فؤاد النمري
أطل علينا مؤخراً بعض المتثاقفين المتطفلين على الماركسية اللينينية يلغون لغواً بغواً لا تستسيغه الذائقة العامة. يعتقد هؤلاء المتطفلون بسبب قصورهم الفكري أنه لا بدّ وأن تكون هناك أخطاء ونواقص إما في الماركسية وإما في اللينينية مما تسبب بانهيار التجربة الاشتراكية السوفياتية. يشرع هؤلاء المتطفلون في البحث عن الأخطاء المزعومة فلا ينجحون إلا في عرض جهالتهم وقصورهم الفكري من خلال لغوٍ بغوٍ لا يقترب من قواعد الماركسية اللينينية العلمية وقد تجلّت على الأرض بعبقرية لا مثيل لها عبر التاريخ. تختلط جهالتهم بوقاحتهم فيدّعون، عندما لا يجدون شيئاً عمّا يبحثون، أن الشعوب السوفياتية كانت تعاني تحت حكم ستالين بصورة خاصة من الفقر والجوع حتى نفق منها الملايين، وكانت تساق كقطيع أغنام لا تتمتع بأدنى نصيب من الحرية والديموقراطية تحت حكم دكتاتور طاغٍ مارس الاغتيال والقتل ضد الشعب كما ضد معظم قيادة الحزب الشيوعي. تسمع نفس هذه الحكاية السفيهة فقط من أفواه الذين دماؤهم ليست من صناعة أجسادهم.
ليعلم هؤلاء المتثاقفون المتطفلون أنه ما كان بإمكانهم أن يكذبوا مثل هذه الأكاذيب الوقحة إلا جرّاء مناخ القمع وغياب الحريات من صناعة قوى الرأسمالية الإمبريالية. كم من متثاقف من هؤلاء يعلم شيئاً عن أبرز وقائع التاريخ من الحرب العالمية الثانية! من منهم سمع بمعركة كورسك صيف 1943 مثلاً أو عرف شيئاً عنها رغم أنها تشكل أحد انعطافات التاريخ الهامة، أو عن تطويق الجيوش البريطانية والأميركية في عقدة جبال الآردنز شمال شرق فرنسا في 25 ديسمبر 1944 من قبل 20 فرقة ألمانية، أو عن الهجوم السوفياتي الشامل على ألمانيا في 12 يناير 1945 ؟ من المؤكد أن أحداً من هؤلاء المتطفلين لا يعلم شيئا عن هذه الوقائع التي تدل على عظمة الاتحاد السوفياتي مقارنة بقوى الرأسمالية العالمية الهزيلة. ما كان الحلفاء لينتصروا على الرايخ الهتلري بغير الاتحاد السوفياتي وإلا كانت الولايات المتحدة مستعمرة يابانية وبريطانيا وفرنسا مستعمرتين ألمانيتين. لماذا عرف هؤلاء المتطفلون منذ الصغر عن بطولات الإنجليز في العلمين ولم يعلموا شيئاً حتى اليوم عن معركة كورسك علماً بأن الجنود السوفييت في معركة كورسك كانوا عشرة أضعاف مجموع الجنود البريطانيين والهنود والاستراليين والأفارقة في العلمين، وأن الدبابات السوفياتية تساوي خمسة أضعاف الدبابات الانجليزية، والخسائر السوفياتية كانت ستين ضعف الخسائر البريطانية، إضافة إلى أن معركة كورسك كسرت العمود الفقري للقوات الهتلرية أما العلمين فلم تهزم إلا إيطاليا. في 6 ابريل 43 أبرق تشيرتشل لستالين قائلا . . " أنا أعي بعمق الحمل الهائل (giant burden) الذي تحملونه، ومساهماتكم في الحرب التي لا يدانيها أية مساهمات أخرى contribution) (unequalled "، ومع ذلك تجد أحد المتثاقفين المتطفلين يدعي أن الدول الغربية حملت الاتحاد السوفياتي على أكتافها في الحرب " . يقول مثل هذه المزاعم الخرقاء وهو لا يعلم أن اليابان كانت ستهزم أمريكا لولا أن الجيوش السوفياتية أبادت كل جيوش اليابان البرية خلال اسبوعين قبل إلقاء القنبلتين الذريتين عديمتي الجدوى الحربية، ولم يأمر بإلقائهما المجرم بحق الإنسانية ترومان إلا ليسرق وهج انتصار الجيش الأحمر وتحطيمه العمود الفقري للقوى العسكرية اليابانية. في مساء 5 يناير45 اتصل تشيرتشل على الهاتف بستالين ليطلب منه النجدة حيث أن كامل الجيوش البريطانية والأمريكية، كامل إنزال النورماندي بقيادة الجنرال آيزنهاور، ستلقى الإبادة بعد أن تم تطويقها بإحكام في جبال الآردنز. وعندما اعتذر ستالين لأن برنامج العمليات للجيوش السوفياتية لا يسمح بالتحرك قبل 28 يناير، بكى تشيرتشل على التلفون وقال لستالين .. " تذكر يا صديق في المستقبل أنه كان لك أصدقاء مخلصون في بريطانيا " ــ وهو ما يعني أن بريطانيا لن تبقى بريطانيا التي تعرفها ــ فما كان من ستالين إلا أن جمع غرفة العمليات وبحث إمكانية المساعدة؛ ولما لم يوافق جميع الأعضاء لتعذر الامكانية بتقديم أية مساعدة، أصدر ستالين كقائد عام أمره العسكري بالهجوم على كافة الجبهات الألمانية في الثاني عشر- من يناير، وطلب من تشيرتشل أن تستمر القوات المطوقة بالمقاومة أسبوعاً آخر. في الثاني عشر من يناير فتحت الجيوش السوفياتية أطول جبهة حربية في تاريخ الحروب امتدت على عرض القارة الأوروبية. اقترح الجنرالات الألمان على هتلر سحب ثمانية فرق من الطوق وارسالها لمواجهة الهجوم السوفياتي الهائل إلا أن هتلر رفض الاقتراح وطالبهم بسرعة إبادة الجيوش البريطانية والأميركية المطوقة ليتسنى ارسال كامل العشرين فرقة لصد الهجوم السوفياتي. لكن سرعان ما دخلت الجيوش السوفياتية أراضي بروسيا الألمانية مما اضطر هتلر إلى سحب ثمانية فرق من الطوق ما مكن إنزال النورماندي من الإفلات.
الجبهات الحربية تتشكل أساساً بالاستناد على الجبهات الداخلية المدنية. الشعوب السوفياتية التي قامت بمثل هذا الحمل الخرافي (Giant Burden) ما كانت لتقوم بكل ذلك لو لم تكن توالي أوثق الموالاة النظام السياسي والاجتماعي القائم، نظام الاشتراكية اللينينية الستالينية. الفلاحون استطاعوا أن يموّنوا بالغذاء الجبهات المحاربة على أكمل وجه وقد بلغ عدد الجنود في العام 45 حوالي 6.5 مليون جندي. الجنود الأحرار هم الذين يدافعون عن بلادهم ببسالة فائقة. الجنود السوفيات كان يصفهم الجنود الألمان على أنهم ليسوا من طينة البشر إذ لا يعرفون التراجع. وعندما أهدى الملك جورج السادس ملك بريطانيا سيفه المرصع بالجواهر تخليداً لمعركة ستالينجراد وقد نقش عليه " إلى الجنود الذين قدت قلوبهم من الفولاذ " قبض الرئيس الأميركي الأعظم فرانكلن روزفلت على السيف ولوّح به صائحاً " حقاً لقد قدت قلوبهم من الفولاذ ". هؤلاء هم الجنود الذين رباهم الحزب الشيوعي البولشفي على تقاليد الحرية ــ وصلت الحرية بهم إلى حد التصويت على الخطط الحربية قبل تنفيذها خلال السنة الأولى من الحرب. تربى هؤلاء الشغيلة الجنود على أن يقرروا هم أنفسهم الأعمال التي يتوجب عليهم انجازها.
اللغو البغو غير الناضج الذي يلغو به هؤلاء المتثاقفون المتطفلون على الماركسية اللينينية يبقى خارج كل مشروعية طالما لم يفسّر أصحابه أصل الجهد الاستثنائي العظيم بمختلف المقاييس الذي جهدته تلك الوحدة الجيوسياسية المسماة "اتحاد الجمهوريات السوفياتية الاشتراكية" طيلة الحرب، ذلك الجهد الذي أثار دهشة العالم وفضوله ووصفه تشيرتشل بالحمل العملاق، أثار فضول العالم خلال الحرب وبعدها، لكنه للعجب لا يثير فضول المتثاقفين المتطفلين اليوم ولا يشعرون بصغارهم إزاءه. دون أن يفسر هؤلاء أصول "الحمل العملاق" بما يتساوق مع مفاهيمهم عن وجود عيوب في الماركسية أو سوء فهم وقراءة في اللينينية فللآخرين الذين عرفوا الدولة السوفياتية كما هي بقيادة ستالين أن يقولوا . . " نحن نحب هذه الماركسية المعيبة وهذه اللينينية القاصرة .. نحن نحب الدولة السوفياتية التي أتت بكل هذا الجهد الجهيد في حماية الإنسانية. تعجبنا الدولة التي استطاعت معالجة كل آثار الحرب في خمس سنوات فقط بينما الرأسمالية الأوروبية عجزت عن معالجة ندوب الحرب في عشر سنوات رغم المساعدات الأميركية بموجب مشروع مارشال لمقاومة الشيوعية والبالغة 12.5 مليار دولاراً بقيمتها آنذاك".
لن ينجح هؤلاء المتطفلون الصغار في تفسير أصول القوى الهائلة التي أبداها المارد السوفياتي خلال الحرب ضد النازية بما يتساوق مع ما يتطفلون به على الماركسية اللينينية. وربما يتعلل بعضهم بأن الأنظمة الدكتاتورية تبدي أحيانا بعض القوة ثم لا تلبث أن تنهار. هذا ليس صحيحاً وهو لغو بغو. ستالين "الدكتاتور" القائد العام للحرب كان يهاجم بقوة الجنرالات لديه الذين يؤيدون سياسة المعركة الواحدة لحسم الحرب فكان يبعدهم عن القيادة ويخفض رتبهم كما عمل مرة مع قائد العمليات الأبرز المارشال جوكوف. كانت سياسة ستالين بإدارة الحرب ترتكز بكل وضوح على قضم قوى النازية شيئا فشيئاً لأمد طويل وهذه السياسة تحديداً لا تقبل بها الأنظمة الدكتاتورية بالمعنى العام للكلمة. استندت سياسة ستالين على معالجة العدوان النازي بنفس طويل إلى دولة بروليتارية تعمل بانتظام تام وفق برنامجها التأسيسي. دولة الدكتاتورية الفردية لا تمتلك مثل هذه البنية وهي بطبيعتها هشة سريعة العطب والانهيار. إن أبدت دولة الدكتاتورية الفردية عرضاً من القوة فذلك لا يكون إلا خلال فترة قصيرة لا تلبث أن تنطفئ. لم تتزعزع بنية الدولة السوفياتية إبان محاصرة جيوش هتلر لموسكو حيت اجتمعت قيادة الحزب وقررت ترحيل أجهزة الدولة إلى الشرق ونقل جثمان لينين لكن ستالين قائد الدولة والقوات المسلحة رفض الرحيل وبقي في موسكو يقود معركتها ضد قطعان الهتلرية. لم تتزعزع بنية الدولة حين جمع ستالين اللجنة المركزية للحزب في مساء 6 نوفمبر 41 احتفاء بذكرى ثورة أكتوبر الرابعة والعشرين وخطب بالمجتمعين يقول .. " طالما أرادها هتلر حرب إبادة فليتلقَ إذاً ". لو كان تشيرتشل وروزفلت حاضرين في تلك الجلسة لابتسما سخرية. من كان يصدق ستالين وعاصمته محاصرة ينتظرها السقوط خلال أيام يهدد هتلر بالإبادة الشاملة!؟ ستالين وحده فقط كان يدرك ما لدى الدولة الاشتراكية من طاقات لا تدانيها طاقات أي دولة أخرى. شبّه خروشتشوف ستالين بالأرنب يصيبه الشلل في مواجهة أفعى البوا (هتلر) وهذا صحيح حيث لم يترك ستالين حيلة إلا واستحالها كيلا يدخل الاتحاد السوفياتي في الحرب لأنه يعلم تماما أن الحرب تهدد مصائر الثورة الاشتراكية العالمية بل إن الهدف الأول للنازية كان القضاء على الشيوعية والثورة الاشتراكية كما حدده هتلر. لكن هذا الأرنب المشلول ينقلب إلى أسد هصور حين تدهم الأخطار مشروع لينين، مشروع الثورة الاشتراكية العالمية.
لا مراء في أن جملة هؤلاء المتثاقفين المتطفلين على الماركسية اللينينية هم من طبقة البورجوازية الوضيعة التي تتميز، بحكم طبيعة إنتاجها الخدمي الهامشي، بالتحايل والتخابث. ليس إلا من باب التخابث يصر هؤلاء على إنكار دور الصراع الطبقي في عبور الاشتراكية. نرفع الصوت عالياً لنؤكد أن المشروع اللينيني قصر في عبور الاشتراكية بسبب الصراع الطبقي وغلبة طبقة البورجوازية الوضيعة، لكن هؤلاء المتثاقفين الذين يناصرون بالطبع الطبقة الغالبة في المجتمع السوفياتي وهي ذات الطبقة التي ينتمون إليها، طبقة البورجوازية الوضيعة، لا يسمعوننا، وهم لو سمعوا لانتفت حجتهم في الهجوم على الماركسية اللينينية. كان كارل ماركس قد حذّر بقوة من هذه الطبقة الرجعية في البيان الشيوعي. بل إن لينين ذهب إلى أبعد من ذلك حين وصف أعضاء قيادة الحزب في العام 1922 بأنهم ليسوا ماركسيين وليسوا شيوعيين. ومثله فعل ستالين في نوفمبر 1952 قبل رحيله بأربعة أشهر فقط حين طالب الهيئة العامة للحزب باستبدال كافة أعضاء القيادة (البرزيديوم) لأنهم لن يوصلوهم إلى الشيوعية. آباء الشيوعية الأوائل حذروا من الصراع الطبقي الحاد أثناء عبور مرحلة الاشتراكية والأخطار الحقيقية التي تجسدها البورجوازية الوضيعة على الثورة الاشتراكية غير أن كتبة البورجوازية الوضيعة يصمون الأسماع من أجل أن يدينوا الاشتراكية اللينينية باعتبارها هي التي انهارت في العام 1991!!
كيف يجوز لكتبة البورجوازية الوضيعة أن يقفزوا عن الثورة المضادة الملفّعة بلفاع الديموقراطية والأنسنة التي قادها خروشتشوف وزبانيته استناداً إلى العسكرتاريا بعد رحيل ستالين مباشرة، وتقرر قيادة الحزب في سبتمبر 1953 خلافاً لكل الأنظمة والقوانين إلغاء قرارات الهيئة العامة للحزب في المؤتمر التاسع عشر. الهيئة العامة للحزب هي صاحبة السلطة العليا وهي وحدها المخولة بإلغاء أية قرارات كانت قد اتخذتها. نفس قيادة الحزب التي طالب ستالين باستبدالها تلغي قرارات المؤتمر العام للحزب ومع ذلك يصر كتبة البورجوازية على أن الحزب هو الحزب، حزب خروشتشوف هو نفسه حزب ستالين !! وقد لا نذهب بعيداً إذا ما أكدنا على النتائج التي توصلت إليها لجنة أميركية- روسية شكلت حديثاً للتحقيق في موت ستالين المفاجئ، وقد أكدت هذه اللجنة أن ستالين مات مسموماً، وكان مولوتوف قد أشار إلى ذلك متهما لافرنتي بيريا وزير الداخلية والأمن باقتراف الجريمة، خاصة وأن بيريا كان قد تناول العشاء في مساء 28 وما يدلل على صحة ما توصلت إليه اللجنة وشكوك مولوتوف هو إعدام بيريا دون محاكمة بقرار من خروشتشوف وهو ما لا تجيزه قوانين الدولة وخاصة بالنسبة إلى عضو قيادة في الحزب إذ في الأعوام 36 ـ 38 وكانت أخطار المؤامرة الكبرى تحيط بالاتحاد السوفياتي جرت محاكمات علنية بحضور المراسلين الأجانب لأعضاء في قيادة الحزب مثل زينوفييف وكامينيف وبوخارين وريكوف. إعدام بيريا دون محاكمة علنية بقرار من خروشتشوف يعزز شبهات مولوتوف بأن خروشتشوف كان على علم مسبق بجريمة بيريا وخشي من أن أية محاكمة حقيقية ستفضح مشاركته في الجريمة.
لم يعد هناك اشتراكية بعد رحيل ستالين. عصابة خروشتشوف ألغت في سبتمبر 53 الخطة الخماسية التي قررها المؤتمر العام للحزب في نوفمبر 52، تلك الخطة التي لو تم تنفيذها، وهي تقضي برفع مستوى حياة العمال أضعاف ما كانت عليه، لتعذر على خروشتشوف وعلى العسكر الإنحراف بالثورة والرجوع عن الاشتراكية. في شباط 56 خالف خروشتشوف نهج الحزب وألقى خطاباً من خارج البرنامج، وبعد انتهاء وقائع مؤتمر الحزب العشرين، عبر فيه عن إدانته للدولة السوفياتية التي أقامها ستالين عبر الإرهاب والتسلط وإلغاء الآخر، وقطع وعداً على نفسه بأنه سيقيم دولة من طراز مختلف آخر. في يونيو 57 وإثر قرار البريزيديوم، وهو أعلى سلطة في الدولة، إعفاء خروشتشوف من كافة مناصبه في الحزب والدولة، قام خروشتشوف بانقلاب عسكري على الحزب بمساعدة وزير الدفاع المارشال جوكوف وطرد جميع الذين صوتوا إلى جانب إعفائه وهم ستة بلاشفة أي نصف أعضاء البرزيديوم ــ وكان سابقاً قد طرد الإثني عشر عضواً الذين أضافهم ستالين ليكون عدد أعضاء البرزيديوم 24 وليس 12 كما كانوا دائماً ــ في شباط 59 أعلن خروتشوف تخليه عن مبدأ الصراع الطبقي وعن دكتاتورية البروليتاريا، التي اعتبرها ماركس الدالة الوحيدة على الاشتراكية، وهو ما يعني بكل جلاء أن السلطة كانت قد غدت في قبضة البورجوازية الوضيعة. انتهت الاشتراكية السوفياتية في سبتمبر 1953 وبدأت دولة الطبقة الوسطى بكل مساوئها. ما انهار في العام 1991 هو دولة الطبقة الوسطى أو الأحرى لفاع الدولة الاشتراكي المزيف لتبقى الدولة بلا أي لفاع، دولة البورجوازية الوضيعة. كان ماركس قد تنبأ عن خيانة البورجوازية الوضيعة للثورة في العام 1847 في البيان الشيوعي وهو ما قامت به البورجوازية الوضيعة السوفياتية في العام 1953.
الخربشات الكثيرة التي يخربشها كتبة البورجوازية الوضيعة تزعم بعيوب في النظرية الماركسية أو سوء قراءة في اللينينية إنما تظل معلقة في الهواء وبلا أي معنى طالما أنها لا تنزل إلى الأرض لتحاكم وقائع بعينها في الثورة الاشتراكية بقيادة لينين ــ ستالين 1917 ــ 1953، علماً بأن كل نقد علمي وموضوعي سيصب في إغناء الماركسية اللينينية وهو ما تحرص البورجوازية الوضيعة على ألا يكون. البورجوازية بمختلف أطيافها والرأسمالية الإمبريالية قد وظّفت كل قواها دون انقطاع في حرب لا هوادة فيها لقتل المشروع اللينيني في الثورة الاشتراكية العالمية. نذكر حرب البورجوازية على البلاشفة في مارس 1918 وحروب التدخل وتدمير الجمهوريات السوفياتية في ألمانيا والمجر وليتوانيا، ثم في رعاية الفاشية في ايطاليا والنازية في ألمانيا من قبل المخابرات الانجليزية مباشرة ثم في تسلل عصابات التخريب في الثلاثينيات ونسج المؤمرات على أمن الدولة وتوجهاتها التي شاركت فيها كوادر من الحزب والدولة ومن القوات المسلحة ثم المؤامرة الكبرى بمشاركة بريطانيا وفرنسا وألمانيا الهتلرية وايطاليا موسوليني في مؤتر ميونخ 1938 وأخيراً في الحرب العالمية الثانية بعد أن رفضت بريطانيا وفرنسا بعقد تحالف مع السوفييت ضد النازية ثم رفض بريطانيا والولايات المتحدة تحمل قسط في مواجهة النازي بهدف تنضيب الاتحاد السوفياتي. كل هذا وأكثر منه لم يسمح بتطور المشروع اللينيني سلمياً فقط بل ولم يسمح بتطوير كوادر الحزب الشيوعي أيضاً ما، وهو تحديداً ما سمح للبورجوازية الوضيعة بالتعفن في أعلى مراتب الحزب. وأخيراً يمكن القول أن الرايخ الهتلري انهزم عسكرياً في مواجهته للمشروع اللينيني لكنه مع ذلك حقق هدفه الأول وهو "اجتثاث" الشيوعية بتعبير هتلر. لولا العدوان الهتلري على الاتحاد السوفياتي في 22 يونيو 1941 خارقاً اتفاقية عدم الاعتداء مولوتوف ــ روبنتروب الموقعة في أغسطس 1939 والحرب العظمى التي دمرت الانسان والعمران في الاتحاد السوفياتي لوصل الاتحاد بقيادة الحزب الشيوعي إلى الشيوعية في ستينيات القرن الماضي ولانقطع أي ذكر للمتثاقفين المتطفلين حالتئذٍ.
المتثاقفون المتطفلون على الماركسية اللينينية وهم يلغون لغوا بغواً يصب في الطاحون الهتلرية البالية قد يجدون اليوم أنفسهم من أيتام هتلر.
www.fuadnimri.yolasite.com
أطل علينا مؤخراً بعض المتثاقفين المتطفلين على الماركسية اللينينية يلغون لغواً بغواً لا تستسيغه الذائقة العامة. يعتقد هؤلاء المتطفلون بسبب قصورهم الفكري أنه لا بدّ وأن تكون هناك أخطاء ونواقص إما في الماركسية وإما في اللينينية مما تسبب بانهيار التجربة الاشتراكية السوفياتية. يشرع هؤلاء المتطفلون في البحث عن الأخطاء المزعومة فلا ينجحون إلا في عرض جهالتهم وقصورهم الفكري من خلال لغوٍ بغوٍ لا يقترب من قواعد الماركسية اللينينية العلمية وقد تجلّت على الأرض بعبقرية لا مثيل لها عبر التاريخ. تختلط جهالتهم بوقاحتهم فيدّعون، عندما لا يجدون شيئاً عمّا يبحثون، أن الشعوب السوفياتية كانت تعاني تحت حكم ستالين بصورة خاصة من الفقر والجوع حتى نفق منها الملايين، وكانت تساق كقطيع أغنام لا تتمتع بأدنى نصيب من الحرية والديموقراطية تحت حكم دكتاتور طاغٍ مارس الاغتيال والقتل ضد الشعب كما ضد معظم قيادة الحزب الشيوعي. تسمع نفس هذه الحكاية السفيهة فقط من أفواه الذين دماؤهم ليست من صناعة أجسادهم.
ليعلم هؤلاء المتثاقفون المتطفلون أنه ما كان بإمكانهم أن يكذبوا مثل هذه الأكاذيب الوقحة إلا جرّاء مناخ القمع وغياب الحريات من صناعة قوى الرأسمالية الإمبريالية. كم من متثاقف من هؤلاء يعلم شيئاً عن أبرز وقائع التاريخ من الحرب العالمية الثانية! من منهم سمع بمعركة كورسك صيف 1943 مثلاً أو عرف شيئاً عنها رغم أنها تشكل أحد انعطافات التاريخ الهامة، أو عن تطويق الجيوش البريطانية والأميركية في عقدة جبال الآردنز شمال شرق فرنسا في 25 ديسمبر 1944 من قبل 20 فرقة ألمانية، أو عن الهجوم السوفياتي الشامل على ألمانيا في 12 يناير 1945 ؟ من المؤكد أن أحداً من هؤلاء المتطفلين لا يعلم شيئا عن هذه الوقائع التي تدل على عظمة الاتحاد السوفياتي مقارنة بقوى الرأسمالية العالمية الهزيلة. ما كان الحلفاء لينتصروا على الرايخ الهتلري بغير الاتحاد السوفياتي وإلا كانت الولايات المتحدة مستعمرة يابانية وبريطانيا وفرنسا مستعمرتين ألمانيتين. لماذا عرف هؤلاء المتطفلون منذ الصغر عن بطولات الإنجليز في العلمين ولم يعلموا شيئاً حتى اليوم عن معركة كورسك علماً بأن الجنود السوفييت في معركة كورسك كانوا عشرة أضعاف مجموع الجنود البريطانيين والهنود والاستراليين والأفارقة في العلمين، وأن الدبابات السوفياتية تساوي خمسة أضعاف الدبابات الانجليزية، والخسائر السوفياتية كانت ستين ضعف الخسائر البريطانية، إضافة إلى أن معركة كورسك كسرت العمود الفقري للقوات الهتلرية أما العلمين فلم تهزم إلا إيطاليا. في 6 ابريل 43 أبرق تشيرتشل لستالين قائلا . . " أنا أعي بعمق الحمل الهائل (giant burden) الذي تحملونه، ومساهماتكم في الحرب التي لا يدانيها أية مساهمات أخرى contribution) (unequalled "، ومع ذلك تجد أحد المتثاقفين المتطفلين يدعي أن الدول الغربية حملت الاتحاد السوفياتي على أكتافها في الحرب " . يقول مثل هذه المزاعم الخرقاء وهو لا يعلم أن اليابان كانت ستهزم أمريكا لولا أن الجيوش السوفياتية أبادت كل جيوش اليابان البرية خلال اسبوعين قبل إلقاء القنبلتين الذريتين عديمتي الجدوى الحربية، ولم يأمر بإلقائهما المجرم بحق الإنسانية ترومان إلا ليسرق وهج انتصار الجيش الأحمر وتحطيمه العمود الفقري للقوى العسكرية اليابانية. في مساء 5 يناير45 اتصل تشيرتشل على الهاتف بستالين ليطلب منه النجدة حيث أن كامل الجيوش البريطانية والأمريكية، كامل إنزال النورماندي بقيادة الجنرال آيزنهاور، ستلقى الإبادة بعد أن تم تطويقها بإحكام في جبال الآردنز. وعندما اعتذر ستالين لأن برنامج العمليات للجيوش السوفياتية لا يسمح بالتحرك قبل 28 يناير، بكى تشيرتشل على التلفون وقال لستالين .. " تذكر يا صديق في المستقبل أنه كان لك أصدقاء مخلصون في بريطانيا " ــ وهو ما يعني أن بريطانيا لن تبقى بريطانيا التي تعرفها ــ فما كان من ستالين إلا أن جمع غرفة العمليات وبحث إمكانية المساعدة؛ ولما لم يوافق جميع الأعضاء لتعذر الامكانية بتقديم أية مساعدة، أصدر ستالين كقائد عام أمره العسكري بالهجوم على كافة الجبهات الألمانية في الثاني عشر- من يناير، وطلب من تشيرتشل أن تستمر القوات المطوقة بالمقاومة أسبوعاً آخر. في الثاني عشر من يناير فتحت الجيوش السوفياتية أطول جبهة حربية في تاريخ الحروب امتدت على عرض القارة الأوروبية. اقترح الجنرالات الألمان على هتلر سحب ثمانية فرق من الطوق وارسالها لمواجهة الهجوم السوفياتي الهائل إلا أن هتلر رفض الاقتراح وطالبهم بسرعة إبادة الجيوش البريطانية والأميركية المطوقة ليتسنى ارسال كامل العشرين فرقة لصد الهجوم السوفياتي. لكن سرعان ما دخلت الجيوش السوفياتية أراضي بروسيا الألمانية مما اضطر هتلر إلى سحب ثمانية فرق من الطوق ما مكن إنزال النورماندي من الإفلات.
الجهود التي بذلها الاتحاد السوفياتي لحماية البشرية من غول النازية لم تقو عليها كل الدول العظمى مجتمعة، وقد وعى تشيرتشل هذه الحقيقة ولذلك ظل يكرر القول بأن ستالين فقط هو وحده من يستطيع أن يقيم السلم في العالم. ولذلك كان يصلي كل صباح للرب بأن يحفظ حياة ستالين كما أكد مراراً. أنتج الاتحاد السوفياتي خلال الحرب أكثر من 120 ألف طائرة وخمسين ألف دبابة في حين لم تنتج ألمانيا إلا 1500 دبابة، وخسر الاتحاد السوفياتي في الحرب 9 ملايين جندي بينما خسرت بريطانيا 400 ألف فقط، وخسر من المدنيين حوالي 18 مليوناً بينما خسرت بريطانيا 400 ألف أخرى. في معركة برلين وحدها خسر الاتحاد السوفياتي من جنوده أكثر مما خسرت بريطانيا طيلة الحرب. ليعلم هؤلاء المتثاقفون المتطفلون أنهم لم يعلموا شيئاً عن الاتحاد السوفياتي وعظمته إلا ما أراد الاستعمار لهم أن يعلموا بفعل الستار الحديدي الذي ضربه دهاقنة الامبريالية تشيرتشل وترومان وفوستردالاس وأضرابهم وهذا وحده ما يعيبهم أعيب العيوب.
الجبهات الحربية تتشكل أساساً بالاستناد على الجبهات الداخلية المدنية. الشعوب السوفياتية التي قامت بمثل هذا الحمل الخرافي (Giant Burden) ما كانت لتقوم بكل ذلك لو لم تكن توالي أوثق الموالاة النظام السياسي والاجتماعي القائم، نظام الاشتراكية اللينينية الستالينية. الفلاحون استطاعوا أن يموّنوا بالغذاء الجبهات المحاربة على أكمل وجه وقد بلغ عدد الجنود في العام 45 حوالي 6.5 مليون جندي. الجنود الأحرار هم الذين يدافعون عن بلادهم ببسالة فائقة. الجنود السوفيات كان يصفهم الجنود الألمان على أنهم ليسوا من طينة البشر إذ لا يعرفون التراجع. وعندما أهدى الملك جورج السادس ملك بريطانيا سيفه المرصع بالجواهر تخليداً لمعركة ستالينجراد وقد نقش عليه " إلى الجنود الذين قدت قلوبهم من الفولاذ " قبض الرئيس الأميركي الأعظم فرانكلن روزفلت على السيف ولوّح به صائحاً " حقاً لقد قدت قلوبهم من الفولاذ ". هؤلاء هم الجنود الذين رباهم الحزب الشيوعي البولشفي على تقاليد الحرية ــ وصلت الحرية بهم إلى حد التصويت على الخطط الحربية قبل تنفيذها خلال السنة الأولى من الحرب. تربى هؤلاء الشغيلة الجنود على أن يقرروا هم أنفسهم الأعمال التي يتوجب عليهم انجازها.
اللغو البغو غير الناضج الذي يلغو به هؤلاء المتثاقفون المتطفلون على الماركسية اللينينية يبقى خارج كل مشروعية طالما لم يفسّر أصحابه أصل الجهد الاستثنائي العظيم بمختلف المقاييس الذي جهدته تلك الوحدة الجيوسياسية المسماة "اتحاد الجمهوريات السوفياتية الاشتراكية" طيلة الحرب، ذلك الجهد الذي أثار دهشة العالم وفضوله ووصفه تشيرتشل بالحمل العملاق، أثار فضول العالم خلال الحرب وبعدها، لكنه للعجب لا يثير فضول المتثاقفين المتطفلين اليوم ولا يشعرون بصغارهم إزاءه. دون أن يفسر هؤلاء أصول "الحمل العملاق" بما يتساوق مع مفاهيمهم عن وجود عيوب في الماركسية أو سوء فهم وقراءة في اللينينية فللآخرين الذين عرفوا الدولة السوفياتية كما هي بقيادة ستالين أن يقولوا . . " نحن نحب هذه الماركسية المعيبة وهذه اللينينية القاصرة .. نحن نحب الدولة السوفياتية التي أتت بكل هذا الجهد الجهيد في حماية الإنسانية. تعجبنا الدولة التي استطاعت معالجة كل آثار الحرب في خمس سنوات فقط بينما الرأسمالية الأوروبية عجزت عن معالجة ندوب الحرب في عشر سنوات رغم المساعدات الأميركية بموجب مشروع مارشال لمقاومة الشيوعية والبالغة 12.5 مليار دولاراً بقيمتها آنذاك".
لن ينجح هؤلاء المتطفلون الصغار في تفسير أصول القوى الهائلة التي أبداها المارد السوفياتي خلال الحرب ضد النازية بما يتساوق مع ما يتطفلون به على الماركسية اللينينية. وربما يتعلل بعضهم بأن الأنظمة الدكتاتورية تبدي أحيانا بعض القوة ثم لا تلبث أن تنهار. هذا ليس صحيحاً وهو لغو بغو. ستالين "الدكتاتور" القائد العام للحرب كان يهاجم بقوة الجنرالات لديه الذين يؤيدون سياسة المعركة الواحدة لحسم الحرب فكان يبعدهم عن القيادة ويخفض رتبهم كما عمل مرة مع قائد العمليات الأبرز المارشال جوكوف. كانت سياسة ستالين بإدارة الحرب ترتكز بكل وضوح على قضم قوى النازية شيئا فشيئاً لأمد طويل وهذه السياسة تحديداً لا تقبل بها الأنظمة الدكتاتورية بالمعنى العام للكلمة. استندت سياسة ستالين على معالجة العدوان النازي بنفس طويل إلى دولة بروليتارية تعمل بانتظام تام وفق برنامجها التأسيسي. دولة الدكتاتورية الفردية لا تمتلك مثل هذه البنية وهي بطبيعتها هشة سريعة العطب والانهيار. إن أبدت دولة الدكتاتورية الفردية عرضاً من القوة فذلك لا يكون إلا خلال فترة قصيرة لا تلبث أن تنطفئ. لم تتزعزع بنية الدولة السوفياتية إبان محاصرة جيوش هتلر لموسكو حيت اجتمعت قيادة الحزب وقررت ترحيل أجهزة الدولة إلى الشرق ونقل جثمان لينين لكن ستالين قائد الدولة والقوات المسلحة رفض الرحيل وبقي في موسكو يقود معركتها ضد قطعان الهتلرية. لم تتزعزع بنية الدولة حين جمع ستالين اللجنة المركزية للحزب في مساء 6 نوفمبر 41 احتفاء بذكرى ثورة أكتوبر الرابعة والعشرين وخطب بالمجتمعين يقول .. " طالما أرادها هتلر حرب إبادة فليتلقَ إذاً ". لو كان تشيرتشل وروزفلت حاضرين في تلك الجلسة لابتسما سخرية. من كان يصدق ستالين وعاصمته محاصرة ينتظرها السقوط خلال أيام يهدد هتلر بالإبادة الشاملة!؟ ستالين وحده فقط كان يدرك ما لدى الدولة الاشتراكية من طاقات لا تدانيها طاقات أي دولة أخرى. شبّه خروشتشوف ستالين بالأرنب يصيبه الشلل في مواجهة أفعى البوا (هتلر) وهذا صحيح حيث لم يترك ستالين حيلة إلا واستحالها كيلا يدخل الاتحاد السوفياتي في الحرب لأنه يعلم تماما أن الحرب تهدد مصائر الثورة الاشتراكية العالمية بل إن الهدف الأول للنازية كان القضاء على الشيوعية والثورة الاشتراكية كما حدده هتلر. لكن هذا الأرنب المشلول ينقلب إلى أسد هصور حين تدهم الأخطار مشروع لينين، مشروع الثورة الاشتراكية العالمية.
لا مراء في أن جملة هؤلاء المتثاقفين المتطفلين على الماركسية اللينينية هم من طبقة البورجوازية الوضيعة التي تتميز، بحكم طبيعة إنتاجها الخدمي الهامشي، بالتحايل والتخابث. ليس إلا من باب التخابث يصر هؤلاء على إنكار دور الصراع الطبقي في عبور الاشتراكية. نرفع الصوت عالياً لنؤكد أن المشروع اللينيني قصر في عبور الاشتراكية بسبب الصراع الطبقي وغلبة طبقة البورجوازية الوضيعة، لكن هؤلاء المتثاقفين الذين يناصرون بالطبع الطبقة الغالبة في المجتمع السوفياتي وهي ذات الطبقة التي ينتمون إليها، طبقة البورجوازية الوضيعة، لا يسمعوننا، وهم لو سمعوا لانتفت حجتهم في الهجوم على الماركسية اللينينية. كان كارل ماركس قد حذّر بقوة من هذه الطبقة الرجعية في البيان الشيوعي. بل إن لينين ذهب إلى أبعد من ذلك حين وصف أعضاء قيادة الحزب في العام 1922 بأنهم ليسوا ماركسيين وليسوا شيوعيين. ومثله فعل ستالين في نوفمبر 1952 قبل رحيله بأربعة أشهر فقط حين طالب الهيئة العامة للحزب باستبدال كافة أعضاء القيادة (البرزيديوم) لأنهم لن يوصلوهم إلى الشيوعية. آباء الشيوعية الأوائل حذروا من الصراع الطبقي الحاد أثناء عبور مرحلة الاشتراكية والأخطار الحقيقية التي تجسدها البورجوازية الوضيعة على الثورة الاشتراكية غير أن كتبة البورجوازية الوضيعة يصمون الأسماع من أجل أن يدينوا الاشتراكية اللينينية باعتبارها هي التي انهارت في العام 1991!!
كيف يجوز لكتبة البورجوازية الوضيعة أن يقفزوا عن الثورة المضادة الملفّعة بلفاع الديموقراطية والأنسنة التي قادها خروشتشوف وزبانيته استناداً إلى العسكرتاريا بعد رحيل ستالين مباشرة، وتقرر قيادة الحزب في سبتمبر 1953 خلافاً لكل الأنظمة والقوانين إلغاء قرارات الهيئة العامة للحزب في المؤتمر التاسع عشر. الهيئة العامة للحزب هي صاحبة السلطة العليا وهي وحدها المخولة بإلغاء أية قرارات كانت قد اتخذتها. نفس قيادة الحزب التي طالب ستالين باستبدالها تلغي قرارات المؤتمر العام للحزب ومع ذلك يصر كتبة البورجوازية على أن الحزب هو الحزب، حزب خروشتشوف هو نفسه حزب ستالين !! وقد لا نذهب بعيداً إذا ما أكدنا على النتائج التي توصلت إليها لجنة أميركية- روسية شكلت حديثاً للتحقيق في موت ستالين المفاجئ، وقد أكدت هذه اللجنة أن ستالين مات مسموماً، وكان مولوتوف قد أشار إلى ذلك متهما لافرنتي بيريا وزير الداخلية والأمن باقتراف الجريمة، خاصة وأن بيريا كان قد تناول العشاء في مساء 28 وما يدلل على صحة ما توصلت إليه اللجنة وشكوك مولوتوف هو إعدام بيريا دون محاكمة بقرار من خروشتشوف وهو ما لا تجيزه قوانين الدولة وخاصة بالنسبة إلى عضو قيادة في الحزب إذ في الأعوام 36 ـ 38 وكانت أخطار المؤامرة الكبرى تحيط بالاتحاد السوفياتي جرت محاكمات علنية بحضور المراسلين الأجانب لأعضاء في قيادة الحزب مثل زينوفييف وكامينيف وبوخارين وريكوف. إعدام بيريا دون محاكمة علنية بقرار من خروشتشوف يعزز شبهات مولوتوف بأن خروشتشوف كان على علم مسبق بجريمة بيريا وخشي من أن أية محاكمة حقيقية ستفضح مشاركته في الجريمة.
لم يعد هناك اشتراكية بعد رحيل ستالين. عصابة خروشتشوف ألغت في سبتمبر 53 الخطة الخماسية التي قررها المؤتمر العام للحزب في نوفمبر 52، تلك الخطة التي لو تم تنفيذها، وهي تقضي برفع مستوى حياة العمال أضعاف ما كانت عليه، لتعذر على خروشتشوف وعلى العسكر الإنحراف بالثورة والرجوع عن الاشتراكية. في شباط 56 خالف خروشتشوف نهج الحزب وألقى خطاباً من خارج البرنامج، وبعد انتهاء وقائع مؤتمر الحزب العشرين، عبر فيه عن إدانته للدولة السوفياتية التي أقامها ستالين عبر الإرهاب والتسلط وإلغاء الآخر، وقطع وعداً على نفسه بأنه سيقيم دولة من طراز مختلف آخر. في يونيو 57 وإثر قرار البريزيديوم، وهو أعلى سلطة في الدولة، إعفاء خروشتشوف من كافة مناصبه في الحزب والدولة، قام خروشتشوف بانقلاب عسكري على الحزب بمساعدة وزير الدفاع المارشال جوكوف وطرد جميع الذين صوتوا إلى جانب إعفائه وهم ستة بلاشفة أي نصف أعضاء البرزيديوم ــ وكان سابقاً قد طرد الإثني عشر عضواً الذين أضافهم ستالين ليكون عدد أعضاء البرزيديوم 24 وليس 12 كما كانوا دائماً ــ في شباط 59 أعلن خروتشوف تخليه عن مبدأ الصراع الطبقي وعن دكتاتورية البروليتاريا، التي اعتبرها ماركس الدالة الوحيدة على الاشتراكية، وهو ما يعني بكل جلاء أن السلطة كانت قد غدت في قبضة البورجوازية الوضيعة. انتهت الاشتراكية السوفياتية في سبتمبر 1953 وبدأت دولة الطبقة الوسطى بكل مساوئها. ما انهار في العام 1991 هو دولة الطبقة الوسطى أو الأحرى لفاع الدولة الاشتراكي المزيف لتبقى الدولة بلا أي لفاع، دولة البورجوازية الوضيعة. كان ماركس قد تنبأ عن خيانة البورجوازية الوضيعة للثورة في العام 1847 في البيان الشيوعي وهو ما قامت به البورجوازية الوضيعة السوفياتية في العام 1953.
الخربشات الكثيرة التي يخربشها كتبة البورجوازية الوضيعة تزعم بعيوب في النظرية الماركسية أو سوء قراءة في اللينينية إنما تظل معلقة في الهواء وبلا أي معنى طالما أنها لا تنزل إلى الأرض لتحاكم وقائع بعينها في الثورة الاشتراكية بقيادة لينين ــ ستالين 1917 ــ 1953، علماً بأن كل نقد علمي وموضوعي سيصب في إغناء الماركسية اللينينية وهو ما تحرص البورجوازية الوضيعة على ألا يكون. البورجوازية بمختلف أطيافها والرأسمالية الإمبريالية قد وظّفت كل قواها دون انقطاع في حرب لا هوادة فيها لقتل المشروع اللينيني في الثورة الاشتراكية العالمية. نذكر حرب البورجوازية على البلاشفة في مارس 1918 وحروب التدخل وتدمير الجمهوريات السوفياتية في ألمانيا والمجر وليتوانيا، ثم في رعاية الفاشية في ايطاليا والنازية في ألمانيا من قبل المخابرات الانجليزية مباشرة ثم في تسلل عصابات التخريب في الثلاثينيات ونسج المؤمرات على أمن الدولة وتوجهاتها التي شاركت فيها كوادر من الحزب والدولة ومن القوات المسلحة ثم المؤامرة الكبرى بمشاركة بريطانيا وفرنسا وألمانيا الهتلرية وايطاليا موسوليني في مؤتر ميونخ 1938 وأخيراً في الحرب العالمية الثانية بعد أن رفضت بريطانيا وفرنسا بعقد تحالف مع السوفييت ضد النازية ثم رفض بريطانيا والولايات المتحدة تحمل قسط في مواجهة النازي بهدف تنضيب الاتحاد السوفياتي. كل هذا وأكثر منه لم يسمح بتطور المشروع اللينيني سلمياً فقط بل ولم يسمح بتطوير كوادر الحزب الشيوعي أيضاً ما، وهو تحديداً ما سمح للبورجوازية الوضيعة بالتعفن في أعلى مراتب الحزب. وأخيراً يمكن القول أن الرايخ الهتلري انهزم عسكرياً في مواجهته للمشروع اللينيني لكنه مع ذلك حقق هدفه الأول وهو "اجتثاث" الشيوعية بتعبير هتلر. لولا العدوان الهتلري على الاتحاد السوفياتي في 22 يونيو 1941 خارقاً اتفاقية عدم الاعتداء مولوتوف ــ روبنتروب الموقعة في أغسطس 1939 والحرب العظمى التي دمرت الانسان والعمران في الاتحاد السوفياتي لوصل الاتحاد بقيادة الحزب الشيوعي إلى الشيوعية في ستينيات القرن الماضي ولانقطع أي ذكر للمتثاقفين المتطفلين حالتئذٍ.
المتثاقفون المتطفلون على الماركسية اللينينية وهم يلغون لغوا بغواً يصب في الطاحون الهتلرية البالية قد يجدون اليوم أنفسهم من أيتام هتلر.
www.fuadnimri.yolasite.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق