الفاشية الوهابية
د. وسام جواد
تعودت الأنظمة القمعية بمختلف أشكالها,على إتهام المعارضين
لها بالخيانة والتجسس والعمالة..الخ, وكانت تتبع في محاربتهم أشد أساليب التعذيب
الجسدي والمعنوي وحشية ودموية, دون ان ينأى ذلك عن غريزة دفاع الأنظمة السياسية
المستبدة على وجودها وتشبثها بالسلطة واستخدامها لكافة الوسائل المتاحة لها من أجل تبرير غاية
البقاء. واذا ما اعتمدت النازية والفاشية والصهيونية في قيامها على القوة والإرهاب
في تحقيق غاياتها, فإن الحركة الوهابية,التي تأسست من اللصوص وقطاع الطرق, قد
اعتمدت على القوة والأرهاب لفرض ارادتها أيضا, الى ان تم تقسيم مناطق النفوذ بين
عصابات محمد عبد الوهاب ومحمد بن سعود.
وخلافا لظروف الأنظمة الرأسمالية المليئة بالتناقضات
السياسية والاقتصادية والاجتماعية,التي مهدت لظهور الايديولوجيات العنصرية
المتطرفة, لم تجد الحركة الوهابية ما تَستُر به علل أفكارها, ووحشية
أفعالها إلا في الدين, فلجأت الى تحريف التعاليم, وتزييف المفاهيم, في ظل مجتمع
إقطاعي متخلف, بَذلت أقصى الجهود, وتخطت كل الحدود,
للإبقاء عليه غارقا في أعماق بحارالجهل وغياب الوعي, لتسهيل إبحار سفن
النهب والسلب الصهيو- إمبريالية, دون رقيب وحساب, وبلا رادع اوعقاب.
لقد قدمت الوهابية خدمات جلية للرأسمالية والصهيونية
وساعدت على تحقيق الكثير من أهدافهما خلال القرن العشرين. ونظرا لطول سجلها الدموي
في الداخل, والتآمري في الخارج, لذا فإن ذِكر بعض أدلة جرائمها خلال العقود الثلاثة
الماضية, سيكون كافيا لإدانتها, ووافيا لمحاكمتها :
- المساهمة في تحطيم اقتصاد الإتحاد السوفييتي وانهياره .
فمنذ ان دخلت القوات السوفيتية الى أفغانستان في 25 ديسمبر/كانون أول وحتى خروجها منها في 15
فبراير/ شباط 1989, لعب الوهابيون بالتنسيق مع الإمبريالية
الأمريكية دورا في الحرب ضد السوفييت, بارسال المقاتلين والسلاح وتقديم الدعم
المالي لهم. وعلى صعيد الجبهة الإقتصادية, وافق حكام الجزيرة على ضخ اقصى ما أمكن
من البترول لإغراق السوق وتخفيض سعره, الذي وصل الى 8 دولارات آنذاك, مما أنهك
اقتصاد الإتحاد السوفييتي, وشكل أحد أسباب انهياره عام1991.
- دعم الحركات الإنفصالية في الجمهوريات الاسلامية المنضوية
تحت لواء روسيا الفدرالية, كما حصل في الشيشان وتتارستان وغيرها, مما ادى الى اشعال
فتيل الحرب الروسية الشيشانيه في الفترة من بين 1994- 1996 وفي 1999
.
- تقديم المساعدات والقروض لنظام صدام حسين أثناء الحرب مع
إيران لا حبا به, وإنما بهدف إضعاف الدولتين معا, وهو ما صب في مصلحة الإمبريالية
والصهيونية.
- تقديم التسهيلات وتحمل النفقات المكلفة لوجود قوات الغزو
الأمريكية في شبه الجزيرة منذ العدوان على العراق عام1991 والى وقتنا
الراهن.
- رفضها اللا أخلاقي لفك الحصار,الذي فرض على الشعب العراقي
قرابة 13 عام بعد الحرب.
- ساعد النظام الوهابي وأعوانه في بعض الأنظمة العربية, على
الغزو الصهيو-الأمريكي 2003 للعراق واحتلاله, لتكملة تحطيمه عسكريا وعلميا وحضاريا
( راجع ما فعلوه بالأثار العراقية, والمكتبات, وتابع ما سرقوه من مخطوطات أثرية
نادرة ) .
- الموقف المخزي من المقاومة الوطنية اللبنانية أثناء الحرب
على لبنان عام 2006, ومناشدة القيادة الاسرائيلية بتصفية المقاومة وانهاء وجودها
.
- السكوت على جرائم الحرب على غزة, وعدم تحريك ساكن لكسر
الحصار الظالم على القطاع.
- التآمر على ليبيا وسوريا ولبنان والبحرين, والدفاع
المستميت عن فرعون مصر وسفاح اليمن, وأيواء زين الهاربين التونسي
.
ولا يفوت هنا, ذكر بعض النماذج الدالة على فاشية الوهابية,
لا سيما ما يتعلق بالأحداث في سوريا :
أصدرت وزارة الداخلية السعودية بيانا اتهمت فيه المتظاهرين
في القطيف بالمصادر الإجرامية,التي تحركها الجهات الخارجية. ووصف المفتي الحكومي
العام, ورئيس هيئة كبار الأغبياء وإدارة البحوث الإجرامية ( يسموها بوقاحة "البحوث
الإسلامية" ) عبد العزيز بن عبدالله آل الشيخ, المُتظاهرين بأنهم
"مفسدون وأشد من الخوارج, وبغاة
ضالون, وفئة خبيثة, تتبع أسيادها في الخارج, وليس لهم علاقة
بوطننا ", وقد استشهد ظلما بالآية الكريمة : ( إنما جزاء الذين
يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم
وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم
), لتبرير هدر الدماء, والتحريض على قتل أهالي القطيف, باعتبارهم "مفسدين في الأرض,
ومحاربين لله ورسوله", يتوجب صلبهم, وقطع أيديهم وأرجلهم !
قتل ثلث الشعب لأجل سعادة الثلثين أمر مشروع
!
هو ما قاله المُفتن الوهابي صالح اللحيدان, مفتيا بقتل الشيعة الأثني عشرية والعلويين والحوثيين,
والسوريين المنحدرين من الطائفة العلوية بوصفهم أشد كفرا من اليهود والنصارى, داعيا
الى ما يسميه "الجهاد", لإسقاط الرئيس بشار الأسد.
يدعو هذا السفاح علنا الى الإبادة الجماعية للملايين! وإذ يصفهم بالأشد كفرا
من اليهود والنصارى, فإنه بتكفيرهم, يكون قد أدخل الى قائمة التصفيات البشعة,
المعتنقين للديانة اليهودية والمسيحية, ليصبح فرعون ونيرون وهولاكو وهتلر وموسوليني
أكثر رحمة أمام هذا الدراكولا القذر .
قتل الرئيس بشار أوجب من قتل الإسرائيليين
!
أفتى الوهابي العائض القرني, بقتل الرئيس بشار الأسد, معتبراً أن :
- قتله أوجب من قتل الإسرائيليين !
- بشار منتهية شرعيته ووجب في حقه القتل لأنه قتل مئات الأطفال, وهدم المساجد،
بدلاً من واجبه في حماية الجولان .
- الجولان لن يتحرّر حتى يذهب هذا النظام الخائن العميل .
- قاتل المسلم يُقتل ومكتوب عليه الإعدام, وأنا أضم صوتي لاستفتاء الشعب
السوري عن كيفية قتل بشار بدلاً من الاستفتاء على الدستور, فهل يشنق أو يسحل أو
ينحر أو غيرها ؟.
- على أفراد الجيش السوري الانشقاق وعدم طاعة الرئيس بشار الأسد, فلا يجوز
للجيش السوري طاعة أوامر هذا الطاغية, فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق
.
- رجال الدين السوريين الذين يفتون للنظام السوري أزلام وأبواق, وسيصدر عن
إجتماع "العلماء المجرمين" فتوى تسقط عدالتهم .
إنه لمن المؤكد,عدم وجود مثل هذه الغرائز الوحشية لدى أشد الحيوانات فتكا
وعدوانية, وأكثر الأقوام همجية وتخلفا في تاريخ البشرية,الذي ترك الكثير من الصفحات
السوداء عن الحركات السياسية والدينية الإجرامية المتطرفة, التي لم تبلغ مستوى
الحركة الوهابية في دمويتها وشذوذها, وادعائها لنفسها حق تكفير الآخرين, وسفك
الدماء والقتل والسحل والنحر,التي تأنفها حتى شريعة الغاب.
وليس بعيدا عن هذا النهج والتهور الأحمق, ما صدر من فتاوى لزرادشت قطر
"القرضاوي" والمُفتن المسعور,عدنان العرعور من دعوات لقتل وثرم لحوم البشر وتوزيعها
على الكلاب, لتتبين دونية المحرضين, والقتلة المجرمين, المتسترين بالدين
.
الخلاصـة :
لا يحق لأحد تكفير الآخرين بسبب الاختلاف في الإنتماءات الدينية أو
الطائفية, ولا يجوز اللجوء الى القوة لفرض الإرادات باسم الدين, فالإيمان والإلتزام
بتعاليم هذا الدين أو ذاك, أمر يقرره البشر طوعا ( لا إكراه في الدين ), إلا أنه
يخضع للقوانين المُنظِمة للعلاقات بين الفرد والمجتمع,اذا ما إنعكس في السلوك
المادي للأفراد. أما العلاقة الروحية بين الفرد والرب, فهي شخصية مطلقة, ولا يحق
لأحد التدخل فيها أو الحكم عليها. ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )
.
وخلافا لمبادئ التسامح والمحبة,التي أوصت بها جميع الأديان السماوية,
روجت الحركة الوهابية للحقد والكراهية والقتل والترويع منذ
نشأتها, فشجب فكرها الشرير, ونهجها الخطير, أهل السنة قبل غيرهم. وإذ قدمت الوهابية
خلال عقود تحالفها مع الإمبريالية والصهيونية ما لم يقدمة أحد سواها من خدمات,
فإنها الى اليوم تشكل عنصرا مهما في التحالف الهادف الى تحطيم عجلة تقدم الأمة
وإرجاع مجتمعاتها الى عهود ما قبل الجاهلية.
إنها حركة فاشية, وورم خبيث في جسد الأمة, لا علاج له بغير الإستأصال, اذا
ما أريد لها الشفاء, وانقاذها من هذا البلاء, في صراعها من أجل البقاء
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق