقق من اجل تحقيق نقض النقض، نقض النظام الاشتراكي الذي كان بدوره نقضا للمجتمع الراسمالي.
بحث ستالين في اخر مؤلفاته المعروفة جميع هذه الامور وغيرها الكثير وانا اعتبر هذا الكراس العظيم، كراس المشاكل الاقتصادية للنظام الاشتراكي، اعظم وثيقة ماركسية صدرت بعد الحرب العالمية الثانية. قرأت هذا الكراس مرات عديدة وترجمته الى العربية قبل ان يعلمني يعقوب ابراهامي الترجمة. ولكي استوعبه كنت اكتب ملاحظات لكي اشرح لنفسي فيها هذه القوانين الكثيرة والمواضيع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية وشروط تحول المجتمع الاشتراكي السوفييتي القائم الى مجتمع شيوعي وجمعت هذه الشروح في كراس بعنوان Stalin as I understood him لدي نسخ منه ارسل نسخة لكل قارئ يرغب في قراءته على ان يتحمل اجور البريد.
بما ان الاشتراكية العلمية، الماركسية، نظرية فان النقاش حولها بدوره يجب ان يتخذ طابعا نظريا. هل هناك قوانين طبيعية؟ هل تسري القوانين الديالكتيكية على الطبيعة كما تسري على المجتمع؟ هل هناك قوانين ديالكتيكية الخ... الى لا نهاية.
وتجري مناقشة الاشتراكية، النظام الاجتماعي الاشتراكي، مناقشة واقعية غير نظرية. هل ثورة اكتوبر ثورة اشتراكية ام ليست ثورة اشتراكية؟ هل تحقق في الاتحاد السوفييتي مجتع اشتراكي ام لم يتحقق؟ هل الدولة ضرورية في الاشتراكية ام يجب الغاؤها منذ البداية؟ هل يجب ابقاء نظام الاجور ام هو استغلال قوة عمل العمال كما هو الحال في النظام الراسمالي؟ هل ينبغي التركيز على الصناعة الثقيلة كما جرى في الاتحاد السوفييتي ام كان ذلك من اخطاء ستالين؟ هل كان من الضروري ابقاء المصانع غير المربحة ام لا؟ هل تحقق النظام الاشتراكي في غير الاتحاد السوفييتي كالصين وكوريا وفيتنام ودول اوروبا الشرقية وحاليا في كوبا وفينزويلا الخ الخ...
نرى من كل ما تقدم اعلاه ان مصطلح الاشتراكية العلمية كنظرية ومصطلح الاشتراكية كنظام اجتماعي يختلفان اختلافا جوهريا تاما وان الخلط بينهما يؤدي الى اخطاء في التحليل ظهرت واضحة في التعليقات على مقال يعقوب حول خرافة الاشتراكية العلمية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق