الرفيق حسقيل قوجمان
سياسة الانهاك لتحطيم الثورة
بعد اسابيع يحتفل الشعب المصري بمرور سنة على اعظم ثوراته. ولكن الثورة لم تحقق بعد ايا من اهدافها في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية بل لم تحقق حتى ابسط اهدافها الاقتصادية.
كانت الثورة بالملايين من شبابها مفاجـأة لكافة عناصر نظام الحكم الذي رزح تحت نيره الشعب المصري ثلاثين عاما. وكان طبيعيا ان تلجأ السلطات الى وسائلها المألوفة في قمع الثورات عن طريق الشرطة والجيش والاعتقالات والتعذيب وغيرها. ولكن الثورة هذه المرة اثبتت صمودها البطولي ضد كافة هذه الاجراءات مما اقنع السلطات بان الاساليب القديمة لم تعد كافية لاخماد الثورة والقضاء على قادتها والناشطين فيها. فقرروا اتخاذ وسائل اخرى لتحطيمها والقضاء عليها.
في الظاهر او ما يدور في الاوساط السياسية هو ان المجلس العسكري اجبر حسني مبارك على التخلي عن رئاسة الجمهورية. ولكن المنطق يوحي الى خلاف ذلك. يبدو ان قناعة السلطة بعدم جدوى الهجوم العسكري والبوليسي على الثورة لاخمادها اضطرتها الى وضع خطة جديدة بالاتفاق مع حسني مبارك او باقناعه على التخلي عن مهام رئاسة الجمهورية واعدين اياه بعدم تغير اي شيء جراء ذلك. ربما وعدوه بان المجلس العسكري بخطته الجديدة سيفلح في احباط الثورة ويعيد الامور الى نصابها وربما حتى اعادة حسني مبارك او جمال مبارك الى رئاسة الجمهورية. وعلى كل حال فان الاعلان عن تخلي حسني مبارك عن مهام رئاسة الجمهورية يمكن منطقيا انكاره لان مبارك لم يعلن عن ذلك شخصيا. اضف الى ذلك ان تخليه عن مهام رئاسة الجمهورية لا يعني بالضرورة تخليه عن مهامه الاخرى ومنها مثلا رئاسة المجلس العسكري.
وعلى اي حال تخلى مبارك عن مهام رئاسة الجمهورية واستلم المجلس العسكري برئاسة المشير طنطاوي خادم مبارك لاكثر من عشرين عاما ادارة شؤون البلاد سياسيا وقانونيا وقضائيا وتنفيذيا وعسكريا وبوليسيا واعلاميا بامر من الرئيس المتخلي عن مهامه. ويرى الكثير ان هذا التكليف غير قانوني وغير دستوري.
بصرف النظر عن شرعية سيطرة المجلس العسكري على الحكم او عدم شرعيتها فانها اصبحت واقعا وحتى اضفي عليها طابع الشرعية الثورية، اي ان الثورة هي التي منحت المجلس العسكري حق الاستيلاء على السلطة وان شرعية سلطة المجلس العسكري هي من الثورة. ويذكر ان الطنطاوي نزل الى ميدان التحرير فقوبل بالترحيب والهتافات. سلطة المجلس العسكري اصبحت امرا واقعا. فما هي خطته الجديدة لاحباط الثورة واعادة نظام مبارك الى اسوأ مما كان؟ يبدو لي انها سياسة الانهاك ثم الهجوم العام.
ما معنى سياسة الانهاك؟ معناه ترك الثوار بملايينهم يتظاهرون ويعتصمون كما يشاؤون. يهتفون بما شاء لهم من هتافات ويطالبون بما يريدون من مطاليب. ولكن المجلس العسكري لا يلبي ايا من هذه المطاليب ولا يعير لملايين المتظاهرين اي اهتمام. ولابد للثوار ان يتعبوا ويملوا من هذه المظاهرات والاعتصامات ويعودوا الى ديارهم واذذاك تسنح الفرصة للمجلس العسكري ان يشن هجومه العام على قيادات وناشطي الثورة بموجب قانون الطوارئ وينهي هذه الثورة او الفورة حسب تعبيرهم.
قدر حسني مبارك هذه الفترة التي سماها الفترة الانتقالية بستة اشهر وحددها المجلس العسكري بعد تخليه بستة اشهر حسب تقدير قائدهم. ولكننا اليوم نرى قرب انتهاء السنة الاولى من الثورة ولم يتحقق هدف المجلس العسكري في اخمادها او انهاكها. فبقيت جماهير الثورة تنادي بمطالبها وتهتف بشعاراتها وبقيت السلطة العسكرية تتجاهل هذه الاهداف والمطالب بدون ان تغير من نظام مبارك اي شيء.
لنأخذ على سبيل المثال احكام الطوارئ. احكام الطوارئ ظروف شاذة تلجأ اليها الدول عادة عند الشدائد. ونظام الطوارئ يعني الغاء جميع القوانين والدستور والحكم وفقا لهذا النظام الذي لا يلتزم بقانون او دستور. تعلن الدول قانون الطوارئ عند الشدائد كاعلان الحرب او السونامي او الفيضانات المدمرة او الهزات الارضية الشديدة الخطورة لكي تسنح لها الفرصة في التصرف بالطريقة التي تحتمها هذه الشدائد بدون اللجوء على الدستور والقانون. ولكن في كل الاحوال تكون فترة احكام الطوارئ مقصورة على مدة ضرورة ممارستها لمعالجة الظروف القاهرة التي فرضتها. ولكن الشعب المصري عاش ثلاثين عاما تحت قوانين الطوارئ ولم يهنأ بيوم واحد يعيشه بدون قوانين الطوارئ. واعلن حسني مبارك في خطابه الاخير انه سيفكر بالغاء قانون الطوارئ بعد انتهاء الفترة الانتقالية. ولكن لحد اليوم لا الفترة الانتقالية انتهت ولا احكام الطوارئ الغيت.
ولكن الثورة لم تبلغ لحد الان وضع الانهاك الذي يريده المجلس العسكري لبدء هجومه العام على الثورة. ولم يقتصر المجلس العسكري على تجاهل الثورة وعدم الاستجابة لها وانما اتخذ اجراءات اخرى للتعجيل في انهاكها. لنأخذ على سبيل المثال فحص بكارة الفتيات الثائرات. ان هذا الفحص اعتداء صارخ على شرف وعفة الفتيات اللواتي اجري الفحص عليهن. بل ان هذا الفحص اعتداء على شرف وعرض عوائل هؤلاء الفتيات. انه اعتداء على شرف الشعب المصري كله بكل فتياته وابائهن وامهاتهن واخوتهن واخواتهن. انه اعتداء لا اعتقد انه اجري في اي بلد اخر حتى في البلدان النازية. ولكن ما علاقة الثورة والثائرات بغشاء بكارتهن؟ هل يدل وجود الغشاء على ان الفتاة ثائرة وعدم وجود الغشاء على ان الفتاة بلطجية وارهابية؟ ليس هناك حتى لدى المجلس العسكري اية حجة تبرر هذا الفحص. ولكن المجلس العسكري ابتكر مثل هذا الفحص من اجل تسريع هدفه الاساسي، هدف انهاك الثورة. فقد توخى ان الفتيات سينسحبن من ميدان الثورة تحاشيا لاجراء مثل هذا الفحص عليهن وان عوائل الفتيات تجبر فتياتهن على التخلي عن الاشتراك في الثورة لتحاشي تعرضهن لمثل هذا الاجراء اللا انساني المهين. ان اتخاذ مثل هذه الخطوة اللا انسانية الوحشية كان مدروسا ومقررا بغية سحب الجنس النسائي من الثورة وتحقيق جزء كبير من هدف انهاكها.
اضافة الى هذه الاجراءات اشترى المجلس العسكري جميع وسائل الاعلام للدعاية ضد الثورة. اننا نرى بام اعيننا اليوم وسائل الاعلام التي تكيل كل اصناف الاتهامات للثورة وللثوار. راينا اعتبار الثورة فورة وليست ثورة. راينا اتهام الثوار بالبلطجية والمخربين ومدمري مؤسسات الدولة والقائمين باعمال السلب والنهب. نرى اتهام الثورة بانها ممولة من الخارج. نرى اتهام الثورة بانها سبب التدهور الاقتصادي وانخفاض السياحة وخسائر البورصة وغيرها. نرى التهديد الحكومي بتعرض مصر الى الانهيار الاقتصادي بسبب الثورة والى اخر ذلك من دعايات وسائل الاعلام لابعاد الناس عن الثورة وتحقيق هدفها في انهاك الثورة.
طيلة هذه السنة من عمر الثورة لم يتفضل المجلس العسكري بالاجتماع الى ممثلين من الشباب الثائر وكل مشاوراته اقتصرت على الاتصال ببعض الاحزاب التي كانت ممالئة لنظام مبارك من اجل عقد التفاقات مع المجلس ضد الثورة.
الثورة المصرية ثورة شعبية سلمية. ولكنها ثورة سلمية من جانب واحد. فالجانب الثاني، نظام مبارك الذي مازال حاكما برمته ولم يتغير منه اي شيء، لا يعترف بسلمية الثورة بل يهدف الى تحطيم الثورة بكل ما لديه من قوى. والثورة السلمية بطبيعتها لا تستطيع تحقيق اهدافها بقواها الخاصة ولذلك فهي تطالب اعداء الثورة بمنحها المطالب التي تهدف الى تحقيقها. مثال واحد هو مطلب تشكيل حكومة انقاذ وطني. تريد الثورة انشاء حكومة انقاذ تنقذ الثورة من اعدائها. ولكنها لم تستطع بقواها الخاصة ان تفرض مثل هذه الحكومة وبقيت تطالب عدو الثورة، المجلس العسكري، بمنحها حكومة انقاذ وطني. وشكل المجلس العسكري حكومة الجنزوري مطلقا عليها اسم حكومة الانقاذ. تطالب الثورة بحكومة انقاذ تنقذها من اعداء الثورة فعين المجلس العسكري حكومة انقاذ لانقاذ نظام مبارك من الثورة. وقد راينا ان اقدام وزارة الجنزوري تلوثت عند دخولها مقر الوزارة بدماء الشعب المصري المنهار في ساحتها.
ينتظر المجلس العسكري انهاك الثورة وتباطأها لشن هجومه العام لتحطيم الثورة وشن حرب ابادة على الثوار وقادتهم. ولكنه من حين الى اخر يشن هجمات جس النبض مثل ما حدث في الايام الاخيرة حين هجم العديد من الجنود والضباط هجوما وحشيا شاهدناه على شاشات التلفزة ولم يشاهده الجنزوري او الطنطاوي. هجوم وحشي لا يمكن اعتبار القائمين به بشرا كالهجوم بالعشرات على جسم ملقى على الارض والقفز على صدورهم وتعرية الفتاة وسحبها من شعرها. وعند فشل الهجوم يعلن المجلس العسكري عن معالجة المصابين في مستشفياته وتعويض عوائل الضحايا بدفع مبلغ من المال بدلا من ابنتهم او ابنهم المقتول. لا نهاية لسرد مثل هذه المآسي الاجرامية.
انا لست من شباب الثورة وليتني كنت منهم وانا لست مصريا ويشرفني لو كنت مصريا. ولكني احب الشعب الصري كما احب شعبي وكما احب شعوب العالم اجمع بلا استثناء. وكمراقب من بعيد اشعر واتلمس الخطر المحدق بهذه الثورة السلمية من اعداء لا يتورعون عن اقتراف ابشع الجرائم ضد الانسانية من اجل تحطيم الثورة والحفاظ على نظامهم. افكر في هذه الثورة السلمية وفي كيفية انقاذها من الهجوم القادم الذي يبيته ويعد له النظام القائم او الحد من شراسته على الاقل.
يبدو لي ان هذه الثورة السلمية حتى النهاية ينبغي ان ترفق بثورة سليمة اخرى لا تجري في ساحة التحرير او ساحات التحرير في ارجاء القطر المصري. ثورة سلمية اخرى تجري في كل بيت ووسط كل عائلة مصرية.
ان النظام المعادي للثورة لا يستطيع تنفيذ هجومه بدون الاستعانة بالجيش المصري والشرطة المصرية. وافراد الجيش وافراد الشرطة والمراتب الدنيا من الجيش والشرطة هم ابناء العوائل المصرية. لكل فرد او ضابط مصري اباء وامهات واخوة واخوات وابناء وبنات. اعتقد ان الثورة السلمية داخل العوائل المصرية هي العمل على كسب ابنائها من افراد وضباط الجيش والشرطة الى جانب الثورة السلمية في ميادين التحرير بحيث انهم يعصون اوامر الهجوم على الشعب المصري وشن حرب ابادة على الثورة السلمية في الميادين. ان كسب افراد الجيش ومراتبه الدنيا قد يحبط او يضيق من قدرة اعداء الثورة على شن الهجوم على الثورة من اجل تحطيمها. بل قد يشكل عصيان هؤلاء على الهجوم سد دفاع عن الثوار اثناء الهجوم. ان صيانة الثورة في ميادين التحرير بحاجة الى ان تساندها ثورة سلمية اخرى في كل بيت مصري وفي كل عائلة مصرية.
بعد اسابيع يحتفل الشعب المصري بمرور سنة على اعظم ثوراته. ولكن الثورة لم تحقق بعد ايا من اهدافها في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية بل لم تحقق حتى ابسط اهدافها الاقتصادية.
كانت الثورة بالملايين من شبابها مفاجـأة لكافة عناصر نظام الحكم الذي رزح تحت نيره الشعب المصري ثلاثين عاما. وكان طبيعيا ان تلجأ السلطات الى وسائلها المألوفة في قمع الثورات عن طريق الشرطة والجيش والاعتقالات والتعذيب وغيرها. ولكن الثورة هذه المرة اثبتت صمودها البطولي ضد كافة هذه الاجراءات مما اقنع السلطات بان الاساليب القديمة لم تعد كافية لاخماد الثورة والقضاء على قادتها والناشطين فيها. فقرروا اتخاذ وسائل اخرى لتحطيمها والقضاء عليها.
في الظاهر او ما يدور في الاوساط السياسية هو ان المجلس العسكري اجبر حسني مبارك على التخلي عن رئاسة الجمهورية. ولكن المنطق يوحي الى خلاف ذلك. يبدو ان قناعة السلطة بعدم جدوى الهجوم العسكري والبوليسي على الثورة لاخمادها اضطرتها الى وضع خطة جديدة بالاتفاق مع حسني مبارك او باقناعه على التخلي عن مهام رئاسة الجمهورية واعدين اياه بعدم تغير اي شيء جراء ذلك. ربما وعدوه بان المجلس العسكري بخطته الجديدة سيفلح في احباط الثورة ويعيد الامور الى نصابها وربما حتى اعادة حسني مبارك او جمال مبارك الى رئاسة الجمهورية. وعلى كل حال فان الاعلان عن تخلي حسني مبارك عن مهام رئاسة الجمهورية يمكن منطقيا انكاره لان مبارك لم يعلن عن ذلك شخصيا. اضف الى ذلك ان تخليه عن مهام رئاسة الجمهورية لا يعني بالضرورة تخليه عن مهامه الاخرى ومنها مثلا رئاسة المجلس العسكري.
وعلى اي حال تخلى مبارك عن مهام رئاسة الجمهورية واستلم المجلس العسكري برئاسة المشير طنطاوي خادم مبارك لاكثر من عشرين عاما ادارة شؤون البلاد سياسيا وقانونيا وقضائيا وتنفيذيا وعسكريا وبوليسيا واعلاميا بامر من الرئيس المتخلي عن مهامه. ويرى الكثير ان هذا التكليف غير قانوني وغير دستوري.
بصرف النظر عن شرعية سيطرة المجلس العسكري على الحكم او عدم شرعيتها فانها اصبحت واقعا وحتى اضفي عليها طابع الشرعية الثورية، اي ان الثورة هي التي منحت المجلس العسكري حق الاستيلاء على السلطة وان شرعية سلطة المجلس العسكري هي من الثورة. ويذكر ان الطنطاوي نزل الى ميدان التحرير فقوبل بالترحيب والهتافات. سلطة المجلس العسكري اصبحت امرا واقعا. فما هي خطته الجديدة لاحباط الثورة واعادة نظام مبارك الى اسوأ مما كان؟ يبدو لي انها سياسة الانهاك ثم الهجوم العام.
ما معنى سياسة الانهاك؟ معناه ترك الثوار بملايينهم يتظاهرون ويعتصمون كما يشاؤون. يهتفون بما شاء لهم من هتافات ويطالبون بما يريدون من مطاليب. ولكن المجلس العسكري لا يلبي ايا من هذه المطاليب ولا يعير لملايين المتظاهرين اي اهتمام. ولابد للثوار ان يتعبوا ويملوا من هذه المظاهرات والاعتصامات ويعودوا الى ديارهم واذذاك تسنح الفرصة للمجلس العسكري ان يشن هجومه العام على قيادات وناشطي الثورة بموجب قانون الطوارئ وينهي هذه الثورة او الفورة حسب تعبيرهم.
قدر حسني مبارك هذه الفترة التي سماها الفترة الانتقالية بستة اشهر وحددها المجلس العسكري بعد تخليه بستة اشهر حسب تقدير قائدهم. ولكننا اليوم نرى قرب انتهاء السنة الاولى من الثورة ولم يتحقق هدف المجلس العسكري في اخمادها او انهاكها. فبقيت جماهير الثورة تنادي بمطالبها وتهتف بشعاراتها وبقيت السلطة العسكرية تتجاهل هذه الاهداف والمطالب بدون ان تغير من نظام مبارك اي شيء.
لنأخذ على سبيل المثال احكام الطوارئ. احكام الطوارئ ظروف شاذة تلجأ اليها الدول عادة عند الشدائد. ونظام الطوارئ يعني الغاء جميع القوانين والدستور والحكم وفقا لهذا النظام الذي لا يلتزم بقانون او دستور. تعلن الدول قانون الطوارئ عند الشدائد كاعلان الحرب او السونامي او الفيضانات المدمرة او الهزات الارضية الشديدة الخطورة لكي تسنح لها الفرصة في التصرف بالطريقة التي تحتمها هذه الشدائد بدون اللجوء على الدستور والقانون. ولكن في كل الاحوال تكون فترة احكام الطوارئ مقصورة على مدة ضرورة ممارستها لمعالجة الظروف القاهرة التي فرضتها. ولكن الشعب المصري عاش ثلاثين عاما تحت قوانين الطوارئ ولم يهنأ بيوم واحد يعيشه بدون قوانين الطوارئ. واعلن حسني مبارك في خطابه الاخير انه سيفكر بالغاء قانون الطوارئ بعد انتهاء الفترة الانتقالية. ولكن لحد اليوم لا الفترة الانتقالية انتهت ولا احكام الطوارئ الغيت.
ولكن الثورة لم تبلغ لحد الان وضع الانهاك الذي يريده المجلس العسكري لبدء هجومه العام على الثورة. ولم يقتصر المجلس العسكري على تجاهل الثورة وعدم الاستجابة لها وانما اتخذ اجراءات اخرى للتعجيل في انهاكها. لنأخذ على سبيل المثال فحص بكارة الفتيات الثائرات. ان هذا الفحص اعتداء صارخ على شرف وعفة الفتيات اللواتي اجري الفحص عليهن. بل ان هذا الفحص اعتداء على شرف وعرض عوائل هؤلاء الفتيات. انه اعتداء على شرف الشعب المصري كله بكل فتياته وابائهن وامهاتهن واخوتهن واخواتهن. انه اعتداء لا اعتقد انه اجري في اي بلد اخر حتى في البلدان النازية. ولكن ما علاقة الثورة والثائرات بغشاء بكارتهن؟ هل يدل وجود الغشاء على ان الفتاة ثائرة وعدم وجود الغشاء على ان الفتاة بلطجية وارهابية؟ ليس هناك حتى لدى المجلس العسكري اية حجة تبرر هذا الفحص. ولكن المجلس العسكري ابتكر مثل هذا الفحص من اجل تسريع هدفه الاساسي، هدف انهاك الثورة. فقد توخى ان الفتيات سينسحبن من ميدان الثورة تحاشيا لاجراء مثل هذا الفحص عليهن وان عوائل الفتيات تجبر فتياتهن على التخلي عن الاشتراك في الثورة لتحاشي تعرضهن لمثل هذا الاجراء اللا انساني المهين. ان اتخاذ مثل هذه الخطوة اللا انسانية الوحشية كان مدروسا ومقررا بغية سحب الجنس النسائي من الثورة وتحقيق جزء كبير من هدف انهاكها.
اضافة الى هذه الاجراءات اشترى المجلس العسكري جميع وسائل الاعلام للدعاية ضد الثورة. اننا نرى بام اعيننا اليوم وسائل الاعلام التي تكيل كل اصناف الاتهامات للثورة وللثوار. راينا اعتبار الثورة فورة وليست ثورة. راينا اتهام الثوار بالبلطجية والمخربين ومدمري مؤسسات الدولة والقائمين باعمال السلب والنهب. نرى اتهام الثورة بانها ممولة من الخارج. نرى اتهام الثورة بانها سبب التدهور الاقتصادي وانخفاض السياحة وخسائر البورصة وغيرها. نرى التهديد الحكومي بتعرض مصر الى الانهيار الاقتصادي بسبب الثورة والى اخر ذلك من دعايات وسائل الاعلام لابعاد الناس عن الثورة وتحقيق هدفها في انهاك الثورة.
طيلة هذه السنة من عمر الثورة لم يتفضل المجلس العسكري بالاجتماع الى ممثلين من الشباب الثائر وكل مشاوراته اقتصرت على الاتصال ببعض الاحزاب التي كانت ممالئة لنظام مبارك من اجل عقد التفاقات مع المجلس ضد الثورة.
الثورة المصرية ثورة شعبية سلمية. ولكنها ثورة سلمية من جانب واحد. فالجانب الثاني، نظام مبارك الذي مازال حاكما برمته ولم يتغير منه اي شيء، لا يعترف بسلمية الثورة بل يهدف الى تحطيم الثورة بكل ما لديه من قوى. والثورة السلمية بطبيعتها لا تستطيع تحقيق اهدافها بقواها الخاصة ولذلك فهي تطالب اعداء الثورة بمنحها المطالب التي تهدف الى تحقيقها. مثال واحد هو مطلب تشكيل حكومة انقاذ وطني. تريد الثورة انشاء حكومة انقاذ تنقذ الثورة من اعدائها. ولكنها لم تستطع بقواها الخاصة ان تفرض مثل هذه الحكومة وبقيت تطالب عدو الثورة، المجلس العسكري، بمنحها حكومة انقاذ وطني. وشكل المجلس العسكري حكومة الجنزوري مطلقا عليها اسم حكومة الانقاذ. تطالب الثورة بحكومة انقاذ تنقذها من اعداء الثورة فعين المجلس العسكري حكومة انقاذ لانقاذ نظام مبارك من الثورة. وقد راينا ان اقدام وزارة الجنزوري تلوثت عند دخولها مقر الوزارة بدماء الشعب المصري المنهار في ساحتها.
ينتظر المجلس العسكري انهاك الثورة وتباطأها لشن هجومه العام لتحطيم الثورة وشن حرب ابادة على الثوار وقادتهم. ولكنه من حين الى اخر يشن هجمات جس النبض مثل ما حدث في الايام الاخيرة حين هجم العديد من الجنود والضباط هجوما وحشيا شاهدناه على شاشات التلفزة ولم يشاهده الجنزوري او الطنطاوي. هجوم وحشي لا يمكن اعتبار القائمين به بشرا كالهجوم بالعشرات على جسم ملقى على الارض والقفز على صدورهم وتعرية الفتاة وسحبها من شعرها. وعند فشل الهجوم يعلن المجلس العسكري عن معالجة المصابين في مستشفياته وتعويض عوائل الضحايا بدفع مبلغ من المال بدلا من ابنتهم او ابنهم المقتول. لا نهاية لسرد مثل هذه المآسي الاجرامية.
انا لست من شباب الثورة وليتني كنت منهم وانا لست مصريا ويشرفني لو كنت مصريا. ولكني احب الشعب الصري كما احب شعبي وكما احب شعوب العالم اجمع بلا استثناء. وكمراقب من بعيد اشعر واتلمس الخطر المحدق بهذه الثورة السلمية من اعداء لا يتورعون عن اقتراف ابشع الجرائم ضد الانسانية من اجل تحطيم الثورة والحفاظ على نظامهم. افكر في هذه الثورة السلمية وفي كيفية انقاذها من الهجوم القادم الذي يبيته ويعد له النظام القائم او الحد من شراسته على الاقل.
يبدو لي ان هذه الثورة السلمية حتى النهاية ينبغي ان ترفق بثورة سليمة اخرى لا تجري في ساحة التحرير او ساحات التحرير في ارجاء القطر المصري. ثورة سلمية اخرى تجري في كل بيت ووسط كل عائلة مصرية.
ان النظام المعادي للثورة لا يستطيع تنفيذ هجومه بدون الاستعانة بالجيش المصري والشرطة المصرية. وافراد الجيش وافراد الشرطة والمراتب الدنيا من الجيش والشرطة هم ابناء العوائل المصرية. لكل فرد او ضابط مصري اباء وامهات واخوة واخوات وابناء وبنات. اعتقد ان الثورة السلمية داخل العوائل المصرية هي العمل على كسب ابنائها من افراد وضباط الجيش والشرطة الى جانب الثورة السلمية في ميادين التحرير بحيث انهم يعصون اوامر الهجوم على الشعب المصري وشن حرب ابادة على الثورة السلمية في الميادين. ان كسب افراد الجيش ومراتبه الدنيا قد يحبط او يضيق من قدرة اعداء الثورة على شن الهجوم على الثورة من اجل تحطيمها. بل قد يشكل عصيان هؤلاء على الهجوم سد دفاع عن الثوار اثناء الهجوم. ان صيانة الثورة في ميادين التحرير بحاجة الى ان تساندها ثورة سلمية اخرى في كل بيت مصري وفي كل عائلة مصرية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق