الرفيق فؤاد النمري
حصن الماركسية الحصين (2)
عندما ينسى الشيوعي أن الإشتراكية إنما هي أساساً المعركة الأخيرة الفاصلة التي تخوضها البروليتاريا ضد أعدائها الطبقييين ثم ينسى بالتداعي أن الصراع الطبقي هو محرك عربة التاريخ فإنه بذلك لا يعود شيوعياً ويرتد ليقف في صفوف الأعداء وينكفئ إلى أن يكون وطنياً يرى الإشتراكية في المصالحة الوطنية التي توفر الحرية والديموقراطية والعدالة الإجتماعية ؛ وها نحن نرى اليوم أيتام خروشتشوف ينادون جميعهم بالحرية والديموقراطية والعدالة الإجتماعية وخقوق الإنسان وبعضهم يضيف دون خجل التعددية التي تعني أول ما تعني قبول البروليتاريا بالخنوع والإستغلال .
من مكتشفات ماركس الهامة هو أن الرأسمالية نظام عالمي يحتضن العالم بأسره ويجعل منه وحدة واحدة لا تقبل الإنفصال أو التغريب . في العام 1913 كانت جميع أصقاع الكرة الأرضية تتشكل من بضعة خلايا جميعها رأسمالية، لكل منها مركز رأسمالي ومحيط من المستعمرات والبلدان التابعة، ومع ذلك اشتبكت جميع هذه الخلايا في حرب عالمية مهلكة 1914 لإعادة إقتسام المستعرات المحيطات . الخلية الأولى التي تغربت وانفصلت عن ذلك النظام العالمي كانت روسيا القيصرية من خلال ثورة أكتوبر الإشتراكية بقيادة البلاشفة . فعل التغريب الذي اجترحه البلاشفة بقيادة لينين لم يكن يقتصر على روسيا القيصرية بل كان هو الثورة العالمية التي نادى بها كارل ماركس لتقلب العالم، كل العالم، من الرأسمالية إلى الإشتراكية . ولذلك كل الخلايا الرأسمالية الأخرى أرسلت جيوشها لخنق البولشفية في مهدها، كما نادى وزير الحربية البريطاني ونستون تشيرتشل 1919 ؛ وكانت دهشة العالم أن تمكن البلاشفة من سحق تسعة عشر جيشاً إمبرياليا في العام 1921 .
كانت قد ظهرت حركات وطنية "تغريبية" بقصد الإنفصال عن النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي في بلدان مختلفة قبل الثورة الاشتراكية وظهور الاتحاد السوفياتي كقوة عالمية . ففي الهند ناضل الشعب لقرن طويل في حركة تحرر وطني ولم يحقق أية نجاحات قبل العام 1947 ؛ وفي الصين قاد صن يات سن في مطالع القرن العشرين ثورة تحرر وطني واعتقد أن اليابان الرأسمالية يمكن أن تساعد في إنجاز الثورة فخاب أمله وارتد إلى أحضان الأممية الشيوعية كما فعل خليفته تشان كايتشك . وقامت البورجوازية الشامية بقيادة الشريف حسين بن علي بثورة تحرر وطني غير أن الانجليز ساعدوا السعوديين في احنلال مملكة الشريف حسين في الحجاز وزادوا أن اعتقلوا الشريف ونفوه إلى قبرص في إقامة جبرية وانتهى أبناؤه الثوار إلى مصالحة الانجليز في ممالك تحت إحتلالهم .
ثورة التحرر الوطني العالمية 1946 ـ 1972 ما كانت لتحقق استقلال عشرات الدول إلا لأنها جرت تحت المظلة السوفياتية . بعض الحركات الوطنية المراهقة رفعت شعارات تغريبية مثل شعار " لا شرقية ولا غربية بل قومية عربية " لكن هؤلاء الإنفصاليين المراهقين كانوا يهرعون إلى الإتحاد السوفياتي طلباً للحماية كلما لاح في الأفق شبح الإمبريالية يهددهم ؛ وقد رأينا الاتحاد السوفياتي يستخدم قواه العسكرية لحماية الثورة المصرية في العام 1956 والثورة العراقية في العام 1958 .
وقائع التاريخ الحديث تؤكد للشيوعيين المنكفئين إلى الوطنية، وإلى الوطنيين بصورة عامة، أن المشاريع الوطنية المتجملة برايات الحرية والديموقراطية والعدالة الإجتماعية لا مهبط لها على الأرض منذ أن وطدت الإمبريالية أركانها في العالم خلال القرن التاسع عشر . ثورة التحرر الوطني إنما كانت الوجه الآخر للثورة الإشتراكية وإن كانت بقيادة البورجوازية الدينامية، ولذلك اشترط لينين على الأحزاب الشيوعية في المستعمرات والبلدان التابعة أن تصطف خلف البورجوازية الدينامية في ثورتها الوطنية وإلا فإنها لن تقبل عضوة في الأممية الشيوعية . اصطفاف الدولة في النظام العالمي لم يكن خياراً لا سابقاً ولا لاحقاً، وكذلك هو النظام الإجتناعي . أولئك الذين ينادون إلى أنظمة إجتماعية تتوافق مع أهوائهم إنما هم أفّاقون وأفّاكون .
ما يتوجب على كافة المحللين من مختلف الأجناس، والشيوعيون في مقدمتهم، هو أن يروا العالم فيما بعد إعلان مشروع لينين في الثورة الاشتراكية العالمية إنطلاقاً من روسيا في مارس 1919 على أنه ليس وحدات مستقلة أو أنه وحيد القطبية كما يجري الحديث اليوم أو أن ينفصل بلد بعينه عن البنية العالمية الواحدة ليقيم نظاماً خاصاً به، على كافة المحللين أن يروا العالم بمختلف نظمه ووسائل إنتاجه يلف ويدور بأجمعه حول الثورة الإشتراكية. التاريخ الحديث في القرن العشرين يؤكد ذلك . فما إن أعلن لينين الثورة الإشتراكية العالمية في مارس 1919 حتى أرسلت أربع عشرة دولة رأسمالية تحكم العالم تسعة عشر جيشاً لتخنق البلشفية في مهدها. وما إن فشلت في ذلك في العام 1921 حتى جهدت المخابرات البريطانية، التي كانت تقود قوى الرجعية في العالم في اغتيال الثورة في إيطاليا وساعدت الفاشيين بقيادة موسوليني في اختطاف السلطة والرجوع بروما خمسة عشر قرناً إلى الخلف . وأغدقت المخابرات البريطانية العطايا على قادة الحزب الاشتراكي في جمهورية فايمار تمهيداً لانتصار هتلر في العام 1933 . تمثلت السياسة العامة للدول الرأسمالية منذ هزيمتها في مواجهة البلاشفة في العام 1921 وحتى إعلان الحرب العالمية في سبتمبر 1939 في إحكام الحصار على الاتحاد السوفياتي بهدف خنقه اقتصادياً طالما أنها فشلت حربياً، وبث الروح الفاشية في الدول المحيطة بالاتحاد السوفياتي في إيطاليا ورومانيا وألمانيا وفنلندا وبعيداً في اليابان، وعمدت حكومة دالادييه الفرنسية إلى خنق الجمهورية الاسبانية في مواجهة الفاشي فرانكو . كان مؤتمر ميونخ في سبتمبر 1938 الذي ضم أكبر دولتين إمبرياليتين، بريطانيا ممثلة بتشيمبرلن وفرنسا ممثلة بدالادييه، وقطبي الفاشية في أوروبا، ألمانيا ممثلة بهتلر وإيطاليا ممثلة بموسوليني، كان اجتماع قطبي الإمبريالية مع قطبي الفاشية في ميونخ موجهاً للعداء للشيوعية وتفكيك الاتحاد السوفياتي، وكعربون لهذه الصفقة قدم تشيمبرلن ودالادييه لهتلر منطقة السوديت التشيكية دون استشارة الاتحاد السوفياتي الذي كان الضامن لأمن تشيكوسلوفاكيا بالإشتراك مع فرنسا . سياسة الترضية التي سلكتها الإمبراطوريتان الإستعماريتان بريطانيا وفرنسا في مؤتمر ميونخ للفاشية الصاعدة في أوروبا كانت إشارة واضحة إلى أن الدول الإمبريالية والفاشية تعد مؤامرة لتفكيك الإتحاد السوفياتي والقضاء على الثورة الإشتراكية مرة واحدة وإلى الأبد . سياسة الترضية تلك كانت موضع استنكار غاضب من قبل شعوب أوروبا قاطبة وخاصة شعبي بريطانيا وفرنسا . إذّاك بعث ستالين رئيس مجلس الوزراء فياتشسلاف مولوتوف إلى كل من فرنسا وبريطانبا والولايات المتحدة يطلب إقامة تحالف جماعي ضد النازية الهتلرية والفاشية المتعاظمة في أوروبا إلاّ أن هذه الدول العظمى الثلاث رفضت مثل ذلك التحالف المقترح لعل وعسى أن يقوم هتلر بتصفية الحساب مع الاتحاد السوفياتي الذي شكل الخطر الحقيقي على النظام الرأسمالي العالمي وخاصة بعد أن سجل تسارعاً مدهشاً في التنمية الإشتراكية . إذّاك وجد ستالين نفسه مضطراً للعمل على إفشال المؤامرة على وجود الاتحاد السوفياتي ومستقبل الثورة الإشتراكية من خلال اتفاقية عدم اعتداء توفر الوقت الكافي لعسكرة النظام الإشتراكي المنافي بطبيعته للعسكرة . ستالين وقع اتفاقية عدم اعتداء مع هتلر في 24 أغسطس 1939 مؤملا أن يكون مستعداً لمواجهة هتلر حربياً مع نهاية العام 1941 ، وهتلر وقع الاتفاقية كي يسكت الاتحاد السوفياتي على احتلاله لبولندا، التي كانت فرنسا وبريطانيا ضامنتين لاستقلالها، وهو خطوة ضرورية لشن حرب على الإتحاد السوفياتي . قام هتلر باحتلال بولندا في الأول من سبتمبر 1939 بعد أسبوع واحد فقط من عقد اتفاقية عدم الإعتداء مع السوفييت . أعلنت بريطانيا وفرنسا الحرب على ألمانيا لكن حربهما كانت حرباً كلامية دون أية إحراءات حربية على الأرض .
الدول الرأسمالية الغربية كانت تبيّت تصفية الدولة الاشتراكية الأولى في التاريخ على أيدي النازية . وهي أضمرت هدفها الخبيث هذا بسبب جهلها للهدف الاستراتيجي للنازية الهتلرية . فهتلر لم يكن عدواً قاتلاً للشيوعية فقط بل كان أيضاً عدواً قاتلاً للرأسمالية أيضاً ؛ وهو لذلك إقترح على ستالين أثناء مفاوضات اتفاقية عدم الإعتداء أن يتشارك الطرفان في احتلال بريطانيا ومستعمراتها واقتسامها بين الطرفين . ستالين تجاهل ذلك الإقتراح العدواني وكأن لم يسمع به، ولعل هذا ما أغضب هتلر وبكّر في خرق اتفاقية عدم الإعتداء . كان الهدف الاستراتيجي للنازية الهتلرية هو أن يحل الرايخ الثالث محل روما القديمة فيستعبد العالم، كل العالم بشيوعييه ورأسمالييه لألف عام . أن تجد وتكدح شعوب العالم ويسلبها الرايخ الثالث كامل منتوجاتها لخير ورفاه الجنس الآري في ألمانيا . لعل الهر هتلر تعلم من حماقات الدوتشي موسوليني القيصر الكراكوز لروما الجديدة .
لو فطن قادة بريطانيا وفرنسا للهدف الاستراتيجي لهتلر لقبلوا مبكراً التحالف مع الاتحاد السوفياتي ضد النازية ولوفروا على العالم كل مآسي الحرب العالمية الثانية التي فاقت فظاعتها كل التصورات، ولكان عالم اليوم أكثر غنىً واستقراراً بعيداً عن الفوضى العارمة اليوم . إلا أن الأهداف العدوانية ضد الثورة الإشتراكية العالمية أعمتهم عن رؤية الحقائق الكبرى فكان أن أنزلوا بالإنسانية مآس لا حصر لها ومنها انهيار المشروع اللينيني في الثورة الاشتراكية العالمية حتى بعد انتصاره وسحق الهتلرية النازية. بريطانيا والولايات المتحدة تركتا الاتحاد السوفياتي يجابه ألمانيا النازية المسلحة حتى الأسنان وحيداً . وحتى إنزال النورماندي الذي لم يكن له أثر كبير في مجريات الحرب لم يوافق عليه تشيرتشل إلا بعد أن هدد الجنرال ايزنهاور بالاستقالة من قيادة الحملة مؤكداً للرئيس روزفلت بأنه لن يشارك تشيرتشل خيانته للتحالف مع الإتحاد السوفياتي . ظل الأمل بانهاك الإتحاد السوفياتي يخامر الرأسماليين حتى وهو يبذل الدماء سيولاً في الدفاع عن حرية شعوبهم في مواجهة غول النازية .
أي استعراض موضوعي للتاريخ الحديث فيما بعد الثورة الإشتراكية 1917 لا بد وأن يرى العالم، كل العالم، يلف في مدار لا يتوقف حول الثورة الإشتراكية وهي مركز العالم وستظل مركز العالم الذي يتفلّت بقوى طاردة إلى أن تنتصر
عندما ينسى الشيوعي أن الإشتراكية إنما هي أساساً المعركة الأخيرة الفاصلة التي تخوضها البروليتاريا ضد أعدائها الطبقييين ثم ينسى بالتداعي أن الصراع الطبقي هو محرك عربة التاريخ فإنه بذلك لا يعود شيوعياً ويرتد ليقف في صفوف الأعداء وينكفئ إلى أن يكون وطنياً يرى الإشتراكية في المصالحة الوطنية التي توفر الحرية والديموقراطية والعدالة الإجتماعية ؛ وها نحن نرى اليوم أيتام خروشتشوف ينادون جميعهم بالحرية والديموقراطية والعدالة الإجتماعية وخقوق الإنسان وبعضهم يضيف دون خجل التعددية التي تعني أول ما تعني قبول البروليتاريا بالخنوع والإستغلال .
من مكتشفات ماركس الهامة هو أن الرأسمالية نظام عالمي يحتضن العالم بأسره ويجعل منه وحدة واحدة لا تقبل الإنفصال أو التغريب . في العام 1913 كانت جميع أصقاع الكرة الأرضية تتشكل من بضعة خلايا جميعها رأسمالية، لكل منها مركز رأسمالي ومحيط من المستعمرات والبلدان التابعة، ومع ذلك اشتبكت جميع هذه الخلايا في حرب عالمية مهلكة 1914 لإعادة إقتسام المستعرات المحيطات . الخلية الأولى التي تغربت وانفصلت عن ذلك النظام العالمي كانت روسيا القيصرية من خلال ثورة أكتوبر الإشتراكية بقيادة البلاشفة . فعل التغريب الذي اجترحه البلاشفة بقيادة لينين لم يكن يقتصر على روسيا القيصرية بل كان هو الثورة العالمية التي نادى بها كارل ماركس لتقلب العالم، كل العالم، من الرأسمالية إلى الإشتراكية . ولذلك كل الخلايا الرأسمالية الأخرى أرسلت جيوشها لخنق البولشفية في مهدها، كما نادى وزير الحربية البريطاني ونستون تشيرتشل 1919 ؛ وكانت دهشة العالم أن تمكن البلاشفة من سحق تسعة عشر جيشاً إمبرياليا في العام 1921 .
كانت قد ظهرت حركات وطنية "تغريبية" بقصد الإنفصال عن النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي في بلدان مختلفة قبل الثورة الاشتراكية وظهور الاتحاد السوفياتي كقوة عالمية . ففي الهند ناضل الشعب لقرن طويل في حركة تحرر وطني ولم يحقق أية نجاحات قبل العام 1947 ؛ وفي الصين قاد صن يات سن في مطالع القرن العشرين ثورة تحرر وطني واعتقد أن اليابان الرأسمالية يمكن أن تساعد في إنجاز الثورة فخاب أمله وارتد إلى أحضان الأممية الشيوعية كما فعل خليفته تشان كايتشك . وقامت البورجوازية الشامية بقيادة الشريف حسين بن علي بثورة تحرر وطني غير أن الانجليز ساعدوا السعوديين في احنلال مملكة الشريف حسين في الحجاز وزادوا أن اعتقلوا الشريف ونفوه إلى قبرص في إقامة جبرية وانتهى أبناؤه الثوار إلى مصالحة الانجليز في ممالك تحت إحتلالهم .
ثورة التحرر الوطني العالمية 1946 ـ 1972 ما كانت لتحقق استقلال عشرات الدول إلا لأنها جرت تحت المظلة السوفياتية . بعض الحركات الوطنية المراهقة رفعت شعارات تغريبية مثل شعار " لا شرقية ولا غربية بل قومية عربية " لكن هؤلاء الإنفصاليين المراهقين كانوا يهرعون إلى الإتحاد السوفياتي طلباً للحماية كلما لاح في الأفق شبح الإمبريالية يهددهم ؛ وقد رأينا الاتحاد السوفياتي يستخدم قواه العسكرية لحماية الثورة المصرية في العام 1956 والثورة العراقية في العام 1958 .
وقائع التاريخ الحديث تؤكد للشيوعيين المنكفئين إلى الوطنية، وإلى الوطنيين بصورة عامة، أن المشاريع الوطنية المتجملة برايات الحرية والديموقراطية والعدالة الإجتماعية لا مهبط لها على الأرض منذ أن وطدت الإمبريالية أركانها في العالم خلال القرن التاسع عشر . ثورة التحرر الوطني إنما كانت الوجه الآخر للثورة الإشتراكية وإن كانت بقيادة البورجوازية الدينامية، ولذلك اشترط لينين على الأحزاب الشيوعية في المستعمرات والبلدان التابعة أن تصطف خلف البورجوازية الدينامية في ثورتها الوطنية وإلا فإنها لن تقبل عضوة في الأممية الشيوعية . اصطفاف الدولة في النظام العالمي لم يكن خياراً لا سابقاً ولا لاحقاً، وكذلك هو النظام الإجتناعي . أولئك الذين ينادون إلى أنظمة إجتماعية تتوافق مع أهوائهم إنما هم أفّاقون وأفّاكون .
ما يتوجب على كافة المحللين من مختلف الأجناس، والشيوعيون في مقدمتهم، هو أن يروا العالم فيما بعد إعلان مشروع لينين في الثورة الاشتراكية العالمية إنطلاقاً من روسيا في مارس 1919 على أنه ليس وحدات مستقلة أو أنه وحيد القطبية كما يجري الحديث اليوم أو أن ينفصل بلد بعينه عن البنية العالمية الواحدة ليقيم نظاماً خاصاً به، على كافة المحللين أن يروا العالم بمختلف نظمه ووسائل إنتاجه يلف ويدور بأجمعه حول الثورة الإشتراكية. التاريخ الحديث في القرن العشرين يؤكد ذلك . فما إن أعلن لينين الثورة الإشتراكية العالمية في مارس 1919 حتى أرسلت أربع عشرة دولة رأسمالية تحكم العالم تسعة عشر جيشاً لتخنق البلشفية في مهدها. وما إن فشلت في ذلك في العام 1921 حتى جهدت المخابرات البريطانية، التي كانت تقود قوى الرجعية في العالم في اغتيال الثورة في إيطاليا وساعدت الفاشيين بقيادة موسوليني في اختطاف السلطة والرجوع بروما خمسة عشر قرناً إلى الخلف . وأغدقت المخابرات البريطانية العطايا على قادة الحزب الاشتراكي في جمهورية فايمار تمهيداً لانتصار هتلر في العام 1933 . تمثلت السياسة العامة للدول الرأسمالية منذ هزيمتها في مواجهة البلاشفة في العام 1921 وحتى إعلان الحرب العالمية في سبتمبر 1939 في إحكام الحصار على الاتحاد السوفياتي بهدف خنقه اقتصادياً طالما أنها فشلت حربياً، وبث الروح الفاشية في الدول المحيطة بالاتحاد السوفياتي في إيطاليا ورومانيا وألمانيا وفنلندا وبعيداً في اليابان، وعمدت حكومة دالادييه الفرنسية إلى خنق الجمهورية الاسبانية في مواجهة الفاشي فرانكو . كان مؤتمر ميونخ في سبتمبر 1938 الذي ضم أكبر دولتين إمبرياليتين، بريطانيا ممثلة بتشيمبرلن وفرنسا ممثلة بدالادييه، وقطبي الفاشية في أوروبا، ألمانيا ممثلة بهتلر وإيطاليا ممثلة بموسوليني، كان اجتماع قطبي الإمبريالية مع قطبي الفاشية في ميونخ موجهاً للعداء للشيوعية وتفكيك الاتحاد السوفياتي، وكعربون لهذه الصفقة قدم تشيمبرلن ودالادييه لهتلر منطقة السوديت التشيكية دون استشارة الاتحاد السوفياتي الذي كان الضامن لأمن تشيكوسلوفاكيا بالإشتراك مع فرنسا . سياسة الترضية التي سلكتها الإمبراطوريتان الإستعماريتان بريطانيا وفرنسا في مؤتمر ميونخ للفاشية الصاعدة في أوروبا كانت إشارة واضحة إلى أن الدول الإمبريالية والفاشية تعد مؤامرة لتفكيك الإتحاد السوفياتي والقضاء على الثورة الإشتراكية مرة واحدة وإلى الأبد . سياسة الترضية تلك كانت موضع استنكار غاضب من قبل شعوب أوروبا قاطبة وخاصة شعبي بريطانيا وفرنسا . إذّاك بعث ستالين رئيس مجلس الوزراء فياتشسلاف مولوتوف إلى كل من فرنسا وبريطانبا والولايات المتحدة يطلب إقامة تحالف جماعي ضد النازية الهتلرية والفاشية المتعاظمة في أوروبا إلاّ أن هذه الدول العظمى الثلاث رفضت مثل ذلك التحالف المقترح لعل وعسى أن يقوم هتلر بتصفية الحساب مع الاتحاد السوفياتي الذي شكل الخطر الحقيقي على النظام الرأسمالي العالمي وخاصة بعد أن سجل تسارعاً مدهشاً في التنمية الإشتراكية . إذّاك وجد ستالين نفسه مضطراً للعمل على إفشال المؤامرة على وجود الاتحاد السوفياتي ومستقبل الثورة الإشتراكية من خلال اتفاقية عدم اعتداء توفر الوقت الكافي لعسكرة النظام الإشتراكي المنافي بطبيعته للعسكرة . ستالين وقع اتفاقية عدم اعتداء مع هتلر في 24 أغسطس 1939 مؤملا أن يكون مستعداً لمواجهة هتلر حربياً مع نهاية العام 1941 ، وهتلر وقع الاتفاقية كي يسكت الاتحاد السوفياتي على احتلاله لبولندا، التي كانت فرنسا وبريطانيا ضامنتين لاستقلالها، وهو خطوة ضرورية لشن حرب على الإتحاد السوفياتي . قام هتلر باحتلال بولندا في الأول من سبتمبر 1939 بعد أسبوع واحد فقط من عقد اتفاقية عدم الإعتداء مع السوفييت . أعلنت بريطانيا وفرنسا الحرب على ألمانيا لكن حربهما كانت حرباً كلامية دون أية إحراءات حربية على الأرض .
الدول الرأسمالية الغربية كانت تبيّت تصفية الدولة الاشتراكية الأولى في التاريخ على أيدي النازية . وهي أضمرت هدفها الخبيث هذا بسبب جهلها للهدف الاستراتيجي للنازية الهتلرية . فهتلر لم يكن عدواً قاتلاً للشيوعية فقط بل كان أيضاً عدواً قاتلاً للرأسمالية أيضاً ؛ وهو لذلك إقترح على ستالين أثناء مفاوضات اتفاقية عدم الإعتداء أن يتشارك الطرفان في احتلال بريطانيا ومستعمراتها واقتسامها بين الطرفين . ستالين تجاهل ذلك الإقتراح العدواني وكأن لم يسمع به، ولعل هذا ما أغضب هتلر وبكّر في خرق اتفاقية عدم الإعتداء . كان الهدف الاستراتيجي للنازية الهتلرية هو أن يحل الرايخ الثالث محل روما القديمة فيستعبد العالم، كل العالم بشيوعييه ورأسمالييه لألف عام . أن تجد وتكدح شعوب العالم ويسلبها الرايخ الثالث كامل منتوجاتها لخير ورفاه الجنس الآري في ألمانيا . لعل الهر هتلر تعلم من حماقات الدوتشي موسوليني القيصر الكراكوز لروما الجديدة .
لو فطن قادة بريطانيا وفرنسا للهدف الاستراتيجي لهتلر لقبلوا مبكراً التحالف مع الاتحاد السوفياتي ضد النازية ولوفروا على العالم كل مآسي الحرب العالمية الثانية التي فاقت فظاعتها كل التصورات، ولكان عالم اليوم أكثر غنىً واستقراراً بعيداً عن الفوضى العارمة اليوم . إلا أن الأهداف العدوانية ضد الثورة الإشتراكية العالمية أعمتهم عن رؤية الحقائق الكبرى فكان أن أنزلوا بالإنسانية مآس لا حصر لها ومنها انهيار المشروع اللينيني في الثورة الاشتراكية العالمية حتى بعد انتصاره وسحق الهتلرية النازية. بريطانيا والولايات المتحدة تركتا الاتحاد السوفياتي يجابه ألمانيا النازية المسلحة حتى الأسنان وحيداً . وحتى إنزال النورماندي الذي لم يكن له أثر كبير في مجريات الحرب لم يوافق عليه تشيرتشل إلا بعد أن هدد الجنرال ايزنهاور بالاستقالة من قيادة الحملة مؤكداً للرئيس روزفلت بأنه لن يشارك تشيرتشل خيانته للتحالف مع الإتحاد السوفياتي . ظل الأمل بانهاك الإتحاد السوفياتي يخامر الرأسماليين حتى وهو يبذل الدماء سيولاً في الدفاع عن حرية شعوبهم في مواجهة غول النازية .
أي استعراض موضوعي للتاريخ الحديث فيما بعد الثورة الإشتراكية 1917 لا بد وأن يرى العالم، كل العالم، يلف في مدار لا يتوقف حول الثورة الإشتراكية وهي مركز العالم وستظل مركز العالم الذي يتفلّت بقوى طاردة إلى أن تنتصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق