الرفيق حسقيل قوجمان
نحتاج الى شطف ادمغتنا ٤
احد المفاهيم التي شاعت في بلدان ما يسمى العالم الثالث او على الاقل في البلاد العربية نتيجة التحريفية الخروشوفية كان ما سمي الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية. وقد نسب منظرو نظرية الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية الى ماركس والى لينين.
كتب ماركس في احدى رسائله ما معناه انه في ظروف معينة يمكن ان تتحول الكومونة الفلاحية في روسيا الى الطريق الاشتراكي بدون المرور في المرحلة الراسمالية. فما هي هذه الظروف المعينة؟ انا لم اقرأ رسالة ماركس بهذا الصدد ولا يقتبس منظرو الطريق اللاراسمالي عبارة ماركس بنصها الاصلي. ولكني قرأت في احدى رسائل انجلز شرحا لما قاله كارل ماركس. وملخصه هو ان الطبقة العاملة الظافرة في اوروبا تستطيع ان تساعد روسيا على الانتقال من المرحلة الاقطاعية الى المرحلة الاشتراكية بدون المرور في المرحلة الراسمالية. هذا الشرط الاساسي، شرط انتصار الثورة الاشتراكية ووجود الطبقة العاملة الظافرة لا يشكل عاملا مهما لدى منظري هذا الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية.
ويشير منظرو الطريق اللاراسمالي الى لينين باعتباره مثل ماركس مؤسسا لنظرية الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية. والفقرة التي يستندون اليها مشوهة عادة، معروفة مقتبسة من خطاب القاه في الاممية الشيوعية اقتبسها بنصها الحقيقي ادناه:
"لقد طرحت المسألة بالشكل التالي: هل يمكننا ان نعتبر ان التأكيد القائل بان المرحلة الراسمالية في تطور الاقتصاد الوطني محتومة بالنسبة للشعوب المتأخرة التي تتحرر الان والتي نلاحظ في اوساطها بعد الحرب حركة في اتجاه التقدم، هو ـاكيد صحيح؟ وقد كان جوابنا على هذا السؤال سلبيا. فاذا ما قامت البرولياريا الثورية الظافرة بدعاية منتظمة بين هذه الشعوب، واذا ما ساعدتها الحكومات السوفييتية بجميع الوسائل الموجودة تحت تصرفها، عندئذ يصبح من غير الصحيح التأكيد بان مرحلة التطور الراسمالي هي مرحلة محتومة بالنسبة للاقوام المتاخرة. ان واجبنا في جميع المستعمرات والبلدان المتأخرة لا يقتصر على تكوين ملاكات مستقلة من المناضلين، لا يقتصر على تشكيل المنظمات الحزبية والقيام حالا بالدعاية من اجل تنظيم سوفييتات الفلاحين والسعي كي تصبح هذه السوفييتات ملائمة لظروف ما قبل الراسمالية، انما يتوجب كذلك على الاممية الشيوعية ان تقر وان تثبت نظريا انه بمساعدة البروليتاريا في البلدان المتقدمة يمكن للبلدان المتأخرة ان تنتقل الى النظام السوفييتي والى الشيوعية عبر درجات معينة من التطور متجنبة مرحلة التطور الراسمالي." (لينين، المختارات، مجلد ١٠ ص ٩٦)
نرى من هذا ان الشرط الاساسي الذي يتفق عليه ماركس وانجلز ولينين هو وجود البروليتاريا الثورية الظافرة. فما معنى عبارة البروليتاريا الثور ية الظافرة؟ معناها الوحيد هو ان تكون الطبقة العاملة قد ثارت على النظام الراسمالي واستولت على السلطة لكي تسير في عملية بناء المجتمع الاشتراكي.
والشرط الاساسي الثاني الذي يتفق عليه ماركس وانجلز ولينين هو وجود شعوب منفصلة عن البروليتاريا الثورية الظافرة تمر في مراحل متأخرة من التطور بحيث لم تنشأ فيها بعد بدايات الانتاج الراسمالي. ففي حالة روسيا التي تحدث عنها كارل ماركس كانت روسيا انذاك ما تزال في عصر القنانة، اي انها لم تعرف بعد الانتاج الراسمالي. ومعروف ان ماركس وانجلز كانا يعتبران ان الثورة الاشتراكية ينبغي ان تقوم في جميع او اغلب بلدان اوروبا الراسمالية. ففي حالة نجاح الثورة، واستيلاء الطبقة العاملة على السلطة في اوروبا، وهذا هو مفهوم البروليتاريا الثورية الظافرة، فانها، السلطة الاشتراكية في اوروبا، تستطيع ان تقدم لروسيا المساعدة على التحول الى الاشتراكية بدون ان تمر في المرحلة الراسمالية. ولكن الثورة لم تحدث في اوروبا وتطور الانتاج في روسيا فنشأت طبقة راسمالية وتطورت محليا ونتيجة نشوء المشاريع الاجنبية فيها وانتفى بناء على ذلك كلا الشرطين الاساسيين للانتقال الى الاشتراكية بدون المرور في مرحلة الانتاج الراسمالي. اصبح الوضع في روسيا كما في سائر الدول الاقطاعية التي نشأت فيها طبقة راسمالية متطورة تحتاج الى القضاء على الطبقة الحاكمة الاقطاعية وتحويل المجتمع بثورة برجوازية الى مجتمع راسمالي.
تغير الوضع في سنة ١٩٢١ حين القى لينين خطابه في الاممية الشيوعية. في الاتحاد السوفييتي تحقق الشرط الاول في ثورة اكتوبر واصبحت الطبقة العاملة الروسية بروليتاريا ثورية ظافرة. ولم تكن الاوضاع الثورية في اوروبا منتهية اذ كان في الجو السياسي امل في ان تقوم ثورات اشتراكية اخرى غير الاتحاد السوفييتي. لم تتحقق ثورات ناجحة في دول اوروبا الراسمالية الاخرى رغم المحاولات العديدة.
في الاتحاد السوفييتي تحقق الشرط الاساسي الثاني ايضا. كانت روسيا القيصرية قد استولت على بلدان عديدة واستعمرتها. كانت سيبريا كلها والاسكيمو في شمال سيبريا ايضا تحت السيطرة الروسية. وعند نجاح ثورة اكتوبر تحولت هذه المستعمرات لتقع تحت سيطرة الدولة الاشتراكية. كان العديد من شعوب اسيا حينذاك في مراحل ابعد ما تكون عن تطور الانتاج الراسمالي. كانت ثمة شعوب ليست لها حتى لغات مكتوبة تعيش في ظروف تشبه العصر الحجري. وهذه الشعوب هي الشعوب التي يشملها خطاب لينين.
ماذا كان على دكتاتورية البروليتاريا ان تحققه في هذه البلدان المتأخرة؟ كان واجب دكتاتورية البروليتاريا ما كتبه لينين في خطابه وكانت دكتاتورية البروليتاريا تنفذه فعلا في هذه البلدان. لم يترك الاتحاد السوفييتي بلدان المستعمرات هذه تمر في مرحلة الاقطاع ثم الراسمالية لكي تنتقل الى بناء المجتمع الاشتراكي بل قامت بالعمل المثابر لتحويل هذه الشعوب المتأخرة الى شعوب اشتراكية مع شعوب الاتحاد السوفييتي المتقدمة. وكان هذا الواجب بالغ الصعوبة ولكن الاتحاد السوفييتي نجح في تحويل هذه الشعوب الى التطور الاشتراكي ابتداءا من تكوين لغاتهم المكتوبة ونشوء تاريخهم وثقافتهم بلغاتهم المحلية الى ان تحولت هذه الشعوب فعلا الى شعوب اشتراكية شانها في ذلك شأن الشعب الروسي. هذا هو معنى المفهوم الماركسي للتطور اللاراسمالي صوب الاشتراكية.
ماذا يحدث اذا تحقق احد الشرطين الاساسيين ولم يتحقق الشرط الثاني؟ الشرط الاول، وجود البروليتاريا الظافرة شرط حتمي لا وجود للقضية بدونه. اذ بدون ان تكون ثمة بروليتاريا ثورية ظافرة سائرة في طريق التطور الاشتراكي لا يمكن مساعدة الشعوب المتأخرة للتطور الى المرحلة الاشتراكية. وجود الجانب الاشتراكي في مثل هذه الحالة حتمي.
فما الذي يحصل اذا تحقق الشرط الاول ولم يتحقق الشرط الثاني؟ ان امكانية تحقق الشرط الاول بدون ان يتحقق الشرط الثاني ممكنة وواقعية. فثمة بلدان اقطاعية نشأت فيها طبقة راسمالية وتطورت وتحتاج الى القيام بثورة برجوازية لكي تتحول الى بلدان راسمالية. كانت بلدان عديدة في المستعمرات واشباه المستعمرات كان قد تطور فيها الانتاج الراسمالي رغم نظام حكمها الاقطاعي ولكن الثورة البرجوازية لم تتحقق فيها بعد لكي تتحول الى بلدان راسمالية. هذه البلدان تواجه مشكلة تحقق الثورة البرجوازية لانها لا تستطيع ان تحقق الثورة الاشتراكية قبل ان تحقق الثورة البرجوازية.
لماذا لا يمكن تحقيق الثورة الاشتراكية قبل تحقق الثورة البرجوازية؟ لكي تتحقق الثورة الاشتراكية ينبغي على الطبقة العاملة ان تطيح بالنظام الراسمالي. ولكن لا يمكن الاطاحة بالنظام الراسمالي اذا لم يكن هناك نظام راسمالي. ولذلك على الشيوعيين كما قال انجلز ان يسندوا البرجوازية لكي تحقق ثورتها باسرع ما يمكن لكي تستطيع الطبقة العاملة ان تطيح بها باسرع وقت ممكن.
لو فرضنا ان المجتمع في اذربايجان كان متطورا من الناحية الراسمالية رغم بقاء نظام الحكم اقطاعيا. يتحتم على اذربايجان ان تحقق الثورة البرجوازية قبل الانتقال الى مرحلة الثورة الاشتراكية. وهذا الوضع معروف لدينا لان العراق كان اثناء الحكم الملكي بلدا شبه اقطاعي شبه استعماري وكان تطوره يتطلب تحقيق الثورة البرجوازية التي تحققت في ثورة تموز. هناك في اذربايجان الافتراضية التي لم تتحقق فيها الثورة البرجوازية بعد تحقق الشرط الاول وجود البروليتاريا الثورية الظافرة في الاتحاد السوفييتي ولم يتحقق الشرط الثاني وجود اذربايجان متأخرة لم ينشأ فيها الانتاج الراسمالي بعد. فما هو واجب البروليتاريا الظافرة تجاه اذربايجان في مثل هذه الحالة؟ هل عليها ان تنتظر تحقيق الثورة البرجوازية في اذربايجان لكي تقودها الى الانتقال الى مرحلة بناء المجتمع الاشتراكي؟ بالطبع كان على الاتحاد السوفييتي ان يحول اذربايجان الى بلد اشتراكي بدون ان يمر في مرحلة الثورة البرجوازية.
الطريق اللاراسمالي في نظر ماركس وانجلز ولينين يقتضي اولا وقبل كل شيء وجود البروليتاريا الثورية الظافرة، اي البروليتاريا التي تحولت الى طبقة حاكمة لكي تستطيع تقديم المساعدة للمجتمعات التي لم ينشأ فيها الانتاج الراسمالي او التي لم تتحق فيها الثورات البرجوازية لتحاشي المرور في المرحلة الراسمالية للانتاج والتحول مباشرة الى الانتاج الاشتراكي.
ولكن الفترة التحريفية التي نشأت بتحول الاتحاد السوفييتي من دولة اشتراكية سائرة في اتجاه بناء المجتمع الشيوعي الى دولة تحريفية سائرة في اتجاه العودة الى المجتمع الراسمالي حرفت المفهوم الماركسي للطريق اللاراسمالي الى مفهوم يحقق استمرار النظام الراسمالي تحت شعارات ماركسية وهمية واستناد مشوه الى النظرية الماركسية للطريق اللاراسمالي. اطلق على بلدان كثيرة من البلدان المستعمرة والبلدان شبه المستعمرة او ما يسمى جزافا العالم الثالث بلدانا سائرة في الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية او البلدان ذات التوجه الاشتراكي. حتى الهند، هند انديرا غاندي، اعتبرها بريجنيف دولة سائرة في الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية. وابحث المثل العراقي كنموذج على جميع البلدان التي دخلت تحت هذا العنوان. ابحث على سبيل المثال العراق الذي اعتبر احد البلدان السائرة في الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية.
كان العراق في فترة الحكم الملكي بلدا شبه اقطاعي شبه استعماري نشأت فيه مشاريع راسمالية كبيرة امبريالية مباشرة او حكومية تحت ادارة امبريالية مثل السكك والنفط والميناء، وشركة لنج وغيرها. ونشأت في هذه المشاريع الراسمالية طبقة عاملة واسعة. اضافة الى المشاريع الراسمالية الاجنبية او الاجنبية الادارة نشأت شركات راسمالية محلية مثل مصانع النسيج والتبغ والاحذية والاسمنت والطابوق والكاشي وغيرها. واصبحت الطبقة العاملة العراقية طبقة متبلورة لها حزبها السياسي ومنظماتها النقابية العلنية والسرية خاضت نضالات واسعة للمطالبة بتحسين اوضاعها المعاشية والصحية والاجتماعية. تقدم الانتاج الراسمالي في العراق الى درجة نشأت فيه ضرورة تحقيق الثورة البرجوازية. وتحققت الثورة البرجوازية بشكل انقلاب عسكري تكونت فور نجاحه حكومة برجوازية مثالية. اي ان العراق اصبح مثذ ثورة تموز بلدا راسماليا شأنه شأن سائر البلدان الراسمالية السائرة في طريق التطور الراسمالي للانتاج الاجتماعي وجزءا من النظام الراسمالي العالمي.
في هذه الظروف رفع الحزب الشيوعي العراقي تحت تأثير الاتحاد السوفييتي التحريفي شعار الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية في بلد شبع تطورا راسماليا واتهم صدام حسين باختيار الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية ولجأ الى التحالف معه في السير في هذا الطريق. لا ابحث هنا موضوع الاختيار باعتباره نقضا واضحا وتاما للماركسية لان الماركسية لا تؤمن بامكانية الاختيار اذ تعتبر علاقات الانتاج هي التي تحدد طبيعة النظام ولا يمكن تغيير النظام الا عن طريق تغيير علاقات الانتاج. ونسبوا هذا الاتجاه الى ماركس ولينين على الاساس الذي جاء اعلاه.
راينا ان الشرط الاساسي الذي لا يمكن بدونه الحديث عن الطريق اللاراسمالي هو وجود البروليتاريا الثورية الظافرة. وفي عراق صدام حسين لم يتحقق هذا الشرط بل كانت الطبقة العاملة ترزح تحت اشد الظروف السياسية والاقتصادية والثقافية والتنظيمية شدة.
ولم يتحقق الشرط الثاني ايضا وهو وجود المجتمع في مرحلة لم ينشأ فيها الانتاج الراسمالي بعد. ففي العراق لم ينشأ انتاج راسمالي اجنبي ومحلي واسع النطاق وحسب بل تحققت فيه الثورة البرجوازية واصبحت الطبقة البرجوازية طبقة حاكمة. وهذه الطبقة الحاكمة البرجوازية بمختلف اشكالها اعتبرت سائرة في طريق لاراسمالي. كيف يمكن تحويل الطريق الراسمالي الى طريق لاراسمالي؟ هل يجب تحطيم الانتاج الراسمالي القائم لجعل الطريق طريقا لاراسماليا؟ او ان الطبقة الراسمالية الحاكمة تستطيع رفع المجتمع الى الاشتراكية كما يرفع الرباع الاثقال فوق راسه؟
ان خرافة الطريق اللاراسمالي طريق هدفه الاساسي والوحيد حرف الطبقة العاملة عن طريق نضالها الحقيقي، عن هدفها الاستراتيجي، هدف النضال ضد الطبقة الراسمالية الحاكمة والسير في اتجاه الثورة الاشتراكية من اجل الاطاحة بها وتحقيق النظام الاشتراكي والسير في طريق بناء المجتمع الاشتراكي.
لذا اعتبر ان من واجب جميع الثوريين الحقيقيين ان يزيحوا كل ما تبقى من اثر هذا الشعار التحريفي من اذهانهم.
احد المفاهيم التي شاعت في بلدان ما يسمى العالم الثالث او على الاقل في البلاد العربية نتيجة التحريفية الخروشوفية كان ما سمي الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية. وقد نسب منظرو نظرية الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية الى ماركس والى لينين.
كتب ماركس في احدى رسائله ما معناه انه في ظروف معينة يمكن ان تتحول الكومونة الفلاحية في روسيا الى الطريق الاشتراكي بدون المرور في المرحلة الراسمالية. فما هي هذه الظروف المعينة؟ انا لم اقرأ رسالة ماركس بهذا الصدد ولا يقتبس منظرو الطريق اللاراسمالي عبارة ماركس بنصها الاصلي. ولكني قرأت في احدى رسائل انجلز شرحا لما قاله كارل ماركس. وملخصه هو ان الطبقة العاملة الظافرة في اوروبا تستطيع ان تساعد روسيا على الانتقال من المرحلة الاقطاعية الى المرحلة الاشتراكية بدون المرور في المرحلة الراسمالية. هذا الشرط الاساسي، شرط انتصار الثورة الاشتراكية ووجود الطبقة العاملة الظافرة لا يشكل عاملا مهما لدى منظري هذا الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية.
ويشير منظرو الطريق اللاراسمالي الى لينين باعتباره مثل ماركس مؤسسا لنظرية الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية. والفقرة التي يستندون اليها مشوهة عادة، معروفة مقتبسة من خطاب القاه في الاممية الشيوعية اقتبسها بنصها الحقيقي ادناه:
"لقد طرحت المسألة بالشكل التالي: هل يمكننا ان نعتبر ان التأكيد القائل بان المرحلة الراسمالية في تطور الاقتصاد الوطني محتومة بالنسبة للشعوب المتأخرة التي تتحرر الان والتي نلاحظ في اوساطها بعد الحرب حركة في اتجاه التقدم، هو ـاكيد صحيح؟ وقد كان جوابنا على هذا السؤال سلبيا. فاذا ما قامت البرولياريا الثورية الظافرة بدعاية منتظمة بين هذه الشعوب، واذا ما ساعدتها الحكومات السوفييتية بجميع الوسائل الموجودة تحت تصرفها، عندئذ يصبح من غير الصحيح التأكيد بان مرحلة التطور الراسمالي هي مرحلة محتومة بالنسبة للاقوام المتاخرة. ان واجبنا في جميع المستعمرات والبلدان المتأخرة لا يقتصر على تكوين ملاكات مستقلة من المناضلين، لا يقتصر على تشكيل المنظمات الحزبية والقيام حالا بالدعاية من اجل تنظيم سوفييتات الفلاحين والسعي كي تصبح هذه السوفييتات ملائمة لظروف ما قبل الراسمالية، انما يتوجب كذلك على الاممية الشيوعية ان تقر وان تثبت نظريا انه بمساعدة البروليتاريا في البلدان المتقدمة يمكن للبلدان المتأخرة ان تنتقل الى النظام السوفييتي والى الشيوعية عبر درجات معينة من التطور متجنبة مرحلة التطور الراسمالي." (لينين، المختارات، مجلد ١٠ ص ٩٦)
نرى من هذا ان الشرط الاساسي الذي يتفق عليه ماركس وانجلز ولينين هو وجود البروليتاريا الثورية الظافرة. فما معنى عبارة البروليتاريا الثور ية الظافرة؟ معناها الوحيد هو ان تكون الطبقة العاملة قد ثارت على النظام الراسمالي واستولت على السلطة لكي تسير في عملية بناء المجتمع الاشتراكي.
والشرط الاساسي الثاني الذي يتفق عليه ماركس وانجلز ولينين هو وجود شعوب منفصلة عن البروليتاريا الثورية الظافرة تمر في مراحل متأخرة من التطور بحيث لم تنشأ فيها بعد بدايات الانتاج الراسمالي. ففي حالة روسيا التي تحدث عنها كارل ماركس كانت روسيا انذاك ما تزال في عصر القنانة، اي انها لم تعرف بعد الانتاج الراسمالي. ومعروف ان ماركس وانجلز كانا يعتبران ان الثورة الاشتراكية ينبغي ان تقوم في جميع او اغلب بلدان اوروبا الراسمالية. ففي حالة نجاح الثورة، واستيلاء الطبقة العاملة على السلطة في اوروبا، وهذا هو مفهوم البروليتاريا الثورية الظافرة، فانها، السلطة الاشتراكية في اوروبا، تستطيع ان تقدم لروسيا المساعدة على التحول الى الاشتراكية بدون ان تمر في المرحلة الراسمالية. ولكن الثورة لم تحدث في اوروبا وتطور الانتاج في روسيا فنشأت طبقة راسمالية وتطورت محليا ونتيجة نشوء المشاريع الاجنبية فيها وانتفى بناء على ذلك كلا الشرطين الاساسيين للانتقال الى الاشتراكية بدون المرور في مرحلة الانتاج الراسمالي. اصبح الوضع في روسيا كما في سائر الدول الاقطاعية التي نشأت فيها طبقة راسمالية متطورة تحتاج الى القضاء على الطبقة الحاكمة الاقطاعية وتحويل المجتمع بثورة برجوازية الى مجتمع راسمالي.
تغير الوضع في سنة ١٩٢١ حين القى لينين خطابه في الاممية الشيوعية. في الاتحاد السوفييتي تحقق الشرط الاول في ثورة اكتوبر واصبحت الطبقة العاملة الروسية بروليتاريا ثورية ظافرة. ولم تكن الاوضاع الثورية في اوروبا منتهية اذ كان في الجو السياسي امل في ان تقوم ثورات اشتراكية اخرى غير الاتحاد السوفييتي. لم تتحقق ثورات ناجحة في دول اوروبا الراسمالية الاخرى رغم المحاولات العديدة.
في الاتحاد السوفييتي تحقق الشرط الاساسي الثاني ايضا. كانت روسيا القيصرية قد استولت على بلدان عديدة واستعمرتها. كانت سيبريا كلها والاسكيمو في شمال سيبريا ايضا تحت السيطرة الروسية. وعند نجاح ثورة اكتوبر تحولت هذه المستعمرات لتقع تحت سيطرة الدولة الاشتراكية. كان العديد من شعوب اسيا حينذاك في مراحل ابعد ما تكون عن تطور الانتاج الراسمالي. كانت ثمة شعوب ليست لها حتى لغات مكتوبة تعيش في ظروف تشبه العصر الحجري. وهذه الشعوب هي الشعوب التي يشملها خطاب لينين.
ماذا كان على دكتاتورية البروليتاريا ان تحققه في هذه البلدان المتأخرة؟ كان واجب دكتاتورية البروليتاريا ما كتبه لينين في خطابه وكانت دكتاتورية البروليتاريا تنفذه فعلا في هذه البلدان. لم يترك الاتحاد السوفييتي بلدان المستعمرات هذه تمر في مرحلة الاقطاع ثم الراسمالية لكي تنتقل الى بناء المجتمع الاشتراكي بل قامت بالعمل المثابر لتحويل هذه الشعوب المتأخرة الى شعوب اشتراكية مع شعوب الاتحاد السوفييتي المتقدمة. وكان هذا الواجب بالغ الصعوبة ولكن الاتحاد السوفييتي نجح في تحويل هذه الشعوب الى التطور الاشتراكي ابتداءا من تكوين لغاتهم المكتوبة ونشوء تاريخهم وثقافتهم بلغاتهم المحلية الى ان تحولت هذه الشعوب فعلا الى شعوب اشتراكية شانها في ذلك شأن الشعب الروسي. هذا هو معنى المفهوم الماركسي للتطور اللاراسمالي صوب الاشتراكية.
ماذا يحدث اذا تحقق احد الشرطين الاساسيين ولم يتحقق الشرط الثاني؟ الشرط الاول، وجود البروليتاريا الظافرة شرط حتمي لا وجود للقضية بدونه. اذ بدون ان تكون ثمة بروليتاريا ثورية ظافرة سائرة في طريق التطور الاشتراكي لا يمكن مساعدة الشعوب المتأخرة للتطور الى المرحلة الاشتراكية. وجود الجانب الاشتراكي في مثل هذه الحالة حتمي.
فما الذي يحصل اذا تحقق الشرط الاول ولم يتحقق الشرط الثاني؟ ان امكانية تحقق الشرط الاول بدون ان يتحقق الشرط الثاني ممكنة وواقعية. فثمة بلدان اقطاعية نشأت فيها طبقة راسمالية وتطورت وتحتاج الى القيام بثورة برجوازية لكي تتحول الى بلدان راسمالية. كانت بلدان عديدة في المستعمرات واشباه المستعمرات كان قد تطور فيها الانتاج الراسمالي رغم نظام حكمها الاقطاعي ولكن الثورة البرجوازية لم تتحقق فيها بعد لكي تتحول الى بلدان راسمالية. هذه البلدان تواجه مشكلة تحقق الثورة البرجوازية لانها لا تستطيع ان تحقق الثورة الاشتراكية قبل ان تحقق الثورة البرجوازية.
لماذا لا يمكن تحقيق الثورة الاشتراكية قبل تحقق الثورة البرجوازية؟ لكي تتحقق الثورة الاشتراكية ينبغي على الطبقة العاملة ان تطيح بالنظام الراسمالي. ولكن لا يمكن الاطاحة بالنظام الراسمالي اذا لم يكن هناك نظام راسمالي. ولذلك على الشيوعيين كما قال انجلز ان يسندوا البرجوازية لكي تحقق ثورتها باسرع ما يمكن لكي تستطيع الطبقة العاملة ان تطيح بها باسرع وقت ممكن.
لو فرضنا ان المجتمع في اذربايجان كان متطورا من الناحية الراسمالية رغم بقاء نظام الحكم اقطاعيا. يتحتم على اذربايجان ان تحقق الثورة البرجوازية قبل الانتقال الى مرحلة الثورة الاشتراكية. وهذا الوضع معروف لدينا لان العراق كان اثناء الحكم الملكي بلدا شبه اقطاعي شبه استعماري وكان تطوره يتطلب تحقيق الثورة البرجوازية التي تحققت في ثورة تموز. هناك في اذربايجان الافتراضية التي لم تتحقق فيها الثورة البرجوازية بعد تحقق الشرط الاول وجود البروليتاريا الثورية الظافرة في الاتحاد السوفييتي ولم يتحقق الشرط الثاني وجود اذربايجان متأخرة لم ينشأ فيها الانتاج الراسمالي بعد. فما هو واجب البروليتاريا الظافرة تجاه اذربايجان في مثل هذه الحالة؟ هل عليها ان تنتظر تحقيق الثورة البرجوازية في اذربايجان لكي تقودها الى الانتقال الى مرحلة بناء المجتمع الاشتراكي؟ بالطبع كان على الاتحاد السوفييتي ان يحول اذربايجان الى بلد اشتراكي بدون ان يمر في مرحلة الثورة البرجوازية.
الطريق اللاراسمالي في نظر ماركس وانجلز ولينين يقتضي اولا وقبل كل شيء وجود البروليتاريا الثورية الظافرة، اي البروليتاريا التي تحولت الى طبقة حاكمة لكي تستطيع تقديم المساعدة للمجتمعات التي لم ينشأ فيها الانتاج الراسمالي او التي لم تتحق فيها الثورات البرجوازية لتحاشي المرور في المرحلة الراسمالية للانتاج والتحول مباشرة الى الانتاج الاشتراكي.
ولكن الفترة التحريفية التي نشأت بتحول الاتحاد السوفييتي من دولة اشتراكية سائرة في اتجاه بناء المجتمع الشيوعي الى دولة تحريفية سائرة في اتجاه العودة الى المجتمع الراسمالي حرفت المفهوم الماركسي للطريق اللاراسمالي الى مفهوم يحقق استمرار النظام الراسمالي تحت شعارات ماركسية وهمية واستناد مشوه الى النظرية الماركسية للطريق اللاراسمالي. اطلق على بلدان كثيرة من البلدان المستعمرة والبلدان شبه المستعمرة او ما يسمى جزافا العالم الثالث بلدانا سائرة في الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية او البلدان ذات التوجه الاشتراكي. حتى الهند، هند انديرا غاندي، اعتبرها بريجنيف دولة سائرة في الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية. وابحث المثل العراقي كنموذج على جميع البلدان التي دخلت تحت هذا العنوان. ابحث على سبيل المثال العراق الذي اعتبر احد البلدان السائرة في الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية.
كان العراق في فترة الحكم الملكي بلدا شبه اقطاعي شبه استعماري نشأت فيه مشاريع راسمالية كبيرة امبريالية مباشرة او حكومية تحت ادارة امبريالية مثل السكك والنفط والميناء، وشركة لنج وغيرها. ونشأت في هذه المشاريع الراسمالية طبقة عاملة واسعة. اضافة الى المشاريع الراسمالية الاجنبية او الاجنبية الادارة نشأت شركات راسمالية محلية مثل مصانع النسيج والتبغ والاحذية والاسمنت والطابوق والكاشي وغيرها. واصبحت الطبقة العاملة العراقية طبقة متبلورة لها حزبها السياسي ومنظماتها النقابية العلنية والسرية خاضت نضالات واسعة للمطالبة بتحسين اوضاعها المعاشية والصحية والاجتماعية. تقدم الانتاج الراسمالي في العراق الى درجة نشأت فيه ضرورة تحقيق الثورة البرجوازية. وتحققت الثورة البرجوازية بشكل انقلاب عسكري تكونت فور نجاحه حكومة برجوازية مثالية. اي ان العراق اصبح مثذ ثورة تموز بلدا راسماليا شأنه شأن سائر البلدان الراسمالية السائرة في طريق التطور الراسمالي للانتاج الاجتماعي وجزءا من النظام الراسمالي العالمي.
في هذه الظروف رفع الحزب الشيوعي العراقي تحت تأثير الاتحاد السوفييتي التحريفي شعار الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية في بلد شبع تطورا راسماليا واتهم صدام حسين باختيار الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية ولجأ الى التحالف معه في السير في هذا الطريق. لا ابحث هنا موضوع الاختيار باعتباره نقضا واضحا وتاما للماركسية لان الماركسية لا تؤمن بامكانية الاختيار اذ تعتبر علاقات الانتاج هي التي تحدد طبيعة النظام ولا يمكن تغيير النظام الا عن طريق تغيير علاقات الانتاج. ونسبوا هذا الاتجاه الى ماركس ولينين على الاساس الذي جاء اعلاه.
راينا ان الشرط الاساسي الذي لا يمكن بدونه الحديث عن الطريق اللاراسمالي هو وجود البروليتاريا الثورية الظافرة. وفي عراق صدام حسين لم يتحقق هذا الشرط بل كانت الطبقة العاملة ترزح تحت اشد الظروف السياسية والاقتصادية والثقافية والتنظيمية شدة.
ولم يتحقق الشرط الثاني ايضا وهو وجود المجتمع في مرحلة لم ينشأ فيها الانتاج الراسمالي بعد. ففي العراق لم ينشأ انتاج راسمالي اجنبي ومحلي واسع النطاق وحسب بل تحققت فيه الثورة البرجوازية واصبحت الطبقة البرجوازية طبقة حاكمة. وهذه الطبقة الحاكمة البرجوازية بمختلف اشكالها اعتبرت سائرة في طريق لاراسمالي. كيف يمكن تحويل الطريق الراسمالي الى طريق لاراسمالي؟ هل يجب تحطيم الانتاج الراسمالي القائم لجعل الطريق طريقا لاراسماليا؟ او ان الطبقة الراسمالية الحاكمة تستطيع رفع المجتمع الى الاشتراكية كما يرفع الرباع الاثقال فوق راسه؟
ان خرافة الطريق اللاراسمالي طريق هدفه الاساسي والوحيد حرف الطبقة العاملة عن طريق نضالها الحقيقي، عن هدفها الاستراتيجي، هدف النضال ضد الطبقة الراسمالية الحاكمة والسير في اتجاه الثورة الاشتراكية من اجل الاطاحة بها وتحقيق النظام الاشتراكي والسير في طريق بناء المجتمع الاشتراكي.
لذا اعتبر ان من واجب جميع الثوريين الحقيقيين ان يزيحوا كل ما تبقى من اثر هذا الشعار التحريفي من اذهانهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق