الرفيق فواد النمري
تسأل الصهاينة من اليهود عن عدوهم الأول فيجيبونك دون تردد إنه " ستالين " ؛ فتأخذ بك الدهشة ولماذا ستالين وليس العرب، حيث بدأ الصهاينة تاريخهم بحرب ضد العرب وسينتهي دون شك بحرب ضد العرب، فلماذا ستالين إذاً !؟ يعلم الصهاينة علم اليقين أن الإمبريالية الدولية ما جاءت بهم إلى فلسطين إلا للعمل ضد الثورة العالمية، ثورة الاشتراكية والتحرر الوطني التي أسس لها لينين وقادها ستالين حتى باتت، مع إقامة دولة إسرائل عام 48 وإنشاء حلف شمال الأطلسي عام 49 ، تدق أبواب مراكز الإمبريالية العالمية وأولها البوابة الأميركية. وما لا يُنسى في هذا السياق هو تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي أرييل شارون بعد إقترافه مجزرة صبرا وشاتيلا في لبنان عام 82 واستدعائه للقدس لمساءلته عن جريمته تلك التي أثارت استنكار العالم؛ سأله أحد الصحفيين أثناء عودته عن تهديد الرئيس الأميركي بوقف المساعدات لإسرائيل استنكاراً للمجزرة، فكان جوابه القاطع واضحاً كل الوضوح وهو .. " أن الدماء التي بذلها اليهود في حروب إسرائيل ضد العرب نيابة عن الولايات المتحدة هي أغلى من كل دولارات أميركا " ـ كان غزو إسرائيل للبنان في 4 يونيو 82 للقضاء على منظمة التحرير الفلسطينية وبموافقة حافظ الأسد، كان فعلاً حرباً أميركية إذ كان وزير الخارجية الأمريكي أليكسندر هيج قبلها بأربعة أيام فقط قد أعلن من واشنطن بالقول .. " لقد قرع جرس الشرق الأوسط ".
إذاً جيءَ بالصهاينة إلى فلسطين للعمل ضد الثورة العربية ودورها الكبير في الثورة العالمية، وضد صانع الثورات في العالم وهو ستالين. كان راديو إسرائيل منذ قيام إسرائيل موظفاُ في الدعاية ضد الشيوعية بالرغم من أن الشيوعية ممثلة تحديداً بستالين هي التي حالت دون فناء اليهود عن بكرة أبيهم على يد الهتلرية في محارقها، وهو ما جعلني اقترح على أحد الصهاينة المسكونين بشتم ستالين أن يقيم الصهاينة تمثالاً بالحجم الطبيعي لستالين على باب مزار الهولوكوست " ياد فاشيم " في القدس كي يؤدي كل زائر احترامه لستالين إعترافاً بفضله بالإبقاء على "جنس" اليهود في العالم. ما زال الصهاينة المتعلقون بتراث الصهيونية الشرير مستمرين في شتم ستالين والستالينية.
ما استوجب مني كل هذه التوطئة، بالرغم من أنها خارج موضوعنا إلى حد بعيد، هو أنني أثناء بحثي عن نهاية محرقة اليهود في أوشفيتس (Auschwitz) "الهولوكوست" لم يفاجئني أن ستالين هو الذي حرر (7000) من اليهود من أوشفيتس في 27 يناير 45 ، ومع ذلك هو أول من يشتمه الصهاينة اليوم. لذلك نحن لا نخطئ حين نؤكد، كما يؤكد الكثيرون من اليهود، أن الصهاينة يخونون أجدادهم اليهود، وعليه كنّا كتبنا في أغسطس الماضي مقالة بعنوان " الصهيونية نبتة جذورها الخيانة ".
نعم، كنت كتبت عن الجبهة الحربية التي أمر بفتحها ستالين في 12 يناير 1945 عندما توسل إليه تشيرتشل على الهاتف لعمل كل ما يستطيع لفك أسر مجموع جيوش إنزال النورماندي التي وصل تعدادها آنذاك إلى 700 ألف جندياً وقد وقعت مطوقة في جبال الجاردنز شمال شرق فرنسا من قبل 20 فرقة ألمانية في ليلة الكرسماس 25 ديسمبر 44؛ وكانت الجيوش المحاصرة قد جهدت عبثاً لكسر الحصار خلال عشرة أيام وأخذت تتهددها الإبادة التامة. وعندما اعتذر ستالين حيث الجيوش السوفياتية لم تكن تستطيع أن تقوم بأي جهد حربي قبل 28 يناير، أجابه تشيرتشل باكياً .. " أرجوك يا صديقي العزيز أن تتذكر في المستقبل أنه كان لديك في بريطانيا أصدقاء !! ". فما كان من ستالين وقد تأثر متعاطفاً مع حليفه تشيرتشل، إلا أن هدّأه واعداً بأن ينظر في ما يساعد، وطالباً أن تصمد الجيوش البريطانية والأميركية فترة أطول في مقاومة الحصار. إذّاك طلب ستالين عقد اجتماع لقادة غرفة العمليات الحربية مقترحاً عليهم مساعدة الحلفاء الإنجليز في أوضاعهم الصعبة. أجمع القادة على أنهم لا يستطيعون أن يقدموا أية مساعدة قبل 28 يناير كما تنص الخطة الحربية. غير أن ستالين وهو القائد العام أصدر أمره بفتح جبهة حربية على عرض أوروبا في 12 يناير. ـ كنت في أكثر من مناسبة قد توقفت عند هذه الوقائع المذكورة في أرشيف غرفة العمليات السوفياتية، كما كنت قد أشرت إلى أن تلك الجبهة الحربية كانت وما زالت أكبر جبهة حربية عُرفت في تاريخ الحروب إذ امتدت إلى نحو 1500 كم، من بحر البلطيق شمالاً حتى جبال الكرابات جنوباً.
ما دعاني إلى استعادة هذه الحقائق الهامة جداً في تاريخ البشرية مرة أخرى، والتي تعمد البورجوازية إلى طمسها بل وحتى محوها من التاريخ، هو أنني وبينما كنت أستقصي حقائق تحرير بقايا اليهود قبل إحراقهم في أفران أوشفتس ، وهو بالمناسبة محط اتهام الاتحاد السوفياتي باتهامات خسيسة، من قبل البورجوازية البولندية آنذاك والصهاينة ومجندي البورجوازية الوضيعة حتى اليوم، بالزعم أن الجيوش السوفياتية تأخرت في دعم انتفاضة وارسو، بهرتني حقائق الهجوم الحربي السوفياتي الذي أمر به قائد أعظم دولة في تاريخ البشرية، يوسف ستالين، في 12 يناير 1945 مبكرا عن الجدول المقرر من أجل مساعدة الجيوش البريطانية والأمريكية للإفلات من الطوق الألماني، وقد قام بالهجوم الكاسح الذي أُعدّ له على عجل 163 فرقة ضمت 000, 203, 2 رجلاً، و 4,529 دبابة، و 2,513 مدفعاً ذاتي الحركة، و 13,763 قطعة مدفعية، و 5,000 طائرة.
لا يجوز المرور بهذه القوى الحربية العملاقة مرور الكرام دون أن يتساءل المرء عن السرٍّ الذي امتلكه السوفييت ليقوموا بمثل هذه الأعمال العملاقة (giant) كما وصفها تشيرتشل!؟ كيف تمكن السوفيات من تجنيد ملايين الجنود بعد أن فقدوا أكثر من 7 ملايين جندي في الحرب قبل 12 يناير 45 !؟ وكيف تمكنوا من تجهيز 5,000 طائرة بعد أن فقدوا زهاء 90 ألف طائرة كما في الأرقام السوفياتية !؟ وحوالي 5 آلاف دبابة بعد أن فقدوا 50 أو 60 ألف دبابة على أقل تقدير!؟ كيف يمكن تفسير سر هذه العملقة في الأعمال الحربية للاتحاد السوفياتي !؟ بماذا تختلف الدولة السوفياتية عن الدولة الفرنسية، وهي الامبراطورية الاستعمارية الكبرى التي انهزمت أمام الجيوش النازية ولم تصمد أمامها أكثر من ثلاثة أسابيع بالرغم من خط ماجينو الحصين !؟ أو عن الدولة البريطانية، وهي التي لم تكن الشمس تغيب عن مستعمراتها، التي لم تجروء على مواجهة هتلر وانهزمت في دنكرك قبل أن تهرب لتحتمي وراء المانش، وظلت، تساعدها الولايات المتحدة، تحارب طيلة الحرب التي امتدت لست سنوات جيوش ايطاليا فقط في البحر المتوسط والمعركة الوحيدة التي سجلتها في تاريخ الحرب كانت معركة "العلمين" التي بمقاييس حرب الجبهات السوفياتية لا تزيد عن اشتباك محدود يمكن إهماله حيث لم تتجاوز خسائرها 8 آلاف جندياً أكثر من نصفهم ليسوا إنجليز. بل ظل تشيرتشل يؤكد لستالين منذ ما قبل مؤتمر طهران في نوفمبر 43 ، حيث تم الاتفاق على فتح جبهة غربية، وحتى يونيو 1944 ، حيث تم الإنزال النورماندي، ظل يؤكد أن بريطانيا وأمريكا مجتمعتين ليستا قادرتين على فتح جبهة غربية قادرة على الصمود في مواجهة القوات الألمانية وتقديم أية مساعدة للجيوش السوفياتية قبل أن تفنى تماماً. وقد أثبتت الوقائع صحة رأي تشيرتشل الذي لم يوافق على إنزال النورماندي إلا بعد أن قدم ايزنهاور استقالته احتجاجاً من قيادة الحملة إلى الرئيس روزفلت متهماً تشيرتشل بالخيانة وهو ما حدا بروزفلت إلى أن يضغط على تشيرتشل للموافقة على الشروع بالحملة. الجبهة الغربية التي طال انتظارها لعام طويل بعد أن كانت القوات السوفياتية قد حطمت العمود الفقري للقوى العسكرية النازية في معركة "كورسك" في ربيع 1943 ، تلك الجبهة التي تشكلت من قوات 12 دولة وتطنب الدوائر الغربية المشبوهة في الحديث عنها بغير داعٍ كما لو أن إنزال النورماندي هو الذي قصم ظهر ألمانيا النازية، تلك الجبهة لم تشتبك مع العدو في أية معركة ذات شأن على الإطلاق منذ نزولها في النورماندي في 6 يونيو 44 وحتى استسلام ألمانيا في 8 مايو 45 ، بل على العكس فقد احتاجت إلى مساعدة من القوات السوفياتية في فك الحصار عنها في يناير 45.
قبل انتهاء شهر يناير45 وخلال ثمانية عشر يوما فقط كانت الجيوش السوفياتية قد حررت كامل التراب البولندي بما في ذلك معركة وارسو الدموية الصعبة ودخلت حدود بروسيا الشرقية من ألمانيا مما أرغم هتلر على سحب ثمانية فرق من الطوق الألماتي حول الجيوش الأنجلو أميركية في جبال الجاردنز وسمح لها بالإفلات من الطوق.
في منتصف إبريل 45 كان يطوق برلين 196 فرقة سوفياتية تضم 2,500,000 جندياً، و 6,250 دبابة، و 7,500 طائرة، و 41,600 قطعة مدفع. اقتحمت هذه القوى برلين وقضت على هتلر في وكره في الثاني من مايو بعد معارك طاحنة خسرت فيها القوات السوفياتية حوالي 400 ألف جندياً. وكانت الجيوش السوفياتية الأخرى المنتشرة في شرق أوروبا وشرق آسيا تعد حوالي 4 مليون جندي. فالإتحاد السوفياتي كان يجند آنذاك 6.5 مليون جندي بعد أن فقد أكثر من 8 ملايين جندياً.
أكتب هذا اليوم وأتذكر جيداً قبل 70 عاماً، وكان عمري 8 سنوات فقط، بعض الفلاحين البسطاء المناصرين لهتلر إقتداء بالحاج أمين الحسيني يولولون بالقول .. البلشفيك مثل الجراد "ما بخلصوش" !! ـ وكنت لا أعرف معنى البلشفيك وأظنهم مخلوقات غريبة غير بشرية !!
ليس ثمة أدنى شك في أنه لو تكفلت الجيوش البريطانية والأميركية وحدها بفتح برلين لقضي عليها تماماً قبل أن تتقدم أمتاراً قليلة داخل المدينة. كان ستالين يعلم ذلك علم اليقين لكنه لم يرد أن تفنى تلك الجيوش الحليفة بعد أن تكلف الاتحاد السوفياتي خسائراً ليست قليلة لإنقاذها من الحصار جراء تبكير الهجوم من 28 إلى 12 يناير. كان ستالين حليفاً صادقاً ومخلصاً لحلفائه ـ وهو ما ينتقده عليه بعضهم ـ ولذلك أعطى أوامره من بوتسدام/برلين قبل انتهاء يوليو 45 بأن تنتقل الجيوش السوفياتية إلى شرق آسيا للقضاء على العسكرية اليابانية التي كانت الجيوش الأميركية في مواجهة صعبة معها. ما كانت اليابان لتستسلم في الثاني من سبتمبر 45 للقوات الأميركية بالرغم من القنبلتين الذريتين الأميركيتين على هيروشيما وناغازاكي في السادس والتاسع من أغسطس على الترتيب لولا أن القوات السوفياتية كانت قد أبادت الجيوش البرية اليابانية في منشوريا خلال أغسطس، إذ ظلت اليابان تحارب الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي مجتمعين لثلاثة أسابيع بعد ضرب هيروشيا وناغازاكي بالسلاح الذري.
نحن هنا لا نستعيد أقوال لينين وستالين كما يأخذ علينا أعداء الاشتراكية من مجندي البورجوازية الوضيعة بل نعود إلى أفعالهما؛ نعود إلى المجهود الحربي العملاق بوصف تشيرتشل الذي قام به الاتحاد السوفياتي حتى تمكن وحده من سحق ألمانيا النازية حتى العظم. المانيا النازية التي حطمت أكبر امبراطوريتين استعماريتين في العالم، بريطانيا وفرنسا، خلال عشرين شهراً فقط، ثم انقلبت بعدئذ على غير هدىً، معتمدة على كل القوى المادية والبشرية للقارة الأوروبية بالإضافة إلى الألمانية، لتحطيم أول دولة للعمال في التاريخ وهي إتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية وإخضاعها لجبروت النازية والرايخ الثالث لألف عام، فكان جواب قائدها العظيم ستالين حين كانت جيوش هتلر تحاصر موسكو ولينينغراد في عشية ذكرى ثورة أكتوبر الرابعة والعشرين وقد خطب في اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي بالمناسبة يقول .. " طالما أرادها هتلر حرب إبادة فليتلقَ إذاً ". الجهود الحربية التي قام بها الاتحاد السوفياتي في الحرب العالمية الثانية لم تستطع كل الدول الكبرى مجتمعة، بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا، أن تقوم بمثلها ولا حتى بجزء قليل منها. هذا ما دفع ملك بريطانيا العظمى جورج السادس ورئيس وزرائها ونستون تشيرتشل إلى توجيه رسالة إلى القيادة السوفياتية تؤكد أن شعوب بريطانيا العظمى ستظل مدينة بحريتها مدى الحياة للإتحاد السوفياتي. وكان تشيرتشل صادقاً عندما أخبر مولوتوف أكثر من مرة أنه حالما ينهض من النوم كل صباح يصلي راجياً من الله أن يحفظ ستالين سالماً معافى لأنه الوحيد القادر على حفظ السلام في العالم. ويشهد على صحة ذلك خطابه في مجلس اللوردات بمناسبة الذكرى الثمانين لميلاد ستالين، وكان ذلك في غمرة السباب والشتائم على ستالين حتى في موسكو نفسها إذ قال .. " مهما قالوا عن ستالين فإنه سيظل أعظم قائد عبر التاريخ ". وتقول الموسوعة البريطانية في هذا السياق أن ما من قائدٍ عبر التاريخ امتلك تلك القوى التي امتلكها ستالين.
مقالتي اليوم أردتها أن تكون مقصاً ماضياً يقص ألسنة مجندي البورجوازية الوضيعة أعداء الاشتراكية السوفياتية وبانيها الرفيق ستالين، وخاصة منهم أولئك الذين يكتبون في الحوار المتمدن بروح عدائية تفطر سمّاً زعافاً. من يجروء من هؤلاء على المراهنة أن مقصنا الماضي لن يقص لسانه عليه أن يعلل القدرة السوفياتية العملاقة في الحرب العالمية الثانية بغير علة دكتاتورية البروليتاريا التي صنعت العجائب وكانت ستصنع عجائباً أعجب لولا الانقلاب المعادي لها في العام 1953. من سيكتب بعد اليوم في "الحوار المتمدن" بروح عدائية لدولة دكتاتورية البروليتاريا بقيادة ستالين (1922 ـ 1953) عليه أن يبدأ كتابته بتعليل الجبروت السوفياتي في الحرب الذي شده العالم، وبغير ذلك لن تكون كتابته غير كتابة مجند مأجور للبورجوازية الوضيعة ؟؟
سنراقب هؤلاء الأعداء في الحوار المتمدن لنطالبهم قبل نفث سمومهم بتعليل المجهودات الحربية الجبارة التي قصرت عنها كل الدول الكبرى الأخرى مجتمعة وتحملتها الدولة السوفياتية في حماية العالم من شرور النازية والحفاظ على الحرية لكل شعوب العالم بما في ذلك حرية هؤلاء الأعداء في نفث سمومهم للأسف.
تسأل الصهاينة من اليهود عن عدوهم الأول فيجيبونك دون تردد إنه " ستالين " ؛ فتأخذ بك الدهشة ولماذا ستالين وليس العرب، حيث بدأ الصهاينة تاريخهم بحرب ضد العرب وسينتهي دون شك بحرب ضد العرب، فلماذا ستالين إذاً !؟ يعلم الصهاينة علم اليقين أن الإمبريالية الدولية ما جاءت بهم إلى فلسطين إلا للعمل ضد الثورة العالمية، ثورة الاشتراكية والتحرر الوطني التي أسس لها لينين وقادها ستالين حتى باتت، مع إقامة دولة إسرائل عام 48 وإنشاء حلف شمال الأطلسي عام 49 ، تدق أبواب مراكز الإمبريالية العالمية وأولها البوابة الأميركية. وما لا يُنسى في هذا السياق هو تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي أرييل شارون بعد إقترافه مجزرة صبرا وشاتيلا في لبنان عام 82 واستدعائه للقدس لمساءلته عن جريمته تلك التي أثارت استنكار العالم؛ سأله أحد الصحفيين أثناء عودته عن تهديد الرئيس الأميركي بوقف المساعدات لإسرائيل استنكاراً للمجزرة، فكان جوابه القاطع واضحاً كل الوضوح وهو .. " أن الدماء التي بذلها اليهود في حروب إسرائيل ضد العرب نيابة عن الولايات المتحدة هي أغلى من كل دولارات أميركا " ـ كان غزو إسرائيل للبنان في 4 يونيو 82 للقضاء على منظمة التحرير الفلسطينية وبموافقة حافظ الأسد، كان فعلاً حرباً أميركية إذ كان وزير الخارجية الأمريكي أليكسندر هيج قبلها بأربعة أيام فقط قد أعلن من واشنطن بالقول .. " لقد قرع جرس الشرق الأوسط ".
إذاً جيءَ بالصهاينة إلى فلسطين للعمل ضد الثورة العربية ودورها الكبير في الثورة العالمية، وضد صانع الثورات في العالم وهو ستالين. كان راديو إسرائيل منذ قيام إسرائيل موظفاُ في الدعاية ضد الشيوعية بالرغم من أن الشيوعية ممثلة تحديداً بستالين هي التي حالت دون فناء اليهود عن بكرة أبيهم على يد الهتلرية في محارقها، وهو ما جعلني اقترح على أحد الصهاينة المسكونين بشتم ستالين أن يقيم الصهاينة تمثالاً بالحجم الطبيعي لستالين على باب مزار الهولوكوست " ياد فاشيم " في القدس كي يؤدي كل زائر احترامه لستالين إعترافاً بفضله بالإبقاء على "جنس" اليهود في العالم. ما زال الصهاينة المتعلقون بتراث الصهيونية الشرير مستمرين في شتم ستالين والستالينية.
ما استوجب مني كل هذه التوطئة، بالرغم من أنها خارج موضوعنا إلى حد بعيد، هو أنني أثناء بحثي عن نهاية محرقة اليهود في أوشفيتس (Auschwitz) "الهولوكوست" لم يفاجئني أن ستالين هو الذي حرر (7000) من اليهود من أوشفيتس في 27 يناير 45 ، ومع ذلك هو أول من يشتمه الصهاينة اليوم. لذلك نحن لا نخطئ حين نؤكد، كما يؤكد الكثيرون من اليهود، أن الصهاينة يخونون أجدادهم اليهود، وعليه كنّا كتبنا في أغسطس الماضي مقالة بعنوان " الصهيونية نبتة جذورها الخيانة ".
نعم، كنت كتبت عن الجبهة الحربية التي أمر بفتحها ستالين في 12 يناير 1945 عندما توسل إليه تشيرتشل على الهاتف لعمل كل ما يستطيع لفك أسر مجموع جيوش إنزال النورماندي التي وصل تعدادها آنذاك إلى 700 ألف جندياً وقد وقعت مطوقة في جبال الجاردنز شمال شرق فرنسا من قبل 20 فرقة ألمانية في ليلة الكرسماس 25 ديسمبر 44؛ وكانت الجيوش المحاصرة قد جهدت عبثاً لكسر الحصار خلال عشرة أيام وأخذت تتهددها الإبادة التامة. وعندما اعتذر ستالين حيث الجيوش السوفياتية لم تكن تستطيع أن تقوم بأي جهد حربي قبل 28 يناير، أجابه تشيرتشل باكياً .. " أرجوك يا صديقي العزيز أن تتذكر في المستقبل أنه كان لديك في بريطانيا أصدقاء !! ". فما كان من ستالين وقد تأثر متعاطفاً مع حليفه تشيرتشل، إلا أن هدّأه واعداً بأن ينظر في ما يساعد، وطالباً أن تصمد الجيوش البريطانية والأميركية فترة أطول في مقاومة الحصار. إذّاك طلب ستالين عقد اجتماع لقادة غرفة العمليات الحربية مقترحاً عليهم مساعدة الحلفاء الإنجليز في أوضاعهم الصعبة. أجمع القادة على أنهم لا يستطيعون أن يقدموا أية مساعدة قبل 28 يناير كما تنص الخطة الحربية. غير أن ستالين وهو القائد العام أصدر أمره بفتح جبهة حربية على عرض أوروبا في 12 يناير. ـ كنت في أكثر من مناسبة قد توقفت عند هذه الوقائع المذكورة في أرشيف غرفة العمليات السوفياتية، كما كنت قد أشرت إلى أن تلك الجبهة الحربية كانت وما زالت أكبر جبهة حربية عُرفت في تاريخ الحروب إذ امتدت إلى نحو 1500 كم، من بحر البلطيق شمالاً حتى جبال الكرابات جنوباً.
ما دعاني إلى استعادة هذه الحقائق الهامة جداً في تاريخ البشرية مرة أخرى، والتي تعمد البورجوازية إلى طمسها بل وحتى محوها من التاريخ، هو أنني وبينما كنت أستقصي حقائق تحرير بقايا اليهود قبل إحراقهم في أفران أوشفتس ، وهو بالمناسبة محط اتهام الاتحاد السوفياتي باتهامات خسيسة، من قبل البورجوازية البولندية آنذاك والصهاينة ومجندي البورجوازية الوضيعة حتى اليوم، بالزعم أن الجيوش السوفياتية تأخرت في دعم انتفاضة وارسو، بهرتني حقائق الهجوم الحربي السوفياتي الذي أمر به قائد أعظم دولة في تاريخ البشرية، يوسف ستالين، في 12 يناير 1945 مبكرا عن الجدول المقرر من أجل مساعدة الجيوش البريطانية والأمريكية للإفلات من الطوق الألماني، وقد قام بالهجوم الكاسح الذي أُعدّ له على عجل 163 فرقة ضمت 000, 203, 2 رجلاً، و 4,529 دبابة، و 2,513 مدفعاً ذاتي الحركة، و 13,763 قطعة مدفعية، و 5,000 طائرة.
لا يجوز المرور بهذه القوى الحربية العملاقة مرور الكرام دون أن يتساءل المرء عن السرٍّ الذي امتلكه السوفييت ليقوموا بمثل هذه الأعمال العملاقة (giant) كما وصفها تشيرتشل!؟ كيف تمكن السوفيات من تجنيد ملايين الجنود بعد أن فقدوا أكثر من 7 ملايين جندي في الحرب قبل 12 يناير 45 !؟ وكيف تمكنوا من تجهيز 5,000 طائرة بعد أن فقدوا زهاء 90 ألف طائرة كما في الأرقام السوفياتية !؟ وحوالي 5 آلاف دبابة بعد أن فقدوا 50 أو 60 ألف دبابة على أقل تقدير!؟ كيف يمكن تفسير سر هذه العملقة في الأعمال الحربية للاتحاد السوفياتي !؟ بماذا تختلف الدولة السوفياتية عن الدولة الفرنسية، وهي الامبراطورية الاستعمارية الكبرى التي انهزمت أمام الجيوش النازية ولم تصمد أمامها أكثر من ثلاثة أسابيع بالرغم من خط ماجينو الحصين !؟ أو عن الدولة البريطانية، وهي التي لم تكن الشمس تغيب عن مستعمراتها، التي لم تجروء على مواجهة هتلر وانهزمت في دنكرك قبل أن تهرب لتحتمي وراء المانش، وظلت، تساعدها الولايات المتحدة، تحارب طيلة الحرب التي امتدت لست سنوات جيوش ايطاليا فقط في البحر المتوسط والمعركة الوحيدة التي سجلتها في تاريخ الحرب كانت معركة "العلمين" التي بمقاييس حرب الجبهات السوفياتية لا تزيد عن اشتباك محدود يمكن إهماله حيث لم تتجاوز خسائرها 8 آلاف جندياً أكثر من نصفهم ليسوا إنجليز. بل ظل تشيرتشل يؤكد لستالين منذ ما قبل مؤتمر طهران في نوفمبر 43 ، حيث تم الاتفاق على فتح جبهة غربية، وحتى يونيو 1944 ، حيث تم الإنزال النورماندي، ظل يؤكد أن بريطانيا وأمريكا مجتمعتين ليستا قادرتين على فتح جبهة غربية قادرة على الصمود في مواجهة القوات الألمانية وتقديم أية مساعدة للجيوش السوفياتية قبل أن تفنى تماماً. وقد أثبتت الوقائع صحة رأي تشيرتشل الذي لم يوافق على إنزال النورماندي إلا بعد أن قدم ايزنهاور استقالته احتجاجاً من قيادة الحملة إلى الرئيس روزفلت متهماً تشيرتشل بالخيانة وهو ما حدا بروزفلت إلى أن يضغط على تشيرتشل للموافقة على الشروع بالحملة. الجبهة الغربية التي طال انتظارها لعام طويل بعد أن كانت القوات السوفياتية قد حطمت العمود الفقري للقوى العسكرية النازية في معركة "كورسك" في ربيع 1943 ، تلك الجبهة التي تشكلت من قوات 12 دولة وتطنب الدوائر الغربية المشبوهة في الحديث عنها بغير داعٍ كما لو أن إنزال النورماندي هو الذي قصم ظهر ألمانيا النازية، تلك الجبهة لم تشتبك مع العدو في أية معركة ذات شأن على الإطلاق منذ نزولها في النورماندي في 6 يونيو 44 وحتى استسلام ألمانيا في 8 مايو 45 ، بل على العكس فقد احتاجت إلى مساعدة من القوات السوفياتية في فك الحصار عنها في يناير 45.
قبل انتهاء شهر يناير45 وخلال ثمانية عشر يوما فقط كانت الجيوش السوفياتية قد حررت كامل التراب البولندي بما في ذلك معركة وارسو الدموية الصعبة ودخلت حدود بروسيا الشرقية من ألمانيا مما أرغم هتلر على سحب ثمانية فرق من الطوق الألماتي حول الجيوش الأنجلو أميركية في جبال الجاردنز وسمح لها بالإفلات من الطوق.
في منتصف إبريل 45 كان يطوق برلين 196 فرقة سوفياتية تضم 2,500,000 جندياً، و 6,250 دبابة، و 7,500 طائرة، و 41,600 قطعة مدفع. اقتحمت هذه القوى برلين وقضت على هتلر في وكره في الثاني من مايو بعد معارك طاحنة خسرت فيها القوات السوفياتية حوالي 400 ألف جندياً. وكانت الجيوش السوفياتية الأخرى المنتشرة في شرق أوروبا وشرق آسيا تعد حوالي 4 مليون جندي. فالإتحاد السوفياتي كان يجند آنذاك 6.5 مليون جندي بعد أن فقد أكثر من 8 ملايين جندياً.
أكتب هذا اليوم وأتذكر جيداً قبل 70 عاماً، وكان عمري 8 سنوات فقط، بعض الفلاحين البسطاء المناصرين لهتلر إقتداء بالحاج أمين الحسيني يولولون بالقول .. البلشفيك مثل الجراد "ما بخلصوش" !! ـ وكنت لا أعرف معنى البلشفيك وأظنهم مخلوقات غريبة غير بشرية !!
ليس ثمة أدنى شك في أنه لو تكفلت الجيوش البريطانية والأميركية وحدها بفتح برلين لقضي عليها تماماً قبل أن تتقدم أمتاراً قليلة داخل المدينة. كان ستالين يعلم ذلك علم اليقين لكنه لم يرد أن تفنى تلك الجيوش الحليفة بعد أن تكلف الاتحاد السوفياتي خسائراً ليست قليلة لإنقاذها من الحصار جراء تبكير الهجوم من 28 إلى 12 يناير. كان ستالين حليفاً صادقاً ومخلصاً لحلفائه ـ وهو ما ينتقده عليه بعضهم ـ ولذلك أعطى أوامره من بوتسدام/برلين قبل انتهاء يوليو 45 بأن تنتقل الجيوش السوفياتية إلى شرق آسيا للقضاء على العسكرية اليابانية التي كانت الجيوش الأميركية في مواجهة صعبة معها. ما كانت اليابان لتستسلم في الثاني من سبتمبر 45 للقوات الأميركية بالرغم من القنبلتين الذريتين الأميركيتين على هيروشيما وناغازاكي في السادس والتاسع من أغسطس على الترتيب لولا أن القوات السوفياتية كانت قد أبادت الجيوش البرية اليابانية في منشوريا خلال أغسطس، إذ ظلت اليابان تحارب الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي مجتمعين لثلاثة أسابيع بعد ضرب هيروشيا وناغازاكي بالسلاح الذري.
نحن هنا لا نستعيد أقوال لينين وستالين كما يأخذ علينا أعداء الاشتراكية من مجندي البورجوازية الوضيعة بل نعود إلى أفعالهما؛ نعود إلى المجهود الحربي العملاق بوصف تشيرتشل الذي قام به الاتحاد السوفياتي حتى تمكن وحده من سحق ألمانيا النازية حتى العظم. المانيا النازية التي حطمت أكبر امبراطوريتين استعماريتين في العالم، بريطانيا وفرنسا، خلال عشرين شهراً فقط، ثم انقلبت بعدئذ على غير هدىً، معتمدة على كل القوى المادية والبشرية للقارة الأوروبية بالإضافة إلى الألمانية، لتحطيم أول دولة للعمال في التاريخ وهي إتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية وإخضاعها لجبروت النازية والرايخ الثالث لألف عام، فكان جواب قائدها العظيم ستالين حين كانت جيوش هتلر تحاصر موسكو ولينينغراد في عشية ذكرى ثورة أكتوبر الرابعة والعشرين وقد خطب في اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي بالمناسبة يقول .. " طالما أرادها هتلر حرب إبادة فليتلقَ إذاً ". الجهود الحربية التي قام بها الاتحاد السوفياتي في الحرب العالمية الثانية لم تستطع كل الدول الكبرى مجتمعة، بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا، أن تقوم بمثلها ولا حتى بجزء قليل منها. هذا ما دفع ملك بريطانيا العظمى جورج السادس ورئيس وزرائها ونستون تشيرتشل إلى توجيه رسالة إلى القيادة السوفياتية تؤكد أن شعوب بريطانيا العظمى ستظل مدينة بحريتها مدى الحياة للإتحاد السوفياتي. وكان تشيرتشل صادقاً عندما أخبر مولوتوف أكثر من مرة أنه حالما ينهض من النوم كل صباح يصلي راجياً من الله أن يحفظ ستالين سالماً معافى لأنه الوحيد القادر على حفظ السلام في العالم. ويشهد على صحة ذلك خطابه في مجلس اللوردات بمناسبة الذكرى الثمانين لميلاد ستالين، وكان ذلك في غمرة السباب والشتائم على ستالين حتى في موسكو نفسها إذ قال .. " مهما قالوا عن ستالين فإنه سيظل أعظم قائد عبر التاريخ ". وتقول الموسوعة البريطانية في هذا السياق أن ما من قائدٍ عبر التاريخ امتلك تلك القوى التي امتلكها ستالين.
مقالتي اليوم أردتها أن تكون مقصاً ماضياً يقص ألسنة مجندي البورجوازية الوضيعة أعداء الاشتراكية السوفياتية وبانيها الرفيق ستالين، وخاصة منهم أولئك الذين يكتبون في الحوار المتمدن بروح عدائية تفطر سمّاً زعافاً. من يجروء من هؤلاء على المراهنة أن مقصنا الماضي لن يقص لسانه عليه أن يعلل القدرة السوفياتية العملاقة في الحرب العالمية الثانية بغير علة دكتاتورية البروليتاريا التي صنعت العجائب وكانت ستصنع عجائباً أعجب لولا الانقلاب المعادي لها في العام 1953. من سيكتب بعد اليوم في "الحوار المتمدن" بروح عدائية لدولة دكتاتورية البروليتاريا بقيادة ستالين (1922 ـ 1953) عليه أن يبدأ كتابته بتعليل الجبروت السوفياتي في الحرب الذي شده العالم، وبغير ذلك لن تكون كتابته غير كتابة مجند مأجور للبورجوازية الوضيعة ؟؟
سنراقب هؤلاء الأعداء في الحوار المتمدن لنطالبهم قبل نفث سمومهم بتعليل المجهودات الحربية الجبارة التي قصرت عنها كل الدول الكبرى الأخرى مجتمعة وتحملتها الدولة السوفياتية في حماية العالم من شرور النازية والحفاظ على الحرية لكل شعوب العالم بما في ذلك حرية هؤلاء الأعداء في نفث سمومهم للأسف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق