ناظم الماوي
وفاة نيلسن مانديلا و نظرة الماركسيين المزيفين البرجوازية للعالم .
أثارت وفاة نيلسن مانديلا سيلا من التعاليق حولالعالم سواء من أشخاص أو منظمات وأحزاب او دول . و إعتبارا لأنّنا من المهتمين بمواقف " اليسار " و الخطّ الإيديولوجي و السياسي لمنظّماته و أحزابه ، تابعنا عن كثب ما صدر من بيانات ومواقف لنكتشف مجدّدا ، مثلما حصل الأمر مع وفاة هوغو تشافيز ، أنّ الغالبية الغالبة تسير فى ركاب الخطاب الإمبريالي الرجعي و تعبّر عن نظرة برجوازية للعالم .
1- كيل المديح و النظرة الإحادية الجانب :
منذ سنوات و القوى الإمبريالية و الرجعية حول العالم ترفع نيلسن مانديلا إلى السماء و تجعل منه نموذجا يحتذى به و رمزا للوفاق الوطني وبمناسبة وفاته قامت هذه القوى بحملة دعاية عالمية ملمّعة صورته إلى أقصى الحدود . و توقعنا أن يسلك الماركسيون المزيفون ذات السياسة و بالفعل سلكوها . فهذا حزب العماّل التونسي فى بيانه يجعل منه " بطل النضال من أجل الحرية والمساواة والعدالة والتقدّم" و أدهى من ذلك - و لاحظوا جيدا " تجربته فى الحكم " !!! و قد يبعث هذا القرف لدى الشيوعيين الحقيقيين ، الثوريين حول العالم – يجعل تجربته فى السجن و في الحكم نبراسا يستمدّ منها كل مناضلي العالم الدروس والطّاقة لمواصلة مسيرة الثورة والنضال " ؛ و هذا الحزب الوطني الإشتراكي الثوري- الوطد يستشهد بمقولة لمانديلا عن الحرية ( الحرية هكذا بصيغة عامة !) و هلمّجرا . و كيل المديح ثمّ المديح و لا شيء غير المديح لمانديلا على وجه العموم أمر ينسحب على معظم المنظمات و الأحزاب الماركسية المزيفة العربية . و كأنّ لسان حالهم يصرخ و بناقوس يدقّ و بمئذنة يصيح الطريق الذى سلكه مانديلا صحيح صحيح .
و هذا الموقف البرجوازي من الذين لم ينبسوا ببنت كلمة بشأن إغتيال آزاد القائد اللشيوعي الماوي الثوري الهندي والناطق الرسمي بإسم الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و بشأن إغتيال رفيقه أيضا كيسنجي القائد العام لجيش التحرير الشعبي الذى يخوض حرب الشعب بغاية تحطيم الدولة الرجعية و إنشاء دولة هدفها الأسمى بلوغ الشيوعية ، خاطئ لسببين إثنين أولهما أنّه يعتمد نظرة إحادية الجانب تشدّد على جانب واحد من أعمال و سياسات نيلسن مانديلا – نضاله ضد نظام الميز العنصري بطريقة ليست بروليتارية منهجا و أهدافا – و تضخّمه لتجعل منه الشجرة التى تخفى الغابة – و منها مساومة مانديلا بالمصالح الجوهرية للجماهير الشعبية فى مفاوضاته مع القوى الإمبريالية و الرجعية المحلّية - ؛ فى حين أنّ المادية الجدلية تفرض إجراء تحليل علمي لطرفي الظاهرة ، السيروة أو الشيئ أي التناقض المعني بمعنى تحليل تلك الأعمال و السياسات و تقييمها ( من وجهة نظر بروليتارية بالنسبة للماركسيين الحقيقيين ) بجانبيها الإيجابي و السلبي و من ثمّة تشخيص ما هو الرئيسي و ما هو الثانوي و تعيين طبيعة الشيء بطرفه الرئيسي و المهيمن مع عدم صرف النظر عن الثانوي . و السبب الثاني الذى يقف وراء إعتبارنا ذلك الموقف البرجوازي خاطئا هو أنّه ينهض على رؤية مثالية للواقع فيصوّر الواقع الموضوعي على غير ما هو عليه . فحقيقة ما كرّسه نيلسن مانديلا من سياسات لها آثارها فى الواقع الملموس . و التحليل الملموس للواقع الملموس يكذّب ما يروّج له الماركسيّون المزيفون عن مانديلا و يبيّن بما لا يدع مجالا للشكّ أنّ غالبية الجماهير الشعبية فى أفريقيا الجنوبية لم تتحرّر من براثن الإضطهاد و الإستغلال الجندري و الطبقي و القومي وهي لا تزال تعاني الأمرّين يوميّا .
2- من واقع الإستغلال و الإضطهاد المستمرّين فى جنوب أفريقيا :
لا نرمي هنا إلى تقديم عرض تحليلي مفصّل قد يستدعي عشرات بل مئات الصفحات لتناول المسألة من كافة جوانبها الإقتصادية و الإجتماعية و السياسية و الثقافية ( و من يرنو إلى المعرفة الدقيقة و العميقة بهذا المضمار عليه بمجلة "عالم نربحه " و بمقالات " أخبار عالم نربحه " وهي متوفّرة على الأنترنت بموقع
http://www.awtw.org
و مقالات عديدة كذلك على موقع
www.revcom.us
، و إنّما نذكّر ببعض المعطيات ذات الدلالة البليغة . فحكومة دولة جنوب أفريقيا التى ساهم المؤتمر الوطني الأفريقي فى إعادة هيكلتها و ترميمها لا يزال يقودها حزب مانديلا منذ أواسط تسعينات القرن الماضي و عقب عقدين من الحكم ما هي النتيجة بإختصار شديد ؟ النتيجة هي تكوّن فئة صغيرة من السود المترفّهين الذين إنضمّوا إلى الطبقات الحاكمة و عدم تغيّر وضع معظم الجماهير الشعبية التى لا زالت تعيش فى ظروف فظيعة فى مجتمع من أكثر المجتمعات لامساواة على الكرة الأرضية . فأزيد من نصف سكان جنوب أفريقيا يعيشون تحت حدّ الفقر ومصدر ماء الشراب لمليون وأربعة مائة ألف طفل ملوّث و نساء جنوب أفريقيا يتعرّضن إلى الإغتصاب يوميّا و نسبة الإغتصاب هناك من أعلى النسب فى العالم ... و من أهمّ مؤشرات بداية إفلاس مشروع مانديلا أنّ الجماهير الشعبية شرعت فى التفطّن إلى أنّ الوعود بالحرية و الديمقراطية و العدالة و ما إلى ذلك لم تكن سوى وعود لرشّ الرماد فى العيون و رغم مرور عديد السنوات من الإنتظار لم يتغيّر الشيء الكثير جوهريّا فأخذت منذ سنوات الآن فى تنظيم الإحتجاجات على ظروفها المعيشية القاسية جدّا فواجهتها حكومة حزب مانديلا بالقمع و العسف و حتى بإطلاق النار فى نهاية صائفة 2012 على العمّال المضربين فأردت أكثر من ثلاثين منهم قتيلا !
هذه هي حقيقة ما أفرزه تطبيق مشروع مانديلا و حزبه و من واجب الشيوعيات و الشيوعيين كماديين جدليين أن يواجهوا الواقع و يفسروه من أجل تغييره ثوريّا أمّا كيل المديح لمشروع مانيدلا و حزبه وحكمه فضار و مضلّل و لا يخدم الجماهير الشعبية و إنمّا يخدم أعداءها عبر العالم قاطبة .
3- الإصلاحيون على أشكالهم يقعوا :
ما جدّ فى جنوب أفريقيا لمن له عيون ليرى و لا ينظر إلى الواقع عبر نظّارت الإمبريالية و الرجعية لا يعدو أن يكون تغييرا شكليّا فى الوجوه الحاكمة و إشراك لشريحة من السود فى تسيير شؤون الدولة . و عملية إصلاح الدولة هذه أملتها عوامل كثيرة أهمّها ضغط النضالات الشعبية ضد نظام الميز العنصري و تشديد الحصار عليه و تفاقم عزلته داخليّا و عالميّا ؛ و سعي القوى الإمبريالية لإنقاذ الدولة من الإنهيار التام أمام موجة ثورية أخذت ملامحها تتشكّل و ذلك من خلال التفاوض مع منديلا و حزبه منذ أوائل ثمانينات القرن العشرين و الضغط عليهما ليقبلا بالولاء بجلاء تام للدولة القائمة و العمل فى إطارها ؛ و إنهيار كتلة الإمبريالية الإشتراكية السوفياتية فى أواخر ثمانينات – أوائل تسعينات القرن العشرين ما سهّل أكثر فرض الحلول الرجعية .
والأحزاب و المنظمات الماركسية المزيفة تعلى راية مانديلا و تكيل له المديح شأنها فى ذلك شأن القوى الإمبريالية لا لشيء إلاّ لأنّه خضع و قبل بإصلاح الدول الإستغلالية و الإضطهادية و القمعية وفق مخطّطات الإمبريالية و الرجعية عوض تحطيمها ( علما وأنّ قراءة فى برامج المؤتمر الوطني الأفريقي تكشف أنّ حتى الكفاح المسلّح الذى خاضه قسم من هذا الحزب فى فترة معينة و ليس لوحده كان يراد منه فرض إصلاحات لا غير ). من إعتبر ما حدث فى تونس ثورة ليس بوسعه إلاّ أن يعتبر ما قام به نيلسن مانديلا ثورة و يمدح من تحوّل إلى رمز عالمي للإصلاحية على أنّه ثوري .
و لا أحد من المستوعبين للمادية الجدلية كما طوّرها لينين و ماو تسي تونغ و مطبقينها ينكر نضال زعيم المؤتمر الوطني الأفريقي لكن الحقيقة هو أنّه كان نضالا إصلاحيّا و ليس ثوريّا ، طريقه كان إصلاحيّا و ليس ثوريّا . لقد ناضل مانديلا ( و حزبه جزء و حسب من الأحزاب و المنظمات و المجموعات المناضلة ضد الأبارتايد ) و صار لظروف معينة رمزا لذلك النضال إلاّ أنّه لم يقم بثورة بل كرّس وفاقا طبقيّا كان شعاره الشهير " عانق عدوّك ". و الماركسيّون المزيفون فى الوطن العربي الذين يرفعون مانديلا إلى السماء بشكل أو آخر يكرّوسون فى الواقع الوفاق الطبقي هم أيضا و هدفهم الحقيقي هو إصلاح دول الإستعمار الجديد لا تحطيمها كما تقتضيه مبادئ الماركسية . و هؤلاء التحريفيين إصلاحيون يدوسون المبدأ الماركسي الذى إستخلصه ماركس منذ كمونة باريس ألا وهو ضرورة تحطيم الدولة الرجعية و بناء دولة ثورية على أنقاضها كما يدوسون تعاليم لينين بهذا الصدد ( أنظروا لينين ؛ " الدولة و الثورة " ) .
4 - طبقية الدولة و النظرة البرجوازية للعالم :
لا يتعجبنّ أحد إن قرأ للماركسيين المزيفين كلاما عاما عن الحرية و التقدّم و السلطة للشعب و الحكم للجماهير ... و من ذلك ما كتبه الحزب الوطني الإشتراكي الثوري الوطد – الإعلام على الأنترنت نيلسون مانديلا 18 جويلية 1918- 5 ديسمبر 2013 : ليس هناك دربا سهلا للحرّية و على العديد منّا سلوك وادي ظلال الموت مرارا و تكرارا قبل أن نصل إلى القمّة التى نبتغيها – نيلسون مانديلا " و نقرأ لحزب العمّال التونسي : " بطل النضال من أجل الحرية والمساواة والعدالة والتقدّم " . و قد سبق لنا و أن أتينا على هذا الموضوع و فصّلنا نقدنا لمثل هذه المفاهيم البرجوازية خاصة فى كتابنا " حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد حزب ماركسي مزيّف " و نركّز هنا من جديد على مفهوم برجوازي آخر كثير التداول و كثيرا ما تم التلاعب به لتضليل الجماهير وهو مفهوم " الديمقراطية ". و قد شاهدنا لسنوات الآن أن الماركسيين المزيّفين يروّجون ل " ثورة برجوازية " و " ثورة ديمقراطية إجتماعية " و هكذا ضمن خطاب أبعد ما يكون عن الماركسية الحقيقية ، الماركسية الثورية التى تشدّد على التحليل الطبقي و ربط الديمقراطية كشكل من أشكال الحكم و الدولة بالطبقة التى تخدمها فتكون فى عصرنا هذا مثلا ديمقراطية برجوازية أو ديمقراطية بروليتارية و الديمقراطية إلى زوال مع إضمحلال الدولة عند بلوغ الشيوعية كمجتمع خالي من الطبقات و الإضطهاد و الإستغلال جميعا .
بهذا المضمار ، كان موقف لينين جليّا بالصفحة 18 من " الثورة البروليتارية و لمرتدّ كاوتسكي" حيث قال بصريح العبارة : " من الواضح أنّه ، طالما هناك طبقات متمايزة ، - و طالما لم نسخر من الحسّ السليم و التاريخ ، - لا يمكن التحدث عن " الديمقراطية الخالصة " ، بل عن الديمقراطية الطبقية فقط صيغة جاهلة تنمّ عن عدم فهم لنضال الطبقات و لجوهر الدولة عل حدّ سواء ، بل هي أيضا صيغة جوفاء و لا أجوف ، لأنّ الديمقراطية ، ستضمحلّ ، إذ تتطوّر فى المجتمع الشيوعي و تتحوّل إلى عادة ،و لكنّها لن تصبح أبدا ديمقراطية " خالصة ")
إنّ " الديمقراطية الخالصة " ليست سوى تعبير كاذب للبيرالي يخدع العمّال . إنّ التاريخ يعرف الديمقراطية البرجوازية التى تحلّ محلّ النظام الإقطاعي ، و الديمقراطية البروليتارية لتى تحلّ محلّ الديمقراطية البرجوازية . "
و لأنّ الإنحراف الديمقراطي البرجوازي طال حتى بعض من كانوا فى وقت من الأوقات ماويين قولا و فعلا و إنحرفوا لظروف و أسباب يطول شرحها و ليس هذا مجالها ( مثل الحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي ) الذى قاد حرب الشعب لمدّة عشر سنوات من 1996 إلى 2005 ثمّ بفعل تغيير خطّه الإيديولوجي و السياسي و تبنيه " ديمقراطية القرن الواحد و العشرين " ، أوقفها و شارك فى الدولة الرجعية القائمة لترميمها عوض تحطيمها كما تفترض مبادئ الماركسية – اللينينية - الماوية ) ، و بغية إنقاذ الجوهر الثوري لعلم الثورة البروليتارية العالمية من الماركسيين المزيفين ، أكّد رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية ، و مطوّر الخلاصة الجديدة للشيوعية و أحد أهمّ قادة الحركة الأممية الثورية لعقود منذ 1984 إلى تفكّكها منذ سنوات و إنفجار صراع خطين عالمي صلب الماويين ، أكّد بوب أفاكيان بصيغة مكثّفة حقيقة أنّ :
" فى عالم يتميّز بإنقسامات طبقية ولامساواة إجتماعية عميقين ، الحديث عن " الديمقراطية " دون الحديث عن الطبيعة الطبقية لهذه الديمقراطية ، بلا معنى وأسوأ . طالما أنّ المجتمع منقسم إلى طبقات ، لن توجد " ديمقراطية للجميع " : ستحكم طبقة أو أخرى وستدافع عن وتروّج لهذا النوع من الديمقراطية الذى يخدم مصالحها و أهدافها . المسألة هي : ما هي الطبقة التى ستحكم وإذا ما كان حكمها ونظام ديمقراطيتها، سيخدم تواصل أو فى النهاية القضاء على الإنقسامات الطبقية و علاقات الإستغلال والإضطهاد و اللامساواة المتناسبة معه."
يمثّل التحريفيون ، الماركسيون المزيفون ، الفكر البرجوازي و مصالح البرجوازية فى صفوف الحركة البروليتارية و ترويجهم للديمقراطية البرجوازية يعكس حقّا نظرتها البرجوازية للعالم . فى خطابهم يروّجون فى الأساس للإيديولوجيا البرجوازية و نظرتها للعالم القائمة على أنّ أفضل المجتمعات الممكنة هي المجتمعات " الديمقراطية " . وماذا يبيّن لنا الواقع بصدد تكريس الديمقراطية البرجوازية ؟ لمسنا للتوّ كيف أنّ دولة جنوب أفريقيا التى تعتبر من النماذج التى يحتذى بها و التى تملك دستورا يعدّد حقوق المواطنين كما لا تعدّدها دساتيرعريقة ديمقراطية أخرى تطلق الرصاص على العمّال المضربين و تقتل العشرات منهم و يعرف جيّدا من يبحث فى أكبر ديمقراطية فى العالم أي الهند إغتيالات القادة الماويين بالإستعانة بالسي آي أي و الموصاد و حرق القرى و غيرذلك كثير و تدرك جيّدا شعوب العالم و حتى الشعب فى الولايات المتحدة معنى الديمقراطية البرجوازية الأمريكية و ما نجم و ينجم عنها من عنصرية و إغتصاب و تجويع و قتل و جرائم و مجازر و غزو إلخ . و فى تونس و مصر و بلدان عربية أخرى صارت الجماهير تدرك عن كثب لعبة الديمقراطية البرجوازية التى لن تحلّ المشاكل الأساسية و الحيوية للطبقات الشعبية .
و بطبيعة الحال لن يصرّح الماركسيون المزيّفون بأنّهم تخلّوا عن النظرة البروليتارية للعالم و أساسها أنّ عالما آخر، عالم أفضل ممكن و ضروري ، عالم شيوعي من واجب الشيوعيات والشيوعيين أن يناضلوا من أجله هو لا من أجل الديمقراطية البرجوازية . من واجب الشيوعيين أن يكونوا شيوعيين و يبذلوا قصارى الجهد و يضحّوا بالغالي و النفيس و النفس فى سبيل الهدف الأسمى و القيام بالثورة لبلوغ كخطوة أولى أو مرحلة سفلى منه ( لينين ؛ " الدولة و الثورة ") الديمقراطية البروليتارية أو دكتاتورية البروليتاريا فى البلدان الرأسمالية – الإمبريالية و دولة الديمقراطية الجديدة كشكل من أشكال دكتاتورية البروليتاريا فى المستعمرات و المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات و كلاهما بقيادة البروليتاريا و غايتهما الأسمى الشيوعية على الصعيد العالمي .
يعوّض الماركسيّون المزيّفون ديمقراطية / دكتاتورية البروليتاريا بالديمقراطية البرجوازية ويقدّمون هذه الأخيرة على أنّها الهدف الأسمى و الحلّ لمشاكل الجماهير الشعبية و البروليتارية و يعملون على إصلاح الدول القائمة عوض تحطيمها و إنشاء دول ثورية على أنقاضها يكون هدفها الأسمى الشيوعية على النطاق العالمي . و فى إرتباط بذلك و إنسجام معه ، عمليّا ينكر التحريفيون عموما إمكانية الثورة البروليتارية العالمية بتيّاريها ( الديمقراطية الجديدة و الإشتراكية ) و يغيّبون فعلا الفهم المادي الجدلي للعصر على أنّه عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية ( كوحدة أضداد / تناقض ) فلا يرون بنظرة مثالية إحادية الجانب سوى عصر الإمبريالية و بالتالى يديرون ظهورهم للثورة الإشتراكية بتيّاريها ولا يناضلون من أجلها . يناضل الماركسيون المزيفون فى إطار دول الإمبريالية و عملائها و ليس من أجل الثورة البروليتارية العالمية .
نظرة الماركسين المزيفين للعالم نظرة ديمقراطية برجوازية و ليست شيوعية . لأسباب ليس هذا مجال الخوض فيها ، صار الكثير ممّن كانوا فى فترة ما شيوعيين قولا و فعلا ، ديمقراطيين برجوازيين و إستسلموا للإمبريالية و الرجعية و فجّروا الجوهر الثوري للماركسية و قاموا بعملية تصفية له محتفظين بالماركسية كغطاء لا غير . منطق الماركسيين المزيفين الإستسلامي و التصفوي منطق يقدّم أجلّ الخدمات للإمبريالية و منطقها و يطعن فى الظهر منطق الشعب .
" إثارة الإضطرابات ، ثمّ الفشل ، و العودة إلى إثارة الإضطرابات ثانية ، ثمّ الفشل أيضا ، و هكذا دواليك حتى الهلاك ، ذلك هوالمنطق الذى يتصرّف بموجبه الإمبرياليون و جميع الرجعيين فى العالم إزاء قضية الشعوب، و هم لن يخالفواهذا المنطق أبدا . إن هذا قانون ماركسي . و نحن حين نقول إنّ" الإمبريالية شرسة جدّا "، إنما نعنى أن طبيعتها لن تتغيّر أبدا ، و أن الإمبرياليين لن يلقوا أبدا سكين الجزّار التى يحملونها ، و لن يصيروا آلهة للرحمة إلى يوم هلاكهم .
النضال ، ثم الفشل ، و العودة إلى النضال ثانية ، ثمّ الفشل أيضا ، ثم ّالعودة إلى النضال مرّة أخرى ، و هكذا حتى النصر ، ذلك هو منطق الشعب ، وهو أيضا لن يخالف هذا المنطق أبدا. و هذا قانون ماركسي آخر . لقد إتبعت ثورة الشعب الروسي هذا القانون ، كما تتبعه ثورة الشعب الصيني أيضا ." ( ماو تسى تونغ " أنبذوا الأوهام و إستعدّوا للنضال " 1949 ، المجلّد الرابع من " مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة " ).
و فى مقابل إستسلامية و تصفوية الماركسيين المزيفين ، على خطى ماو تسى تونغ و تطبيقا للقوانين الماركسية المذكورة فى مقولة ماو أعلاه ، يواصل الشيوعيون الماويون الثوريون تطبيق منطق الشعب والقتال بكلّ ما أوتوا من جهد عملي و نظري أيضا فى سبيل عالم شيوعي فقد خاضوا و لا زالوا حرب الشعب فى أكثر من بلد من أجل إفتكاك السلطة لصالح البروليتاريا العالمية و أيضا قد تصدّوا و يتصدّون للدعاية الإمبريالية و الرجعية المناهضة للشيوعية . و قد نهض الشيوعيون الثوريون كذلك بتلخيص المرحلة الأولى أو الموجة الأولى من الثورة البروليتارية العالمية و التجارب الإشتراكية للقرن العشرين فنقدوا أخطاءها و دافعوا بإستماتة عن مكاسبها التى تمثّل جانبها الرئيسي و شذحوا سلاح علم الثورة و طوّروه ولديهم الآن الخلاصة الجديدة للشيوعية كإطار نظري يعبّد الطريق و يرشد الممارسة الثورية للمرحلة الجديدة / الموجة الجديدة للثورة البروليتارية العالمية لتحرير الإنسانية من كافة أنواع الإستغلال الجندري و الطبقي و القومي .
و فى خاتمة هذا المقال نودّ أن نرفع صوتنا عاليا ضد التحريفية و الإصلاحية ، و ضد الماركسيين المزيفين . لقد إحتجّ ماركس فى أواخر سنوات حياته التى إستشرت فيها الإنتهازية فى صفوف الأحزاب " الإشتراكية " على تشويه الماركسية إلى درجة لا تطاق و لا تحتمل و نحن إزاء هيمنة التحريفية و الإصلاحية على " اليسار الماركسي " و إزاء هذا الإنحراف القاتل و المدمّر للمشروع الشيوعي ، ليس بوسعنا إلاّ أن نفضح الماركسيين المزيفين و نظرتهم الديمقراطية البرجواية للعالم و فى هذه المناسبة نصرخ بأعلى صوتنا و ندعو الشيوعيين الحقيقيين و الثوريين حقّا إلى تبنّى شيوعية اليوم : الخلاصة الجديدة للشيوعية لتحرير الإنسانية و القطع مع التحريفية المتقنّعة بالتروتسكية أو بالماركسية أو بالماركسية – اللينينية أو حتى بالماركسية – اللينينية – الماوية و إلى جعل كلمات ماركس شعارا إختجاجيّا لنا ضد الإنتهازية بشتّى ألوانها اليمينية منها و اليسارية :
" إن كانت هذه هي الماركسية فأنا لست ماركسيّا " !
أثارت وفاة نيلسن مانديلا سيلا من التعاليق حولالعالم سواء من أشخاص أو منظمات وأحزاب او دول . و إعتبارا لأنّنا من المهتمين بمواقف " اليسار " و الخطّ الإيديولوجي و السياسي لمنظّماته و أحزابه ، تابعنا عن كثب ما صدر من بيانات ومواقف لنكتشف مجدّدا ، مثلما حصل الأمر مع وفاة هوغو تشافيز ، أنّ الغالبية الغالبة تسير فى ركاب الخطاب الإمبريالي الرجعي و تعبّر عن نظرة برجوازية للعالم .
1- كيل المديح و النظرة الإحادية الجانب :
منذ سنوات و القوى الإمبريالية و الرجعية حول العالم ترفع نيلسن مانديلا إلى السماء و تجعل منه نموذجا يحتذى به و رمزا للوفاق الوطني وبمناسبة وفاته قامت هذه القوى بحملة دعاية عالمية ملمّعة صورته إلى أقصى الحدود . و توقعنا أن يسلك الماركسيون المزيفون ذات السياسة و بالفعل سلكوها . فهذا حزب العماّل التونسي فى بيانه يجعل منه " بطل النضال من أجل الحرية والمساواة والعدالة والتقدّم" و أدهى من ذلك - و لاحظوا جيدا " تجربته فى الحكم " !!! و قد يبعث هذا القرف لدى الشيوعيين الحقيقيين ، الثوريين حول العالم – يجعل تجربته فى السجن و في الحكم نبراسا يستمدّ منها كل مناضلي العالم الدروس والطّاقة لمواصلة مسيرة الثورة والنضال " ؛ و هذا الحزب الوطني الإشتراكي الثوري- الوطد يستشهد بمقولة لمانديلا عن الحرية ( الحرية هكذا بصيغة عامة !) و هلمّجرا . و كيل المديح ثمّ المديح و لا شيء غير المديح لمانديلا على وجه العموم أمر ينسحب على معظم المنظمات و الأحزاب الماركسية المزيفة العربية . و كأنّ لسان حالهم يصرخ و بناقوس يدقّ و بمئذنة يصيح الطريق الذى سلكه مانديلا صحيح صحيح .
و هذا الموقف البرجوازي من الذين لم ينبسوا ببنت كلمة بشأن إغتيال آزاد القائد اللشيوعي الماوي الثوري الهندي والناطق الرسمي بإسم الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و بشأن إغتيال رفيقه أيضا كيسنجي القائد العام لجيش التحرير الشعبي الذى يخوض حرب الشعب بغاية تحطيم الدولة الرجعية و إنشاء دولة هدفها الأسمى بلوغ الشيوعية ، خاطئ لسببين إثنين أولهما أنّه يعتمد نظرة إحادية الجانب تشدّد على جانب واحد من أعمال و سياسات نيلسن مانديلا – نضاله ضد نظام الميز العنصري بطريقة ليست بروليتارية منهجا و أهدافا – و تضخّمه لتجعل منه الشجرة التى تخفى الغابة – و منها مساومة مانديلا بالمصالح الجوهرية للجماهير الشعبية فى مفاوضاته مع القوى الإمبريالية و الرجعية المحلّية - ؛ فى حين أنّ المادية الجدلية تفرض إجراء تحليل علمي لطرفي الظاهرة ، السيروة أو الشيئ أي التناقض المعني بمعنى تحليل تلك الأعمال و السياسات و تقييمها ( من وجهة نظر بروليتارية بالنسبة للماركسيين الحقيقيين ) بجانبيها الإيجابي و السلبي و من ثمّة تشخيص ما هو الرئيسي و ما هو الثانوي و تعيين طبيعة الشيء بطرفه الرئيسي و المهيمن مع عدم صرف النظر عن الثانوي . و السبب الثاني الذى يقف وراء إعتبارنا ذلك الموقف البرجوازي خاطئا هو أنّه ينهض على رؤية مثالية للواقع فيصوّر الواقع الموضوعي على غير ما هو عليه . فحقيقة ما كرّسه نيلسن مانديلا من سياسات لها آثارها فى الواقع الملموس . و التحليل الملموس للواقع الملموس يكذّب ما يروّج له الماركسيّون المزيفون عن مانديلا و يبيّن بما لا يدع مجالا للشكّ أنّ غالبية الجماهير الشعبية فى أفريقيا الجنوبية لم تتحرّر من براثن الإضطهاد و الإستغلال الجندري و الطبقي و القومي وهي لا تزال تعاني الأمرّين يوميّا .
2- من واقع الإستغلال و الإضطهاد المستمرّين فى جنوب أفريقيا :
لا نرمي هنا إلى تقديم عرض تحليلي مفصّل قد يستدعي عشرات بل مئات الصفحات لتناول المسألة من كافة جوانبها الإقتصادية و الإجتماعية و السياسية و الثقافية ( و من يرنو إلى المعرفة الدقيقة و العميقة بهذا المضمار عليه بمجلة "عالم نربحه " و بمقالات " أخبار عالم نربحه " وهي متوفّرة على الأنترنت بموقع
http://www.awtw.org
و مقالات عديدة كذلك على موقع
www.revcom.us
، و إنّما نذكّر ببعض المعطيات ذات الدلالة البليغة . فحكومة دولة جنوب أفريقيا التى ساهم المؤتمر الوطني الأفريقي فى إعادة هيكلتها و ترميمها لا يزال يقودها حزب مانديلا منذ أواسط تسعينات القرن الماضي و عقب عقدين من الحكم ما هي النتيجة بإختصار شديد ؟ النتيجة هي تكوّن فئة صغيرة من السود المترفّهين الذين إنضمّوا إلى الطبقات الحاكمة و عدم تغيّر وضع معظم الجماهير الشعبية التى لا زالت تعيش فى ظروف فظيعة فى مجتمع من أكثر المجتمعات لامساواة على الكرة الأرضية . فأزيد من نصف سكان جنوب أفريقيا يعيشون تحت حدّ الفقر ومصدر ماء الشراب لمليون وأربعة مائة ألف طفل ملوّث و نساء جنوب أفريقيا يتعرّضن إلى الإغتصاب يوميّا و نسبة الإغتصاب هناك من أعلى النسب فى العالم ... و من أهمّ مؤشرات بداية إفلاس مشروع مانديلا أنّ الجماهير الشعبية شرعت فى التفطّن إلى أنّ الوعود بالحرية و الديمقراطية و العدالة و ما إلى ذلك لم تكن سوى وعود لرشّ الرماد فى العيون و رغم مرور عديد السنوات من الإنتظار لم يتغيّر الشيء الكثير جوهريّا فأخذت منذ سنوات الآن فى تنظيم الإحتجاجات على ظروفها المعيشية القاسية جدّا فواجهتها حكومة حزب مانديلا بالقمع و العسف و حتى بإطلاق النار فى نهاية صائفة 2012 على العمّال المضربين فأردت أكثر من ثلاثين منهم قتيلا !
هذه هي حقيقة ما أفرزه تطبيق مشروع مانديلا و حزبه و من واجب الشيوعيات و الشيوعيين كماديين جدليين أن يواجهوا الواقع و يفسروه من أجل تغييره ثوريّا أمّا كيل المديح لمشروع مانيدلا و حزبه وحكمه فضار و مضلّل و لا يخدم الجماهير الشعبية و إنمّا يخدم أعداءها عبر العالم قاطبة .
3- الإصلاحيون على أشكالهم يقعوا :
ما جدّ فى جنوب أفريقيا لمن له عيون ليرى و لا ينظر إلى الواقع عبر نظّارت الإمبريالية و الرجعية لا يعدو أن يكون تغييرا شكليّا فى الوجوه الحاكمة و إشراك لشريحة من السود فى تسيير شؤون الدولة . و عملية إصلاح الدولة هذه أملتها عوامل كثيرة أهمّها ضغط النضالات الشعبية ضد نظام الميز العنصري و تشديد الحصار عليه و تفاقم عزلته داخليّا و عالميّا ؛ و سعي القوى الإمبريالية لإنقاذ الدولة من الإنهيار التام أمام موجة ثورية أخذت ملامحها تتشكّل و ذلك من خلال التفاوض مع منديلا و حزبه منذ أوائل ثمانينات القرن العشرين و الضغط عليهما ليقبلا بالولاء بجلاء تام للدولة القائمة و العمل فى إطارها ؛ و إنهيار كتلة الإمبريالية الإشتراكية السوفياتية فى أواخر ثمانينات – أوائل تسعينات القرن العشرين ما سهّل أكثر فرض الحلول الرجعية .
والأحزاب و المنظمات الماركسية المزيفة تعلى راية مانديلا و تكيل له المديح شأنها فى ذلك شأن القوى الإمبريالية لا لشيء إلاّ لأنّه خضع و قبل بإصلاح الدول الإستغلالية و الإضطهادية و القمعية وفق مخطّطات الإمبريالية و الرجعية عوض تحطيمها ( علما وأنّ قراءة فى برامج المؤتمر الوطني الأفريقي تكشف أنّ حتى الكفاح المسلّح الذى خاضه قسم من هذا الحزب فى فترة معينة و ليس لوحده كان يراد منه فرض إصلاحات لا غير ). من إعتبر ما حدث فى تونس ثورة ليس بوسعه إلاّ أن يعتبر ما قام به نيلسن مانديلا ثورة و يمدح من تحوّل إلى رمز عالمي للإصلاحية على أنّه ثوري .
و لا أحد من المستوعبين للمادية الجدلية كما طوّرها لينين و ماو تسي تونغ و مطبقينها ينكر نضال زعيم المؤتمر الوطني الأفريقي لكن الحقيقة هو أنّه كان نضالا إصلاحيّا و ليس ثوريّا ، طريقه كان إصلاحيّا و ليس ثوريّا . لقد ناضل مانديلا ( و حزبه جزء و حسب من الأحزاب و المنظمات و المجموعات المناضلة ضد الأبارتايد ) و صار لظروف معينة رمزا لذلك النضال إلاّ أنّه لم يقم بثورة بل كرّس وفاقا طبقيّا كان شعاره الشهير " عانق عدوّك ". و الماركسيّون المزيفون فى الوطن العربي الذين يرفعون مانديلا إلى السماء بشكل أو آخر يكرّوسون فى الواقع الوفاق الطبقي هم أيضا و هدفهم الحقيقي هو إصلاح دول الإستعمار الجديد لا تحطيمها كما تقتضيه مبادئ الماركسية . و هؤلاء التحريفيين إصلاحيون يدوسون المبدأ الماركسي الذى إستخلصه ماركس منذ كمونة باريس ألا وهو ضرورة تحطيم الدولة الرجعية و بناء دولة ثورية على أنقاضها كما يدوسون تعاليم لينين بهذا الصدد ( أنظروا لينين ؛ " الدولة و الثورة " ) .
4 - طبقية الدولة و النظرة البرجوازية للعالم :
لا يتعجبنّ أحد إن قرأ للماركسيين المزيفين كلاما عاما عن الحرية و التقدّم و السلطة للشعب و الحكم للجماهير ... و من ذلك ما كتبه الحزب الوطني الإشتراكي الثوري الوطد – الإعلام على الأنترنت نيلسون مانديلا 18 جويلية 1918- 5 ديسمبر 2013 : ليس هناك دربا سهلا للحرّية و على العديد منّا سلوك وادي ظلال الموت مرارا و تكرارا قبل أن نصل إلى القمّة التى نبتغيها – نيلسون مانديلا " و نقرأ لحزب العمّال التونسي : " بطل النضال من أجل الحرية والمساواة والعدالة والتقدّم " . و قد سبق لنا و أن أتينا على هذا الموضوع و فصّلنا نقدنا لمثل هذه المفاهيم البرجوازية خاصة فى كتابنا " حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد حزب ماركسي مزيّف " و نركّز هنا من جديد على مفهوم برجوازي آخر كثير التداول و كثيرا ما تم التلاعب به لتضليل الجماهير وهو مفهوم " الديمقراطية ". و قد شاهدنا لسنوات الآن أن الماركسيين المزيّفين يروّجون ل " ثورة برجوازية " و " ثورة ديمقراطية إجتماعية " و هكذا ضمن خطاب أبعد ما يكون عن الماركسية الحقيقية ، الماركسية الثورية التى تشدّد على التحليل الطبقي و ربط الديمقراطية كشكل من أشكال الحكم و الدولة بالطبقة التى تخدمها فتكون فى عصرنا هذا مثلا ديمقراطية برجوازية أو ديمقراطية بروليتارية و الديمقراطية إلى زوال مع إضمحلال الدولة عند بلوغ الشيوعية كمجتمع خالي من الطبقات و الإضطهاد و الإستغلال جميعا .
بهذا المضمار ، كان موقف لينين جليّا بالصفحة 18 من " الثورة البروليتارية و لمرتدّ كاوتسكي" حيث قال بصريح العبارة : " من الواضح أنّه ، طالما هناك طبقات متمايزة ، - و طالما لم نسخر من الحسّ السليم و التاريخ ، - لا يمكن التحدث عن " الديمقراطية الخالصة " ، بل عن الديمقراطية الطبقية فقط صيغة جاهلة تنمّ عن عدم فهم لنضال الطبقات و لجوهر الدولة عل حدّ سواء ، بل هي أيضا صيغة جوفاء و لا أجوف ، لأنّ الديمقراطية ، ستضمحلّ ، إذ تتطوّر فى المجتمع الشيوعي و تتحوّل إلى عادة ،و لكنّها لن تصبح أبدا ديمقراطية " خالصة ")
إنّ " الديمقراطية الخالصة " ليست سوى تعبير كاذب للبيرالي يخدع العمّال . إنّ التاريخ يعرف الديمقراطية البرجوازية التى تحلّ محلّ النظام الإقطاعي ، و الديمقراطية البروليتارية لتى تحلّ محلّ الديمقراطية البرجوازية . "
و لأنّ الإنحراف الديمقراطي البرجوازي طال حتى بعض من كانوا فى وقت من الأوقات ماويين قولا و فعلا و إنحرفوا لظروف و أسباب يطول شرحها و ليس هذا مجالها ( مثل الحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي ) الذى قاد حرب الشعب لمدّة عشر سنوات من 1996 إلى 2005 ثمّ بفعل تغيير خطّه الإيديولوجي و السياسي و تبنيه " ديمقراطية القرن الواحد و العشرين " ، أوقفها و شارك فى الدولة الرجعية القائمة لترميمها عوض تحطيمها كما تفترض مبادئ الماركسية – اللينينية - الماوية ) ، و بغية إنقاذ الجوهر الثوري لعلم الثورة البروليتارية العالمية من الماركسيين المزيفين ، أكّد رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية ، و مطوّر الخلاصة الجديدة للشيوعية و أحد أهمّ قادة الحركة الأممية الثورية لعقود منذ 1984 إلى تفكّكها منذ سنوات و إنفجار صراع خطين عالمي صلب الماويين ، أكّد بوب أفاكيان بصيغة مكثّفة حقيقة أنّ :
" فى عالم يتميّز بإنقسامات طبقية ولامساواة إجتماعية عميقين ، الحديث عن " الديمقراطية " دون الحديث عن الطبيعة الطبقية لهذه الديمقراطية ، بلا معنى وأسوأ . طالما أنّ المجتمع منقسم إلى طبقات ، لن توجد " ديمقراطية للجميع " : ستحكم طبقة أو أخرى وستدافع عن وتروّج لهذا النوع من الديمقراطية الذى يخدم مصالحها و أهدافها . المسألة هي : ما هي الطبقة التى ستحكم وإذا ما كان حكمها ونظام ديمقراطيتها، سيخدم تواصل أو فى النهاية القضاء على الإنقسامات الطبقية و علاقات الإستغلال والإضطهاد و اللامساواة المتناسبة معه."
يمثّل التحريفيون ، الماركسيون المزيفون ، الفكر البرجوازي و مصالح البرجوازية فى صفوف الحركة البروليتارية و ترويجهم للديمقراطية البرجوازية يعكس حقّا نظرتها البرجوازية للعالم . فى خطابهم يروّجون فى الأساس للإيديولوجيا البرجوازية و نظرتها للعالم القائمة على أنّ أفضل المجتمعات الممكنة هي المجتمعات " الديمقراطية " . وماذا يبيّن لنا الواقع بصدد تكريس الديمقراطية البرجوازية ؟ لمسنا للتوّ كيف أنّ دولة جنوب أفريقيا التى تعتبر من النماذج التى يحتذى بها و التى تملك دستورا يعدّد حقوق المواطنين كما لا تعدّدها دساتيرعريقة ديمقراطية أخرى تطلق الرصاص على العمّال المضربين و تقتل العشرات منهم و يعرف جيّدا من يبحث فى أكبر ديمقراطية فى العالم أي الهند إغتيالات القادة الماويين بالإستعانة بالسي آي أي و الموصاد و حرق القرى و غيرذلك كثير و تدرك جيّدا شعوب العالم و حتى الشعب فى الولايات المتحدة معنى الديمقراطية البرجوازية الأمريكية و ما نجم و ينجم عنها من عنصرية و إغتصاب و تجويع و قتل و جرائم و مجازر و غزو إلخ . و فى تونس و مصر و بلدان عربية أخرى صارت الجماهير تدرك عن كثب لعبة الديمقراطية البرجوازية التى لن تحلّ المشاكل الأساسية و الحيوية للطبقات الشعبية .
و بطبيعة الحال لن يصرّح الماركسيون المزيّفون بأنّهم تخلّوا عن النظرة البروليتارية للعالم و أساسها أنّ عالما آخر، عالم أفضل ممكن و ضروري ، عالم شيوعي من واجب الشيوعيات والشيوعيين أن يناضلوا من أجله هو لا من أجل الديمقراطية البرجوازية . من واجب الشيوعيين أن يكونوا شيوعيين و يبذلوا قصارى الجهد و يضحّوا بالغالي و النفيس و النفس فى سبيل الهدف الأسمى و القيام بالثورة لبلوغ كخطوة أولى أو مرحلة سفلى منه ( لينين ؛ " الدولة و الثورة ") الديمقراطية البروليتارية أو دكتاتورية البروليتاريا فى البلدان الرأسمالية – الإمبريالية و دولة الديمقراطية الجديدة كشكل من أشكال دكتاتورية البروليتاريا فى المستعمرات و المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات و كلاهما بقيادة البروليتاريا و غايتهما الأسمى الشيوعية على الصعيد العالمي .
يعوّض الماركسيّون المزيّفون ديمقراطية / دكتاتورية البروليتاريا بالديمقراطية البرجوازية ويقدّمون هذه الأخيرة على أنّها الهدف الأسمى و الحلّ لمشاكل الجماهير الشعبية و البروليتارية و يعملون على إصلاح الدول القائمة عوض تحطيمها و إنشاء دول ثورية على أنقاضها يكون هدفها الأسمى الشيوعية على النطاق العالمي . و فى إرتباط بذلك و إنسجام معه ، عمليّا ينكر التحريفيون عموما إمكانية الثورة البروليتارية العالمية بتيّاريها ( الديمقراطية الجديدة و الإشتراكية ) و يغيّبون فعلا الفهم المادي الجدلي للعصر على أنّه عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية ( كوحدة أضداد / تناقض ) فلا يرون بنظرة مثالية إحادية الجانب سوى عصر الإمبريالية و بالتالى يديرون ظهورهم للثورة الإشتراكية بتيّاريها ولا يناضلون من أجلها . يناضل الماركسيون المزيفون فى إطار دول الإمبريالية و عملائها و ليس من أجل الثورة البروليتارية العالمية .
نظرة الماركسين المزيفين للعالم نظرة ديمقراطية برجوازية و ليست شيوعية . لأسباب ليس هذا مجال الخوض فيها ، صار الكثير ممّن كانوا فى فترة ما شيوعيين قولا و فعلا ، ديمقراطيين برجوازيين و إستسلموا للإمبريالية و الرجعية و فجّروا الجوهر الثوري للماركسية و قاموا بعملية تصفية له محتفظين بالماركسية كغطاء لا غير . منطق الماركسيين المزيفين الإستسلامي و التصفوي منطق يقدّم أجلّ الخدمات للإمبريالية و منطقها و يطعن فى الظهر منطق الشعب .
" إثارة الإضطرابات ، ثمّ الفشل ، و العودة إلى إثارة الإضطرابات ثانية ، ثمّ الفشل أيضا ، و هكذا دواليك حتى الهلاك ، ذلك هوالمنطق الذى يتصرّف بموجبه الإمبرياليون و جميع الرجعيين فى العالم إزاء قضية الشعوب، و هم لن يخالفواهذا المنطق أبدا . إن هذا قانون ماركسي . و نحن حين نقول إنّ" الإمبريالية شرسة جدّا "، إنما نعنى أن طبيعتها لن تتغيّر أبدا ، و أن الإمبرياليين لن يلقوا أبدا سكين الجزّار التى يحملونها ، و لن يصيروا آلهة للرحمة إلى يوم هلاكهم .
النضال ، ثم الفشل ، و العودة إلى النضال ثانية ، ثمّ الفشل أيضا ، ثم ّالعودة إلى النضال مرّة أخرى ، و هكذا حتى النصر ، ذلك هو منطق الشعب ، وهو أيضا لن يخالف هذا المنطق أبدا. و هذا قانون ماركسي آخر . لقد إتبعت ثورة الشعب الروسي هذا القانون ، كما تتبعه ثورة الشعب الصيني أيضا ." ( ماو تسى تونغ " أنبذوا الأوهام و إستعدّوا للنضال " 1949 ، المجلّد الرابع من " مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة " ).
و فى مقابل إستسلامية و تصفوية الماركسيين المزيفين ، على خطى ماو تسى تونغ و تطبيقا للقوانين الماركسية المذكورة فى مقولة ماو أعلاه ، يواصل الشيوعيون الماويون الثوريون تطبيق منطق الشعب والقتال بكلّ ما أوتوا من جهد عملي و نظري أيضا فى سبيل عالم شيوعي فقد خاضوا و لا زالوا حرب الشعب فى أكثر من بلد من أجل إفتكاك السلطة لصالح البروليتاريا العالمية و أيضا قد تصدّوا و يتصدّون للدعاية الإمبريالية و الرجعية المناهضة للشيوعية . و قد نهض الشيوعيون الثوريون كذلك بتلخيص المرحلة الأولى أو الموجة الأولى من الثورة البروليتارية العالمية و التجارب الإشتراكية للقرن العشرين فنقدوا أخطاءها و دافعوا بإستماتة عن مكاسبها التى تمثّل جانبها الرئيسي و شذحوا سلاح علم الثورة و طوّروه ولديهم الآن الخلاصة الجديدة للشيوعية كإطار نظري يعبّد الطريق و يرشد الممارسة الثورية للمرحلة الجديدة / الموجة الجديدة للثورة البروليتارية العالمية لتحرير الإنسانية من كافة أنواع الإستغلال الجندري و الطبقي و القومي .
و فى خاتمة هذا المقال نودّ أن نرفع صوتنا عاليا ضد التحريفية و الإصلاحية ، و ضد الماركسيين المزيفين . لقد إحتجّ ماركس فى أواخر سنوات حياته التى إستشرت فيها الإنتهازية فى صفوف الأحزاب " الإشتراكية " على تشويه الماركسية إلى درجة لا تطاق و لا تحتمل و نحن إزاء هيمنة التحريفية و الإصلاحية على " اليسار الماركسي " و إزاء هذا الإنحراف القاتل و المدمّر للمشروع الشيوعي ، ليس بوسعنا إلاّ أن نفضح الماركسيين المزيفين و نظرتهم الديمقراطية البرجواية للعالم و فى هذه المناسبة نصرخ بأعلى صوتنا و ندعو الشيوعيين الحقيقيين و الثوريين حقّا إلى تبنّى شيوعية اليوم : الخلاصة الجديدة للشيوعية لتحرير الإنسانية و القطع مع التحريفية المتقنّعة بالتروتسكية أو بالماركسية أو بالماركسية – اللينينية أو حتى بالماركسية – اللينينية – الماوية و إلى جعل كلمات ماركس شعارا إختجاجيّا لنا ضد الإنتهازية بشتّى ألوانها اليمينية منها و اليسارية :
" إن كانت هذه هي الماركسية فأنا لست ماركسيّا " !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق